خطة ترامب للسلام.. صفقة أم خدعة ؟!

خطة ترامب للسلام.. صفقة أم خدعة ؟!


"خطة سلام لمنطقة الشرق الأوسط"؛ هذا هو العنوان العريض الذي دأب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على الترويج لخطته من خلاله، إعلاميًا يُطلق عليها "صفقة القرن"، وفي كل الأحوال فإنها ـ وسواء كانت خطة أو خدعة ـ فإنها غير معنية بتحقيق السلام، بل إن الولايات المتحدة قد خسرت من خلالها دورها كوسيط بسبب دعمها الشديد لإسرائيل. فمنذ عام 2017، وتحت إشراف مباشر من زوج ابنته "جاريد كوشنر"، جرى الإعداد لهذه الخطة بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن يتوج ترامب في نهاية المطاف بأنه الرئيس الأمريكي الذي وصل إلى ما فشل أسلافه في تحقيقه، وقد أرجئت عملية عرض الخطة مرارًا، إما بسبب فشل الانتخابات الإسرائيلية في حسم الموقف فيما يخص تشكيل حكومة جديدة، أو بسبب توتر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، أو بسبب ما يواجهه ترامب داخليًا من أزمات، لكن لماذا أُعلنت في هذا التوقيت تحديدًا؟

 في الواقع فإن الخطة التي أعلنها ترامب، مساء الثلاثاء الماضي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع "بنيامين نتنياهو"، وفي ظل غياب فلسطيني تام، ما هى إلا مسعى أمريكي ـ إسرائيلي خبيث، إذ حاول ترامب التأكيد على أن العدو المشترك لدول المنطقة هو الإرهاب فقط، وأنه قد حان الوقت لإقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية، وأن تكون مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة لإسرائيل، ليس هذا فحسب، بل تابع بأن "الولايات المتحدة ستعترف بالمستوطنات كجزء من إسرائيل"، ومستخدمًا لغة المقاولات التي يجيدها، وجه ترامب حديثه لنظيره الفلسطيني قائلًا:"إذا اخترت طريق السلام، فإن الولايات المتحدة والعديد من الدول ستعاونك طول الطريق"، قبل أن يشرع كتاجر محتال في الترويج لبضاعته، فيعلن أن خطته للسلام ستمنح للفلسطينيين ضعف مساحة الأراضي المعروضة عليهم سابقًا، وأنها ستحقق الإزدهار لهم وتقضي على احتياجهم للمعونات، كما ستحقق أكثر من مليون فرصة عمل للفلسطينيين خلال عام واحد، متابعًا: "لن يقتلع فلسطينيون أو اسرائيليون من أراضيهم"، ومن ثمَّ بدأ في الحديث عن احتمالات قد تحدث أو لا، إذ تحدث عن إحتمالية إقامة عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، وأن الولايات المتحدة قد تقيم فى نهاية المطاف سفارة لها هناك، بل وحتى حديثه عن تجميد البناء الإسرائيلي لأربع سنوات في المنطقة المخططة للدولة الفلسطينية كان مجرد مقترح غير مؤكد، وربما هناك المزيد من الاحتيالات تحملها الصفحات الثمانون التي أعلن ترامب أنها تضمن خطته التي وصفها بانها الأشمل حتى الآن.

 لم يصدق ترامب في أيًا مما قاله عن خطته، سوى أنه قد وصفها بأنها تختلف كليًا عن كل أطروحات ومبادرات السلام التي طرحت من قبل، وهذا صحيح!، فهذه الخطة لا تمت للسلام بصلة، فهى أول مبادرة سلام بين طرفين، هدفها تحقيق أكبر مكاسب ممكنة لطرف دون غيره، كما إن إعداد العملية برمتها غريب، فهى لا تقوم على مفاوضات أو نقاشات، وبدلًا من جمع قادة طرفي النزاع لعرض الخطة، قام ترامب بدعوة حليفه المقرب "بنيامين نتنياهو" وخصم نتنياهو السياسي في الانتخابات الإسرائيلية "بيني جانتس" إلى المكتب البيضوي،  يرى نتنياهو أن "صفقة القرن هي فرصة القرن، ولن نفوتها"، فيما يرى غانتس بأنها "مهمة، وتمثل حدثًا تاريخيًا"، وقال إنه سيعمل على تطبيقها على الفور بعد الانتخابات العامة التي سينافس فيها نتنياهو في مارس المقبل. وعلى أرض الواقع؛ فإن الشريك الفلسطيني قد قطع علاقته بـ "ترامب" منذ نهية العام 2017، بعدما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو القرار الذي أحدث صدمة، وأعقبته قرارات أخرى لا تقل في فداحتها بحق الفلسطينيين، وتصب في مصلحة اسرائيل، مثل نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، واعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، والتخلي الأمريكي عن سياسة أمريكية قائمة منذ عقود تخص المستوطنات، عندما أعلن وزير الخارجية "مايك بومبيو" أن واشنطن لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية تتعارض مع القانون الدولي، كما أن الفلسطينيين قد نددوا بالمرحلة الأولى من الخطة تم الإعلان عنها في يوليو الماضي، والتي تمثل الشق الإقتصادي منها.

 ثمة تفسيرات عديدة لتوقيت الإعلان عن هذه الصفقة الماكرة، لكن أهمها على الإطلاق، هى أن فريق ترامب أراد أن يثبت بأن لديه خطة سلام فعلًا، إذ كانت ستبقى حبرًا على ورق للأبد، خاصة مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، والتي ربما يخسرها ترامب، أما على المدى القصير فإن ترامب يحاول الزج بكل ما من شأنه تحويل الأنظار عن محاكمة عزله في مجلس الشيوخ، والتي تنال من شعبيته وستؤثر عليه لا محالة في الانتخابات القادمة، وهو يأمل من خلال إتمام هذه الصفقة أيضًا أن يرسخ ولاء الناخبين المسيحيين الإنجيليين المتأثرين بكل ما له علاقة بإسرائيل، أما بالنسبة لـ"نتنياهو" فهى دفعة سياسية مهمة له في الوقت الراهن، إذ أن مستقبله السياسي على المحك، تزامنًا مع تقديم المدعي العام لائحة اتهام إلى إحدى المحاكم الإسرائيلية المختصة، يتهمه فيها بالفساد، ناهيك عن المواجهة الشرسة التي تنتظره في انتخابات مارس المقبل، والتي يأمل من وراء صفقة القرن أن تبقيه في موقع قوة ليصبح رئيسًا للوزراء في الحكومة المقبلة.

 "رؤيتي تقدم فرصة رابحة للجانبين، حل واقعي بدولتين يعالج المخاطر التي تشكلها الدولة الفلسطينية على أمن إسرائيل"، هكذا تحدث ترامب وهو يعلن خطته، فحتى وهو يتحدث عن فرصة للسلام بين صاحب الأرض ومن يحتلها، أصرّ على تزوير الحقائق ولفّق تهمة زعزعة الأمن والاستقرار للفلسطينيين، وعندما منح ترامب الفرصة لنتنياهو كي يتحدث، بدأ هو الآخر بسرد مزيدًا من الاحتيالات، إذ أعلن أنه موافق على خوض مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين، لكن بشرط واحد!، وهو أن يعترف الفلسطينيون بـ"يهودية إسرائيل"، لقد أصاب كبير المفاوضين الفلسطينيين "صائب عريقات"، حين قال "لا يمكن وصفها بصفقة القرن، إنها احتيال أو خدعة القرن. هذه هي اللعبة الأكثر ظلمًا التي شهدناها في العلاقات الدولية، شخص ما يحاول تحديد مستقبلي وطموحي ومستقبل أحفادي، دون أن يكلف نفسه عناء التشاور معي لأنه يريد أن يفوز نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية ويريد أن يحصد أصوات الأمريكيين في انتخابات في 2020. هذا هو الفصل الأكثر إثارة للسخرية في عملية السلام بالشرق الأوسط".

 قبل أكثر من ربع قرن من الزمان؛ استضاف البيت الأبيض، في عهد بيل كلينتون، الفلسطينيين والإسرائيليين للتوقيع على اتفاقية أوسلو، التي بموجبها وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على التخلي عن 78% من الأراضي الفلسطينية، وتأسيس دولة فلسطينية على 22% فقط من الأرض المتبقية، شكلت الاتفاقية حينها ضربة قاسية للقضية الفلسطينية إذ كانت أول اعتراف فلسطيني رسمي بوجود دولة تسمى إسرائيل، في حين كان الجميع يرفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، أما اليوم وفي عهد دونالد ترامب، يستضيف البيت الأبيض الإسرائيليين وحدهم، ويغيب أو يُغيّب الفلسطينيين عن صفقة خادعة قد تعيد تشكيل خريطة وطنهم، فماذا تبقي للفلسطينيين سوى التنديد والشجب؟

أعلى