كواليس استقالة المفوض العام للأونروا كرينبول
لم يكن الأمر مفاجئا عندما أعلن المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين- الأونروا، بيير كرينبول في السادس من تشرين ثاني / نوفمبر الاستقالة من منصبه بعد قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وضعه في إجازة إدارية في أعقاب النتائج المرحلية، التي توصلت إليها هيئة التحقيق الداخلي التابعة للأمم المتحدة والتي أكدت ارتباطه بالعديد من قضايا الفساد التي حدثت في الوكالة في السنوات الأخيرة،
بيان الأمين العام للمنظمة، أنطونيو غوتيريش أوضح أنه "على مدى الأشهر القليلة الماضية، بدأت الأونروا مراجعة داخلية لوظائفها والمساءلة، وذلك من أجل ضمان أن تمارس عملها وفق أعلى معايير المهنية والشفافية والفاعلية". ففي تموز / يوليو الماضي، كشفت وسائل إعلام عالمية عن تقرير سري صادر عن مكتب الأخلاقيات في الأونروا قال: "إن أعضاء بالإدارة العليا للوكالة أساؤوا استغلال سلطتهم، وسط ممارسات تشمل المحسوبية والتمييز، وسوء السلوك الجنسي". وذكر أن السويسري كرينبول، الذي تولى منصب مفوض عام الأونروا عام 2014، طلب على سبيل المثال الحصول على بدَلات يومية (مبالغ مالية) في أوقات لم يكن موجودًا فيها بمقر الوكالة في القدس، إضافة للعديد من التهم المتعلقة بقضايا فساد جنسي ورحلات له مع عشيقته في جميع أنحاء العالم على حساب المنظمة.
بعض المواقع الإعلامية الصهيونية المقربة من نتنياهو كعادتها، ذكرت بأن غوتيريش عقد اجتماعات مع شخصيات صهيونية لتغيير ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، إلا أن المتحدث الرسمي للأمم المتحدة، ستيفان دوجريك نفى صحة تلك الأخبار وأن الأمر لا علاقة له بدولة الكيان ولا يمكن استشارتها أو مناقشتها في قضايا تتعلق بعمل الوكالة وإجراءاتها القانونية، والأمر لا يعدوا عن كونها إجراءات قانونية تتعلق بعمل الوكالة التي لا تسمح باستغلال مكانتها لتحقيق مكاسب شخصية أيا كان منصبه.
دولة الكيان الصهيوني التي دائما ما تصطاد في المياه العكرة وتجير الأمور لصالحها وصفت استقالة كرينبول مجرد الخطوة الأولى في عملية طويلة مطلوبة للقضاء على الفساد، وزيادة الشفافية ومنع تسييس الوكالة واستغلت هذه الاستقالة بالدعوة إلى إغلاق الوكالة وإسقاط حق العودة.
واشنطن أكبر مانح للأونروا والذي أوقفت العام الماضي دعمها لها والبالغة 360 مليون $ سنويا قالت: "إن بعض أنشطة الأونروا مناهضة لدولة الكيان وأنها كانت محقة في وقف الدعم لها ولن يعود هذا الدعم حتى تغير سياستها من خلال وقف دعم النشاطات المناهضة لدولة الكيان".
حركة حماس اعتبرت أن التطورات الأخيرة في الأونروا، وفي مقدمتها تنحي كرينبول عن منصبه، بطلب من غوتيريش، على خلفية التحقيقات التي لم تصدر نتائجها مقلقة معتبرة أن هذه الإجراءات تعزز التخوفات الموجودة عند الكثيرين حول المؤامرة التي تستهدف الوكالة، والتفويض الممنوح لها بضغط أميركي صهيوني.
بينما رأت الجبهة الشعبية أن القرار ربما يكون جزء من مؤامرة يجري ترسيمها على قدمٍ وساقٍ من خلال الأونروا استجابة للضغوط الأمريكية والصهيونية، ما يؤشر على الانحياز الفاضح والواضح لهذه المؤسسة لصالح إدامة الاحتلال وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين.
تأتي هذه الاستقالة في الوقت الذي تنظر فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين - الأونروا لثلاث سنوات، برغم المعارضة الشديدة التي تبديها الولايات المتحدة والضغط الذي تمارسه في هذا الاتجاه، بزعم أن هذه الوكالة أصبحت غير ملائمة.
مهما يكن من أمر الاستقالة وما وراءها، والمعطيات التي جاءت في سياقها يبقى أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التي تأسست في ديسمبر 1949، هي المنظمة التي عملت خلال السنوات الطويلة السابقة على إغاثة اللاجئين من أبناء الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وتقدم الدعم المتواصل والخدمات سواء التعليمية والصحية، وبعيدا عن الأسباب والأهداف السياسية التي شكلت من أجلها تبقى هي المنظمة التي أغاثت الشعب الفلسطيني طوال السنوات السابقة، لذلك يتخوف الفلسطينيون من أي قضية تتعلق بعمل الأونروا، وتراودهم الهواجس المقلقة خاصة بعد الضغوطات التي تمارس عليها سواء أمريكيا ودوليا وصهيونيا لإنهاء خدماتها، وإنهاء قضية اللاجئين وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية. فهل يمكن أن تكون هذه الاستقالة أو الإقالة ضمن الإجراءات الرامية لتخفيف الضغوط الأمريكية عليها وتجوبا مع سياساتها المنحازة لدولة الكيان الذي يشكل لوبي صهيوني ضاغط لإزاحة الأونروا كليا من المشهد الفلسطيني؟