• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ثناء الأنبياء على الله تعالى ( ثناء الكليم عليه السلام على ربه سبحانه)

ثناء الأنبياء على الله تعالى ( ثناء الكليم عليه السلام على ربه سبحانه)



الحمد لله الرحيم الرحمن، الكريم المنان؛ امتن على عباده بالإيمان، وعلمهم القرآن، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار التائبين، ونسأله من فضله العظيم؛ فهو الجواد الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ اصطفى الرسل فجعلهم أفاضل البشر، وأمرنا باتباعهم في القول والعمل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ إمام الأولين والآخرين، وحجة الله تعالى على العالمين، أرسله للناس أجمعين، بالهدى والنور المبين؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأثنوا عليه سبحانه بما هو أهله؛ فإنه ربكم وخالقكم ورازقكم وكافيكم، وهو سبحانه محييكم ومميتكم وباعثكم ومحاسبكم وجازيكم بأعمالكم؛ فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

أيها الناس: قص الله تعالى علينا خبر موسى بن عمران عليه السلام، وقصته أكثر القصص ورودا في القرآن، وفيها من العلوم والمعارف والفوائد ما تجف بكتابته الأقلام. وحسبنا في هذا المقام جانبا واحدا في سيرة الكليم عليه السلام، وهو جانب ثنائه على الله تعالى؛ فإن من تأمل قصة موسى في القرآن سيلحظ كثرة ثناء الكليم عليه السلام على ربه سبحانه وتعالى.

وأكثر ما أظهر موسى عليه السلام من الثناء على الله تعالى في مجادلته لفرعون الذي ادعى الربوبية، وأنكر الرب سبحانه؛ ليبين له شيئا من عظمة الله تعالى، ولاسيما أن فرعون استكبر وقال {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]. فأراد موسى بثنائه على الله تعالى أن يرد جحود فرعون، ويصغر أمره، ويكشف له أنه مهما بلغ فهو عبد مخلوق. وفي مناظرة موسى له أثنى على الله تعالى بالربوبية مبطلا ادعاء فرعون الربوبية، وبين له شيئا من مظاهر الربوبية ودلائلها بما يقطع حجة فرعون {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء: 23 - 28].

 وفي مقام آخر أثنى موسى على الله تعالى بالخلق والتدبير؛ وذلك حين سأله فرعون قائلا {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 49-50]. وقفوا عند هذه الآية فإنها من أعظم الآيات الدالة على ربوبية الله تعالى وقدرته وعظمته، وهي الحجة الباهرة التي أنطق الله تعالى بها موسى ليقطع حجة فرعون، ويكشف زيف ادعاءاته، واستمرت المناظرة التي أثنى فيها الكليم على الله تعالى بالعلم والقدرة على تذليل الأرض، وإنزال الغيث، وإنبات الزرع، وبعث الموتى، ولا يقدر على ذلك إلا الله تعالى. قال فرعون متسائلا {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 51 - 55].

ولما جمع فرعون سحرته لمبارزة موسى عليه السلام؛ بارزهم عليه السلام مثنيا على الله تعالى بأنه مبطل سحرهم، مزهق باطلهم، ويحق الحق بقدرته سبحانه {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 81- 82].

ولما اشتد العذاب على بني إسرائيل من فرعون وجنده ثبتهم موسى عليه السلام وصبرهم، وأثنى على الله تعالى بأن الأرض أرضه، وأن الخلق خلقه، وأنه سبحانه قادر على أن ينجي المستضعفين ويمكن لهم، وأن يهلك المكذبين ويعذبهم {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 128- 129].

ولما أغوى السامري بني إسرائيل بعبادة العجل حرق موسى العجل ونسفه، وهو يثني على الله تعالى بالألوهية وبعلمه الذي وسع كل شيء {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه: 97- 98].

ولما دعا موسى قومه إلى التوبة بعد عبادتهم للعجل أثنى على الله تعالى بأنه تواب رحيم ليغريهم بالتوبة، ويبشرهم بالرحمة {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 54].

وأثنى موسى على ربه سبحانه بالمغفرة والرحمة في مواقف عدة {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: 151] وفي موضع آخر قال {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [الأعراف: 155].

وأثنى موسى عليه السلام على ربه سبحانه بنعمه التي تابعها على بني إسرائيل، وذكرهم بها، مبينا لهم زيادته سبحانه للشاكرين، وغناه عز وجل عن العالمين {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ * وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 6 - 8]. وفي موضع آخر أثنى موسى على ربه سبحانه بما منَّ به على بني إسرائيل من النبوة والملك، مما يستوجب شكره سبحانه، واتباع رسله وطاعتهم، وتنفيذ أوامر الله تعالى إليهم {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 20] ولكن بني إسرائيل نكلوا عن ذلك، وكفروا النعمة، وخالفوا الأمر الرباني، فعاقبهم الله تعالى بالتيه في الأرض.

ومما قصه الله تعالى علينا من سيرة موسى في القرآن الكريم نتعلم الثناء على الله تعالى بما هو أهله في مواطن تثبيت المؤمنين، ومناظرة المكذبين، وفي مواطن ترادف النعم لتحقيق الشكر، وفي مواطن تتابع المحن لالتزام الصبر، وفي المواطن كلها. عسى أن نكون من الشاكرين الصابرين.

بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

 الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأثنوا عليه سبحانه بما هو أهله؛ شكرا لنعمه، وتأسيا برسله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الممتحنة: 6].

أيها المسلمون: من أعظم مواقف الثبات على الحق، والثناء على الله تعالى؛ وقوف موسى عليه السلام أمام فرعون معرفا بالله تعالى، مثنيا عليه، معددا آلائه، مثبتا قدرته، مدللا على ربوبيته وألوهيته. ولكن فرعون أبى واستكبر، ودنت ساعته، وأزفت نهايته، فحشد جنده لمطاردة موسى والمؤمنين معه {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء: 53 - 56]، وبدأت المطاردة، وتبدت مخايل النهاية، {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء: 60] ولم يكن موسى عليه السلام في ذلكم الموقف العصيب إلا واثقا بالله تعالى، مثنيا عليه بما هو أهله من حفظ  أوليائه ونصرهم، وخذلان أعدائه وإهلاكهم  {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: 61 - 68].

وكان ذلك اليوم العظيم يوما من أيام الله تعالى كما سماه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وصامه موسى عليه السلام والمؤمنون معه شكرا لله تعالى، ثم صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، وأخبر أن صيامه يكفر سنة كاملة، وعزم على مخالفة اليهود بصوم يوم التاسع معه، وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: «مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ» رواه مسلم. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» رواه مسلم.

فصوموه -رحمكم الله تعالى- وصوموا التاسع معه؛ موافقة للسنة، ومخالفة لأهل الكتاب.

وصلوا وسلموا على نبيكم....     

 

 

أعلى