لماذا أنهى الرئيس عباس خدمات كافة مستشاريه؟
في خطوة قوية ومفاجئة تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ السلطة الفلسطينية، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مساء 19 أب / أغسطس، قررا يتمثل في إنهاء خدمات كافة مستشاريه "بصفتهم الاستشارية" بصرف النظر عن مسمياتهم أو درجاتهم، وإلغاء العمل بالقرارات والعقود المتعلقة بهم وإيقاف الحقوق والامتيازات المترتبة على وصفهم كمستشارين، و إلزام رئيس وأعضاء الحكومة السابقة الـ (17) برئاسة رامي الحمد الله بإعادة المبالغ التي كانوا قد تقاضوها عن الفترة التي سبقت تأشيرته الخاصة برواتبهم ومكافآتهم، على أن يدفع المبلغ المستحق عليهم دفعة واحدة واستعادة المبالغ كافة التي تقاضونها كبدل إيجار ممن لم يثبت استئجاره خلال نفس الفترة.
العديد من الأسباب دفعت عباس لاتخاذ مثل هذا الإجراء، قد تكون الأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية هي السبب الرئيس وراء هذه الإجراء، خاصة أنه جاء بعد جدل كبير واتهامات للحكومة السابقة باستغلال نفوذها من أجل مضاعفة رواتب الوزراء والحصول على بدل إيجارات ومكافآت بطريقة غير قانونية.
ثمة سبب ثان دفع عباس الى ذلك، يتمثل في نتائج التحقيقات التي توصلت إليها اللجنة الخاصة التي شكلها في حزيران / يونيو، والتي أكدت حصول كبار الموفين من مستشارين ووزراء على مبالغ كبيرة دون وجه حق ورفعت تقريراً تفصيلياً للرئيس عن المبالغ التي كانوا يتقاضها .
وأثارت وثائق مسربة بشأن زيادة رواتب وزراء الحكومة الفلسطينية، وتداولتها مواقع إعلامية فلسطينية قبل ثلاثة أشهر جدلاً في الشارع الفلسطيني في ظل الأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية عقب عدم تمكنها من دفع رواتب موظفي القطاع العام كاملة، وشكلت سببا ثالثا ضاغطا على عباس لاتخاذ هذا القرار.
وأفادت الوثائق بقيام رئيس الحكومة السابقة الـ (17) رامي الحمد الله بخرق القانون بإقراره زيادة على رواتب الوزراء بلغت 66% دون إجراءات قانونية تتطلب ذلك، وهي زيادة غير منطقية كونها تمت مرة واحدة ودون تدرج وعدم وجود مصوغات قانونية تمنحه حق التصرف بذلك، أي أن رفع رواتب الوزراء كلف الدولة مبالغ طائلة لأنه ينطبق على من هم بدرجة وزير وهم عدد كبير، وبالتالي سيؤثر على الرواتب التقاعدية التي سيحصل عليها الوزراء، وهذا يعني زيادة العبء على الخزينة العامة دون مبرر لهذه الزيادة.
هذا القرار وما ورائه من أسباب وأهداف، وبما يحمله من تداعيات كبيرة، ربما يأتي في إطار توجهات جديدة للرئيس عباس من أجل تقليص النفقات الغير ضرورية في ظل الأزمة المالية الكبيرة التي تعانيها السلطة منذ فترة بفعل قرصنة الكيان الصهيوني أموال المقاصة الفلسطينية واقتطاع جزء كبير منها بغير وجه حق، وربما يأتي في أطار توجهات جديدة لتعزيز مبدأ المحاسبة والنزاهة والشفافية و يعطي مصداقية للتحرك باتجاه تقليص النفقات الفلسطينية.
يمثل القرار خطوة هامة في الاتجاه الصحيح إذا ما تم البناء عليه فعليا وكانت هناك رغبة حقيقية وتوجهات صارمة لتطبيقه لتعزيز السلطة والحكومة وفق مبدأ الرقابة الدائمة على أدائها ومصروفاتها وتقليص النفقات وإجراء الإصلاحات الإدارية والمالية وتصويب بعض السلوكيات والفساد، حيث أن واقع الأزمة التي تعيشها السلطة يدفعها لفتح مثل هذه الملفات في إطار المعالجة اللاحقة.
إن هذا القرار يشمل نحو 40 شخصاً ممن هم وزراء أو برتبة وزير، استفادوا على مدار سنتين أو أكثر قليلاً من أموال كانوا يتقاضونها بغير وجه حق، وقدرت المبالغ ما بين (100- 120) ألف دولار لكل وزير ما بين علاوات وتحسين وضع، ويشمل القرار أيضا الوزراء الذي استمروا في الحكومة الحالية وأيضاً رؤساء الهيئات والسلطات بدرجة وزير.
أن أهمية القرار تأخذ ثلاثة أبعاد الأول: أنه يحمل قيمة أخلاقية، خاصة بعد التذمر والسخط الشعبي على البذخ الذي تعيشه هذه الفئة، في ظل الأزمة المالية التي لا يدفع تمنها سوى الموظف والمواطن المغلوب على أمره. والثاني: ربما هي مبادرة لتعزيز ممارسات الشفافية والمساءلة، وتُشعر المسئولين بأن هناك من يُراجع. والثالث: هو أن هذا القرار يعيد جزءاً من الثقة المفقودة بين الشعب والسلطة نتيجة الممارسات التي كانت خاطئة على صعيد إدارة المال العام، وهذه القرارات قد تسهم في إعادة الثقة المفقودة في ظل أزمة مالية وتحديات سياسية إستراتيجية كبيرة،
ثمة أمر لابد منه لتعزيز مثل هذه القرارات وتدعيمها، وهو إضفاء الصيغة الشرعية والقانونية عليها بمعني أن تكون عبر عملية ممنهجة وشاملة تحت رقابة القضاء والقانون لضمان تنفيذها ومتابعتها.