قراءة في تشرذم الإسلاميين وترتيبات مرحلة ما بعد بوتفليقة
الإسلاميّون الجزائريّون ومعضلة الانقسام:
"الإسلاميون هم القوة الشعبية الأولى في المنطقة العربية، تعطي مشاركتهم مصداقية لأي انتخابات وغيابهم يجعلها محل شك ويفرغ العملية السياسية من محتواها. أي نجاح انتخابي يحققه الإسلاميون هو مسؤولية وأمانة وأي فشل أو تراجع هو درس وعظة، وفي الحالتين ابتلاء من الله واختبار"
الشيخ راشد الغنوشي [1]
احتلت حركة المجتمع الإسلاميّ حمسHMS مع الأحزاب الإسلامية الحليفة لها، المرتبة الثالثة في الاستحقاقات التشريعية الجزائرية التي جرت يوم الخميس 04 مايو/آيار 2017، وحافظت على تموقعها كقوة سياسيّة ثالثة في البلاد، بعد حزبي جبهة التحرير الوطني أفلان/ FLN المتصدّر، وحزب التجمع الوطني الديمقراطية أرندي/ RND، ورغم اتهام زعيم الحركة الشيخ عبد الرزاق مقري وزارة الداخلية والهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات بعدم كشفهما لحالات التزوير الواضحة المسجّلة في عدّة مكاتب للاقتراع، إلاّ أنّ الحركة الإسلاميّة الأولى في البرلمان الجزائريّ السابع في تاريخ الجزائر، والسادس في ظلّ التعدّدية السياسية، ستحافظ دون شكّ، على هذا الموقع المتميّز، الذي يؤهّلها للمشاركة في الحكومة المقبلة في حال تراجع الشيخ مقري عن توجّه المقاطعة، أو قيادة جبهة المعارضة بوصفها أكبر قوة سياسية معارضة في البرلمان الجديد.
لا يمكن الحديث عن تحالف قريب ومختلف للحركات الإسلامية بعد الانتخابات، فالإسلاميون يعرفون استقطابات مختلفة، من قبل أحزاب الموالاة أو تيار المقاطعة، غير أنّ حلفاء حركة حمس جنّبوا أنفسهم مقصلة قانون الأحزاب المعدّل، الذي وضع عتبة 04 بالمائة لحلّ الأحزاب السياسية المجهريّة، التي لم تحقّق نسبة أصوات تمكّنها من تمثيل الجزائريين، فقبل ثورات الربيع العربيّ، كان الأحزاب السياسية من جبهتي الموالاة والمعارضة، لا يتجاوز 10 أحزاب، أما بعد الإصلاحات التي تقدّم بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فقد تجاوز عدد الأحزاب السياسية الـ: 60 حزبا سياسيا، وها هي وزارة الداخليّة تعتزم تقليص عدد الأحزاب السياسية التي لم تتمكن من التكيّف مع واقع الحياة السياسية، لفرض خطابها وتواجدها كقوة سياسية مؤثّرة في البلاد، ما يعني عودة وزارة الداخلية إلى نهج التشدّد القانونيّ تجاه الحرية الحزبية.
حركة حمس: عودة "تكتيك التغلغل" بدل "نظرية الاقتحام"
عندما حكم الرئيس بوتفليقة الجزائر، كانت حركة حمس بقيادة الشيخ أبو جرة سلطاني، شريكا فيما يعرف بالترويكا الحاكمة، التي أعانت الرئيس على حكم البلاد بعد تشريعيات 2002 بأريحية كبيرة، رغم أنّ حزب الشيخ عبد الله جاب الله استطاع آنذاك أن يفتكّ الصدارة عن حركة حمس في برلمان 2002. لكنّ توجّه المشاركة الذي تبناه الشيخ سلطاني ساهم في إدخال حركة حمس الحكومة، وقد صرّح الشيخ سلطاني أنّ تواجد الحركة في الحكومة، أعانها على الاطلاع على الملفات الكبرى للدولة، واعتبرها خصومه من الاستئصاليين "جولة أولى لمسيرة حركة الشيخ الراحل محفوظ نحناح في إلتهام الدولة"، كان ذلك قبل اندلاع ثورات الربيع العربيّ، التي قلبت الأوضاع الداخلية في حركة حمس، وانقلاب الرئيس بوتفليقة على الحركة، التي كانت تراهن على التحولات الإقليمية، لتحقيق تموقع سياسيّ أفضل، خصوصا وأنّ الحزبين الحليفين في الحكومة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، قد عرفا انقلابات داخلية على كلّ من عبد العزيز بلخادم وأحمد أويحي، أدّت إلى زعزعة استقرار أحزاب الأغلبية نفسها.
لحركة حمس خبرة سياسية كبيرة في ممارسة السياسة، فهذه الحركة التي تأسّست من رحم الحركة الإسلامية بعد دستور1989، الذي دشّن عهد الانفتاح بالجزائر، شاركت مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية في لملمة الصراع الداخلي، ولا أدلّ على ذلك، دورها الكبير في المراجعات الإسلامية مع التكفيريين، قبل وبعد مجيء الرئيس بوتفليقة، فقد كان دور الشيخ محفوظ نحناح حاسما في هذه المراجعات، التي استعان فيها بشبكة دولية من المشايخ والعلماء، في مقدمتهم علماء حركة الإخوان المسلمين لإنجاح هذا الدور، وكانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS آنذاك قد وقعت ببطء في فخ استدراج الجيش لها، في حملة مظلمة مسلحة استمرت لسنوات، فعلى إثر انقلاب الجيش ووقفه الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية سنة 1991، كانت نظرية الاستئصاليين تنطلق من نقل الرعب إلى جبهة الإنقاذ، وإرغامها على الهدنة، ولم ينجح الرئيس السابق إليامين زوال في إنجاح مبادرته لقانون الرحمة عام 1995، حين اعتبرته جبهة الإنقاذ طرفا في الأزمة، رغم ذلك، سجّل التاريخ الجزائريّ للشيخ نحناح دوره الكبير في استرجاع هيبة الدولة، والتقريب بين الفرقاء، ودعوة الجهاديين إلى إلقاء السلاح.
أما الخبرة السياسية التي حازتها حركة حمس، فتمثلت في مفاوضها الرئيس بوتفليقة حول المشاركة في الحكومة، ودورها الحاسم في إنجاح مبادرتيه حول الوئام المدني سنة 2000 والمصالحة الوطنية سنة 2005، وقيادتها عدّة وزارات حكومية منحتها خبرة لم تحزها أية حركة إسلامية جزائرية أخرى. يقول المفكر الإسلاميّ الكويتي عبد الله النفيسي أنّ "تكتيك التغلغل" في الإدارة القائمة للنظام السياسيّ، مقاربة تسعى إلى التأثير على السلطة من الداخل، بدل المحاولات الخارجية لطلب الإصلاح والتغيير من خارج السلطة، ويقول أنّ "تكتيك التغلغل" من الدخل، يقع في صدام مباشر مع "نظرية الاقتحام" التي يدعو لها الحركيّون الجهاديّون لفرض التغيير بالقوة.[2]
فهل يعمل الإسلاميون بنصيحة الشيخ السوادنيّ الراحل حسن الترابي، بتدرّج الإسلاميين في تطبيق الأفكار الإسلامية في تجاربهم السياسية، وحتمية اعتماد "نموذج القدوة" والتنبّه لمسألة قصور الفقه السياسيّ، لأنّها أهمّ مداخل العلمانيين في السخرية من عدم احتراف الإسلاميين العمل السياسيّ "السلطويّ"؟.[3]
حدّد الشيخ الراحل محفوظ نحناح زعيم حركة مجتمع السلم/حمس في الجزائر، جوهر مبدأ مشاركة الإسلاميين في السلطة، في قوله: "كنّا نظنّ في شبابنا، أنّ صيحة في شارع، أو مقالة لقلم مريّ في صحيفة، أو خطبة نارية منبريّة تعد بالوعيد والتهديد، قد تقلب الموازين أو تحدث توازنات..، غير أنّنا أدركنا ونحن نودّع القرن العشرين، أنّ فلسفة المشاركة، تقوم على مكمن قصديّ هو "مبدأ طمأنة الآخرين"، فالإسلاميّون يتقاسمون هدف التعايش والحوار مع نظرائهم من جميع القوى السياسيّة، على أن يكون حوارها مع هذه القوى الوطنية قائما على مبادئ: تفعيل ما يتمّ الاتفاق عليه، وإرجاء أو إخفاء أو إلغاء ما يتمّ الاختلاف حوله، من أجل ضمان بقاء الدولة، واستمرار هيبتها". فهل سيعود الشيخ عبد الرزاق مقري إلى تفعيل مبدأ المشاركة والتوقف عن نهج المقاطعة، أم أنّ مجلس الشورى داخل الحركة، سيحمل تغييرا داخليا سيدفعها إلى الانتقال من المقاطعة إلى المشاركة؟. وكيف ستحسّن حركة حمس "نموذج القدوة" الذي دعا إليه الشيخ السوداني الراحل "حسن الترابي"؟
محاولات فاشلة لإعادة الصراع بين اليساريين وتيار الجزأرة:
حاول الكاتب المسرحيّ الساخر والصحفيّ اليساريّ الهجوميّ، أحميدة العيّاشي، استفزاز إسلاميي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وتيار "الجزأرة"، قبل التشريعيات، حول مناقشته العلنية لمضامين رسالة الشيخ عبد الحميد بن باديس مصطفى كمال أتاتورك، وتهنئته لأب الأتراك حول انتهاجه العلمانية منهجا سياسيّا في تركيا، حاول العيّاشي خلط الأوراق، ليظفر بورقة "التكفير" التي دعمت شهرة سلفه "كمال داود" الذي كفّره زعيم تيّار السلفية الحركية، لم ينجح العيّاشي في جرّ جمعية العلماء إلى الحياة السياسية ومفارقاتها، لأنّها بالأساس تنتمي إلى تيار البناء الحضاريّ الذي يولي الأولوية لمنهج التربية والتوعية، ويرفض بشكل قاطع الاشتغال بالسياسة، ومع ذلك، لازالت الجمعية تمتلك وعاءها الجماهيريّ الذي مكنها من تقديم النصيحة في حال استشارتها حيال ترتيبات مرحلة ما بعد بوتفليقة، غير أنّ تاريخ الحركة، يؤكّد النهج السريّ للبناء، وعدم الإفصاح عن هذه الأدوار السياسية القيادة لجمعية العلماء الجزائريين، عكس بقية الحركات الإسلامية المنشغلة بتفاصيل الحياة السياسية الجزائرية.
كما لا تزال الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة الفيس/ FIS على حالها، وقد تشرذمت قاعدتها الجماهيرية بعد ربع قرن من الأزمة 1991 - 2017، وفشل محاولات أبرز قادتها رابح كبير للعودة إلى العمل السياسيّ بعد دعم مبادرة المصالحة الوطنية، وامتناع الرئيس بوتفليقة عن تطوير مبادرة المصالحة الوطنية، إلى مبادرة للعفو الشامل. يدعو الشيخ علي بلحاج إلى الالتزام بالمقاطعة السياسية التامة للنظام السياسيّ، ويستخدم اليوتوب وسيلة لتوصيل أفكاره السياسية، على إثر منعه من العمل السياسيّ الحركيّ، ويقول السوسيولوجي شفيق مصباح الكولونيل السابق بالجيش، أنّ الجيش والشعب سيرفضون عودة حزب راديكاليّ للعمل السياسيّ، بعد الوجه المخيف الذي بدت عليه جبهة الإنقاذ، ويردّ أنصار الجبهة في أنّهم سيظلون صامدين في المطالبة بعودة الشرعية، التي وقف في طريقها الجيش، سنة 1991، وأنّ منظّري السلطة، هم من يقفن وراء تحويل جبهة الإنقاذ إلى "عدوّ للشعب"؟؟.
وعلى الرغم من وضوح النهج السلميّ لحركة حمس وفكر الشيخ سعد عبد الله جاب الله الرافض للعنف والتغيير بالقوة للنهي عن المنكر[4]، إلاّ أنّ نموذج جبهة الإنقاذ المحلّة بالجزائر، جعل الشيخ عبد الإله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية المغربي، ينصح بتفادي النموذج الجزائريّ العنفيّ، القائم على المغالبة والعنف المسلح في تجربة جبهة الإنقاذ، لئلا يخسر إسلاميو تيار المشاركة المغربيّة، فرصتهم في قيادة الحكم في المملكة[5]، فالجزائر تشهد تطبيعا للظاهرة الإسلامية لدى الجارتين تونس والمغرب، فبعد ثورات الربيع العربيّ وانهيار نموذج الدولة الوطنية بفعل الثورات الشعبية، لم تعد أطروحة اقصاء الإسلاميين من المشهد السياسيّ قابلة للفرض مجددا، فالشيخ راشد الغنوشي يقول أنّه مؤمن بعبقرية الديمقراطيّة، غير أنّ المضامين الفلسفيّة لفكرة الديمقراطيّة، والتي تقوم على فكرة إقصاء الله من شؤون تنظيم المجتمع، لن تمنع الحركة النهضة من إعلان موقفها الشجاع ضدّ العلمانيّة[6]. لذلك، ستحذو الجزائر حذو جارتيها الشرقية والغربيّة، وستعرف مجددا، عودة قوية لحركة حمس الإسلامية إلى السلطة، خصوصا بعد أن هفت صوت الاستئصاليين الجزائريين، ففي زمن الأزمة حذّر الشيخ محفوظ نحناح من الاستئصاليين وتحريضهم المستمرّ للمؤسسة العسكرية ضدّ الإسلاميين [7]، وما قد يؤدّي إليه ذلك التحريض من تشويه ممنهج لصورة الحركة الإسلامية المسالمة.[8]
ترتيبات خلافة بوتفليقة قبل محطة من الحسم:
لم يعق مرض رئيس الجمهورية النظام السياسيّ عن مواصلة المبادرة الرئاسية للإصلاح، والتي وصلت إلى مبتغاها بتشكيل برلمان جديد للبلاد APN في مايو أيار 2017، وفي انتظار انتخابات محليّة لاحقة لتشكيل 48 مجلسا شعبيا ولائيا APW و1540 مجلسا شعبيا بلديا APC شهر أكتوبر 2017 المقبل، سيكون التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2019 موعدا تاريخيا للتغيير، في حال عدم ترشّح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، وسيكون على الإسلاميين التحضير لذلك الموعد التاريخي الهامّ، الذي سيحمل تحديات كبرى على الحركات الإسلامية، خاصة حركة المجتمع الإسلاميّ حمس.
يروج في الإعلام الحرّ أنّ سباقا خفيّا قائما بين زعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي رئيس الحكومة الأسبق سيد احمد أويحي، ورئيس الوزراء الحالي السيد عبد المالك سلال، غير أنّ هذه التكهنات سابقة لأوانها، ولن يكون هنالك إمكانية للحديث عن هذه المسائل بكلّ جديّة، إلاّ بعد نجاح الانتخابات المحلية شهر أكتوبر المقبل. لكنّ الملاحظة الأبرز في مثل هذه المحطات الحاسمة التي سجلها تاريخ الحياة السياسية الجزائرية، هو الاضطراب السياسي المحتمل في المواعيد الانتخابية الرئاسية الحاسمة، كما حدث في مناطق القبائل "الأمازيغ"، مدينة غرداية "حيث الإباظيين"، أو مدينة عين صالح "بسبب رفض استغلال الغاز الصخري "الشيست"، أو الطوارق "بعد أزمتي ليبيا ومالي"، لذلك ينصح المؤرّخ الجزائريّ رابح لونيسي بإصلاح حقيقيّ يجنّب الجزائر الدمار، الذي يخلّفه انفجار كلّ المشكلات في آن واحد، إصلاح يسمح بمشاركة كلّ الجزائريين في اختيار البديل الأنسب لقيادة البلاد، والذي يحقّق الأغلبية والرضا المجتمعيّ الشرعيّ.[9]
لماذا لا يعود الدور الجزائريّ إلى التفعيل في المحيط العربيّ؟
على الرغم من وجود الجزائر في كافة التجمعات الإقليمية المغاربية، العربية، المتوسطية، الإسلامية، إلاّ أنّ حضورها ليس بنفس مستوى التمثيل والاهتمام في الاتحاد الإفريقي، فالجزائر دولة محورية داخل الاتحاد، وتمتلك رواجا ونفوذا مؤسسيا داخل أجهزته، وعلى رأسها المفوضية السامية للاتحاد الإفريقي التي يرأسها سفير الجزائر في إثيوبيا السفير بوعلام شرقي، وقد ساهم وزير الخارجية الحالي السيد رمطان لعمامرة في تعزيز هذا الحضور الجزائري في القارة الإفريقية بسبب التحديات التي تفرضها قضايا خطيرة بحجم قضايا: الصحراء الغربية، النزاع في مالي، الظاهرة الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، انهيار الدولة الليبية، الانقلابات العسكرية في بوركينافاسو وساحل العاج وموريتانيا، الصراع حول اليورانيوم والذهب في الساحل، التواجد العسكريّ الأمريكيّ والفرنسيّ، مشكلة انقسام السودان، .. وغيرها، الجزائر أكثر حضورا في افريقيا لأنّها على تماس مع الطموحات الفرنسية والأمريكية في المنطقة، وقد وجدت نفسها مجبرة على إعادة هيكلة خططها العسكرية بإضافة منطقتين عسكريتين خامسة وسادسة في الجنوب الكبير، نظرا لما فرضته معطيات تحول ليبيا إلى دولة فاشلة.
بطء الحضور الجزائري في مختلف القضايا العربية، سببه الحدود الدستورية التي تفرض التزام المؤسسة العسكرية الجزائرية بالمهام الدفاعية، وعدم السماح بتدخل أيّ جنديّ جزائريّ في أية منطقة للتوتر، خارج لحدود الجزائرية. لذلك رفضت الجزائر المشاركة في مبادرة المملكة العربية السعودية شنّ حرب عاصفة الحزم في اليمن، ورفضت الحلول العسكريّة في ليبيا وسوريا. وعلى الرغم من المواقف السياسية المحتشمة للخارجية الجزائرية حيال مختلف القضايا، يقوم وزير الخارجية المكلف بالقضايا العربية والإفريقية السيد عبد القادر مساهل بالمشاركة في طرح مقترحات الحلّ السياسي في ليبيا وسوريا، وهي مقترحات غالبا ما ترتكز على الدعوة إلى: إشراك جميع الفرقاء السياسيين المحليين، دون تدخل أجنبيّ، انطلاقا من مبادرة سياسية، شرط هدنة عسكرية توقف الاقتتال.
لن تقوم الجزائر بالمراهنة على الانتخابات التشريعية لإعادة ترتيب دور سياسيّ خارجيّ أكثر فعالية، فالمشكلة لا تتعلق بترتيب وهيكلة المؤسسات الداخلية، الجزائر محكومة بقوانين وتشريعات صارمة تمنعها من التورط في المسائل النزاعيّة، غير أنّها اعترضت سابقا على السيطرة المصرية على الجامعة العربية، وقالت أنها تستطيع المساهمة عبر الجامعة العربية، من خلال دبلوماسيّيها وامكاناتها السياسية، في تقديم مبادرات للحلول السلميّة، وهو ما يعزّز الاعتقاد، بعدم وود أيّ تدخلّ عسكريّ للجيش الجزائريّ خارج حدود الجزائر الإقليمية.
وجود الإسلاميين في الحكومة المقبلة، سيساعد كثيرا على عودة الدور الجزائريّ ضمن الدائرتين العربية والإسلامية، غير أنّ على الإسلاميين تجنّب المعارك مع الدبلوماسيين العلمانيين، المنتسبين للأحزاب القومية واللبرالية واليسارية، حتى لا يضيعوا فرصتهم في البقاء في السلطة، أطول وقت ممكن، فأمام إسلاميي الجزائر في حال وصولهم للحكومة المقبلة عبر الائتلاف الحكومي، التجارب الناجحة لمشاركة الإسلاميين في تونس والمغرب وتركيا، والمخاوف من المؤامرات أو الانقسام الذي قد يؤدّي إليه وصولهم للحكم، كما حدث لحركة حماس في قطاع غزة، أو الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي. وعلى الإسلاميين الجزائريين تقديم ضمانات وتطمينات للمؤسسة العسكرية والشركاء السياسيين بأنّ وجود الإسلاميين سيدعم هيبة الدولة.
الهوامش والإحالات:
[1]ـ محمد مصدّق اليوسفي، "حوار مع الشيخ راشد الغنوشي،" الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين، الرابط الالكتروني:
http://www.ikhwanwiki.com/
[2]ــ عبدالله النفيسي، الفكر الحركيّ للتيارات الإسلامية الكويت: شركة الربيعان للنشر والتوزيع، 1995، ص. 57.
[3]ــ حسن الترابي، الحركة الإسلامية في السودان الكويت: دار القلم، آفاق الغد، العدد: 08، 1987، ص. 63.
[4]ــ عبد الله سعد جاب الله، نظرات في منهج التغيير بالقوّة الرياض: مكتبة العبيكان، 1427 هـ/2006م، ص. .
[5]ــ عبد الإله بنكيران، الحركة الإسلامية وإشكالية المنهج تقديم: محمد يتيم الدرا البيضاء: منشورات الفرقان، سلسلة اخترت لكم العدد: 02، 1999، ص. 80.
[6]ــ راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدول الإسلامية بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، آب/أغسطس 1993، ص. 322.
[7]ــ أبو جرة سلطاني، جذور الصراع في الجزائر الجزائر: دار الأمة، ط . 02، 1999، ص. 120.
[8]ــ أبو جرة سلطاني، من رضا الشعب إلى رضا مالك، متوفر على الرابط التالي:
http://www.echoroukonline.com/ara/?news=59590?print
[9]ــ رابح لونيسي، ربيع جزائري لمواجهة دمار عربيّ.. دراسة استشرافية الجزائر: دار المعرفة، 2013، ص - ص. 17 - 23.