• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الاستعمار الأوروبي وسياسة اقتلاع العربية من إفريقيا السمراء

الاستعمار الأوروبي وسياسة اقتلاع العربية من إفريقيا السمراء


بعد مؤتمر برلين 1884-1885، قامت سبع دول أوروبية استعمارية، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا والبرتغال وأسبانيا وبلجيكا (مساحتها مجتمعة 734000 ميل مربع)، باستباحة 93% من أراضي القارة الأفريقية، أي ما مقداره 10509000 ميل مربع، من أصل 11300000 ميل مربع، هي مساحة القارة كلها، وكان ذلك الجزء الذي استباحوه، تحت راية الصليب، يعادل أكثر من 14 ضعف مساحة تلك الدول مجتمعة، ولم يتبق هناك دول أفريقية مستقلة سوى الحبشة وليبيريا وكلاهما يحكمها النصارى. وكما هو معروف، فإن الاستعمار الأوروبي، للبلدان الأفريقية، لم يكن استعمارا اقتصاديا أو سياسيا فقط، وإنما كان أيضا استعمارا دينيا صليبيا، يريد فرض النصرانية على الأفارقة، وإحلالها محل الإسلام، دين الفطرة، والذي كان ينتشر بسهولة ويسر وبجهود قليلة، في كل مكان داخل القارة، وكان يدين به، وقتذاك، أكثر من نصف سكان أفريقيا السمراء. ولذلك كان المسلمون في أفريقيا، دولا وشعوبا وحركات إسلامية، هم الذين رفعوا راية المقاومة للتصدي للعدوان الصليبي الاستعماري الغاشم لأفريقيا، كل في موقعه، وخاضوا أشد وأشرس المعارك ضد أولئك الغزاة المستعمرين، وسجلوا خلالها العديد من الانتصارات والبطولات، ولكنهم انهزموا في نهاية المطاف، بعد فترة طويلة من الجهاد، امتدت أحيانا لعدة عقود، والسبب في ذلك أن أسلحتهم البدائية، لم تصمد أمام ترسانة أسلحة القوى الأوروبية الحديثة والمتطورة والفتاكة، ولأسباب أخرى ليس هاهنا موضع بسطها.

ولذلك فلم يكتف أولئك المستعمرون الصليبيون، بإزالة دول وإمارات إسلامية بأسرها من شرق القارة وغربها ووسطها، ومحوها من الوجود، وإنما استمروا في حربهم الضارية على الإسلام في أفريقيا، حتى بعد أن تراجعت مقاومة المسلمين، وسقطت دولهم، وكان كل جيش أوروبي يستبيح بلدا أفريقيا بالقوة العسكرية، يتبعه طابور من المبشرين المدربين، وكان هؤلاء المبشرون ينتشرون في كل مكان تنتشر فيه جيوش عبّاد الصليب، بكنائسهم، ومدارسهم، ومراكزهم الصحية، والاجتماعية، والتعليمية، وذلك لتنفيذ المهمة التي جاءوا من أجلها، وهي تنصير أفريقيا، وفي الوقت ذاته محاربة الإسلام، ومنع وصوله إلى القبائل الأفريقية الوثنية في الداخل، حتى ينفردوا بفرض النصرانية عليها بالترغيب أو الترهيب، حتى لو ظلت محتفظة بعاداتها الوثنية، لأن المهم هو أن تظل هذه القبائل بعيدة عن الإسلام. إذا أن نشر النصرانية، هو في حد ذاته، أسلوب من أساليب محاربة للإسلام، وليس منافسة له في كسب القلوب، وهداية الشعوب.   

وفي غضون ذلك، لاحظت الدول الأوروبية الاستعمارية، الاهتمام المتزايد باللغة العربية، من قبل الأفارقة، وشدة الإقبال عليها، لدرجة اعتبارها لغة مقدسة، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وما كانت تحظى به هذه اللغة من ازدهار وانتشار، ومكانة متميزة على الخريطة اللغوية لأفريقيا، في عدد غير قليل من مناطق غرب وشرق ووسط أفريقيا، فقد كانت للغة العربية في هذه البلدان الأفريقية، هي لغة العلم والتعليم والأدب والثقافة، وهي اللغة المستعملة في أداء العبادات والشعائر الإسلامية، وهي لغة الإدارة والدواوين والمراسلات والمكاتبات الحكومية، فبها توضع المراسيم، وتصاغ القوانين، وتصدر الأحكام القضائية، وهي لغة التواصل المشتركة بين القبائل والشعوب الأفريقية المختلفة، وكان للإسلام، بطبيعة الحال، الدور الأبرز في ذلك، وكان التعمق في الإسلام من عوامل زيادة إقبال الأفارقة على اللغة العربية، وذلك لأجل العودة للمصادرة الإسلامية الأساسية، في الحديث والتفسير وعلوم القرآن والفقه وأصوله، لذلك كله، فقد قام المبشرون بالتعاون مع المستعمرين، بشن حرب شعواء على اللغة العربية، أينما حلوا في بلدان أفريقيا، واستخدم الاستعمار قوته الضاربة، وجبروته الاستعماري الكاسح، في محاربة اللغة العربية، وذلك لأجل اقتلاعها من القارة، كما اقتلعوها، والإسلام، من الأندلس، قبل ذلك، ليس من حيث كونها لغة تخاطب عادية، ولكن لكونها لغة القرآن، والمدخل لنشر الإسلام في أفريقيا، ولا يمكن القضاء على الإسلام أو تشويهه، إلا بالقضاء على اللغة العربية.

وقد كان المستعمرون الأوروبيون بالرغم من حدة الصراع، فيما بينهم على موارد القارة الأفريقية، واختلاف كنائسهم والتنافس الحاد فيما بينها، متفقين على هذه السياسة، أي سياسة اقتلاع اللغة العربية من أفريقيا، باعتبارها الوسيلة الأنسب للقضاء على الإسلام، عدوهم اللدود.

وقد استخدم المستعمرون الأوروبيون، في محاربة اللغة العربية في البلدان الأفريقية كافة الوسائل ومنها:

1. حظر استعمال اللغة العربية في كل المرافق الإدارية والاقتصادية والاجتماعية، وفرض لغة المستعمر بدلا عنها، بل وصل الأمر بالسلطات الاستعمارية الفرنسية، إلى حد منع الفرنسيين الموجودين في منطقة غرب أفريقيا، من مخاطبة السكان المحليين، بغير اللغة الفرنسية، مهما كانت الظروف والملابسات.

2. فرض الاستعمار في بعض المناطق الأفريقية، قيودا صارمة على دخول الكتب العربية إلى تلك المناطق، من البلدان العربية. حتى الحجاج منعوا من حمل الكتب الدينية باللغة العربية عند عودتهم من الحج، وفي الوقت ذاته قامت السلطات الاستعمارية، بوضع العقبات أمام الذين لديهم رغبة في الالتحاق بإحدى الدول العربية للاستزادة من العلم.

3. بذلت فرنسا جهودا كبيرة لإلغاء الكتاتيب التي كان يوجد العشرات منها في مدن غرب أفريقيا، وفرضت قيودا صارمة على افتتاح مدارس عربية جديدة، ومن تلك القيود الحصول على رخصة من السلطات الاستعمارية، قبل افتتاح أي مدرسة عربية، والتي غالبا ما ترفض منح الرخصة. أما البريطانيين، فقد رأوا أن هناك استحالة في إلغاء الكتاتيب في البلدان الأفريقية التي سيطروا عليها، لذلك فقد لجئوا إلى وسيلة أخرى، وهي أنشاء مدارس أجنبية لأولاد الأغنياء، بحيث يحولوا بينهم وبين الالتحاق بتلك الكتاتيب، المهتمة أساسا بتعليم وتحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية. 

4. فرض المستعمرون الصليبيون إجراءات رقابية صارمة على المؤسسات الدينية، إذ حددت السلطات الاستعمارية الفرنسية، على سبيل المثال، نطاق إنشاء المساجد، فكانت لا تسمح ببناء مسجد، إلا لأفراد يحظون بثقتها، وهم قلة، وأغلبهم ممن تم تدجينهم، وتوظيفهم في خدمة المشروع الاستعماري.

5. كانت السلطات الاستعمارية الفرنسية، تقوم بأخذ أبناء الشيوخ الأعيان عنوة وإرسالهم إلى مدرسة الرهائن في سانت لويس، عاصمة المستعمرات الفرنسية في غرب أفريقيا، قبل نقل هذه العاصمة إلى داكار عام 1902، وكانت تلك المدرسة، قد أسست لهذا الهدف، أي لغسل أدمغة أبناء الشيوخ والأعيان الأفارقة، ومسخ هويتهم وطبعهم بثقافة فرنسية، ثم إسناد الأمور إليهم بعد تخرجهم، وهم بالطبع سيكونون موالين لهم ولثقافتهم الفرنسية. أما البرتغاليون في موزمبيق، فقد جعلوا التعليم تحت حكم وسلطة الكنيسة الكاثوليكية.  

6. فرض ونشر للغات المستعمر كالانجليزية والفرنسية والايطالية والبرتغالية، لكي تحل تدريجيا محل اللغة العربية، المنتشرة والمتداولة على الساحة الأفريقية، وبخاصة في مجال الإدارة والتعليم، وكان الاستعمار حريصا على ذلك بقدر حرصه على نشر المسيحية، وذلك بعد أن وجد هذا الاستعمار أن نشر التعليم واللغة، أنجع وسيلة لمحاربة الإسلام من جهة، ولتعزيز لسيطرته السياسية والاقتصادية والثقافية، على البلدان الأفريقية من جهة أخرى.

7. تعذيب العلماء والمعلمين، وعدم رفع العمل الجبري إلا عمن يتنصر منهم، واغتيال أساتذة اللغة العربية جسديا ومعنويا. فقد اعترف ميشيل كولون (1946-..)، وهو كاتب وصحفي بلجيكي مناهض للاستعمار، بأن فرنسا الديمقراطية، قتلت الآلاف من معلمي اللغة العربية في أفريقية للسيطرة عليها.

8. كتابة اللغات الأفريقية بالحرف اللاتيني، كاللغة السواحلية في دول شرق أفريقيا، وكلغة الهوسا في دول غرب أفريقيا، وذلك بعد أن كانت هذه اللغات تكتب بالحرف العربي. 

9. تشجيع نعرة اللهجات المحلية، حتى المندثرة منها، لأجل القضاء على أي أثر ثقافي عربي، ولعزل الشعوب الأفريقية عن بعضها البعض، وقد بذل الاستعمار كل جهد في هذا الشأن، لدرجة أنه قام بنشر بعض المجموعات اللغوية المحلية، لتيسير استعمال هذه اللغة، وهذا ما فعله الانجليز في جنوب السودان، وذلك بعد عزلها عن شمالها، وأيضا بعد عزل أفريقيا السمراء، عن الجزيرة العربية، وشمال أفريقيا، ومصر.   

وكان الاستعمار الفرنسي أخطرهم وأكثرهم تشددا في تطبيق هذه الإجراءات والسياسات. وقد أثرت هذه الإجراءات والسياسات على اللغة العربية ومؤسساتها في كثير من مناطق القارة الأفريقية، وأدت إلى ركودها وانحسارها النسبي، أمام تقدم اللغات الأوروبية الغريبة، تلك اللغات المرتبطة بالقمع والقهر والحاملة للأوزار الاستعمارية، والخالية، من أي مضمون روحي، بل وصل الخطر إلى الجناح الغربي من العالم العربي الإسلامي، في بلدان المغرب العربي، وبخاصة الجزائر، التي عانت من استعمار حاقد، وفرنسة مسعورة على مدى 132 سنة.

  

أعلى