سلاح الكيميائي واللعبة الأمريكية
تسفي برئيل/هأرتس
إن مئة شخص على الأقل قتلوا في الهجوم على مدينة خان شيخون، جنوب ادلب. ليس الرقم هو الذي يثير الفزع، فهذا ليس أكبر هجوم قاتل نفذه الجيش السوري على أهداف مدنية. كما أن حقيقة كون الكثير من المصابين هم أطفال لا تشكل دراما كبيرة. فقبل أقل من شهر أصابت طائرات سلاح الجو الأمريكي مدرسة في محافظة الرقة وقتلت 33 شخصا، وقبل اسبوع من ذلك قتل 52 شخصا في هجوم شنته طائرات التحالف على مسجد، وفي تموز الماضي قتل 150 مواطنا في هجوم مشابه على مدينة منبج. حسب التكهنات بلغ المجموع الكلي للقتلى في سورية اكثر من 400 الف شخص، ولذلك فإن العدد الكبير من القتلى اصبح منذ زمن بعيد مسألة روتينية.
استخدام السلاح الكيميائي هو الذي أثار موجة ردود الفعل العاصفة في العالم. بل إن ما أثار الغضب هو ليس استخدام السلاح الكيميائي من قبل جيش الأسد، فسلوكه القاتل يجب أن لا يثير المفاجأة، وانما الخلافات السياسية حول المسؤولية الدولية عن قدراته الكيميائية هي المطروحة الان في مركز العاصفة. هل يتحمل الرئيس السابق اوباما الذنب لأنه تراجع عن الخط الأحمر الذي رسمه في 2013 وتوصل الى اتفاق مع سورية حول تفكيك أسلحة الأسد الكيميائية؟ هل دفعته روسيا لإخراج بقية المواد المحظورة من مستودعاته السرية؟ وفي الأساس، كيف يمكن الآن الرد على استخدام هذا السلاح؟
تصريحات دونالد ترامب، كانت موجهة إلى اوباما أكثر من كونها موجهة للأسد. "الرئيس اوباما صرح في 2012 بأنه سيضع خطا احمر امام استخدام السلاح الكيميائي، لكنه لم يفعل شيئا" قال الرئيس. يبدو ان ترامب نسي التغريدة التي نشرها بنفسه بعد سنة. "السبب الوحيد الذي يجعل اوباما يرغب بمهاجمة سورية هو محاولة التغطية على تصريحه الأحمق بشأن الخط الأحمر. لا تهاجم سورية، أصلح الولايات المتحدة" كتب ترامب عندما غمر الشبكة بتغاريد مشابهة. جوهر رسالته كان "سورية ليست مشكلتنا".
قبل عشرة أيام فقط، اوضحت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هايلي بأن "الاطاحة بالأسد لم تعد تقف في مقدمة جدول الاولويات الامريكي". وفجأة يغير ترامب توجهه. "موقفي من الأسد تغير"، قال، لكنه لم يحدد بعد بأنه يجب اسقاطه، وهو ايضا يدور حول نفسه حين يسأل عما سيفعله مقارنة بسابقه. "لدي مقياس أكبر من المرونة"، يشرح، لكنه لا يفسر كيف ستساعد هذه المرونة على تدمير السلاح الكيميائي السوري. اما نائبه مايك بينس فيبدو أكثر وضوحا: "كل الخيارات على الطاولة"، قال هذا الأسبوع، أي الخيار العسكري ايضا. لكنه اضاف على الفور ان على روسيا الاهتمام بتفكيك سلاح الاسد الكيميائي.
نظريا، كل الخيارات مفتوحة، أما عمليا فإنه لا يوجد خيار تقريبا. الهجوم العسكري على سورية يشبه، اليوم، الهجوم على روسيا التي تعارض حتى صدور قرار من مجلس الأمن يحمل المسؤولية للأسد. هذا الهجوم سيعني المخاطرة بالتعاون والتنسيق القائم بين الادارتين في الحرب ضد داعش، وتورط عميق في ساحة الحرب التي تريد الولايات المتحدة الهرب منها. في الاتحاد الاوروبي، ايضا، ورغم الصدمة التي عبر عنها قادته ازاء الهجوم الكيميائي، الا انه ليس لديهم رغبة شديدة بالخروج للحرب في سورية، خاصة حين تمهد روسيا الارض لحل سياسي من شأنه – اذا نجح- صد تيار اللاجئين والسماح بعودة مئات آلاف اللاجئين الى موطنهم و"تطهير" اوروبا من الأجانب المخيفين.
الخيار الآخر، هو فرض عقوبات على النظام وعلى كل من يتعاون معه. هذا الخيار، أيضا، يتضح بأنه فارغ المضمون. فسورية تخضع لعقوبات منذ 2004، وازدادت كثافة منذ 2011. وحسب هذه العقوبات تمنع الادارة الامريكية الاتجار مع سورية الا للاحتياجات الانسانية. كل منتج ينطوي على نسبة أكثر من 10% من المركبات الامريكية يمنع تصديره الى سورية حتى من قبل الدول الاجنبية. أضف إلى ذلك، انه لا يمكن تنفيذ صفقات بنكية مع سورية، كما تم فرض عقوبات شخصية على سلسلة طويلة من المسؤولين السوريين، بما في ذلك تجميد عقاراتهم. ولكن العقوبات تثقل على الجمهور، وخاصة على الشرائح الضعيفة، أكثر من كونها تثقل على النظام. من جانبه ينجح النظام بالعثور على طرق التفافية لتجاوز نظام العقوبات. انه يعتمد على خطوط الائتمان والامدادات المفتوحة التي قدمتها له إيران. انه يحصل عل مساعدات عسكرية من روسيا، ويواصل ابتزاز الضرائب والرسوم من كل شيء يتحرك. كما هو الحال بالنسبة للعقوبات التي فرضت على العراق في التسعينيات، وتلك التي فرضت على إيران، من المشكوك فيه أن العقوبات المفروضة على سورية ستحقق أهدافها، لأسباب من بينها عدم وجود هدف محدد لها. كلما كان هدف العقوبات اوسع، كلما تقلصت فائدتها.