مؤتمر باريس .. حمل خارج الرحم
في الوقت الذي تشهد فيه العلاقة بين الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي توتراً غير
مسبوق على خلفية قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2334، الذي طالبها بوقف الاستيطان
في الأراضي الفلسطينية، عُقد مؤتمر باريس الدولي للسلام في محاولة يائسة لخلق بيئة
مناسبة تُعيد طرفي، الصراع إلى جولة جديدة من المفاوضات المباشرة، وذلك وفقاً لما
أكد عليه المجتمعون حول، حل الدولتين كخيار وحيد لتلبية طموحات وحقوق الشعبين، مع
استعداد الأطراف المشاركة، متابعة التقدم واللقاء مرة أخرى قبل نهاية هذا العام
لدعم الجانبين في المضي قدماً نحو حل الدولتين من خلال المفاوضات المباشرة، وهو ما
تم أكدت عليه مسودة البيان الختامي للمؤتمر.
رغم إذعانها للضغوط الأمريكية الصهيونية واضطرارها إلى تأجيل المؤتمر على مدار
الأشهر الماضية التي شهدت معارضة صهيونية شرسة، إلا أن إصراراها على انعقاده في وقت
لاحق وتحديها لليمين المتطرف في حكومة نتنياهو يؤكد على، أن لفرنسا دوافع أخرى
بعيداً عن الصراع العربي الصهيوني، وهو أمر لا يهم قيادة السلطة الفلسطينية التي
باتت على استعداد تام للتمسك بالوهم وتعليق الكثير من الآمال التي من شأنها أن تمد
في عمر قيادتها السياسية، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
ثمة ما يدعوا إلى الاعتقاد أن الحديث عن أي اختلافات واضحة بين السياستين الأمريكية
والأوروبية "الفرنسية" في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص أمر
مفروغ منه، لذلك فإن سياسة تبادل الأدوار بين القوى الأوروبية والإدارة الأمريكية
أمر لا يختلف عليه أحد، خاصةً وأن تراجع دور الأخيرة الواضح أمام التحرك الروسي
المتحفز لمليء الفراغ الأمريكي، يُزعج الغرب دون أدنى شك، فإدارة أوباما باتت قاب
قوسين أو أدنى من تسليم مهامها إلى الرئيس الجديد "ترامب" لذلك لم تعد معنية كثيراً
بعرقلة المؤتمر.
تسعى فرنسا والكثير من الدول الغربية إلى خلق واقع جديد قبل وصول "ترامب" الى سدة
الحكم، فمخرجات المؤتمر قد تشكل موقف استباقي غربي من الصراع العربي الصهيوني، وهو
ما يُمكن أن يشكل نوعاً من الضغط على الرئيس الأمريكي الجديد الذي سبق وأن أبدى
استعداده لنقل السفارة الامريكية إلى القدس، لذلك جاءت تصريحات وزير الخارجية
الفرنس" جان مارك إيرولت" لتحذر الرئيس الأمريكي القادم، من مغبة عواقب نواياه بنقل
السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لذلك فإن الموقف الدولي المؤكد على إنهاء
الصراع من خلال التأكيد على حل الدولتين، قد يكون رسالة "لترامب" قبل الاقدام على
أي خطوة من هذا النوع.
بات من الصعب على الدول الغربية وخصوصاً الاوروبية غض الطرف عن تلك السياسيات
الصهيونية العنصرية بسهولة، فرفض الرأي العام الغربي للكيان في تزايد، وقد بدأ يشكل
ضغوط على الحكومات الغربية، فدعوات المقاطعة لمنتجات المستوطنات الاسرائيلية "BDS"
قطعت شوط طويل ومهم، لذلك باتت فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية معنية بتخفيف تلك
الانتقادات التي تتعرض لها وغيرها من الدول الغربية بسبب تجاهلها للتطرف الاستيطاني
الاسرائيلي.
من جانبها تسعى إدارة أوباما إلى فعل أي شيء على صعيد الصراع العربي الاسرائيلي،
وذلك على عادة كل الإدارات الأمريكية السابقة، وأغلب الظن أن مخرجات المؤتمر جاءت
متفقة مع الطرح الأمريكي الذي اعده وأعلن عنه وزير خارجيتها الراحل بلا رجعه "جون
كيري" في خطابه الأخير، ويبدو أن الدول الغربية "الأوروبية" قد أضحت أكثر قناعة
بطرح كيري.
وعليه فإن فرنسا قد تمكنت من تنظيم تظاهرة إعلامية كبيرة تحت مسمى مؤتمر باريس
للسلام بمشاركة 70 دوله لم تُضيفا أي شيء جديد، لأن توصيات المؤتمر لن تحقق أي شيء
مهم بالنسبة لحل القضية الفلسطينية بقدر ما أكدت على إدارة الصراع العربي
الاسرائيلي.
ترحيب قيادة السلطة الفلسطينية بعقد المؤتمر وما حمله من توصيات رُغم حرمانها من
المشاركة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها أكبر المستفيدين، فهي غير معتادة على
التشكيك أو معارضه مثل هذه الخطوة، خاصة وأن قيادتها السياسية معنية بإطالة الوضع
القائم بغض النظر عن تداعياته على مستقبل القضية الفلسطينية.
من الواضح أيضاً أنه لا جديد في مقررات مؤتمر باريس، فلا توجد أي آلية للتطبيق، كما
أن الدول المشاركة لم تلمح من قريب أو من بعيد إلى أي خطوات تدعم الذهاب إلى مجلس
الأمن الدولي لإصدار قرار يلزم الكيان الصهيوني الذى يعتبر المؤتمر خدعة فلسطينية
برعاية فرنسية على حد وصف رئيس الحكومة نتنياهو.
يسود اعتقاد لدى البعض ان تأكيد المؤتمر على حل الدولتين كثابت في السياسة الدولية،
رسالة لليمين الاسرائيلي برفض ضم الضفة الغربية أو أي مناطق منها للكيان، لكن،
أليست هذه هي سياسة العالم منذ احتلال الضفة الى يومنا هذا؟ ألم يتم تأكيد ذلك في
قرار مجلس الامن الاخير!؟
من الواضح أذاً أنه لم يتغير شيء على الإطلاق، وليس بمقدور هذا المؤتمر الدولي
إلغاء صيغة اوسلو وعواقبها الوخيمة على القضية الفلسطينية، ولا ريب في أن ابقاء ملف
الحل قيد المفاوضات الثنائية وما يمكن أن يتمخض عنها، يُعتبر تسليماً مسبقاً لإرادة
الكيان الصهيوني في القدس واللاجئين والمستوطنات والمياه وكذلك الحدود.