• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الدولة الصفوية (تاريخ الأطماع الفارسية في اليمن)

الدولة الصفوية (تاريخ الأطماع الفارسية في اليمن)


الحمد لله مالك الملك؛ يؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، نحمده على ما هدانا واجتبانا، ونشكره على ما حبانا وأعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له في أفعاله أسرار وحكم لا يحيط الخلق بها فينكرونها ويكفرونها، وله في عباده المؤمنين ألطاف يعلمونها فيؤمنون بها، وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ شهد له حبر أهل الكتاب ورقة بن نوفل بالنبوة، وأخبره بمعاداة الناس له ولأتباعه، وتمنى أنه أدركه وهو شاب لنصرته، وقال: «هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا» صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتمسكوا بدينكم فإنه الحق من ربكم، ولا تأبهوا بأهواء الكفار والمنافقين، فإن من أطاعهم قذفوه في السعير { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18- 19].

أيها الناس: مما فطر الله تعالى البشر عليه الأثرة وحب الذات والعلو على الناس؛ لأجل عمارة الأرض بالتنافس والصراع الذي يحرك العقول، ويشحذ الهمم، ويطرد الدعة والخمول؛ لأجل البقاء والانتصار. ولذا فإن ما يسمى بالسلم العالمي ليس سوى خرافة صنعها الأقوياء ليستسلم لهم الضعفاء فيدبرونهم بما شاءوا، وإلا فإن القرآن أشار إلى صلاح الأرض بالتدافع والصراع {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251] والمتبحرون في علم التاريخ وعلم الاجتماع يقررون أن الصراع البشري ضرورة للعمران والتطور، كما أن تاريخ البشر الطويل كانت فترات الحرب فيه أكثر بكثير من فترات السلم. وهذه الحقائق القرآنية والتاريخية تعطي المؤمنين اليقين بأن الأعداء لن يتركوهم وشأنهم مهما كانوا مسالمين موادعين، فعليهم الحذر وإعداد العدة {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 102] وفي آية أخرى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].

ولأن الأصل في البشرية الحرب والظلم والاعتداء شرع الجهاد في الإسلام لرفع الظلم، وإقامة العدل، وبسط الأمن. وكل أمة تدب فيها الرخاوة والترف فلا تحذر عدوها، ولا تعد قوتها، فهي أمة معرضة للافتراس من الأمم الأخرى، ولن يحميها -بعد الله تعالى- إلا عقول أذكيائها، وسواعد أقويائها، والحرب خدعة كما جاء في الحديث.

متجر البيان الالكتروني للكتاب

وأمة الإسلام في هذا الزمن تعالج أعداء كثر في داخلها ومن خارجها، اجتمعوا بعد اختلافهم، واتحدوا بعد افتراقهم، ولم تختلف كلمتهم حول سعيهم في اجتثاث الإسلام الصحيح الذي أنزله الله تعالى، وبلغه رسوله صلى الله عليه وسلم. وتآمر الصهاينة والصليبيين مع أحفاد المجوس لاجتثاث الإسلام الصحيح لا تخطئه عين مبصر، ولا يعمى عن رؤيته أعشى أو أعمش؛ لأنه صار من المجاهرة به أمرا مشهورا.

ومن أعتى أعداء الأمة المسلمة في هذا الزمن أصحاب النفاق الباطني السبئي الذين عجنوا نفاقهم بأمشاج المجوسية، وأدخلوها في شعائر دينهم؛ حنينا لها، ومفارقة لأهل الإسلام الصحيح بها، وهم الذين ضحكوا على السذج من العرب من أهل الأعراق الأخرى بأن مذهبهم يعود لآل البيت، وهم أعداء آل البيت وما يدينون به. إن هم إلا متسلقون على هذه الكذبة لإعادة أمجاد كسرى التي هدمها الصحابة رضي الله عنهم، ولن يتركوا التنكيل بأمة الإسلام إلا بعجزهم وذلهم كما كانوا طيلة القرون السالفة قبل أن تمتد إليهم الأيادي الغربية القذرة، فتخرجهم من عزلتهم، وتمكن لهم في بلاد المسلمين يفسدون فيها ويدمرون ويقتلون ويغتصبون وينهبون ويشردون.

 واليمن بلاد القحطانيين من العرب، كان للفرس فيها أطماع قديمة قبل الإسلام، ولم تنته أطماعهم فيها بعد الإسلام، ولم يتركوها في سالف القرون إلا من عجزهم عن بلوغها، فلما امتدت إليهم حبال الغرب عاد طمعهم إليها ليفسدوا فيها.

لقد كانت اليمن قبل الإسلام موضعا لديانات وثنية عدة، وكان بعض أهلها يدينون بدين موسى عليه السلام، وبعد رفع المسيح عليه السلام بقرون عدة وصل دينه إلى اليمن، فاتبعه أناس ودانوا بالنصرانية، ويكشف قصة ذلك الحديث الصحيح في قصة الغلام مع الراهب والساحر التي انتهت بإيمان الناس بعد علمهم بأن دين الغلام الذي أخذه عن الراهب هو دين الحق، فعذبوا حرقا في الأخاديد التي أشير إلى قصتها في سورة البروج، وحادثتهم وقعت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو أربعين سنة، فزكاهم الله تعالى بإيمانهم؛ لأنهم آمنوا برسالة المسيح عليه السلام والتزموها. وتحريقهم كان بيد الملك اليهودي الحميري ذو نواس يوسف بن شراحبيل، أراد أن يردهم عن النصرانية إلى اليهودية.

بعد هذه الحادثة كبر على زعماء النصارى في بيزنطة ما وقع لأبناء دينهم في نجران واليمن، فسلطوا الأحباش -وهم نصارى- على ملوك اليمن اليهود الحميريين، فاجتاحهم الأحباش، وملكوا اليمن، وساد فيهم أبرهة الذي أراد هدم الكعبة في العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فرده الله تعالى عنها بطير الأبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، كما جاء في سورة الفيل.

 ولم يرق لعرب اليمن من حمير وغيرها أن يحكمهم الأحباش، وكان رأسهم سيف بن ذي يزن فاستعان بالفرس على الأحباش، فأرسل كسرى جيشا لحرب الأحباش، ولبسط النفوذ الفارسي على اليمن، الذي تحقق فحكمها الفارسي باذان بن ساسان وبسط نفوذ الفرس على صنعاء وحضرموت وسائر اليمن، وكان ذلك في صدر الإسلام. فلما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام علم باذان أنه نبي مرسل فأسلم، وأسلم معه الفرس الذين باليمن، فكان أول ملك فارسي يسلم، وأول أمير في الإسلام على اليمن، وأسلمت القبائل اليمانية، ووفد منهم وفود إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان من أشهرهم الأشعريون الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ووصفهم برقة القلوب وبالشجاعة والأمانة والإيثار والمواساة، ومنهم أبو موسى رضي الله عنه الذي أوتي مزمارا من مزامير آل داود لحسن تلاوته.

ولم يهنأ الفرس بدخول اليمن في الإسلام، لكنهم عجزوا عن استعادتها؛ لأنهم شغلوا بممالكهم التي تهاوت في القادسية ونهاوند، وفتحت المدائن، وسقط عرش كسرى تحت أقدام الصحابة رضي الله عنهم.

وبقيت اليمن عالقة في أذهان الفرس بعد انتحالهم المذاهب الباطنية، فحاول القرامطة في أخريات القرن الثالث الهجري انتزاع اليمن حتى إنهم حاصروا صنعاء عشرين مرة فعجزوا عن أخذها.

ثم تسلل الباطنيون عن طريق الزيدية التي انشقت منها الفرقة الجارودية، وهي على المذهب الإمامي الباطني، ومنها خرج الحوثية بعد أن صيغت أفكارهم في (قُم) صياغة صفوية خالصة، فخرجوا من صعدة إلى صنعاء بإشراف صفوي فارسي، ومعونة غربية خفية؛ لتمكين الدولة الصفوية من جنوب الجزيرة العربية؛ للوصول بعد سيطرتهم عليها إلى أرض الحجاز؛ لضم مكة والمدينة للدولة الصفوية لتكون قيادة العالم الإسلامي للباطنيين على وفق ما يريده الغرب الصليبي الصهيوني. خيب الله تعالى مساعيهم، ورد عليهم مكرهم وكيدهم، وجعل العاقبة لأهل الإيمان عليهم، وطهر بلاد المسلمين من رجسهم، إنه سميع مجيب.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، ولوذوا بحماه، فلا قوة إلا بالله العزيز الحكيم {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].

أيها المسلمون: لا يمكن الفصل بين أحداث اليمن وبين أحداث العراق والشام؛ فإن الهدف الباطني واحد، والأذرعة الصفوية تحاول انتزاع بلاد المسلمين في كل مكان، وبإشراف دولي مكشوف. بل حتى القوميون والناصريون وكثير من الليبراليين العرب يشاركون في فصول المؤامرة الصفوية الغربية، لا حبًا في الفرس ومشروعاته، ولكن كرها للإسلام وأهله، أو موافقة للمزاج الغربي الذي يخلص له الليبرالي أكثر من إخلاصه لوطنه وأمته؛ ولذا فلا عجب أن يُسوغ بعض الليبراليين خيانة بعض الباطنيين لأوطانهم بالتجسس لصالح الدولة الصفوية، ويتهم أهل السنة بأنهم السبب في ذلك. ولا عجب أن تنهال الإدانات من حزب الشيطان في لبنان، والحوثيين في اليمن، والصفويين في طهران وبغداد والنصيريين في دمشق على إعدام باطنيين قتلوا رجال أمن في البحرين؛ لأن الكتلة الصفوية واحدة أينما حلت. كما لا عجب في كثرة الإدانات الغربية التي تنظر إلى أي باطني مجرم قاتل مخرب على أنه مظلوم، بينما تسحق الرحى الباطنية شعوبا كاملة في الشام والعراق واليمن، ويهجرونهم من ديارهم بقوات صفوية إجرامية، تسرح وتمرح وتعربد في بلاد المسلمين بمعونة وإشراف غربي، والإدانات الدولية للمذابح الصفوية البشعة ضعيفة، وصوتها غير مسموع، وهي لذر الرماد في العيون.

 إن على أهل السنة أن يعلموا حجم ما يحاك لهم ولبلدانهم في الأروقة الدولية، وأن ينبذوا الخلافات التي بينهم؛ فإن الصفويين إن تمكنوا منهم فلن يبقوا منهم إلا مشردا لاجئا أو أسيرا معذابا، وسجونهم في الشام والعراق واليمن تضج الجدران والقضبان مما فيها من أهوال.

 وعلى أهل السنة أن يقفوا مع إخوانهم المجاهدين والمرابطين لرد العدوان الصفوي عن بلاد المسلمين، ولا سيما عن مكة والمدينة التي تتطاول أعناقهم لها، حرسها الله تعالى من رجسهم وكيدهم.

وعليهم نصرة إخوانهم المرابطين في الثغور بكل أنواع النصرة، ولا سيما بالدعاء لهم وتحري أوقات الإجابة؛ فإنهم إنما يدفعون عن ديار المسلمين وحريمهم ومقدساتهم {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].

وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم.... 

 

أعلى