اليونان.. بديل تركيا لإسرائيل
إيران أوديد
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
في أقل من شهر تبادل رئيسا وزراء إسرائيل واليونان الزيارات الرسمية، كل زيارة منهما كانت الأولى من نوعها في التاريخ، ومن الصعب أن نجد سابقة مثل ذلك التقارب في تبادل الزيارات في تاريخ الدبلوماسية الإسرائيلية، فحتى وقت قريب كان المستوى المنخفض في العلاقات بين البلدين يناسب مصالح كل من اليونان وإسرائيل، فعندما ظهر جورج باباندريورئيس الوزراء اليوناني في المنتدى الاقتصادي العربي في 20 مايو 2010 ألمح إلى الصداقة بين العديد من الزعماء العرب وبين والدهأندرياسباباندريو، الذي كان آنذاك رئيسًا لوزراء اليونان أيضًا، كما تحدث عن تضامن اليونان مع الدول العربية، وقال: "يجب أن تحترم إسرائيل قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويجب بالطبع الترويج لمبادرة السلام العربية، ويجب كذلك الالتزام بتعهدات خريطة الطريق للتقدم إلى الأمام في أهم القضايا، على أساس حل الدولتين بحدود عام 1967".
ويبدو أن الإشارة إلى حدود عام 1967 قد أغفلها الفريق الإسرائيلي الذي أعد لزيارة رئيس وزراء اليونان إلى إسرائيل في أواخر يوليو الماضي وزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى اليونان في 16 و17 أغسطس الجاري، ولكن من المحتمل أيضًا أن الطرفين رأيافي الوقت ذاته أن هناك قضية استراتيجية أهم، ألا وهي احتواء الضرر الذي أحدثته العلاقات الإسرائيلية التركية، فالتحول في السياسة الخارجية التركية والذي قاد إلى تقارب أنقرة مع إيران وسوريا وحماس وحزب الله يشير إلى تغير هام في التوازن الاستراتيجي، ليس فقط من وجهة نظر إسرائيلية، فالقاهرة وعمّان وبيروت ورام الله ترى أيضًا تلك النقلة على أنها سبب للقلق، بالرغم من أن ذلك ربما يكون أقل حدة مقارنة بما تراه إسرائيل، ومن المؤكد أن أثينا هي الأخرى تنظر بقلق إلى ذلك التحول في السياسة الخارجية التركية، بالإضافة إلى تداعيات ذلك التحول علىالتغيرات الداخلية التي تجري في تركيا ذاتها.
واليونان لا يمكن اعتبارها بديلاً كاملاً عن الضرر الذي حدث بسبب سوء العلاقات التركية الإسرائيلية، إلا أن رغبتها في الموافقة على استضافة المناورات الجوية الإسرائيلية في أجوائها تعد خطوة هامة وتمثل تعويضًا كبيرًا عن خسارة تركيا كشريك في تلك المناورات المشتركة. ولكن سوف يكون من الصعب أن نجد بديلاً للتعاون التركي في مجال الاستخبارات، بل إنه حتى الآن فإن الاستخبارات الإسرائيلية لم تدرج تركيا ضمن أهدافها الاستخباراتية، فالتغير في تركيا سوف يتطلب تغيرًا في التوجه الاستخباراتي الإسرائيلي.
ففي السنوات السابقة كانت تركيا بحجمها وموقعها الجيوبولوتيكيتمثل عميلاً هامًا للصناعات الدفاعية الإسرائيلية، واليونان لا تريد ولا تستطيع أن تملء تلك الثغرة، وإسرائيل سوف تجد صعوبة في الدخول إلى الأسواق اليونانية التي تهيمن عليها الصناعات الأمريكية والأوروبية، ولكن ربما يكون هناك تعاون استراتيجي محتمل في مجال الطاقة، فاكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في المياه بين قبرص وإسرائيل سوف يجعل تلك الدول موفرة محتملة للغاز لأوروبا، فإسرائيل وقبرص كلاهما لديه نية في تخطي تركيا وتقريب المسافات بين حقول الغاز وما بين المستهلك الأوروبي. فكل من العلاقات الخاصة مع قبرص وموقعها يجعل من اليونان عاملاً مشتركًا هامًا في مسارات الغاز الطبيعي، ومصر وفلسطين أيضًا يمكن أن يشاركا في تلك الجهود إذا ما تم اكتشاف احتياطات غاز طبيعي على سواحل غزة أيضًا.
فإسرائيل لديها مصالح واضحة وطبيعية في أن ترغب في استبدال شريكها التركي بعد أن أصيبت بالإحباط منه، وهذا الموقف يؤكد مرة ثانية كلمات رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون، والذي أعلن في عام 1848 في مجلس العموم قائلاً: "لا توجد لدينا تحالفات أبدية ولا يوجد لدينا أعداء دائمين. مصالحنا فقط هي الدائمة والأبدية، وواجبنا أن نرعى تلك المصالح".
وعندما ظهر في القدس في 22 يوليو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، صرح رئيس الوزراء اليوناني باباندريو قائلاً: "لقد سألني الكثيرون هنا في القدس قائلين: يا رئيس الوزراء لماذا أنت في إسرائيل اليوم، وإجابتي أننا جيران، إننا نعيش في نفس المنطقة ونريد السلام لها، وقد جعلت من هدفي هو عقد المزيد من المبادرات"، والتي تشتمل على دفع عملية السلام في المنطقة. فعلى المشهد الأوروبي فإن باباندريو هو رجل تتخطى مكانته الحدود اليونانية، فالتحالف غير الرسمي من الدول المهتمة في هذا الوقت بالتحدي التركي ربما توفر له حلبة هامة يمكن أن يعمل من خلالها.
كما أن السياحة يمكن أن تمثل دخلاً إضافيًا لليونان تدر عليه عشرات الملايين من الدولارات، فإذا ما استبدل السياح الإسرائيليون أنطاليا كوجهتهم الأساسية باليونان وبالجزر اليونانية، فإن ذلك سوف يكون مصدرًا مفيدًا للعائدات للاقتصاد اليوناني الذي هو بحاجة إلى إعانات مالية كبيرة.
وربما ذلك الخيار اليوناني الجديد لا يمثل بديلاً كاملاً للأصول الاستراتيجية التي ضاعت بسبب تشتت خيارات العثمانيين الجدد، ولكن الخيار اليوناني يمثل بديلاً مثيرًا يستحق العناء والسعي لازدهاره.
http://www.inss.org.il/publications.php?cat=21&incat=&read=4320