• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مطاردة الإسلام..إسلامووبيا أم دينوفوبيا؟

مطاردة الإسلام..إسلامووبيا أم دينوفوبيا؟


يقول مالك بن نبي: " إنّ هناك خبراء في الصراع الفكري أخصائيون في تحطيم الأفكار، تمام مثل أخصائيي الذرة المختصون في تحطيم نواة الذرة"

تلجأ الدراسات التي تعنى برصد الوجود الإسلامي بالغرب إلى استعمال مفهوم الإسلاموفوبيا، لتوصيف حالة الخوف التي تقبع داخل السياسات الغربية، التي تكرس واقع العداء مع الإسلام والمسلمين، وهو وصف قد ينسحب على كل القرارات التي تمتطي هذا السلوك خارج هذه المناطق على الصعيد العالمي.

وربما يجد العديد من المحللين في هذا الخوف المزمن تفسيراً لمجمل السياسات الأمنية التي تنتهجها الدول الغربية في المنطقة العربية، من توجيه للسياسات الخارجية للعرب، والتحكم في مصادر الثروة والقوة في المنطقة.

ولمّا كانت الغاية هي تشويه هذا المكون العقدي والتنقيص من معتنقيه، فإنّ الوسيلة إلى ذلك، مهما كانت، مبررة لأجل تلك الغاية، وهكذا تجتهد الدول الغربية أو بعضها في فرض بعض القوانين، بدعاوى إمّا لها علاقة بمبدأ علمانية الدولة أو حيادية مؤسساتها، أو حماية الحريات الشخصية وإطلاق عنانها في التعبير، حتى صارت وسائل الاعلام الغربية والعربية مؤخراً، تستخدم مصطلح "الإسلاموفوبيا" للتعبير عن وجود حالة رعب وهاجس أمني من الإسلام والمسلمين، الذين يشكلون الديانة الرسمية الثانية، كما أخذ يبرز في تقارير وتحقيقات حول الأديان في أوروبا، ورسميا استخدم المصطلح لأول مرة، على سبيل التنديد، من قبل رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق " جان بيار رافاران " في أحد لقاءاته سنة 2004 مع عميد مسجد باريس "دليل أبو بكر"؛ وعلى نسق "رافاران" فقد تبناه "نيكولا ساركوزي" حينذاك، من موقعه كرئيس لحزب التجمع من أجل الحركة الشعبية ومرشحه لانتخابات الرئاسة؛ وهو ما اعتبر اعترافا بانتشار ظاهرة الخوف من الإسلام في فرنسا، وفي تعليق للخبير الفرنسي في الإسلاميات "إريك جوفرا" والأستاذ بجامعة مارك بلوخ الفرنسية إن السبيل الأكثر جدوى أمام المشاكل الإسلاموفوبية هو مواجهتها لا الهروب منها، وقال هناك أشخاص ومنظمات تقوم بهذا الدور، وهناك العديد من المسلمين الأوروبيين، وعلى الرغم من كونهم غير منظمين بما فيه الكفاية، فإنهم أصبحوا يدافعون عن أنفسهم وولدت العديد من المنظمات التي تفضح الإسلاموفوبيا، معتبرا أنّ الأمر لا يتعلق بالتقليل من الإسلاموفوبيا فهي مشكلة حقيقية وموجودة.

ويبدو أنه كلما بدت هناك تفجيرات إجرامية إرهابية كلما استعر لهيب الحملة التي سيكون وقودها ملف واحد وهو الإسلام والمسلمين المهاجرين إلى أوروبا أو الإسلاميين الأوروبيين نفسهم ، ولم تعد هذه المواضيع حكرا على السلطة التي تمثلها حزب اليمين المتطرف، حيث أصبح هذا الخطاب العنصري الذي كان قبل سنوات قليلة من الطابوهات والذي لم تكن تعطى له المنابر الإعلامية كما هو اليوم لنفث سمومه ولم تكن النخب المثقفة والقوى الحية في البلاد تتسامح مع هذا الخطاب الذي يقسم المواطنين على أسس دينية وعرقية الخ؛ وأمام الإفلاس الأخلاقي لبعض الأحزاب وقياداتها بسبب عدم قدرتها على تقديم برامج انتخابية تستجيب لمطالب وتطلعات ناخبيها، لجأت إلى الحلول الشعبوية بالاصطياد في ماء آسن عكر مليء بالعنصرية والكراهية لتروي ظمأ هذه الطبقات الاجتماعية المسحوقة التي ترزح تحت نير أزمة اقتصادية وتفشي البطالة والفقر وانسداد الأفق لها ولأبنائها، هذه الأحزاب عرفت كيف تجعل من الأجنبي واللاجئ والمسلم كبش فداء لكل علّات المجتمع الفرنسي.

وكأن الفرنسي الأصل اليوم استفاق من سباته بعد عقود من الزمن ليكتشف أن جاره عربي وزميله في العمل مسلم يصوم رمضان ومعلم أبنائه في المدرسة أسود البشرة الخ، وأصبحت هذه المواضيع التي تؤججها الأحزاب السياسية تؤتي أكلها وأصبح المواطن الفرنسي يتبنى شيئا فشيئا خطابا يرفض قيم التسامح والعيش المشترك.

وقد لاحظنا في آخر الخرجات الاستفزازية والعنصرية قال روبير مينار رئيس عمدة مدينة بيزييه ورئيس منظمة مراسلون السابق، في حوار مع قناة فرنسية "أن تكون فرنسيا وهو أن تكون أوروبيا أبيض وكاثوليكيا".

 أما إحدى قيادات حزب "الجمهوريون" اليميني نادين مورانو فصرحت قبل أيام بأنها لا تريد أسلمة فرنسا وعبرت عن خشيتها من الغزو العربي والإسلامي لفرنسا.

وهنا نسوق مثال عن إحدى تمظهرات هذه القرارات فيما يتعلق بمنع الحجاب والأزياء الدينية للمرأة المسلمة، ثم تطور الأمر إلى مراقبة شديدة للمدارس الإسلامية، التي يقضي فيها أبناء المسلمين أيام العطل لتعلم بعض مبادئ الدين واللغة العربية، وانتقل هذا التعسف إلى مراقبة مالية هذه المؤسسات ومصادر دعمها.

لكنّ هذه السياسة بلغت ذروتها مع تواصل الإهانات لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، عبر قضية الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها العديد من الصحف والمجلات الغربية سابقا، وتناولت بعض الأفلام السينمائية جوانب من حياة الرسول الكريم بشكل مبتذل وخسيس.

وهذه الصور النمطية عن الإسلام ونبيه تنبع في نظر المحللين من تواتر العنف، الذي يبدو كأنه يميز حياة المسلمين على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية والدينية، والذي يعكس هو نفسه طبيعة القيم التي تنظم حياتهم، وتجعل منهم مجتمعات مختلفة في توجهاتها وقواعد سلوكها وأهدافها عن بقية مجتمعات العالم.

وسبق للبابا المستقيل بنديكت السادس عشر أن وصف في إحدى محاضراته سنة 2006 الإسلام بأنه رديف العنف، مشككاً في صدقية مفهوم السلام والتسامح عند المسلمين، لوجود نصوص قرآنية تحرض على الجهاد والقتال، وهذا ما سعى بعض المثقفين إلى تأكيده، عندما شددوا على أنّ نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بعكس المسيح وموسى -عليهم السلام- زحف بجيوشه فاتحاً بالسيف والترويع لأجل الغنيمة.

فهي دعاية مغرضة لا تفسر الخوف من الإسلام، إنما توظف هذا الخوف لتبرير سياسات عدوانية مأصولة فكرياً، تتخذ كذريعة لتمرير اختيارات سياسية لا يمكن تبريرها في أي منطق أخلاقي أو قانوني، وهي مقطوعة الصلة مع فكر الأنوار الذي حرر أوروبا من الظلام والاستبداد والتخلف، إنه الخوف من الدين برمته.

إن الإسلام يتراءى كفوبيا في الغرب منذ يبدأ تصوّر الإسلام كآخر من ألدّ الأعداء وتصوّر غيره كآخر وديع فهو وليّ حميم؛ ولذلك فلا بد من دفع اللاوعي الغربي إلى سطح الوعي عبر عيادة نفسيّة تكشف مخابئ الرّهاب الذي أصاب عالما له تاريخ لم يداو بشكل جيّد بسبب تهوّد الأطبّاء، حين اخترق الإسلام الأصولي عاصمة الأنوار اهتز الفرنسيّون جميعهم، لم يكن ذلك خوفا من الإرهاب، أو ذعرا يخفي توجّسا من حركات عنف وهجمات دمويّة فحسب، لم يكن توقّعا مرضيّا لهجمات تحيل عاصمة الموضة إلى عاصمة للفوضى وحسب، وإنّما كان كلّ ذلك – وقبل كلّ ذلك – سليل صدمة فكريّة و نفسيّة في أعمق أعماق الفرنسي الذي اعتقد أنّه حسم مسألة العلاقة بين الدين والدولة منذ أمد بعيد، أو لعلّها طعنة في خاصرة اللاّوعي الغربيّ عموما، ذاك الذي كانت معركته طويلة مع الدين، وقد بات يرى عودة الدين أو عودة الديني كما يقول مارسيل غوشيه، بل لعلّه في أغوار نفسه يتساءل: هل هي عودة الدين إليه أم عودته هو إلى الدين، عودة الابن الضال؟

يبدو أن المواطن الغربي هناك لا يعنى كثيرا بالتفاصيل، فلا يفرّق بين عربي ومسلم وشرقي، لأنّ الدين والعرق والجهة والحضارة تشترك في أنّ صورها تنعكس في مرآته أشباحا للموت، وكلّ من يمتّ بصلة إلى هذا العالم، فهو مصدر الشرّ الكونيّ، الإسلاموفوبيا والعروبوفوبيا والدينوفوبيا والشرقوفوبيا، وغيرها من أمراض الغرور الغربي التي تكاد تكون وباء عاما في الغرب، إلاّ من عصمه الله ممن سمحت له الظروف بأن يطّلع على أصل المأساة الإنسانية في التاريخ الحديث، أمّا السواد الأعظم من جموع العالم الغربي، ففي لا وعيه تاريخ صراع دموي يمتدّ من الحروب الصليبية، ويتواصل إلى أحداث سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية، وما تلاها من أحداث عنف وإهراق لكؤوس الحياة، ثم تعقد المؤتمرات العالميّة لمعالجة معضلة الإرهاب، من أكثر ما يبعث على السخرية – والفكر الموضوعي هو الفكر الساخر كما يقول باشلار – أنّ القوى العالميّة أثبتت أنّها قوى صناعيّة بالفعل – تصنع الحروب، و تصنع الأحزاب، وتصنع الأنظمة، و تصنع المعارضة، وتصنع الأسلحة، وتصنع الأزمات - تصنع كلّ أطر الدمار وتستنبت كلّ بذور القتل ثمّ تنظّم لقاءات دولية لبحث قضايا الإرهاب، عن الإرهاب يتساءلون ؟ و يكون الخوف ويكون العداء، استبطن الفرد الغربي هذا العداء، ولم تفلح الديموقراطية و اتفاقيات حقوق الإنسان والمنظمات العالمية ومعاهدات السلام في التخفيف من هذا الخوف المستبطن، وهل زال نظام التفرقة العنصريّة البغيض من جنوب إفريقيا بعد أن جرّبوا جميع أدوية الحب؟ ذاك أيضا تاريخ طويل من الصراع والعنف والكراهية والدماء، والأرض لا تشرب الدماء، فوضى الموضوع الفلسطيني تحيل إمكانية اللقاء الحضاري الآمن مخبوءة في مصباح علاء الدين، يحتاج العالم إلى معالجة هذه القضية بشكل عاجل وحازم من أجل أن يحافظ على بعض توازنات هذا الكوكب .

العنف الذي تأتيه بعض الفصائل  المسلّحة  التي تتستر بعباءة الإسلام يجعل الذعر الغربي مبرّرا، ولكن حين نقارن الإسلام بالمسلمين فهذا قمة الغباء الذي على الغرب معالجته، وعلى المسلمين أيضا معالجة الإنحرافات العقائدية التي ضيعت المسلمين عن طريق الإسلام.

 ويمكن أيضا أن نقول بأن الغرب له بعض الجوانب المهمة التي تهتم بها بعض المنظّمات الحقوقيّة في فرنسا تبيّن أن نسبة الإرهاب الذي وراءه المسلمون في أوربا مثلا لا يمثّل غير1%من الإرهاب العام الذي تمارسه الدولة والجماعات اليمينية المتطرّفة ومافيات تبييض الأموال و تجار السلاح والمخدرات و الرقيق والأبيض، لكنّ وسائل الإعلام التي تتلاعب بها اللوبيات المعقّفة تأخذ على عاتقها مهمّة تكبير الصور التي تتّصل بالمسلمين، و تضخّم من حجم الحركات العنيفة التي يأتيها بعض المتطرفين، وتؤكّد بعض المنظمات المناهضة للعنصرية (ENAR) أنّ الضغط والتضييق المسلّط على المسلمين يطال بالدرجة الأولى النساء (لجنسهن أوّلا وللباسهن الخاص ثانيا) والمنشآت الإسلامية (المساجد أساسا)، وفي فرنسا على سبيل الذكر، يشتدّ العداء للمسلمين من معظم رجالات السياسة سواء أكانوا من أهل اليمين أو من أهل اليسار، فاليمينيّون يناهضون المسلمين بحجّة أنّهم يمثّلون تهديدا لنمط حياة الفرنسي ولرؤيته للعالم والوجود والمعيش ولصورة فرنسا الحضارية عموما، واليساريّون يتعلّلون بأنّ المسلمين يمثّلون تهديدا صارخا للاّئكية الأثيرة في نفوسهم، هناك إذن شبه اتفاق غربيّ على محاربة الآخر - وهو المسلم بامتياز.

وتتقوّى لدى المواطن الفرنسي حساسية الكراهية تجاه الآخر الذي تنجم له صورة نمطية في الشكل (السمرة، اللحية، الجلباب...) وفي الاسم (محمد، أحمد، علي، أسامة...) وفي الكنية (أبو عياض، أبو حمزة، أبو سيف...).

مصلح الإسلامفوبيا هاجر إلينا، واستشرى الخوف من الإرهاب الأصولي في البلاد العربية أيضا، فأصبحنا نعاني نفس ما يعانيه الغرب، ألا هو الخوف من الغلو المتستر بستار الإسلام نتيجة ظهور الحركات المتطرفة التي تتمظهر بزي إسلامي وتبتعد عن جوهره كبعد الشمس عن الأرض، وإن كان هذا الخوف من صنف آخر، يحتاج منّا إلى فهم هذا الخوف وتمييزه في عالمنا العربي بين بلاد المشرق وبلاد المغرب.

أين تزعزعت عروش الأنظمة الاستبدادية بعد الثورات العربية، انبعثت إلى السطح خفافيش الماضي التي كانت تحتمي بظلمة الزمن الغابر، وضعت دثار الوثوقيّة الرعناء و خرجت تعلن "الجهاد" على العباد، إنّنا بحاجة فعلا إلى طوفان علمي ومعرفي، إلى تأسيس عميق لفكر النقد و الشكّ، إلى تعليم ثقافيّ على أسس التاريخ، إلى تأصيل المعرفة الدينية و العقدية وفقاً لما في القرآن الكريم وسنة رسولنا عليه الصلاة و السلام وليس وفقاً لأهواء البشر.

 

أعلى