• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha

"جماجم" الجزائريين في فرنسا.. نسخة "داعشية"

 

"جنرالات فرنسا هم المعلمون الكبار في القتل والجرائم ضد الإنسانية وسبقوا داعش في قطع الرؤوس وحرق الأجساد".. أوصافٌ ساقها مؤرخون وباحثون جزائريون عقب الكشف عن آلاف الجماجم المحفوظة في أحد متاحف باريس لمقاومين جزائريين قُطعت رؤوسهم، بأوامر جنرالات فرنسيين، في مشهد يحاكي من وجهة نظرهم ما يفعله التنظيم الإرهابي "داعش" في عصرنا الحالي بل "فاقه"، ليعكس إرهاباً يعود عمره إلى القرن الـ19.

تلك الجماجم أحيت "جرائم" لم تُدفن ارتكبها الاستعمار الفرنسي وطالت مناطق بالجزائر هجر بعضها وأُبيد سكانها لتنقطع سلالة المقاومين فلم يعد لهم أحفاد يتوارثون تاريخهم سوى باحثون من منطقة "ليشانة" التي يقول مؤرخون إنها كانت مهد "ثورة الزعاطشة" الشعبية عام 1849 .

والأسبوع الماضي، بثت قناة "فرنسا 24"، تقريراً كشفت فيه عن 18 ألف جمجمة محفوظة بمتحف "الإنسان" في باريس، منها 500 فقط تم التعرف على هويات أصحابها، من ضمنهم 36 قائداً من المقاومة الجزائرية قُتلوا ثم قُطعت رؤوسهم من قبل قوات الاستعمار الفرنسي أواسط القرن الـ 19.

ولم يُكشف بداية سر هذه الجماجم سوى في مارس/ آذار 2011، على يد الباحث الجزائري المقيم في فرنسا "علي فريد بالقاضي"، وفي العام نفسه صدرت عريضة تطالب باسترجاعها، غير أنها لم تلق رواجاً كبيراً، لكن في مايو/ أيار الماضي، تمكن "إبراهيم سنوسي" الأستاذ الجزائري في جامعة "سيرجي بونتواز" الفرنسية من جمع قرابة 30 ألف توقيع لاسترجاع بلاده لهذه الجماجم.

"منظمة المجاهدين" الجزائرية (شبه حكومية تضم المقاومين الذين حاربوا فرنسا) وعلى لسان رئيسها، سعيد عبادو قال للأناضول، إنه "لم يقرأ في التاريخ أن قوماً قطع رؤوس آلاف البشر وخبأوها في متحف طيلة ما يزيد عن قرن ونصف إلا في فرنسا".

"عبادو" وصف إخفاء فرنسا لهذه الجماجم بأنه "جريمة لا تُغتفر وظلم لا مثيل له"، مطالباً السلطات الفرنسية بإعادتها لدفنها في أرضهم طبقاً لاتفاقية إيفيان (بين الجزائر وفرنسا والتي انتهت بالاستفتاء على تقرير المصير واستقلال الجزائر في 5 يوليو/ تموز 1962).

وأشار إلى أن "السلطات الجزائرية أرسلت وفداُ إلى فرنسا في يناير/ كانون ثان 2016، ترأسه وزير المجاهدين الطيب زيتوني الذي قال إن هناك أملاً لاسترجاع الجماجم".

وتابع: "الفرنسيون يحملون فكراً استعمارياً، ونحن لا نأمن جانبهم ونستعد لهم"، مستدركاً بالقول "نحن نعمل للتعامل مع فرنسا على أساس الند للند والمعاملة بالمثل، خاصة وأن 138 ألف جزائري شاركوا في تحرير فرنسا (من الغزو الألماني) خلال الحربين العالميتين الأولى (1914/ 1918) والثانية (1939/ 1945)".

ولفت إلى "اعتراف فرنسا بذلك من خلال دعوتها الجزائر للمشاركة في الاحتفال بانتصار فرنسا على النازية (في 14 يوليو/ تموز 2014)، لأن الجزائريين شاركوا بدمائهم في الدفاع عن استقلال فرنسا".

وجندت الجزائر خلال الحربين العالمية الأولى والثانية عشرات الآلاف من الجزائريين ودفعت بهم في الصفوف الأمامية لجبهات القتال، حيث قتل منهم الآلاف في المعارك ضد الألمان.

والأسبوع الماضي، قالت الخارجية الفرنسية، إن باريس والجزائر تجريان "حوارا وثيقًا"، وتعملان في إطار "مناخ من الثقة، بشأن جميع القضايا ذات الصلة بالذاكرة، بينها إعادة نحو 50 جمجمة تحتفظ بها باريس في خزانات معدنية بالمتحف، بعيداً عن الزوار"، وهو ما كان قد صرح به الوزير زيتوني في يوليو/تموز الماضي بأنه تم تشكيل لجان مشتركة بين الطرفين بهدف "الإسراع في استرجاع جماجم هؤلاء المقاومين".

وأبدى الوزير استغرابه من "أن بلداً كفرنسا التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان تضع رؤوسا قطعها المستعمر ببشاعة ووحشية وفعل لا يقترفه إلا الإرهاب في متاحف لتقدم للزوار"، واصفاً ما اقترفته فرنسا "بعمل يبرز أقبح صورة عرفها تاريخ البشرية".

 من جهته، رأى عمار سعداني، الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم في الجزائر، أن إخراج فرنسا قضية جماجم المقاومين الجزائريين إلى العلن، بمثابة "إهانة" للجزائريين.

وتساءل في تصريح أمس الخميس، "لماذا نلاقي إهانات جديدة من دولة (فرنسا) تقول إنها صديقة؟". وواصل تساؤلاته: "لماذا أخرجوا قضية جماجم مقاومين جزائريين موجودة في متحف بباريس إلى العلن؟".

وتابع: "لقد أسموه متحف الإنسان مع أنه كان يجب أن يسمى متحف الحيوان لأن فيه إهانة لأشرف رجال الجزائر".

"الطيب الهواري" رئيس منظمة أبناء الشهداء (يتامى المقاومين الذين قتلتهم فرنسا)، قال من جانبه إن "العالم سيكتشف مرة أخرى أن فرنسا التي خرجت بعد الحرب العالمية الثانية في 1945 لتندد بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها النازية هي ذاتها التي نفذت نفس الجرائم ضد الجزائريين ولا زالت تنفذ مزيداً من الجرائم إلى يومنا عبر عدم الكشف عن الحقيقة".

ووصف "الهواري" إخفاء الجماجم بأنه "جريمة دنيئة وغير أخلاقية"، مشدداً على ضرورة استرجاعها مع الأرشيف الجزائري الذي استولت عليه فرنسا خلال الفترة الاستعمارية.

وحول محاولة الفرنسيين خاصة من اليمين المتطرف إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، اعتبر أن "الفرنسيين يكشفون أمام التاريخ أن الاستعمار سبق داعش في قطع الرؤوس وحرق الأجساد"، مضيفاً "الإنسانية والتاريخ يكشفان أن جرائم قطع الرؤوس ليست من تصرفات المسلمين، ولكنها منهم (الفرنسيين)، وتم إلصاقها بنا".وأشار في هذا الصدد إلى أن "1600 عائلة جزائرية من قبيلة أولاد رياح، أبادها الفرنسيون بالدخان في القرن التاسع عشر، في جبال الظهرة، بولاية مستغانم (غرب)".

ووقعت ما يُسميه الجزائريون "محرقة أولاد رياح"، على يد العقيد الفرنسي "إيمابل بيليسيي"، في 19 و20 يونيو/ حزيران 1845، الذي حاصر نساء وأطفالاً ومدنيين في مغارة فروا إليها في جبال الظهرة، فأشعل العساكر الفرنسيون النار في مدخلها حتى لقي جميع من فيهم حتفهم اختناقا بالدخان، وأبيدت حينها قبيلة أولاد رياح بأكملها، بحسب مؤرخين.

على نفس الخط سار المؤرخ الجزائري، "مصطفى نويصر"، في وصفه للاستعمار الفرنسي لبلاده، قائلاً: "لو نفتح سجل فرنسا في الجزائر لن نصاب بالدهشة ولكن بالصدمة"، لافتاً إلى أن "فرنسا لم تقم بقطع الرؤوس فقط بل حرقت الإنسان وقتلت الجزائريين بالدخان".

ونوه "نويصر" أن "بعض المؤرخين قارنوا ما قامت به فرنسا في الجزائر بجرائم أدولف هتلر (زعيم النازية في ألمانيا)، فوجدوا أن جرائم فرنسا تفوق جرائم النازية".

ومضى في قوله "جنرالات فرنسا هم المعلمون الكبار في القتل والجرائم ضد الإنسانية"، داعياً إلى "إبراز مثل هذا النوع الوحشي من الجرائم للرأي العام العالمي (..) هذا سلاح في أيدينا لكي نقول للغرب أن جرائمه تفوق جرائم داعش، وبعض الأطراف في العالم الإسلامي".ولفت إلى انتشار صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، تنشر صوراً لجرائم فرنسا في الجزائر مقابل صور لجرائم "داعش" في سوريا والعراق، معتبراً أن "هناك صحوة تجاه هذه الجرائم تقول للفرنسيين أنتم الذين صنعتم الإرهاب بوحشيتكم، هو ردة فعل عن الممارسات الوحشية للاحتلال".

"مجزرة" الزعاطشة

وتعد مجزرة واحة الزعاطشة (بلدة ليشانة حاليا في ولاية بسكرة) أبرز الجرائم التي اُرتكبت إبان الاستعمار الفرنسي وتعود وقائعها إلى 26 نوفمبر/ تشرين أول 1849، عندما هاجم الجنرال "هيربيون" الواحة التي كانت معقل الشيخ "بوزيان" قائد ثورة الزعاطشة، بقوات بلغ إجمالها 8 آلاف عسكري، وبعد يومين من الحصار والقصف بالمدافع، تمكنت القوات الفرنسية من تدمير الواحة بالكامل، وقطع 10 آلاف نخلة، وإحصاء 800 جثة لشهداء جزائريين وعدد آخر غير معروف تحت الأنقاض.ومن بين الشهداء كان الشيخ "بوزيان"، أما الجيش الفرنسي فخسر حسب بعض المصادر 165 جندياً وإصابة 790 آخرين.

مصادر جزائرية تحدثت عن "إبادة" سكان "الزعاطشة" عن بكرة أبيهم، لكن لا يوجد ما يؤكد أو ينفي بقاء أحفاد لسكان الواحة أو للشيخ بوزيان الذي قتل ابنه وعمره 16 سنة، وقطع رأسه هو الآخر.

 

الصحفي الجزائري "حفيظ صواليلي"، وفي دراسة نشرها بجريدة "الخبر" يوم 5 يوليو/ تموز 2015، قال إنه "بعد معركة الزعاطشة التي خاضها المقاومون من 16 يوليو إلى 26 نوفمبر/ تشرين ثان 1849، على بعد 30 كلم جنوب غرب مدينة بسكرة (جنوب شرق)، قرر العسكريون الفرنسيون قطع رؤوس القادة منهم بوزيان، والشريف موسى الدرقاوي، وعرضها في إحدى الثكنات، ثم الأسواق ببسكرة لمدة ثلاثة أيام، لتكون حسب المحتل الفرنسي عبرة لمن يتجرأ على مقاومة بلاده".

وتابع صواليلي: "ولأن هؤلاء المقاومين وغيرهم مثلوا رموزا لرفض المحتل، احتفط الفرنسيون برؤوسهم المقطوعة بطريقة مذلة".وفي مايو/آيار الماضي، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية نداء لمثقفين فرنسيين وقعوا عريضة للمطالبة بإعادة جماجم المقاومين الجزائريين إلى الجزائر، مشيرة في الموضوع الذي عنونته بـ"جماجم المقاومين الجزائريين لا مكان لها في متحف باريس"، بمصادقة البرلمان الفرنسي على قانون يسمح بإعادة جماجم محاربي "الماوري" في 2010 الذين تم الاحتفاظ بهم بفرنسا إلى موطنهم كاليدونيا الجديدة.

لكن مدير المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس "ميشال غيرو"، قال في يونيو/حزيران: "نحن مستعدون لدراسة طلب تسليم جماجم الجزائريين المحفوظة في متحفنا"، مشيرا إلى "عدم وجود أي عائق قانوني لتسليمها"، حسبما أفادت به وكالة الأنباء الجزائرية.

"بن يوسف تلمساني" رئيس المجلس العلمي للمركز الجزائري للبحث في التاريخ (حكومي) الذي طالب باستعادة تلك الجماجم قال إنه "من الصعب اليوم تحديد خارطة لأحقاد هؤلاء المقاومين الجزائريين الذين توجد جماجمهم في متحف باريس لسببين رئيسيين".

السبب الأول يكمن في أن "هؤلاء المقاومين لم يكونوا بالضرورة أبناء المنطقة التي وقعت فيها ثورات شعبية ضد الاستعمار، ولكنهم تنقلوا من مناطق أخرى لمؤازرة إخوانهم ضد بطش المحتل وظلمه، وقُتلوا في معارك ومجازر لتنقطع أخبارهم عن أهلهم في مناطق أخرى".

أما الثاني فهو معروف لدى كافة الباحثين في التاريخ، بحسب "تلمساني" وهو أن "الاستعمار الفرنسي انتهج منذ دخوله الجزائر سياسة تهجير واسعة النطاق وحتى إبادة قرى بأكملها ضد السكان استمرت إلى غاية خروجه عام 1962 وكان يكسر قبائل وبنقل أفرادها إلى مناطق أخرى وحتى خارج البلاد من أجل كسر شوكة أي مقاومة لوجوده".

"محمد بلحي" وهو باحث في التاريخ من منطقة بسكرة التي شهدت ثورة الزعاطشة في القرن التاسع عشر ، قال إن "سكان المنطقة أبادتهم فرنسا عن آخرهم ومن الصعب الحديث الآن عن سلالتهم وأحفادهم".

"ندير بولقرون" وهو مدير صحيفة "صوت الأحرار" التابعة لحزب "جبهة التحرير الوطني" (الحاكم) في الجزائر و ينحدر من منطقة "ليشانة" التي يقول مؤرخون إنها كانت مهد ثورة الزعاطشة الشعبية عام 1849.

يقول "بولقرون" أن "هذه المنطقة شهدت ما يمكن أن نسميه إبادة جماعية كاملة أرضاً وبشراً ونخيلاً من قبل الفرنسيين".

وروى المتحدث هذه المعركة والتي عمل بشأنها بحوثاً عدة سابقاً "كما هو معلوم تاريخياً في 26 نوفمبر/ تشرين ثان 1849 وعلى إثر الهجوم الكبير الذي قامت به قوات الاحتلال الفرنسي، حيث إن مصادر فرنسية تحدثت عن قيام 8 جنود فرنسيين بهذا الهجوم ...تم تجميع أهل القرية وتم قتل الشهيد بوزيان الذي استشهد على أرض المعركة شاهراً سيفه في مواجهة قوات الاحتلال وتوفي ابنه والشيخ درقاوي معه".

وأردف "للدلالة على جرائم الاحتلال قامت السلطات الفرنسية بقطع رؤوس الشهداء الثلاثة وتم التنكيل بهم ونُقلت إلى بسكرة (30 كلم من منطقة الزعاطشة) وتم تعليقها على مرأى من الملأ لثلاثة أيام في محاولة لترويع وقهر الجزائريين وكرسالة أن المقاومة قد انتهت".

وأشار "بولقرون" إلى وجود عريضة في إطار مسعى استعادة جماجم الجزائريين كلها من باريس، وقد تم التوقيع عليها من طرف شخصيات تاريخية وأكاديمية بالتعاون مع جمعية مشعل الشهيد (غير حكومية)، وأنهم بصدد تفعيلها، إلى جانب أنهم قرروا بمناسبة ذكرى 26 نوفمبر/تشرين ثان القادم والمصادفة لذكرى ثورة الزعاطشة تأسيس جمعية تهتم بجمع الوثائق حول تلك الثورة.

 

قناة البيان المرئية

أعلى