تناقضات الأمم المتحدة في اليمن
تمرُّ المنظمة الدولية "الأمم المتحدة" ووكالاتُها المتفرعةُ عنها كاليونيسف وملحقاتِها بحالة من التردي والتناقض وعدم المصداقية في التعامل مع كثير من الملفات العالمية.
وإذا كانت تعيش حالة التناقض على المستوى العالمي بشكل عام، فإنها في اليمن تمارسه بكل فجاجة وتتحول في أوقات كثيرة إلى طرف مشارك في الحرب بطريقة أو بأخرى، خصوصاً مع تكرار الفضائح التي صدرت عنها مؤخراً وكشفت عنها وسائل الإعلام.
ولم تأتِ اتهامات بعض أطراف الشرعية اليمنية للمنظمة الدولية بدعم الانقلابيين الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح من فراغ، بل جاءت نتيجة وقائعَ حقيقةٍ تجري على الأرض من خلال تعامُل مندوبي الأمم المتحدة مع زعماء وقادة الانقلاب في اليمن والتعامل معهم كسلطة شرعية، فضلاً عن غض الطرف عن كثير من ممارساتهم العنيفة تجاه المواطن اليمني وكل من يعارضهم في الفكر والرأي.
ولعل أبرز ما كُشف عنه خلال الأيام الماضية، هي تلك الوثائق التي نشرتها قناة الجزيرة التي كشفت تعامل الأمم المتحدة مع قادة الانقلاب، حيث تكشف إحدى الوثائق التي تخاطب فيها المنظمة أحد قيادات الحوثيين بصفته قائماً بأعمال وزير الخارجية في الوقت نفسه الذي تعترف فيه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالدكتور عبدالملك المخلافي وزيراً لخارجية اليمن في الحكومة الشرعية المعترف بها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
والأدهى من ذلك أن تلك الوثيقة خاطبت القيادي الحوثي باعتباره سلطةً حقيقيةً وطالبته أن يقدم للمنظمة الدولية معلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، وتلك جريمة بحد ذاتها؛ إذ كيف يمكن أن تضمن الأمم المتحدة من جماعة الحوثي أن تقدم لها معلوماتٍ حقيقيةً عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن في الوقت الذي تمارس فيه الجماعة نفسَها أبشع أنواع الجرائم بحق الإنسان اليمني.
ويبدو أن الأمر هذا قد تحقق فمن خلال متابعة تقارير الأمم المتحدة تبين أن هناك نظرة قاصرة للأحداث في اليمن، وهناك تجنٍّ واضحٌ على الوقائع في الأرض، وتغافلٌ عن الجرائم الإنسانية التي تمارسها جماعة الحوثي وحليفها صالح حيث تمتلئ السجون بالمعتقلين من السياسيين والناشطين والإعلاميين ومشايخ القبائل والمواطنين العاديين، فضلاً عن مقتل الآلاف من المدنيين وحرمان كثير من المواطنين من حريتهم والزج بكثير من الأطفال في أتون الحروب.
وتقول المعلومات الخاصة إن منظمة الأمم المتحدة تعتمد على ناشطين ومنظمات محلية أغلبها موالية للحوثيين في تنفيذ تقارير ميدانية وكذلك في توزيع المعونات الإنسانية، وهو الأمر الذي انعكس على تقاريرها النهائية. ومن ذلك التقرير السنوي للأمم المتحدة؛ حيث تم إدراج التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على اللائحة السوداء التي تنتهك حقوق الأطفال.
بل إن تقرير الأمم المتحدة حمَّل السعودية والتحالفَ العربي المسؤوليةَ عن حصيلة القتلى من الأطفال في اليمن وتناسى كلَّ الجرائم التي قام بها الحوثيون من تجنيدهم للأطفال القاصرين في المعارك وقتلهم آلاف الأطفال في تعز وعدد من المدن اليمنية. وهو الأمر الذي أزعج المملكة العربية السعودية، التي راحت تحذر الأمم المتحدة من مغبة تصرفها في هذا الاتهام غير المبرر في الوقت الذي تتلقى المنظمة دعماً سنوياً من السعودية بما يقابل نصف مليون دولار، وقال عسيري الناطق الرسمي للتحالف العربي إن تقارير الأمم المتحدة تناقض قراراتها بشأن الأزمة اليمنية.
ولعل الأمم المتحدة بسبب الضغوط من قبل التحالف العربي، وبعد الفضيحة التي ارتكبتها سارعت إلى إعلان رفع اسم التحالف العربي من القائمة السوداء بشأن انتهاك حقوق الأطفال، وجاء الرد السعودي على الأمم المتحدة بالإفراج عن 52 طفلاً من الأطفال الذين جندهم الحوثي في الحرب على الحدود السعودية في رسالة واضحة أن من ينتهك حقوق الأطفال هم الانقلابيون وليس التحالف العربي الذي جاء لمساندة الشرعية بموافقة دولية.
وقالت الأمم المتحدة في بيان رسمي لها: إن الرفع المؤقت للتحالف العربي من القائمة السوداء يأتي انتظاراً لمشاركة تجريها الأمم المتحدة والتحالف بشأن حالات الوفاة والإصابة بين الأطفال في الغارات على اليمن.
لكن السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي أكد أن قرار رفع اسم التحالف العربي من قائمة منتهكي حقوق الأطفال في اليمن نهائي، مؤكداً أن تقرير الأمم المتحدة أغفل دور المملكة والتحالف في استعادة الشرعية والمساعدات الإنسانية الضخمة لليمنيين.
تناقضات الأمم المتحدة لا تنتهي، ولعبها على المكشوف في دعم الحركات الشيعية والانقلابات العسكرية لا تتوقف، فقبل أيام أعلنت عدد من الناشطات اليمنيات انسحابهن من "تكتل التوافق والسلام النسوي" الذي أنشأته الأمم المتحدة في اليمن، وأرجعت الناشطات أسباب انسحابهن من هذه التكتل إلى عدم مصداقية ما يصدر عن الفريق بشأن القضايا الإنسانية والبيانات الصحفية الصادرة عنها، وسكوت الأمم المتحدة على جرائم الحوثي في تعز.
ليس هذا فحسب بل إن الأمم المتحدة اشترطت على أطراف الحوار في الكويت أن تستقبل قرابة سبع نساء من الناشطات من أجل دعم حوار الكويت، وعند البحث عن هؤلاء النسوة تبين أنهن من النساء اللواتي يعملن مع الأمم المتحدة ووكالاتها في اليمن، وأغلبهن من التيار الليبرالي الموالي للحوثيين.
وزاد على ذلك إصرار الأمم المتحدة على بقاء جورج أبو الزلف رئيس مكتب مفوضية حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في اليمن رغم أن الحكومة اليمنية طالبت قبل أشهر بتغييره بناء على معلومات متواترة تؤكد تورطه في تجاهل الانتهاكات والجرائم المستمرة التي يقوم بها طرف الانقلاب المتمثل بمليشيا الحوثيين وصالح، ووعدت الأمم المتحدة بتحسين أداء مكتبها باليمن لكن هذا لم يحدث حتى الآن.
هذا غيض من فيض من واقع مُعاش تمارسه الأمم المتحدة وفرقها في اليمن، وليس أمراً مستغرباً؛ فكل تجارب هذه المنظمة في المنطقة العربية تكاد تكون متشابهة.