محاربة "فوبيا" الإسلام بالتواصل مع غير المسلمين
بعد أن تتبعت عشرات استطلاعات الرأي في بعض الدول الغربية لقياس ما إذا كان ثمة علاقة بين المعرفة بالمسلمين والتواصل معهم من جهة والنظرة للإسلام والمسلمين من جهة أخرى، تُبين العلاقة الطردية الواضحة بأنه كلّما زادَ التواصلُ مع غير المسلمين، انعكس ذلك إيجاباً على نظرتهم للإسلام.
فقد كان رأي الكنديين حسب Environics Research Groupالتي استطلعت أكثر من ألفي كندي، أن (66%) من أولئك الذين أجابوا بأن لديهم تواصلا "كثيراً" مع المسلمين، انطباعهم إيجابي –عموماً- عن دين الإسلام. أما الذين أجابوا: بأنه لا يوجد تواصل مع المسلمين؛ فكانت نسبة الانطباع الإيجابي لديهم (28%) فقط.
وهذا ينسجم مع رأي الأمريكيين حسب استطلاعات ABC News/Washington Post، حيث تبين أن العلاقة بين المعرفة بالمسلمين والعاطفة الإيجابية تجاههم طردية. وفي الإجمال، نجد أن الأشخاص الذين يشعرون بأنهم يفهمون الإسلام، أو لديهم صديق مسلم، أكثر قابلية للنظر إلى الدِّين الإسلامي بإيجابية بـ22 نقطة، وأكثر قابلية لأن يروه ديناً مسالماً، مقارنة بأولئك الذين ليس عندهم فهم أساسي أو صديق مسلم.
وعادة ما يقال للعاملين في مجال الدراسات بأننا نعيش في برج عاجي من المثالية وننّظر بعيدين عن الواقع، وأجد نفسي أضرب هذا المثال لكيفية تأثير الدراسات والنتائج في السلوك، وسدَ الفجوة بين الدراسات والممارسة، فأذكر تجربتي حينما توصلت لهذه النتيجة وأنا في المراحل النهائية من إعداد كتابي "كيف ينظرون إلينا؟ ...الإسلام والمسلمون في استطلاعات الرأي العالمية" والعلاقة بين زيادة العلاقة مع غير المسلمين بالصورة الايجابية عن الإسلام، (ص 91-92، نشر مركز البيان للبحوث والدراسات)، حيث أصبحت أحض بعدها على التواصل مع غير المسلمين قدر المستطاع إلى درجة المبالغة أحياناَ بالمرور على مكاتب الموظفين في جامعة دلالوير، والسلام على الزملاء سابقين من الأساتذة والموظفين والموظفات، والتعريف بأني من بلاد العرب والإسلام، وما زلت أتواصل مع بعضهم، والحرص على زياراتهم كلما سنحت الفرصة، بل أعيد التواصل مع بعض أصدقاء الطفولة ممن درسنا معا قبل ما يزيد عن عشرين عاماً في إحدى المدارس الأمريكية، وكم شعرت بثمرات إحياء هذه العلاقة معهم.
حينما تسأل البعض عن سبب إسلامهم، عادة ما تسمع "قصص المسلمين الجدد بصمت"، وهم الذين أسلموا دون أن يدعهم أحد! كحال الأستاذ البريطاني في كليه ABBEY، حينما قال لنا قبل سنوات أنه سكن مع طالب مسلم، ولم يحدثه كلمة عن الإسلام حتى أسلم بسبب تصرفات هذا المسلم! وإسلام بعض شعوب الدول الأفريقية وجنوب شرق أسيا بتعاملهم مع أخلاق التجار المسلمين معروفة في التاريخ.
وكما تقدم بعض المجالس الإسلامية المحلية في الدول غير الإسلامية أنموذجا رائعاً في التواصل الجماعي، وبناء العلاقة مع غير المسلمين من خلال الزيارات المتبادلة واللقاءات، وإقامة دعوات العشاء كتلك التي حرصت على حضورها قبل أيامAnne Arundel County Muslim Bi-Annual Dinner، وأعجبني حجم الترابط مع المجتمع المحلي، ومشاركة ممثلين عن المؤسسات المحلية بمختلف أنماطها الحكومية والخاصة وغير الربحية.
مقابل هذه النماذج المثالية ثمة أمثلة أخرى تسئ للإسلام وسهلت ربطه بالعنف والتطرف ما لا يمكن نكرانه وتجاهله بغض النظر عن الظروف التي صنعت هذا التطرف، ومنها ازدواجية الغرب نفسه، وكذلك الذين يقدمون صورة سلبية بعلاقاتهم وسلوكهم حتى وصلت -كما حدثني أحدهم أثناء فترة ابتعاثه- بأنهم كانوا إذا ارتكبوا خطأ، مثل فوضى وصوت عالي في سكن الجامعة، لا يجدون سبب لحماية أنفسهم –بكل أسف- إلا أنهم يقومون بعبادة دينية! وعندها لا تجد إدارة السكن إلا احترام دينهم وتصفح عنهم!
ورغم ازدياد حالة الانعزال التي أصبح يفضلها الكثير من المسلمين في الدول غير الإسلامية مع ظاهرة التخويف من الإسلام (الإسلام فوبيا)، كما توصلت إليه من خلال نتائج استطلاعات رأي أخرى في الكتاب نفسه، لا بد أن تستمر وسيلة الدعوة الصامتة بتواصلنا مع غير المسلمين واثقين من ديننا وناشرين لقيمنا، فهذا لمصلحتهم ومصلحتنا.