هزيمة داعش في سوريا مسألة وقت
"هآرتس"
على قمة جبل الشيخ السوري، الذي شكل على مدار عشرات السنوات خط الدفاع الأول للجيش السوري أمام مواقع الجيش الصهيوني، لم يتبق أيُّ ذكر للجيش السوري؛ فلقد غادر آخر المحاربين السوريين مواقعهم في الجانب السوري منذ الشتاء الماضي، بفعل صعوبة وصول الإمدادات، إلى جانب حاجة نظام الأسد إلى تركيز الدفاع عن أصول أخرى، أكثر مصيرية بالنسبة له. الجهة الوحيدة التي تبقت على الجبل هي قوات المراقبين الدوليين، من فيجي.
عملياً لم تتبق اليوم على امتداد الحدود السورية الصهيونية أي نقطة يجلس فيها جنود صهاينة مقابل الجنود السوريين مباشرة. وإلى جانب الحضور الضئيل للجيش السوري في القنيطرة، بقيت قرية الخضر الدرزية هي الجيب الوحيد الذي يسيطر عليه النظام حالياً. كما أن الحضور العلني هناك أيضاً، هو لميليشيات درزية محلية تركز على حماية السكان، رغم أن الحكومة الصهيونية تقدر بأنه تعمل هناك أيضاً خلايا ترتبط بالجيش السوري وحزب الله والحرس الثوري الإيراني. أما المواقع العسكرية الرسمية للجيش السوري فتقوم إلى الشمال من هناك، على مقربة من الرواق الذي يربط القنيطرة والخضر مع العاصمة دمشق.
بعد أكثر من شهر على وقف إطلاق النار الذي تم إعلانه في سورية، بدأت تتحقق – ببطء كبير يفوق المتوقع – تقييمات الجهاز الأمني بشأن انهيار وقف إطلاق النار. فقد استؤنفت المعارك في مناطق مختلفة، حول اللاذقية في شمال غرب طريق منطقة حلب، وحتى درعا في الجنوب، ولكن بشكل منخفض قياساً عما كان قبل وقف إطلاق النار.
حقيقة كون اتفاق وقف إطلاق النار لا يشمل تنظيمات المتمردين الأكثر تطرفاً كجبهة النصرة، وداعش، فإنه يسمح للنظام السوري ولسلاح الجو الروسي، ليس بمواصلة مهاجمتها فقط؛ وإنما بجر فصائل متمردة أخرى إلى الحرب، ترتبط أحياناً بالتحالفات المحلية مع جبهة النصرة. وهناك فصائل أخرى لم تنضم حتى اليوم إلى الاتفاق لأسباب مختلفة. حسب المعطيات صهيونية، فإن قرابة 40 فصيلاً من أصل أكثر من 100، التزمت بالاتفاق، وحتى الجولة القادمة من المفاوضات في جنيف، يوم السبت القادم، ليس من الواضح ما الذي سيتبقى من الاتفاق.
في الكيان الصهيوني يتعاملون بتشكك مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إخلاء قواته من سورية. لقد قام الروس - عملياً - بإخلاء كتيبة واحدة من طائراتهم في منطقة طرطوس واللاذقية، في القطاع الساحلي، شمال غرب سورية. وبقيت في سورية حوالي 20 طائرة هجومية وأربع طائرات اعتراض. كما يقوم الروس بتفعيل طائرات حربية متقدمة. ولم تتوقف هجماتهم الجوية، رغم انخفاض متوسط الهجمات من 200 -300 هجوم يومياً إلى حوالي 100 هجوم.
إعلان بوتين عن إنهاء العمليات العسكرية هدف - كما يبدو - إلى دعم الخطوة السياسية التي بادر إليها في جنيف. وعلى الرغم من أن فرص نجاحه تبدو منخفضة، إلا أنه من الواضح أن روسيا رسخت نفسها كمن تقود الخطوات في سوريا، سواء في القناة العسكرية أو السياسية. لقد كانت موسكو هي التي أمنت استقرار خطوط الدفاع للنظام السوري، وبعد ذلك تقدُّم قواته لاحتلال مناطق صغيرة في أنحاء الدولة، بفضل عمليات القصف الجوي منذ تشرين الأول الأخير وحتى شباط.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ينجرَّان إلى تقديم دعم معين للخطوة السياسية، بدون مفر. الأمريكيون لا يزالون يطالبون بإقالة الرئيس الأسد استمراراً لجهود تهدئة الحرب. ولكن هذا الطلب ليس فورياً بالضرورة. في المقابل يسود الانطباع في جهاز الأمن الصهيوني بأنه إذا تقدمت المفاوضات وكان من الممكن تحقيق خطوات ديبلوماسية، فإن بوتين سيوافق على التضحية باستمرارية الأسد، شريطة بقاء النظام الحالي، وبذلك يضمن استمرارية السيطرة الروسية على ميناء طرطوس على ساحل البحر المتوسط.
في جانب واحد يسود فيه التفاؤل الحذر في الكيان الصهيوني، إنها فرصة هزيمة داعش، على الأقل في سورية. الهزيمة التي مُني بها التنظيم على أيدي نظام الأسد عندما اضطر إلى الانسحاب في نهاية مارس من مدينة تدمر شرق البلاد، ولم تكن صدفة. داعش تواجه صعوبة في مواصلة السيطرة على المناطق الواسعة، خاصة في سوريا. لقد وجد التنظيم نفسه يخوض الحرب مع أكثر من جهة (الولايات المتحدة، روسيا، دول أوروبية، تركيا، نظام الأسد، وكثير من الدول العربية وتنظيمات الفصائل، بما فيها الفصائل الكردية). التحالف الذي يهاجم داعش يتمتع بتفوق جوي مطلق، والعمليات التي بادر إليها تنظيم داعش أو وقعت بإلهام منه في باريس وبروكسل وكاليفورنيا وسيناء، زادت فقط من العداء له. كما مُني داعش بضربة اقتصادية صعبة بسبب الأضرار التي لحقت بآبار النفط وبمنظومته المالية.
وقال مصدر أمني رفيع لصحيفة "هآرتس": "هزيمة داعش باتت مسألة وقت. إنها مرتبطة في الأساس، بتحسين التنسيق بين القوى العظمى وتنظيمات الفصائل التي تحاربه، سواء السنة "المعتدلون أم الأكراد". الانطباع الصهيوني هو أن التنظيم لا يستطيع مواجهة هذا العدد الكبير من الجبهات، ويُتوَقع انسحابه تحت الضغط من مناطق أخرى في شرق سورية. الخطوة العسكرية ضده في العراق، التي يُتوَقع أن تركز في الأشهر القريبة على محاولة احتلال مدينة الموصل، سترتبط بمصاعب كثيرة، ولا يشك أي شخص في أجهزة الاستخبارات الصهيونية، والغربية، بأن داعش ينوي تفعيل المزيد من الخلايا الإرهابية في أوروبا، بل ربما خارجها أيضاً، استمراراً للعمليات التي بادر إليها في الأشهر الأخيرة.