الدولة الصفوية (تهجير أهل السنة في العراق)
الحمد لله العزيز العليم، القوي المتين؛ يملي للظالمين، ويقصم المتجبرين، وينصر المستضعفين، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله كشف كربات المؤمنين، والنجاة للمستضعفين، والنصر على أعداء الملة والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم الحكيم؛ أمره نافذ في خلقه، وحكمته ثابتة في أفعاله، ولا يقضي قضاء إلا كان خيرا لعباده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أوذي في ذات الله تعالى، وأخرج من بلده، وشج رأسه، وكسرت رباعيته، وقتل عمه، وأوذي أصحابه، ولم يفتَّ ذلك في عضده، ولا رده عن دعوته، حتى نصره الله تعالى على أعدائه، وأظهر دينه على الدين كله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا نقمته فلا تعصوه؛ فإن المحن التي تتوالى على المسلمين، والفتن التي تحيط بهم، وتكالب الأعداء عليهم، كل ذلك يوجب التفكر والاعتبار، ومراجعة النفوس، وتجديد التوبة، وإحسان الظن بالله تعالى مع إحسان العمل، فلن يهلك على الله تعالى إلا هالك {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى:30] .
أيها الناس: لا شيء أشد على نفس الحر من الذل والهوان، ولا مصيبة أعظم من الخذلان؛ فإن الخذلان إذا أحاط بالعبد لازمه الخسران، وغشيه الذل من كل مكان. ولا خذلان أبين من تسلط أعداء لا يخافون الله تعالى، ولا يرحمون ضحاياهم، بل يعتقدون أن كل أذى يلحقونه بهم فهو قربة يتقربون بها.
والأمة الباطنية بشتى مذاهبها وطوائفها قد نكّلت عبر تاريخها الطويل بمن سلطت عليهم من المسلمين أشد النكال، وأذاقتهم مُرَّ العذاب، وأنزلت بهم الذل والهوان. لا يرحمون في امرأة ضعفها، ولا تحركهم دموعها واستغاثتها، ولا يوقرون في عجوز شيخوخته، ولا ترق قلوبهم لطفل يريد أن يعيش طفولته. بل يبتكرون أبشع الوسائل والأساليب في القهر والتعذيب.
ومنذ أن ظهرت الأمة الباطنية على المسلمين مسنودة ومؤيدة من الأمم الكتابية العلمانية الغربية ونحن نرى كل يوم، ونسمع كل ساعة عن عجائب من فنون التعذيب والتنكيل بالمسلمين. ولو رجع الناس بذاكرتهم قليلا لتذكروا أنهم ما كانوا يعرفون من قبل سلخ الأحياء، ولا خرق الرؤوس بآلات خرق الجدران، ولا حرق الناس وهم أحياء، ولا نحر الأطفال، ولا تقطيع الأطراف، ولا قلع الأعين، ولا كشف العورات أثناء التعذيب، ولا قطع آلات الذكورة وأثداء النساء، ولا غيرها مما لا يخطر ببال إنسان...
كل ذلك أصبح الناس يشاهدونه كل يوم منذ أن قرر الصفويون تهجير المسلمين عن ديارهم بدءا بالعراق فالشام فاليمن، وفي مخططاتهم ابتلاع كل الدول العربية، وتهجير أهلها منها أو إبادتهم، ومن ثم حكم العالم الإسلامي، وإعادة دولة الأكاسرة التي سقطت في خلافة عمر رضي الله عنه.
وهذه الممارسات الهمجية الوحشية التي يمارسها الصفويون مع المسلمين ويصورونها ويبثونها يريدون بها تحقيق أمور عدة:
أولها: إطفاء نيران الأحقاد التي امتلأت بها قلوبهم حتى صارت جمرا يتلظى على أهل الإيمان، فمنذ طفولتهم وهم يشحنون على أهل الإيمان بالأحقاد؛ فإذا تمكنوا منهم أفرغوا أحقادهم في أجسادهم بأنواع من العذاب لا تخطر بالبال.
وثانيها: بث الرعب في قلوب المسلمين ليستسلموا لهم؛ ظنا أنهم باستسلامهم ينجون من عذابهم. وهم يعاملون من يستسلم لهم ومن يقاومهم على حد سواء؛ لأنهم لا يرون فيهم إلا أنهم نواصب كفار يجب محوهم من الوجود، وتطهير الأرض منهم، وهذا يفسر ذبحهم للرضع والأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة. بل إن عنصريتهم لا تفرق بين ديني وعلماني ما دام عربيا؛ لأن المشروع الصفوي مشروع عنصري فارسي، وأبين دليل على ذلك أنهم سحقوا العلمانيين العراقيين الذين ساندوهم في احتلاله لمجرد أنهم عرب. وفي نصوص دينهم أنهم يقتلون كل عربي حتى من تشيع لهم وناصرهم، فلا مكان للعرب في مشروعهم.
وثالثها: تهجير المسلمين من بلدانهم؛ فإن صدمات الرعب التي يقدمونها بين يدي مذابحهم، وتصويرهم لها، وبثها في الأجهزة الذكية؛ ليتناقلها الناس؛ تسهل مهمتهم في إخراج الناس من ديارهم في كل بلدة يقصدونها؛ خوفا منهم، وهربا من عذابهم.
ولذا فإنهم إذا أرادوا تهجير أهل بلد عنها بثوا مقاطعهم الدموية، ثم وزعوا منشوراتهم في البلد المقصود، أو صاحوا بهم عبر مكبرات الصوت يأمرونهم بالخروج من بلدهم في مدة يحددونها؛ ليقتحموا بعدها البلدة لإفناء من بقي فيها، وإحلال أفرادهم محلهم، وأخذ بيوتهم ومزارعهم وأملاكهم، والإقامة فيها.
إن المشروع الصفوي ليس مجرد مشروع استعماري يريد السيطرة على الدول الإسلامية وحكمها فحسب، بل هو مشروع استيطاني استئصالي عقائدي، يريد تهجير المسلمين من ديارهم، وإبادة من يبقى منهم، وقطع دابرهم. وإلا فما معنى أن تفجر المساجد وتهدم قبل أيام في ديالى والمقدادية وما حولها، إلا لأنهم يريدون إخراج أهلها منها للأبد، ومحو مساجدهم التي تدل على أنها كانت لهم. وما معنى المجازر التي ترتكبها الأذرعة الصفوية في العراق حتى صار يطلق على المناطق المحيطة ببغداد (مناطق القتل) من كثرة ما فيها من المقابر الجماعية.
فإذا ما فُضح صفوي بدمويته جاءوا بغيره ليكمل مسيرته، وقبل سنوات هجر صفويُّ بغدادَ أهلَ السنة منها، وصفويُّها اليوم يكمل مسيرة السابق بتهجير أهل السنة من حزام بغداد والمدن المحيطة بها، وتصفية سامراء بكاملها من غير الوجود الصفوي تمهيدا لإقامة إيران الكبرى، وهذا مثبت في خرائطهم التي باتوا يعلنونها، وفي عقائدهم التي يؤمنون بها.
إن قادة المشروع الصفوي الاستيطاني الاستئصالي مقتنعون بأن الدول التي ابتلعوها، والتي يسعون لاحتلالها خالصة لهم، ويجب إفراغ سكانها منها بالقوة، وهو مشروع لم ينشأ حديثا، وإنما نشأ مع قيام دولتهم بعد ثورتهم على حكم الشاه.
وعون الغربيين لهم لم يكن حديثا، بل كان منذ قيام دولتهم الطائفية البغيضة، بل ما قامت دواتهم إلا تحت بصر الغرب وتأييده، لكن كان ذلك مستترا تحت مسرحيات تقاذف التهم وحروب الكلام التي تخالفها الأفعال، ثم انكشف غطاء التعاون والتآمر؛ ليراه المخدوعون من قبل بالوعود الكاذبة، والصداقات الزائفة. وصدق الله تعالى حين قال {إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء:101] وقال سبحانه في المنافقين {هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون:4]
إن الاستيطان الفارسي الاستئصالي لبلاد المسلمين لا يقتصر على كونه شأنا سياسيا يخطط له السياسيون، وينفذه العسكريون، وإنما هو معتقد يؤمن به كل إمامي، ويفرح به، ويتشرف بالمشاركة فيه؛ ولذا لا تجد من يعترض عليه من ساستهم وعامتهم، بل يباركونه في مشارق الأرض ومغاربها إلا من لم يؤمن بخرافاتهم وهم قليل فيهم. ومن رواياتهم في ذلك ما نسبوه كذبا وزورا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ألا يا ويل بغداد من الري - أي: طهران - من موت وقتل وخوف يشمل أهل العراق، إذا حلَّ بهم السيف فيقتل ما شاء فعند ذلك يخرج العجم على العرب ويملكون البصرة.
فهم يكذبون على آل البيت، ثم يصدقون ما افتراه أئمتهم، ثم يحولونه إلى واقع على الأرض، وضعفة المسلمين هم ضحية هذه الروايات المكذوبة، والنبوءات المجنونة. والغرب قد بنى ستراتيجيته على الأطماع الصفوية في إعادة الإمبراطورية الفارسية، فيما عرف بتقرير (استعادة التوازن) وجاء فيه: إن الخطر الحقيقي المحدق هو من الإسلاميين السنة، أما إيران فلا خطر منها، بل يمكن التعاون معها في مكافحة الأصولية الإسلامية.
كفى الله تعالى المسلمين شرهم، ورد مكرهم عليهم، وأنجى المؤمنين المستضعفين من حقدهم وعذابهم، إنه سميع مجيب.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وحققوا الأخوة في الإيمان، بالتألم لآلام المؤمنين، والتأثر بمصاب المستضعفين، والإكثار من الدعاء لهم، والتعريف بقضاياهم، وفضح مخططات أعدائهم {وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] .
أيها المسلمون: ما يجري في بلاد العراق والشام واليمن لإخواننا على أيدي الباطنيين الحاقدين، والوقوف الدولي مع المشروع الصفوي يجب أن لا يبث اليأس في القلوب، فإنهم وإن كادوا فإن الله تعالى يكيد بهم، وإن مكروا مكر الله تعالى بهم، وهو خير الماكرين، ولن يغلب أهل الباطل بباطلهم ولو اجتمعوا أهل للإيمان واليقين ما داموا بالحق مستمسكين {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} [الرُّوم:47] {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر:51] {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ} [الصَّفات:173] . فالعودة إلى الله تعالى ستعدل الموازين، والصدق معه سبحانه سيحقق النصر المبين، واجتماع كلمة المسلمين سترهب الكفار والمنافقين، وما نال الأعداء من الأمة إلا بتفرقة دينهم، واختلاف كلمتهم، وذهاب ريحهم {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] .
ومن أصيبوا من إخواننا المستضعفين على أيدي الباطنيين فعزاؤهم في قول الله تعالى {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195] وإخواننا قد هجروا وأخرجوا من ديارهم، وأوذوا في الله تعالى أشد الأذى، فنسأل الله تعالى أن يعظم أجرهم، وأن يكشف كربهم، وأن ينصرهم على أعدائهم، وأن يتقبل شهداءهم، إنه سميع مجيب.
وصلوا وسلموا على نبيكم...