إعدام النمر.. ودموع إيران الخادعة
نهايةٌ محسومةٌ توقَّعها الكثير من المراقبين لرجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر، والذي كان يمثل تهديداً كبيراً للمملكة العربية السعودية بسبب إعلانه الصريح بعلاقاته مع إيران، حتى وصل الأمر إلى مواجهةٍ مسلحة مع أجهزة الأمن في أكثر من مرة.
صباح السبت اليوم الثاني لبداية العام الجديد 2016م، أعلنت المملكة العربية السعودية خبر إعدام نمر النمر مع 46 إرهابياً بينهم دعاة وطلاب علم محسوبون على تنظيم القاعدة، لكن إيرانَ انتفضت لخبر إعدام النمر واعتبرته "جريمة نكراء"، والأغرب من ذلك أن يقول المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسين أنصاري "إن السعودية تساند الإرهابيين وتعدم المناهضين للإرهاب"، في حين أن المملكة أكدت بكل الدلائل تنفيذ كلِّ من وقع عليهم الإعدام لجرائم إرهابية، وأعمالٍ مناهضة للدولة، وتضر بالسِّلم الاجتماعي.
بعد التصريحات الإيرانية المستنكِرة لإعدام النمر، أصدرت المملكة العربية السعودية بياناً عاجلاً مساء السبت، اتهمت فيه إيران بأنها دولة "راعية للإرهاب" وأن نظامها "طائفي بامتياز" معربة عن استهجان المملكة واستنكارها الشديد ورفضها القاطع لكافة التصريحات العدوانية الصادرة عن النظام الإيراني تجاه الأحكام الشرعية التي نفذت بحق الإرهابيين بالبلاد.
وبعد إعدام النمر، ظهرت علامات الاستنكار من أزلام إيران في المنطقة؛ فقد أدان حيدر العبادي إعدام النمر، في حين وصف الحوثيون محاكمة النمر بأنها محاكمة صورية، أما المالكي فقد وصفه بالعمل الإرهابي، وأما حزب الله فقد نعى النمر بعدد من الألقاب "العالم، الكبير، المجاهد، الشيخ" واستمر في نشر الاتهامات على النظام السعودي كعادته.
والعجيب في الأمر أن يحدث كلُّ هذا التباكي من قِبل أذرُعِ إيران في المنطقة وأبواقها على تنفيذ حكمٍ شرعي بحق إرهابي متطرف يحمل السلاح على الدولة ويدعو للفتنة وشق صف المسلمين في بلد الحرمين الشريفين، في حين يتم تنفيذ مئات الإعدامات لأبناء السنة في إيران بشكل متكرر حتى وصل الأمر إلى أشبه بعملية الإبادة الجماعية لطائفة السنة داخل إيران.
ومن الواضح أن إيران تحاول أن تستفيد من أي حدث في المنطقة من أجل استفزاز طائفة الشيعة بغرض خلخلة الأوضاع واستغلالها لتمكين أذرعها في البلاد العربية، وهو الأمر الذي يتطلب وقفة جادة من قبل دول المنطقة وعلى الأخص دول مجلس التعاون الخليجي.
وبالتأكيد فإن المملكة قد أخذت في حسبانها كلَّ الاحتمالات قبل أن تنفذ حكم الإعدام بحق نمر النمر، فهي تعرف علاقات الرجل مع إيران وطوائف الشيعة في كل مكان، وتعرف أيضاً مدى نية طهران العزف على أوتار الطائفية واستغلال بعض الأحداث لمعاداة النظام السعودي.
ويرى البعض أن إعدام النمر قد يتسبب في زيادة توتر العلاقة بين المملكة العربية السعودية ودولة إيران، لكن الأغرب من ذلك هو القبح في التدخل الإيراني بالشؤون الداخلية للمملكة؛ فالمعروف أن نمر النمر مواطن سعودي من مواليد منطقة العوامية في محافظة القطيف بالسعودية، ثم هاجر بعد ذلك إلى إيران عام 1980م، حيث التحق بالحوزة العلمية، وبقي هناك ما يقارب عشرة أعوام قبل أن يتجه إلى سوريا.
وأعتاد نمر النمر على تقديم نفسه كرجل دين مسالم، غير أنه كان يمارس التحريض والعنف ويسعى إلى زعزعة الاستقرار في المملكة، والدليل على ذلك مهاجمة النمر وعددٍ من مرافقيه لرجال أمن في منطقة القطيف قبل سنوات، وأظهر النمر ولاءه لإيران وأيد بشكل مباشر سعيها لبسط نفوذها في المنطقة، واشتهر بخطاباته الطائفية، وانتقاداته الحادة، ومحاولة فرز السعوديين بين سنة وشيعة خصوصاً في منطقة القطيف.
وتعرض النمر للاعتقال عدة مرات، بداية من مايو 2006م فور دخوله الأراضي السعودية قادماً من البحرين، ثم اعتُقل مجدداً في 23 أغسطس 2008م، على خلفية زعمه بأن الرياض غير قادرة على اعتقاله لأنه محمي من إيران.
واعتقل النمر آخر مرة في يوليو 2012م في واقعة أثارت جدلاً في المملكة حينها، وقالت السعودية حينها إنها "قبضت عليه بتهمة إثارة الفتنة في بلدة العوّامية، بعد أن حاول ومَن معه مقاومة رجال الأمن ومبادرته لهم بإطلاق النار والاصطدام بإحدى الدوريات الأمنية أثناء محاولته الهرب، فتم التعامل معه وإصابته في فخذه، حيث تم نقله إلى المستشفى لعلاجه واستكمال الإجراءات النظامية بحقه".
وانتهت قصة النمر بتنفيذ حكم الإعدام عليه صباح السبت الماضي، بعد عدة محاولات من قبل النظام الإيراني ودولٍ ومنظماتٍ عربية ودولية لإسقاط حكم الإعدام عنه، لكن القضاء السعودي قال كلمته وأمر بتنفيذ الحكم على النمر و 46 متهماً بقضايا تتعلق بالإرهاب.