الخضر الشيباني: واشنطن تحمي الحوثيين في اليمن

الخضر الشيباني: واشنطن تحمي الحوثيين في اليمن

في بضع تساؤلات جوهرية مركزة، تمكن موقع "البيان" من إلقاء الضوء على ما يعتمل في المشهد اليمني، من صراعات متداخلة وحروب داخلية وخارجية مفتوحة ذات أجندات مختلفة، في حوارِ عميق مع المدير العام لمركز الكلمة الطيبة للدراسات والبحوث بصنعاء ورئيس تحرير مجلة المنتدى، الشيخ الخضر بن عبدالملك الشيباني، تفاصيل الحوار في ثنايا السطور التالية..

البيان : ما هو توصيفك للحالة اليمنية الحالية؟

اليمن مثلها مثل بقية الدول العربية التي سيطر عليها الظلم والاستبداد والفساد المالي والاداري بسبب التخلف عن تحكيم شرع الله والالتزام واقعا لا تنظيرا بالسياسة الشرعية تجاه الواقع الداخلي وفي مجال العلاقات الدولية والشؤون الاقتصادية والأمنية والفكرية. وهي تعيش اليوم مرحلة من مراحل طرد الخبث المتراكم على جسدها منذ عقود وربما كان نتيجة قرون من التراجع والانحراف.

وجاءت هذه المرحلة في سياق تداعيات الثورة اليمنية السلمية في عام 2011، التي هي امتداد لثورات الربيع العربي التي كشفت الغطاء عن الأنظمة العربية المستبدة وحقيقة علاقتها بشعوبها وفي الحالة اليمنية كشفت عن دولة مختطفة لصالح بُعد أسري ومصالح ذاتية رخيصة لفئات محدودة لا يهمها بناء وطن ولا حقوق شعب فضلا عن عقيدة وأخلاق.

وظهر للعيان أن شعارات الديمقراطية وتعدد الأحزاب ودولة المؤسسات والقانون ماهي إلا ذر للرماد في العيون وخطاب خاوي للاستهلاك الإعلامي والتغطية على عمليات النهب والفساد المنظم ضد ثروة البلد وإمكاناته وموارده.

البيان : ثمة من يطرح أن اليمن تعيش حالة صراع قوى داخلية وأطراف خارجية، فيما يرى آخرون أنها واقعة رهن مخططات دولية وحالة حوثية شيعية إيرانية.. ما هو التوصيف الصحيح برأيك؟

نعم نحن في اليمن نعيش ما يصح أن يقال عنه عدة حروب في حرب؛ لدينا حرب ظاهرة معلنة وهي حرب التحالف العربي والدولة الشرعية بقيادة السعودية ضد تحالف الحوثي مع الرئيس السابق وحليفهم الإقليمي الإيراني.

وهذه الحرب تستبطن عدة صراعات في تفاصيلها: الصراع بين حزب الرئيس السابق وحزب التجمع اليمني للإصلاح والصراع بين الرئيس السابق وزعيم الحوثيين وأتباعه والصراع بين الحوثيين وأهل السنة عموما اخوان وسلفيين وصراع الحراك الجنوبي ضد مؤيدي الوحدة وصراع النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي للقوى الغربية بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة فيما بينهم وصراع بعض الدول العربية الشقيقة ضد ما يسمى الإسلام السياسي.

البيان: ما العنوان الأبرز لما يجري في المنطقة واليمن على وجه الخصوص من وجهة نظرك؟!

العنوان الأبرز هو ما يحيط بهذه الصراعات وهذه الحرب كلها: الحرب العالمية على الإرهاب المزعوم والذي تنسق له غرف العمليات الأمريكية في عواصم المنطقة. ويحاول الجميع إثبات جدارته بالمشاركة فيها بأشكال وصور شتى حتى ولو كانت فاتورتها باهظة من عقيدة الأمة ودماء الشعوب.

البيان: فيما يتحرز أهل السنة بمختلف توجهاتهم عن الصراع الطائفي ومذهبته، نجد الشيعة الزيدية في اليمن يندفعون تجاه ذلك بشراسة، ما تفسيركم وتعليقكم ؟!

الذين يتشدقون بالشعارات ثم نجدهم يستحلون الدماء والحرمات ويعتدون على المساجد والمراكز الشرعية، وينهبون مقدرات الدولة، فكيف لعاقل أن يصدقهم في زعمه؟!

ولابد لأهل السنة في كل مكان التحرز من الانجرار إلى هذه اللغة الطائفية، لأنها تصب الزيت على النار وهي أسرع فعالية في تحقيق أهداف الأعداء لتفتيت وتقسيم بلاد المسلمين.

وليس سراً أن يكون أغلب السفراء الأمريكيين ونوابهم ممن عينوا في صنعاء خلال العشر سنوات الأخيرة خبراء في إثارة الفتنة الطائفية بل وإدارتها، وعمل بعضهم لسنوات في الساحة العراقية قبل أن ينقلوا إلى اليمن.

ولا نعني بعدم الانجرار أن نتخذ مواقف ضعيفة أو جبانة في الدفاع عن عقيدتنا إذا استدعى الأمر أو في الإعلان وكشف عمن يريد إفساد ديننا وبلداننا من أصحاب العقائد المنحرفة والمذاهب الهدامة ولكل مقام مقال ولكل حادث حديث، وما حصل في بلادنا عبرة للجميع.

البيان: ألا ترى أن اليمن أضحت جزء لا يتجزأ من تجاذبات الصراع الإقليمي والدولي والصراع يخضع في العادة للمصالح والمكاسب، فهل كسب اليمنيون أم خسروا؟

صراع المصالح الإقليمية والدولية أمر معروف وهو جزء من سنة التدافع التي جعلها الله بين العباد لكن نتيجته اليوم في اليمن ضريبة كبرى يدفعها اليمنيون من دمائهم وأمنهم ومستقبل أبنائهم. المهم في سياق هذا السجال وهذا الصراع من يقطف الثمرة في نهاية المطاف أو على الأقل في كل جولة أو مرحلة.

ونحن إذا وحدنا صفوفنا وعقدنا العزم على اجتثاث الفساد والظلم من بلادنا فسيكون لليمن شأن آخر في المنطقة. حتماً سيحتاج الأمر إلى شهور وربما سنوات وإلى استمرار التضحيات لكن لا مشكلة، المهم أن نتعلم الدروس من الأخطاء ونوسد الأمر إلى أهله ونحسن اختيار من يمثلنا ونتقدم خطوة خطوة نحو الأمام بدلا من المراوحة في نفس المكان. أما إذا ظللنا ننتقل من مجرم إلى مجرم ومن عميل إلى عميل فلن نزداد إلا خسارة ووهنا ومرضا يطول معه أمد الحرب والصراع نعوذ بالله من الخذلان.

البيان: ما انطباعكم عن علاقة دول الخليج باليمن، وهل ترى أنها وصلت إلى المستوى المطلوب بعد عاصفة الحزم؟

للأسف الشديد فإن علاقة دول الخليج باليمن علاقة غير مستقرة أو فلنقل غير مكتملة الأركان، صحيح أن التصريحات الصحفية تتحدث عن كون اليمن هو العمق الاستراتيجي والمخزون البشري الكامن ولكن الخطوات على الأرض لا تتناسب مع هذه النظرية الكبيرة. هناك حجج سياسية واقتصادية واجتماعية للبطء والتأخر، وصحيح أن الوضع السياسي والاقتصادي غير مشجع بل مخيف لدى البعض، لكنني أجزم أن ما يقدمه الخليج مشكورا لليمن من الدعم في مختلف المجالات سيكون أكثر نفعا وجدوى إذا وجه توجيهاً صحيحاً دون الخضوع للوصاية الأممية والدولية ممّن لا يريدون الخير لا لليمن ولا للخليج.

البيان: من المسؤول برأيك في جعل العلاقة غير مستقرة وفي حالة اضطراب مستمر؟

في تقديري المسؤولية مشتركة، وكما نطالب اخواننا في الخليج بما سبق فلابد لأهلنا في اليمن أن يحسنوا تقدير أنفسهم وعلى القيادات السياسية والمجتمعية أن تقدم مبادرات عملية تشجع النمو وتستثمر الأرض والإنسان وتثبت للداخل والخارج أنها ليست عبئا دائما على جيرانها بل شريكة فاعلة في النمو والتقدم. ولعل تاريخ عاصفة الحزم وما بعده يؤسس لمرحلة جديدة في تطوير العلاقة فلم يعد الأمر شراكة في عيش وملح وعمل بل شراكة في دماء وشهداء ومعارك.

البيان: ما الذي أفرزته حالة الصراع والقتال الدائر في اليمن طيلة السنوات الماضية من وجهة نظرك كمراقب؟

في اعتقادي لسنا بحاجة للحديث عما أفرزته هذه الحالة، فالصراع والقتال لم ولن يفرز سوى أمراض الجهل والفرقة والتشتت والفساد والتسلط والاستبداد والظلم ...إلى آخر القائمة المعروفة. ونحن بحاجة للجواب عن السؤال ما السبب لهذه الحالة وإفرازاتها؟

والجواب معروف أيضاً.  وهو غياب المشروع الوطني الجامع الذي يتبناه ويحمل المخلصون ومن يحملون رؤية وأهداف وخطط واضحة لبناء البلد ومؤسساته.

نعم هناك مخلصون صادقون في حب بلادهم لكن لم يحصل الالتفاف الكافي حولهم لأنهم لا يملكون الوسائل المادية والعلاقات الدولية بسبب الحرب عليهم. أو لأنهم غارقون في إطفاء الحرائق التي يشعلها خصومهم المتسلطين على مفاصل القرار.

لكنني أقول لهم ناصحاً ومحباً لدينا اليوم فرصة سانحة فقد سئم الناس القتال والصراع وهم يبحثون عن الحل للخوف والجوع فرصة لانصهار الجميع في مشروع بناء وطن وفق عقيدة وهوية عربية مسلمة، وإذا توحدت مطالب الشعب أو أغلبيته فسوف يضطر السياسيون للخضوع لإرادتهم ولو بالتدريج.

البيان: عقد في الرياض مؤخرا فعاليات برنامج تواصل العلماء في اليمن والمملكة حول الأوضاع في اليمن ومن المقرر انعقاد مؤتمر بهذا الخصوص، ما الدور الذي يضطلع به العلماء لكي يخرج المؤتمر بقرارات ونتائج يكون لها أثر في الساحة اليمنية؟

يقال في المثل: رب ضارة نافعة؛ وقد كان تسلط الحوثيين على اليمن سبباً في مثل هذه اللقاءات والفعاليات، والحديث عن دور العلماء في المجتمع المسلم لا يخفى لكنني أتمنى على علمائنا ومشايخنا الأجلاء أن يخططوا جيدا لأطروحاتهم وخطابهم، ولابد أن يتحول الخطاب العلمي والدعوي إلى خطاب حيوي مؤثر من خلال إيصال رسالته في الوقت والمكان واللغة المناسبة والجذابة.

إن دور العلماء لا يقتصر على إصدار البيانات وكتابة الأبحاث في المؤتمرات. لابد أن ينتج عن لقاءات العلماء والدعاة عمل مؤسسي دائب يشارك في توجيه صناع القرار ويقوم بالاحتساب الشرعي أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر في شتى المجالات ومختلف المستويات.

إن الإقصاء الممنهج أو التنحية المكشوفة للعلماء والدعاة الصادقين والمخلصين علما وعملا لم يجني منه العالم العربي إلا تسلط الفكر العلماني والليبرالي الغربيين على مفاصل الحكم وصناع القرار مما أثر على ثقافتنا ووسائل إعلامنا وفتح ثغرات للمناهج والفرق الهدامة لترويج باطلها.

نأمل وندعو الله جل وعلا أن يجتمع العلماء على خطوات عملية يحددون من خلالها أولويات الخطاب الشرعي في هذه المرحلة ويوجهون المؤسسات التعليمية والبحثية لترشيد الحراك العلمي والدعوي لمواكبة احتياجات الدعوة ومساندة مشاريع الأوطان وفق الهوية العربية والعقيدة الإسلامية.

كما نطالب بالخروج بقرارات واضحة وحازمة في مواجهة الفرق المخالفة والتي تتجاوز حرية ممارسة معتقداتها للترويج لباطلها والعمل على نشر دعوتها في صفوف المسلمين بضرورة إيقاف أي تسهيلات تستغلها لنشر أفكارها وانحرافاتها سواء في اليمن أو المملكة أو البلاد العربية وجعل ذلك شرطا في بناء العلاقات بين الدول لأن هذا مقتضى انتمائنا لديننا وتعظيم شريعة ربنا جل وعلا وهو مفتاح الخير للجميع والعز والتمكين.

البيان: توقف الحل السياسي عند عتبة تطبيق القرار الأممي، ما الذي حال دون تطبيق القرار؟

للأسف الشديد فإن شر البلية ما يضحك، الجواب هو بكل بساطة: (الفيتو) غير المعلن والمكشوف من قبل الولايات المتحدة الراعية الحقيقية لاستمرار الحوثيين في المشهد اليمني ولن يتم تنفيذه إلا وفق شروط تحت الطاولة تبقي هذا البلد المحافظ والمتدين تحت السيطرة مالم فإن عصابات الحوثي وما يشبهها جاهزة للقيام بدورها. وإلا قل لي بربك لماذا نفذت قرارات مجلس الأمن المزعوم في الحرب ضد العراق ونفذت في جنوب السودان ونفذت في الأسلحة الكيماوية في سوريا ونفذت ...وعندما يأتي الأمر فيما يخص بلادنا يتخبط المبعوث الأممي ويذهب ويجيء وتنزل عليه أفكار الصلح والتهدئة ووقف الضربات الجوية وفتح المجال للمساعدات الإنسانية.

الوضع في اليمن أصبح مكشوفا ومشهد سقوط صنعاء خلال بضعة أيام مسرحية موثقة برعاية أممية كذلك. ولعلكم تذكرون بعض تفاصيلها بعد دخول الحوثيين واستلام مخازن الأسلحة ثم دعوة الأحزاب السياسية للتوقيع على ما سمي اتفاق السلم والشراكة والشاهد يأتي بعد التوقيع بساعات؛ حيث تنهال التصريحات من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والدول الراعية للمبادرة الخليجية وكأن صنعاء لم تسقط وكأن ما حصل مجرد خلاف بين أطراف سياسية متكافئة.

البيان: يبدو أن هناك حالة من التباين بين التحالف والشرعية والمقاومة في الميدان وعلى الأرض، برأيك ما الأسباب التي دفعت لذلك و أين تكمن جوانب الخلل ومن يتحمل المسؤولية ؟

الذي نفهمه أن التحالف العربي جاء لمساندة اليمن للتخلص من الظلم والبغي الذي جاء به الحوثي وحليفه الرئيس السابق. والذي نفهمه كذلك أن المقاومة في اليمن لا تحتاج إلى الرجال وإنما تحتاج إلى العتاد والزاد والخروج عن هذه الأولوية أو التأخر في الحسم دون مبرر والحركة ببطء خوفا من الجماعات المسلحة غير عملي ولا واقعي بل إن تصديقه يصب في خانة المتمردين ومن سار في فلكهم و يعطي الوقت لتمرير الأكاذيب والمناورات وصناعة المزيد من الفصول للمسرحية الدامية، بل و صناعة عصابات إجرام جديدة وعقد صفقات مع تجار الحروب في الداخل والخارج.

على الحكومة الشرعية أن تدرك وتفهم أن من يدافعون عن الشرعية حقا هم من يدافعون عن عقيدتهم وأهلهم وبلادهم على الأرض، وهم يعرفون عدوهم جيدا وهم منصورون بإذن الله ما دامت نيتهم ترجو رضا الله أولا ثم شعب اليمن.

أما اللذين يصطادون في الماء العكر من السياسيين والإعلاميين ومن باعوا ذممهم بثمن بخس ومتاع زائل فهؤلاء لن ينصحوا لا المملكة ولا الإمارات ولا غيرها من البلاد فضلا عن بلدهم الذي خانوه.

نتفهم الخوف من الشكل القادم للنظام في اليمن وأثر ذلك على المنطقة برمتها لكننا نقول وبكل هدوء ووضوح: لن يكون ذلك النظام في حال كونه سيئا أخطر من الكابوس الجاثم على اليمن اليوم والمهدد لجيرانها برعاية أممية وإيرانية ولن يكون أكثر استنزافا للخليج مما يجرى اليوم. إذا استمرت الخلايا السرطانية في الجسد فإنها تتكاثر لتهلك الجسد كله .والعاقل من اتعظ بغيره لا بنفسه فماذا نقول وقد عرفنا الحقيقة من دماء الشهداء والجرحى ودموع الامهات الثكالى وصرخات الايتام.

البيان: تصدرت في وسائل الإعلام مؤخرا ظاهرة ما يسمى داعش وتنظيم القاعدة في المشهد اليمني، كيف تفسرون ذلك؟

هذه الاسطوانة المشروخة قد مل الجميع سماعها وقد انكشف للناس كل الناس الأكاذيب ومشاريع الهيمنة والتسلط المرتبطة بها داخليا وخارجيا. المجتمع اليمني مجتمع مسلم متدين ومحافظ يعظم دينه ويحب سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وينبذ منظومة الثقافة الغربية وأخلاقها العفنة؛ وهذا هو السبب الحقيقي لاستهدافه.

و لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن التهديد بالتدخل العسكري في اليمن تحت مزاعم الحرب على الإرهاب قد بدأ منذ سنوات لكن عندما شعر الغرب وخاصة أمريكا وبريطانيا أن ضريبة التدخل المباشر ستكون كبيرة استمروا في البحث عن مكائد و اشكال أخرى تحقق لهم ما يريدون وخرج وزير الدولة البريطاني في قناة المستقلة ليقول لعلماء اليمن بعد بيانهم الشهير برفض التدخل الخارجي بعد حادثة عمر الفاروق النيجري ومحاولة إسقاط الطائرة الأمريكية كما زعموا : (نطمئن المشايخ أصحاب العمائم أننا لن نتدخل في اليمن و سنستمر بالتعاون مع الحكومة لمحاربة الإرهاب في اليمن).

الفكر الجهادي ضد المصالح الغربية موجود اليوم في اليمن كما هو موجود في سائر الدول العربية والإسلامية بل وفي الدول الغربية، وهو يستقطب الأنصار والاتباع بسبب واضح ومكشوف وهو الكيل بمكيالين من قبل السياسة الخارجية الغربية تجاه قضايا المسلمين والحرب الموجهة والمنظمة تجاه تطبيق الشريعة الإسلامية والتعليم الديني ليس في أوربا وأمريكا وإنما في البلاد العربية والاسلامية.

ومهما حاول العلماء والدعاة من أهل التوسط والاعتدال محاورة هؤلاء ومحاججتهم بالآيات والأحاديث حول وجوب التدرج في تطبيق الشريعة و إعداد المجتمع المسلم و البحث عن جوانب التعايش و رفع الجهل و إقامة الحجة قبل  الاعلان عن  الجهاد فإن الحرب العالمية على المسلمين والمؤامرات الموثقة ضدهم بالصوت والصورة ، تجعل هذا الكلام عجيبا مستغربا لدى الشباب قليلي العلم و حدثاء الأسنان اللذين يشاهدون المسلمين مستباحي الدماء و الحرمات معذبين مطاردين في سائر البلاد تحت غطاء الحرب على الإرهاب بل ويتم الدعم بالسلاح و الخبراء و المستشارين للأنظمة التي تحارب التدين وتقمع مشاريع الحفاظ على الهوية الإسلامية مكافئة إضافية على جرائمها في حق شعوبها.

نحن ضد الغلو وضد التطرف بجميع أشكاله وصوره ومن أي جهة كانت إلا أننا نؤكد اليوم أن الإرهاب الحقيقي هو المتمثل بقتل الأبرياء واستباحة الحرمات ومصادرة الحقوق والحريات للفرد والجماعات وهو جوهر السياسة الغربية تجاه البلاد العربية والاسلامية.

بل إننا نشاهد ونسمع ونشعر أن السياسة الغربية تتلذذ بالقتل والتعذيب الموجه ضد بلاد المسلمين وتستخدم سناريوهات المفاوضات رعاية الأمم المتحدة.  ومسرحيات الحوارات الدبلوماسية ليستمر قبلها وأثنائها وبعد فشلها القتل والتدمير ومن ثم الوصول إلى مشاريع التقسيم والتفتيت على الأرض.

محاربة الغلو في الدين من منهج محمد صلى الله عليه وسلم لكننا لا نرضى أن يفسر الغلو في الإسلام من قبل السفارات الغربية وصنَّاع السياسة الغربية المتعصبين والعنصريبن، كما لا نقبل بحال أن يتم تحويل أبطال المقاومة في سوريا والعراق واليمن إلى جماعات غلو وتطرف، وهي تدافع عن دينها وأهلها وبلادها أمام الغزو الإيراني أو الأمريكي أو مافيات النفط والمخدرات الدولية.

إذا استطاعت الحكومة وأصحاب القرار أن يكونوا عادلين ومنصفين وصادقين في الانحياز لدينهم وشعبهم ضد الأعداء الحقيقين في الداخل والخارج فسينحسر بالتأكيد خطاب الغلو ويتلاشى بالتدريج لأن غالبية الشعب اليمني معتدل بالفطرة والعلم والدعوة على بصيرة كافية لتحقيق ذلك واقعاً.

البيان: الوضع الأمني منفلت في اليمن بالعموم، غير أنه أكثر انفلاتا في المدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، ما تعليقك على ذلك؟

إذا كانت الحكومة الشرعية صادقة في رد الجميل والفضل إلى أهله وتريد أن تثبت جدارتها بتولي القيادة، وأنها ليست مجرد ديكور كما كانت الحكومات السابقة إلا ما رحم ربك، فلابد أن تقدم خطوات عملية على الأرض في بناء أجهزة الدولة من جديد في المناطق المحررة ابتداء من الجيش والشرطة وتضم لها الأفراد المؤهلين من المقاومة حسب وعودها وحسب المنطق والعقل السليم، ثم تتحرك جديا في استيعاب بقية أفراد الشعب وتوفير الخدمات وفق خطة مرسومة ومزمنة.

 وليس مطلوباً منها سوى الإدارة الفاعلة وتفريغ جزء من طاقمها الكبير والمكلف للإشراف على العمل الميداني حسب المعتاد والشعب سيكون هو المنفذ الحقيقي بجميع فئاته لسياستها إن كان لديها سياسات وخطط، أما أن تظل تراوح مكانها وتصرف الوعود والمبشرات دون فعل على الأرض فهذا سيفتح بابا للعبث والفوضى ممّن لا يريد الخير لهذه البلاد أو ممن يستخدمون في إعاقة المشروع الوطني الجامع دون أن يشعروا أو يحسوا.

البيان: يبدو أن القرار السياسي اليمني صار مرتهنا ومختطفا، ولم يعد في يد الاطراف المتنازعة في الداخل إلى أي مدى واقعية هذا الطرح؟

هذا الكلام صحيح إلى حد كبير حسب متابعتي، لكن ما السبب؟ الجواب: لأن الأجهزة التي يفترض بها حماية الدولة وتنفيذ قراراتها اختطفت هي الأخرى قبل ذلك وبعده اختطف القرار السياسي نتيجة التدخلات الإقليمية والدولية وعجز السياسيين عن ضمان استقلال قرارهم.

لكن ما دمنا في سياق ومسيرة العمل لتحرير اليمن أرضا وإنساناً أقول: ما يزال القرار الحقيقي في يد الشعب اليمني الصامد والصابر وهو من سيأتي بالمفاجآت التي ستضع المعادلة الجديدة للدولة في اليمن سيحتاج الأمر بضعا من الوقت لكن العاقبة في نهاية المطاف لأصحاب الحق وللمتقين وليس لطبخات أجهزة المخابرات ومجلس الأمن الدولي المرتجف.

فلنتوكل على من بيده مقاليد الأمور ومن يعلم السر وأخفى، وهو أرحم بنا من أمهاتنا وإن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أعلى