اليمن بعد "عاصفة الحزم"
لعلّ من أبرز المشاهد الرئيسية التي أمكن لها أن تغيّر من مسار التاريخ والواقع المعاصر في العالم العربي والإسلامي حدث "عاصفة الحزم" كمفصل هيكلي، الذي شكّل في مجمله ولادة شرق أوسط جديد آخر، جعل ما قبل 26 مارس 2015م موعد انطلاق العمليات مغايرًا جملة وتفصيلًا لما بعد وقبل هذا التاريخ.
ذلك أن الحدث أفرز معطيات، وأزاح الستار عن حقائق جديدة باتت واقعًا على الأرض، أنجزتها العاصفة ضمن الاستحقاقات المتصلة بمستقبل وواقع العالمين العربي والإسلامي، وأحيّت حلم الوحدة الذي كاد يذوب وسط عالم يسعى للتجمعات الإقليمية والكيانات الدولية، في حين بقي العرب فرادى تتنازعهم الفرقة والشتات قبل ذلك التاريخ.
غير أن ما يمكن الخلوص ولفت النظر إليه، بعد أكثر من 2415 طلعة جوية تقريباً في إطار عملية عاصفة الحزم، نورد في هذه السطور أهم وأبرز الأهداف والنتائج التي حققتها عملية "عاصفة الحزم" وفقاً لبيان أصدرته قيادة التحالف قبل فترة.
فقد حققت "عاصفة الحزم" فور انطلاقتها هدفها الرئيسي المتمثل في تحييد القدرات العسكرية التي استولى عليها الانقلابيون " صالح والحوثيون "وكانت تشكل في الجملة تهديدا لليمن وللدول المجاورة والمنطقة.
كما نجحت في تمكين دول التحالف العربي من السيطرة على الأجواء والمياه الإقليمية لمنع وصول الأسلحة إلى الانقلابيين، والحيلولة دون أي تهديدات تطال مضيق باب المندب المتحكم الرئيسي في حركة الملاحة من وإلى البحر الأحمر.
وأدت عملية "عاصفة الحزم "إلى المحافظة على السلطة الشرعية وتأمينها وتهيئة البيئة المناسبة لممارسة مهامها، والتمهيد لإعادة الحكومة اليمنية إلى عدن أو صنعاء، وانهت عنصر التهديد الذي شكّله الانقلابيين على أمن المملكة العربية السعودية والأمن العربي ـ الإقليمي، خاصة من خلال الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية، التي استولى عليها الانقلابيين من القواعد العسكرية للجيش اليمنى في أعقاب احتلال المدن اليمنية.
وأفضت" عملية عاصفة الحزم" إلى السيطرة الكاملة على الأجواء الجوية والأجواء البحرية لليمن، وبالتالي منعت أي دعم عسكري أو لوجيستي للانقلابيين (صالح والحوثيين)، وحالت ضربات " عاصفة الحزم" دون استخدام الانقلابيين للقوات الجوية أو أي وسائل جوية ضد عمليات التحالف.
كما تمكنت قوات "عاصفة الحزم " من وقف قدرات الدفاع الجوي اليمنية التي سيطرت عليها مليشيات الانقلابيين، وتدمير مراكز القيادة والسيطرة التي تدار منها العمليات، ضد الشرعية والتي كانت تستعد لحملة موسعة تهاجم من خلالها الأراضي السعودية.
عدا أن عملية " عاصفة الحزم " نجحت فعلياً في حماية مدينة عدن ومدن عدة في الجنوب والوسط باليمن من سيطرة الانقلابيين (صالح والحوثيين)، ومن ثم يمكن إعادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادى والحكومة إلى مدينة عدن لممارسة مهامهم المنوطة بهم في الوقت المناسب.
كما أن ضربات" عاصفة الحزم" قلبت موازين القوى في الداخل اليمني، ما أمكن قوات الشرعية والمقاومة الشعبية من بسط نفوذها وسيطرتها على مدينة عدن ومعظم مدن الجنوب، وتصاعد أعمال المقاومة في وسط اليمن وعدد من المدن في الشمال، فضلاً عن حالة الانهيار الكبير في صفوف قوات الانقلابيين (صالح والحوثيين) ورضوخهم لتطبيق القرار الأممي، وتلويحهم بالحلّ السياسي الذي تلاشى وفات آوانه.
وصعدت" عاصفة الحزم" في اليمن تحديداً من دور الإسلاميين بمجموع فصائلهم ومكوناتهم، وقضت إلى حد ما على خريف الثورات المضادة الذي شكّل في مجموعه قبل عاصفة لاستهدافهم واجتثاثهم تحت طائل بعبع الإسلام السياسي ومثله، وجمعت اليمنيين كافة في مواجهة الانقلابيين (صالح والحوثيين) وحول مظلة واحدها عنوانها السلطة الشرعية والسياسية.
ولعل أبرز الأهداف والمكسب الأهم من عملية "عاصفة الحزم " هو منع إيران من بناء منصة إقليمية جديدة في اليمن، وتكوين قاعدة سياسية عن طريق حكومة موالية تماماً لطهران، يشكلها الانقلابيون (صالح والحوثيون)، تكون تابعة ومنقادة لملالي طهران ومنصاعة لهم.
وفي ظل التفاعلات السياسية التي أحدثتها "عاصفة الحزم "على المستوى الإقليمي، تظهر تأثيرات العاصفة على المستوى الدولي، ولعل إنجازها الأكثر وضوحا في هذا المضمار هو إمكانية تحرير النظرة الأميركية وسياستها من أوهام وأسطورة السطوة الإيرانية على المنطقة، وما يحاك حول القدرة المدهشة لطهران في لعب دور "شرطي المنطقة"!، تلك القدرة التي توصف في بعض أوجهها بقوة "احتلال" من قبل فئات عريضة من شعوب المنطقة، كما في بعض المناطق السورية والعراقية.
وليس من المبكّر الاعتقاد جزماً أنّه إن كان ثمة تساؤل استباقي في توثيق منعطفات تحولات التاريخ السياسي، فتُشكّل "عاصفة الحزم" وقرارها الاستثنائي والشجاع نقطة التحوّل الكبرى منذ أن بدأت شرارة الثورات العربية والمنطقة العربية تنذر بالتصدع ومحاولات التقسيم وانفتاح شهية قوى ظنّت أن الفرصة الكبرى قد حانت واستوت لها في المقابل الازدواجية في المواقف الدولية تجاه بعض الدول دون أخرى، فكانت بمثابة مؤشرات أولية لتغيّر الخرائط، وتبدل المحاور، وتحوّل التحالفات.
إذ بدا واضحاً منذ الوهلة الأولى التي انطلقت فيها "عاصفة الحزم" وردود الأفعال العالمية تتوالى بما يشي بالفعل بقوة قرارها ولعل آخرها "توقيت" الاتفاق المبدئي النووي الإيراني الذي أثبت أنّ قواعد اللعبة السياسية في المنطقة في طريقها للتغيّر، وأن فرض هيمنة إقليمية لقوة عربية موحدة تقودها المملكة لا مجال للمناورة فيها.
ولعلّ من المبكر جداً الحديث بصورة جازمة عن نتائج الاتفاق النووي الإيراني المُعلن خاصة أنه أولاً ليس باتفاقٍ نهائي، حتى وإن كُشفت جميع التفاصيل الغائبة أو المغيّبة حول الاتفاق، وبصرف النظر عن متابعة ورصد إن تم بالفعل تطبيق هذا الاتفاق أم لم يتم فإنه يكفينا إثبات ما حصل أن التحرّك والقرار العربي الموحّد من خلال "عاصفة الحزم" يُبشّر ويَعِدْ بمرحلةٍ سياسية جديدة تُلغي الانتكاسات العربية التي عهدناها ومحاولة شق صف الوحدة الإسلامية من خلال مفاعلات إيران الطائفية قبل النووية.