هل لا تزال الجزائر محمية فرنسية ؟ !
رغم أن ما بين الجزائر وفرنسا من عداوات متجذرة في التاريخ، وآلام ومعاناة محفورة في الذاكرة، وجرائم في حق الانسان الجزائري، فقد ظلت فرنسا قريبة من القلب ولو ثقافيا وسياسيا واقتصاديا أيضاً.. ولم تشهد العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين ازدهارا ًكبيراً كالذي بلغته في السنوات الأخيرة ناهيك عن الثقافة المفرنسة. لقد أعادت الآلة الاقتصادية الفرنسية انتشارها في الجزائر لتسيطر على معظم قطاعات النشاط، وتفوز بحصة الأسد من الاستثمارات والصفقات العمومية من قطاع المياه إلى الرياضة مرورا بالسيارات والكهرباء والبناء والنقل بمختلف وسائله، في حين أن الجزائر لا تعد فوائدها من هذه العلاقة على رؤوس الأصابع.
وفي ظل إحراز هذا التقدم الملحوظ بين باريس وفرنسا من أجل تدارك الوقت الضائع خلال العقد الأخير، ومراجعة كل من فرنسا والجزائر علاقاتهم بعدما أدركتا مدى تأثر مصالحهما ببعض المواقف السياسية.
المجال الاقتصادي ... تبعية بدون شروط
العلاقات الثنائية بين فرنسا والجزائر دائما كانت تمر بدورات من الأزمة ففي عام 2003، تلقى الرئيس الفرنسي جاك شيراك استقبالا حارا وعفويا في وهران، في حين أن خليفته، نيكولا ساركوزي، لم يكن أبدا ذو شعبية في الجزائر، منذ كان ينظر إليه كموالي لأميركا.
كما أن الخلافات معقدة جدا على خلفية ماضي الحقبة الاستعمارية 1830-1962 السوداء وهو ما يفسر صعوبة تطبيع العلاقات بين البلدين وعلاوة على ذلك، الخلافات حول القضايا الجيو استراتيجية بما في ذلك القضية الفلسطينية والصحراء الغربية وانعدام الأمن في منطقة الساحل.
بينما شهدت هذه العلاقات تطورا واسعا في مختلف المجالات، مع وصول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الحكم ويعود ذلك إلى زيادة حجم المبادلات التجارية خارج قطاع المحروقات بين الجزائر وفرنسا، حيث وصل إلى 10 مليار يورو في سنة 2012 وبهذا تكون فرنسا أول مزود للجزائر، كما أن استثمارات الشركات الفرنسية في الجزائر والمقدر عددها بحوالي ألف تنشط في مختلف المجالات وتوفر 40 ألف منصب شغل مباشر و100 ألف منصب شغل غير مباشر.
وهو ما يؤكده رضا حمياني رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الذي ذكر أن حجم الواردات الجزائرية من فرنسا تضاعف خلال العشر العقد الأول من القرن الواحد والعشرون من 2.3 مليار دولار في 2003 إلى 6 مليار دولار في سنة 2012، في حين أن حجم صادرات الجزائر خارج قطاع المحروقات تراجع في نفس الفترة من 155 مليون دولار إلى 117 مليون دولار وهو الوضع الذي قال بشأنه أن الجزائر تتحمل مسؤولية تبعاته.
فالجزائر لديها علاقات اقتصادية جيدة مع فرنسا، خاصة بعد وصول فرانسوا هولاند إلى الحكم. والدليل على العلاقات الجيدة بين البلدين هو سماح الجزائر للطائرات والمقاتلات الفرنسية عبور أجواءها دون شروط. وهذه سابقة تاريخية.
الدليل الثاني هو مصنع "رينو" للسيارات التي قامت الجزائر بتمويله تقريبا بالكامل. فالجزائر رضخت لكل مطالب الشركة الفرنسية.
وبحسب بيان لرئاسة الوزراء الجزائرية، فإن الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تمثل مناسبة لـ "تقييم العلاقات الثنائية التي عرفت تقدمًا كبيرًا"، وستتوج "بالتوقيع على اتفاقيات ترمي إلى تعزيز الشراكة والتبادلات في عدة قطاعات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي على وجه الخصوص"، كما صرح سلال لمجلة "افريك ازي" أن فرص الاستثمار بين البلدين "واعدة جدًا"، وأن العلاقات بين البلدين تتطور بشكل إيجابي.
إن رؤية المجال الاقتصادي (الترامواي، الميترو، السكك الحديدية، المطارات، الموانئ، المليون سكن وإنجازات جزائرية بالجملة وقّعتها شركات فرنسية طيلة الخمسين سنة الماضية) بهذا الشكل، جعلت الخبراء الاقتصاديين يجمعون الجزائر وإن استقلت سياسيا لا تزال تعاني من التبعية الاقتصادية لفرنسا.
ويذكرنا ليس بالإيجابية التي تتكلم عنها السلطة الجزائرية وإنما بالمفهوم البسيط للتبعية والذي يربط العلاقة بين اقتصادين يتوسع أحدهما على حساب الآخر ويكون تطور الثاني تابعا لتطور الأول أو هي بالأحرى علاقة استغلال وعلاقة غير متكافئة بين دولتين أو أكثر، وهي عبارة عن نظام سياسي واقتصادي تخضع بموجبه إحدى الدول لدولة أخرى، ، هكذا تبدوا الجزائر للوهلة الأولى من جانبها الاقتصادي.
ثقافيا.......الحنين إلى الماضي...
يقول المؤرخ الفرنسي "بنجامين ستورا" في حوار له مع مجلة "لوجون أفريك" أن تأثير الحنين لـ الجزائر الفرنسية لا زال قويا بفرنسا؛ ورابط الحب بينهما هو اللغة مثلما يعبر عنها نصر الدين قاسم في قوله: "الفرنسية لا تزال أداة من أدوات السلطة في الجزائر، ولا تزال أداة سياسية لممارسة الحكم في الجزائر وتأشيرة للوصول إلى السلطة والبقاء فيها، ولا يزال محبوها والشغوفون بها يعششون في مختلف دواليب السلطة والإدارات الحيوية والمؤسسات السيادية القوية"، فحتى في أحلك الظروف التي مرت بها العلاقات الجزائرية الفرنسية خاصة في حقبة الرئيس الراحل هواري بومدين، والأزمات التي طبعت علاقات البلدين ظلت الفرنسية هي الحبل السُّري الذي يجمع البلدين ويقربهما كلما باعد بينهما التاريخ أو الخلافات السياسية، على غرار قانون تمجيد الاستعمار الذي اصدرته الجمعية الوطنية الفرنسية، وعدم اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر، حتى زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لم تحمل أي نية في التطرق إلى الماضي الاستعماري للدولة الفرنسية في الجزائر عقب زيارته الأخيرة، بل على العكس تماما أشارت أغلب تصريحاته إلى ضرورة تجاوز الماضي وبناء علاقات ثنائية بعيدا عن الذاكرة التاريخية، ورفضها تسديد الدين الكبير الذي تدين به للجزائر من السنوات التي سبقت الاحتلال أو إثناءه وحتى بعده.
أما عن البارونة إليزابيث سايمونز، وزيرة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا السابقة في وزارة الخارجية البريطانية تقول: " إن الجزائر ليست محمية فرنسية، وأنا في رأيي أنها محمية فرنسية" وتعلل رأيها على ذلك في أنّ: " ما يقوله التاريخ وما تقوله اللغة في الجزائر، وكذا المنظومة القانونية السارية المفعول بها، ونظام التعليم فيها"، كل ذلك يثبت صحة الإدعاءات الموجهة للجزائر.
ولا يسعني إلا أن أختم بقول "دي روفيكو": "إني أنظر إلى نشر تعليمنا ولغتنا كأنجع وسيلة لجعل سيطرتنا في هذا القطر (الجزائر) تتقدم في إحلال الفرنسية تدريجياً محل العربية؛ فالفرنسية تقدر على الانتشار بين السكان خصوصاً إذا أقبل الجيل الجديد على مدارسنا أفواجاً أفواجاً". لأن اللغة هي الثقافة، وهي التقاليد والعرف، وهي قصة كل شعب، وتاريخ كل أمة، فإرتباط الكثير من الجزائريين في السلطة وخارجها بفرنسية فرنسا، تمثل قصة وفاء غريبة قصة حب "عفيف" و"صادق"!، كانت "نهاية سعيدة" غير منطقية لمأساة شعب عانى ويلات الاحتلال، قصة حب "رهيب" انبلجت من بحر من الدماء وجبال من الشهداء و"نحتتها" سنون الحرب والابادة الجماعية لآلاف الجزائريين، قصة حب غريبة خرجت من رحم "الاستقلال"! .