النكبة والنكسة: تبدّل الزمن وتغيّرت المعادلات
صعبة هي النكبة..
من بداية القرن العشرين، حين ظهرت مفاعيل المشروع الصهيوني في فلسطين، إلى 15 أيار/مايو 1948، حيث نجح هذا المشروع في إقامة الكيان الصهيوني، وتمكّن من احتلال الأرض وقتل جزء من السكان، وهجّر الأغلبية.
خسر الفلسطينيون الأرض والاستقلال والأملاك، وخسروا حلمهم في إقامة دولة، وكانت خسارتهم عظيمة بشرياً ومادياً، في ظل تواطؤ عدد من دول الإقليم والعالم، وضعف آخرين.
قاسية هي النكسة..
الاسم المخفف للهزيمة العربية الساحقة، في 5 حزيران/يونيو 1967، خسر العرب أضعاف مساحة فلسطين، واحتلت (إسرائيل) أجزاء من الدول العربية المحيطة، وانهارت جيوش.
خسر الفلسطينيون مجدداً: القدس الشرقية، الضفة الغربية، قطاع غزة، المقدسات الإسلامية والمسيحية، تهجّروا مجدداً، ونزحوا مرة ثانية.
مرير فقدان الأمل..
بعد 1967، فقد الفلسطينيون الأمل باسترجاع الأراضي المحتلة عام 48، فقدوا ثقتهم بالأنظمة العربية وجيوشها، استفاقوا على خسارة مروّعة، خلل استراتيجي، هزيمة نفسية، واقع عسكري صعب، اختلال الموازين، صار الكيان الصهيوني وحشاً ضخماً، وتحوّل إلى أسطورة، سوقت فكر الهيمنة والقوة والسيطرة والرعب، والجيش الذي لا يُقهر.
استطاع الكيان الصهيوني استثمار صورته ووحشيته، بينما كان العرب يتصارعون ويتلاومون ويكذبون.
الوضع الفلسطيني لم يكن أحسن حالاً..
المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني بدأت مع بروز هذا المشروع، المقاومة كانت سياسية وشعبية، إضراب عام 1935، وثورة 1936 مثالان مناسبان.
المقاومة الفلسطينية المسلحة كانت نتيجة طبيعية للعنف الذي استخدمه الاحتلال الذي ترافق مع صمت ودعم بريطاني.
الثورة الفلسطينية عام 1965 أكملت مسيرة المقاومة، لكن عوامل بنيوية وسياسية وإقليمية، وأخطاء في القيادة والإدارة والممارسة، بالتزامن مع جهد دولي كبير ودعم للموقف الإسرائيلي، كلها ساهمت في إضعاف الثورة، التي خسرت حروباً كثيرة، وتورطت سياسياً في مسيرة التسوية واتفاق أوسلو وما سبقهما وما تلاهما.
التاريخ الفلسطيني ليس كله تاريخ نكبات وأزمات..
فقد شهدنا إشراقات سياسية وعسكرية مهمة في أكثر من محطة.
لا شكّ أن تاريخ النكبة والنكسة الذي ترافق مع إرادة سياسية ضعيفة، وتوظيف خاطئ لمبدأ المقاومة، أوجد حالة صعبة داخل المجتمع الفلسطيني، لا نزال نعاني منها إلى الآن، من خلال الهيمنة والتفرّد واحتكار القرار، والفساد الإداري والمالي والأمني، والرهان على خيارات خاطئة وقاتلة، وتعطيل للانتخابات وللمؤسسات، وتجميد لكل بنية المجتمع المؤسساتية والنقابية.
الإشراقات الفلسطينية تمثلت في العوامل الآتية:
1- رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني وبالاحتلال وبشرعية الدولة الصهيونية ومؤسساتها.
2- التمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية في الداخل والخارج، والتمسك بالأرض والوطن والمقدسات وحق العودة.
3- تحوّل المقاومة إلى ثقافة شعبية، واتساع ظاهرة مقاومة الاحتلال، وتطوّر ظاهرة المقاومة الفردية، من خلال عمليات الدهس والطعن.
4- سقوط خيار التسوية، وفشل اتفاق أوسلو، وسقوط مروع للطبقة السياسية التي تتبناه.
5- نجاح تيار المقاومة في الانتخابات الطالبية والبلدية والتشريعية، واتساع الحضور السياسي والشعبي لتيار المقاومة.
6- بروز ظاهرة الانتفاضة، وقدرتها على تحقيق إنجازات سياسية وشعبية.
7- نجاح مشروع المقاومة في طرد الاحتلال من محيط غزة، ومن إفشال عدوان 2008-2009، و2012، و2014، ونجاح المقاومة في الارتقاء بمستوى التدريب والتجهيز والإعداد والتصنيع، ما أوصلها إلى ضرب الاحتلال في العمق، وضرب معنوياته، وتحطيم صورته.
8- محافظة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج على وحدة الأرض والشعب والقضية، وظهور قدرة المجتمع على التمسّك بأهم قضاياه، مثل الأسرى وحق العودة، والتفاف المجتمع خلف رموز المقاومة وقادتها، واتساع ظاهرة الشهادة والاستشهاد.
هذه العوامل، وغيرها، جعلت المشروع الصهيوني يقف عند حدود معينة، يفتقد فيها القدرة على الانتصار والتوسع، وتغيير الوقائع، وفرض الخيارات.
بعد 67 سنة، أصبح الكيان جامداً، والمقاومة تتحرك وتتوسع، إنه زمن تغير المعادلات، التي ستصل إلى مرحلة التحرير والعودة.