أين يقف صالح من انقلاب اليمن؟!
لايزال موقف الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، من الأحداث في اليمن هو
الأكثر غموضاً وإثارة للجدل تجاه التطورات الكبيرة في المشهد اليمني التي تمثلت
بسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة صنعاء وبعض المدن اليمنية، إذ
تتوجه إليه كثير من الاتهامات بالتحالف مع الحوثيين، في مقابل مؤشرات تجعل من
الرئيس صالح هدفاً مستقبلياً لهم، وتوقعات بدور يمكن أن يلعبه في الفترة المقبلة.
صالح، الرئيس السابق الذي حكم اليمن بشطريه طيلة 33 عاماً، 12 منها للشطر الشمالي
و21 في ظل اليمن الموحد للشمال مع الجنوب، وهو الرجل الأكثر نفوذاً في العاصمة
صنعاء وما حولها، وهو الاسم الأكثر تناولاً في الساحة السياسية اليمنية، تُنسج حوله
الاتهامات منذ بداية المرحلة الانتقالية بعرقلة العملية السياسية، وتنعقد حوله آمال
مناصرين يعتقدون أنه مازال ممسك بخيوط عدة، ولديه القدرة على فعل أمر ما يفضي إلى
العودة به إلى سدة الحكم وطي ومعالجة إشكالات الواقع اليمني والسيطرة على قواعد
اللعبة في المشهد .
وفي الجملة يبدو قراءة موقف الرئيس السابق علي عبدالله صالح ودوره في المرحلة
الانتقالية يستلزم النظر إليه من أكثر من زاوية، بدءاً في الأساس الذي تنطلق منه
الاتهامات والتبريرات، وكذا موقفه الشخصي وثاراته، مروراً بدور مناصريه ودور حزب
"المؤتمر" الذي يترأسه، وصولاً إلى مشاركة بعض أنصاره في اعتصامات الحوثيين بصنعاء
وبعض المدن، ومشاركة ألوية وجنود الحرس الجمهوري الذي يدين له بالولاء في المعارك
التي تخوضها جماعة " أنصار الله " الحوثيون، ومدى أن يكون ذلك حدث بالتنسيق معه من
عدمه.
وللوقوف على شخصية الرئيس السابق المثير للجدل والتساؤل والشكوك حوله، وتسليط الضوء
على موقفه من أحداث الفترة الانتقالية التي تحوّلت فيما بعد إلى انتقامية وتصفية
لخصومه، فلابد من التوقف ملياً عند نقطة البداية للتحولات والمتغيرات التي طرأت في
المشهد السياسي اليمني، فقد اندلعت الثورة الشبابية الشعبية السلمية في فبراير/
شباط 2011م، التي أجهضت بالمبادرة الخليجية وبموجبها تنحى الرئيس السابق علي
عبدالله صالح عن موقع رأس السلطة التي مكث فيها 33 عاماً، لكن الرجل الذي سلّم مبنى
"دار الرئاسة " والقصر الجمهوري " لخلفه " الرئيس عبدربه منصور هادي " وليس السلطة
عقب انتخابات رئاسية شكلية في فبراير/ شباط 2012 تقمص دور الرئيس الفعلي للبلاد .
وفي النظر إلى ما حملته وأفرزته الفترة الانتقالية من أحداث في غضون السنوات
الأربع، فقد قضاها الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعيداً عن موقع ( رأس السلطة )
كرسي الحكم، متوعداً من خرجوا عليه أول المطاف أنه سيتحول إلى "معارض" للسلطة
الحاكمة، عدا رفضه عروضاً مغرية قدمت له من دول عديدة للخروج من البلاد واعتزال
العمل السياسي، مستفيداً من الـ "حصانة " من الملاحقة القضائية والقانونية التي
منحت له بموجب "المبادرة الخليجية" مقابل ترك السلطة وطي فترة حكمه.
ولم يتوانى الرئيس السابق علي عبدالله صالح أن يكون بعيداً عن وهج الأضواء وفي
صدارة المشهد السياسي وممارسة دور الرئيس الفعلي للبلاد، مستفيداً من تغلل نفوذه
وثروته الطائلة التي يقال إنها تصل الى أكثر من 50 مليون دولار أمريكي، علاوة على
المنظومة الإعلامية المتكاملة التي أبقته في الصورة وتتكون من قناة فضائية ومطبوعة
يومية وإذاعة، فضلاً عن فريق من الخبراء والمستشارين، كما أنه لم يغب عن مراسلين
وقنوات فضائية خارجية كانت تقصده في منزله لإجراء مقابلات ولقاءات سياسية.
كما أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح أضفى على نفسه لقب الزعيم، واستمر في مظاهرة
الرئيس الجديد الشكلي للبلاد في كل شيء، مستغلاً وقوفه على رأس حزب المؤتمر الشعبي
العام، فمنزله الشخصي الذي يقع في قلب العاصمة صنعاء، واصل استقبال الوفود والزعماء
القبليين من حلفائه، وأصبح قبلة الزائرين له في الأعياد الوطنية والدينية، كان يقيم
"حفل استقبال " للمهنئين من رجال الدولة المنتمين لحزبه تماما كما كان يفعل من قبل
وتبثها قناته كفعاليات حزبية.
ولم تقتصر مزاحمة الرئيس السابق علي عبدالله صالح لـ الرئيس المستقيل والمحتجز"
عبدربه منصور هادي " في عقد الاجتماعات المتواصلة، بل إن برقياته في المناسبات
الاجتماعية داخلياً وخارجياً، كانت تسبق برقيات الرئاسة، كما أن الاعلام المملوك
لـ" صالح " ما زال ينشر حتى الآن برقيات تعازي لرؤساء دول عربية في أي كوارث أو
أعمال إرهابية قد تحصل ببلادهم.
وقد بدأت أصابع الاتهام توجه للرئيس السابق علي عبدالله صالح بشكل فعلي مع مطلع
العام 2014 بعرقلة العملية السياسية باليمن، بهدف النيل من خصومه الذين ثاروا عليه،
ونكاية بالرئيس المستقيل والمحتجز حلياً " عبدربه منصور هادي " الذي فشل ولم يتمكن
طيلة ثلاثة أعوام، في تقليم أظافره المغروسة في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
وكانت الاتهامات توجه قبل ذلك لـ شخص الرئيس المستقيل والمحتجز " هادي " من قبل
الأحزاب السياسية التي كانت تعتقد أن ما يحدث عبارة عن تسهيلات وتنسيق قائم بين
جماعة "أنصار الله" الحوثيين و الرئيس" هادي" تحت يافطة الدولة، وعلى وجه التحديد
في أعقاب سقوط محافظة عمران في الثامن من يوليو/تموز العام الماضي، التي جعلت حزب
"الإصلاح" يخفف من حدة اتهاماته لصالح بالوقوف مع جماعة " أنصار الله " الحوثيين،
وبدأت أصابع الاتهام تتجه أكثر نحو الرئيس "هادي " نتيجة لعبه دور الوسيط متخلياً
عن دور الدولة، الدور الذي انتهى لخدمة توسع الحوثيين وتثبيت سيطرتهم، ومع اقتراب
جماعة " أنصار الله " الحوثيين من العاصمة صنعاء أنشأ مقربون من الرئيس " هادي "
العديد من المواقع الإخبارية التي قادت خطاباً موجهاً ضد الرئيس السابق علي عبدالله
صالح بدرجة أساسية واتهامه بالتحالف مع الحوثيين.
غيرأن اللافت في الواقع ما حدث بشكل عملي من خلال مشاركة أو تساهل وجهاء وقبائل
محسوبين على الرئيس السابق علي عبدالله صالح في صعود وتمدد جماعة " أنصار الله "
الحوثيون وحروبهم، فضلاً عن تغطية وسائل الإعلام المحسوبة على " صالح " التي أظهرت
نوعاً من "التشفي"، ولم تبتعد كثيراً في تناولها للأحداث وتعريفها للصراع القائم مع
الخطاب الذي تسوقه وسائل إعلام جماعة " أنصار الله " الحوثيين وتوصيفه بالصراع
الندي مع حزب" التجمع اليمني للإصلاح " وليس بكونه توسعاً مسلحاً نحو العاصمة صنعاء
والمدن الذي اصطدم بوحدات عسكرية وقبائل.
وقد تزامن ذلك مع إعلان حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن اكتشاف نفق أرضي
أسفل منزله قال إنه استهدف حياته، وسرّب لوسائل الإعلام المختلفة اتهامات للرئيس
المستقيل والمحتجز "عبدربه منصور هادي" والحوثيين بالوقوف وراء حفر النفق، ليتضح
أمر النفق فيما بعد أنه مجرد لعبة وورقة إلهاء سياسي لخصومه والشارع اليمني، لصرف
أنظارهم عن ما حدث ويخطط له .
وعلى هامش "حادثة النفق" المزعوم كثّف الرئيس السابق علي عبدالله صالح من الحضور في
المشهد وممارسة العمل السياسي اليومي، من خلال استقبال الوفود من المديريات
والمناطق المحيطة بالعاصمة ومختلف المحافظات لتهنئته بالسلامة والنجاة من مخطط
استهدافه عبر النفق، وتأكيد الولاء لـ حزب " المؤتمر" تحت قيادته، وكان من الواضح
استخدام "النفق" كمناسبة لحشد أنصاره وأعضاء حزبه لخطب ودهم وولائهم من جديد بعد أن
أصبح جزء منهم منخرطاً في مشروع جماعة " أنصار الله " الحوثيين .
في ردوده وتصريحاته المختلفة، يلتزم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الموقف الرسمي
كرجل دولة يسخر من الاتهامات الموجهة إليه، فتارة يؤكد على "موقفه الحيادي من
الصراع الدائر"، وتارة أخرى يهاجم الرئيس "عبدربه منصور هادي " ويوجه له الاتهامات
بالتساهل مع جماعة " أنصار الله " الحوثيين والتهرب من المسؤولية بالدفاع عن
المواطنين دون تحديد .
وتعقيباً على سيل من الاتهامات الإعلامية الموجهة إليه من وسائل محسوبة على
الرئاسة، رد الرئيس السابق علي عبدالله صالح باتهام الرئيس "هادي" ضمناً بدعم جماعة
"أنصار الله " الحوثيين والجماعات المسلحة، قائلاً إن "تلك الأطراف الفاشلة
والمتطرفة التي ترمي غيرها بما ترتكبه عملاً بالمثل القائل رمتني بدائها وانْسلّت،
موجهاً لها تهمة تقديم نفسها للجهات الأجنبية المرتبطة بها وتقديم المعلومات
المضللة لها بدون وجود أي أدلة أو براهين موثوق فيها".
وتقول شخصية الرئيس السابق علي عبدالله صالح أنه يتمتع بإرادة صلبة في مقاومة
خصومه، واستطاع عبر غطاء جماعة " أنصار الله " الحوثيين من إرداء خصومه الذي وقفوا
ضده في الثورة الشعبية السلمية ضد نظامه وإسقاطه في فبراير2011م، وفي المقدمة زعماء
قبيلة حاشد من أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، والجنرال العسكري "علي محسن
الأحمر" وزعامات وقيادات قبلية محسوبة على حزب الاصلاح الإسلامي .
ومن أبرز العوامل المؤثرة التي ساعدت الرئيس السابق علي عبدالله صالح في تأثيره على
المرحلة الانتقالية اتصاله بالعالم الخارجي وانفتاحه في الداخل على كافة التيارات
والمسميات والتعاطي معها وتبادل لغة المصالح واتباع سياسة شراء الولاءات والذمم
والمواقف التي أدار بها البلاد طيلة فترة حكمه، وكون الغالبية من قيادات الجيش
اليمني تدين له بالولاء المطلق ومن أبناء منطقته ومسقط رأسه، وقد بدا ذلك جلياً في
الاجتياح المسلح الذي نفذته جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، حيث قاتل المئات من
أفراد الحرس الجمهوري ( الوحدة العسكرية المتطورة التي كان يقودها نجله الأكبر
أحمد) في صفوف الحوثيين، فيما التزم آخرون الصمت وسلّموا العاصمة والمقار الرئاسية
لمقاتلي جماعة "أنصار الله "الحوثيين .
وعلى الرغم من صدور بيان اتهام من مجلس الأمن بتجميد أرصدته، إلا أن الرجل أكمل ما
بدأه واستطاع إسقاط الرئيس "هادي" وتخريب الفترة الانتقالية وتحويلها إلى انتقامية
من خصومه بواسطة قفاز جماعة الحوثي، التي تحالف معها، رغم خوضه 6 حروب معهم وشنتها
السلطات الحكومية تحت قياداته منذ العام 2004.
ويُتوقع كثيرون أن يعود الرئيس السابق علي عبدالله صالح الى الحكم عبر مُمثل لحزبه
في المجلس الرئاسي الانتقالي، وماأطلق عليه بـ " الإعلان الدستوري " الذي أعلنت
جماعة الحوثي مطع الشهر الجاري أنه سيتكون من 5 أشخاص.
وخلافا للسيرة السياسية التي تمتلأ بالكثير من الغموض والشكوك والمتناقضات، تقول
سيرة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذاتية إنه من مواليد "بيت الأحمر" في بلدة
سنحان بمحافظة صنعاء وقبليا ينتمي لقبائل حاشد، عرف العسكرية منذ الصغر وفي العام
1960 انضم لمدرسة الضباط وهو في سن الـ 18 ثم التحق بمدرسة المدرعات عام 1964 وتدرج
في مواقع عسكرية بعدها حتى تعين قائد للواء تعز المحافظة التي كانت مهد الثورة
الشبابية الشعبية السلمية ضد حكمه، ووصل صالح إلى سدة الحكم عام 1978 عقب مقتل
الرئيس "أحمد الغشمي".
وحتى كتابة هذه السطور ماتزال شخصية الرئيس السابق علي عبدالله صالح مثار جدل
وتناول مفتوح من قبل وسائل إعلام محلية وخارجية عديدة، وأصابع الاتهام توجه له بين
الفينة والأخرى بالضلوع في أحداث الفترة الانتقالية وتقويض العملية السياسية في
اليمن، علاوة على مسألة تحالفه وحزبه المؤتمر الشعبي العام مع جماعة " أنصار الله"
الحوثيون التي أصابت كثير من المحلّلين السياسيين بالدهشة والحيرة، وغدت مبعث تساؤل
العديد من الأطراف مؤخراً وتناول العديد من القنوات الفضائية في برامجها وحواراتها
وتغطيتها الإخبارية لمايجري في اليمن .
وبرغم إنكاره للتحالف الناشئ مع جماعة "أنصار الله" الحوثيين في بادئ الأمر، الا أن
تسجيلاً صوتياً له مع قيادي في جماعة الحوثي تم تسريبه الشهر الماضي إلى قنوات
التلفزة قد أظهر بجلاء أنه "مهندس الزحف الحوثي" للعاصمة صنعاء والمحافظات، وما
أطلق البعض عليه بـ" الانقلاب " على سلطة الرئيس " عبدربه منصور هادي" الذي فرض
عليه ورئيس حكومته الإقامة الجبرية بمنزله الكائن في العاصمة صنعاء .