أزمات السودان يواجهها العجزة
مع حلول العام 2015 يتجدد سؤال
مطروح بشدة في السودان منذ سنوات، وهو: متى يتقاعد زعماء الأحزاب، سواء الحاكمة أو
المعارضة، الذين يديرون العملية السياسية منذ أكثر من 5 عقود دون فرصة للشباب؟
فمنذ استقلال السودان عن الاحتلال
الإنجليزي عام 1956 لا تزال أزمات البلاد من حروب أهلية وانقلابات عسكرية وانقسامات
سياسية تراوح مكانها حتى اليوم، وهو ما يرده كثير من السودانيين إلى تركيبة الأحزاب
السياسية التي تفتقر إلى المؤسسية وتخضع لزعاماتها.
وتحارب الحكومة السودانية تحالفا
يضم 4 حركات مسلحة في 8 من أصل 18 ولاية سودانية، 5 منها في إقليم دارفور غربي البلاد.
ويقدر خبراء حجم الإنفاق العسكري بأكثر من 60 % من الموارد العامة. ولا تعلن وزارة
المالية عن هذه الأرقام بدعوى سريتها.
وتلقى الاقتصاد السوداني ضربة
موجعة بانفصال جنوب السودان في يوليو/ تموز 2011، حيث استحوذ على 75 % من حقول النفط
وتمثل أكثر من 50 % من الإيرادات العامة ونحو 80 % من موارد العملة الصعبة التي تحتاجها
البلاد التي تستورد غالبية احتياجاتها الأساسية من الخارج.
وخلال الأشهر الأخيرة الماضية،
زادت حدة المواجهة بين الحكومة ومعارضيها بعد تعثر عملية الحوار التي دعا إليها البشير
في يناير/ كانون الثاني الماضي، وقاطعتها غالبية فصائل المعارضة.
وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول الماضي،
تكتلت أحزاب المعارضة وحركات التمرد المسلحة ضد الحكومة بالتوقيع على اتفاق في العاصمة
الإثيوبية أديس أبابا أطلق عليه "نداء السودان" أقرت فيه التنسيق بينها لتحقيق
"انتفاضة شعبية".
ومما يزيد من حدة الاحتقان، رفض
الحزب الحاكم لشروط المعارضة لقبول دعوته ‘إلى الحوار، وأبرزها: تأجيل الانتخابات العامة
المقررة في أبريل/ نيسان المقبل، التي يتمسك الحزب بإجرائها في موعدها بدعوى أن ذلك
"استحقاق انتخابي".
ومع ذلك الوضع المتأزم، فإنه
من الملاحظ في السودان أن غالبية زعماء الأحزاب، المعارضة منها والحاكمة، إما تجاوزوا
الثمانين عاما أو اقتربوا منها، ويصطلح عليهم بـ"جيل أكتوبر (تشرين الأول)"،
حيث لمع نجم أغلبهم في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالحاكم العسكري إبراهيم عبود
في أكتوبر/ تشرين الأول 1964.
على مستوى أحزاب معارضة، فإن
زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، الذي احتفلت أسرته قبل أيام بعيد ميلاده التاسع
والسبعين، يترأس حزبه منذ أكثر من 50 عاما، وكذا الحال بالنسبة لحسن الترابي (82 عاما)،
الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية، حيث يقودها منذ عام 1964.
وحتى الأحزاب التي تدعي قدرا
من الحداثة، مثل الحزب الشيوعي، الذي ينظر إليه كواحد من أعرق الأحزاب الشيوعية في
المنطقتين العربية والأفريقية، فإن سكرتيره العام مختار الخطيب، يبلغ من العمر 73 عاما،
وتقلد منصبه في 2012، بعد وفاة سلفه محمد إبراهيم نقد عن عمر يناهز 81 عاما، وبعد أكثر
من 40 عاما قضاها في زعامة حزبه.
على المنوال ذاته، يبلغ عمر زعيم
حزب البعث العربي الاشتراكي، علي الريح السنهوري (75 عاما). بينما يبدو الوضع في حزب
المؤتمر السوداني أفضلا حالا، حيث تغلب على مناصبه القيادية عناصر شابة ولا يتجاوز
عمر رئيسه، إبراهيم الشيخ، الستين عاما.
وتتكتل أحزاب البعث والشيوعي
والمؤتمر السوداني ضمن تحالف يضم نحو 20 حزبا تغلب عليها النزعة اليسارية، وتقوده شخصية
مستقلة، هو فاروق أبو عيسى، المعتقل لدى السلطات السودانية منذ أسابيع، ويبلغ عمره
82 عاما.
ولا يختلف الأمر بالنسبة لحزب
المؤتمر الوطني الحاكم، الذي يترأسه رئيس الجمهورية عمر البشير البالغ من العمر 71
عاما.
لكن أستاذ العلوم السياسية بجامعة
الخرطوم، محمد محجوب هارون رأى أن الوضع داخل المؤتمر الوطني "أفضل حالا من أحزاب
المعارضة، حيث يديره فريق شبابي بغض النظر عن السلطة المفوضة لهذا الفريق".
ومضى هارون قائلا، في حديثه،
إن "الرئيس البشير وكبار معاونيه هم أقل سنا، ولا ينتمون للجيل الذي ينتمي إليه
المهدي والترابي".
وفي ديسمبر/ كانون الأول
2013 ، أجرى الرئيس السوداني تعديلا وزاريا غير مسبوق أطاح فيه بكبار معاونيه الذين
ظلوا يتنقلون بين المناصب الوزارية منذ وصوله إلى السلطة عبر انقلاب عسكري مدعوما من
الإسلاميين في 1989.
وهو تعديل أجراه البشير ضمن خطة
إصلاحية، قال إن الهدف منها هو نقل القيادة إلى عناصر شابة.
ومن أبرز الذين أطاح بهم التعديل
الوزاري هم النائب الأول للرئيس، علي عثمان، ومساعد الرئيس، نافع علي نافع، ووزير النفط،
عوض الجاز، ووزير الزراعة عبد الحليم المتعافي، وكلهم تتراوح أعمارهم بين 60 إلى 70 عاما.
وفي كل هذه الأحزاب تطغى الخلافات
بين القيادات والشباب الذي يرفعون شعارات إصلاحية ويتهمون قادتهم بإحتكار القرارات
الحزبية.
وقال محمد الفكي، أحد شباب الحزب
الاتحادي الديمقراطي الأصل المنادين بإصلاحات في حزبه إن "بقاء هؤلاء القادة لفترات
طويلة في أحزابهم ينزع عنهم الشرعية الأخلاقية فيما يتصل بحديثهم عن الديمقراطية".
والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل
هو أكبر حليف لحزب البشير، ويتزعمه محمد عثمان الميرغني، البالغ من العمر حوالي 80
عاما.
ويرفض الفكي محاولة البعض تبرير
بقاء القادة بالحديث عن عامل الخبرة متسائلا باستنكار، في حديث مع وكالة الأناضول،
إن "هذه القيادات صاحبة خبرة تاريخية،
لكن ألم يتغير العالم خلال نصف قرن ؟!"
وتابع الشاب السوداني بقوله:
"أكاد أجزم بأن التغيرات
التي حدثت في العالم خلال الـ50 عاما الماضية هي تغيرات أكبر من
تلك التي حدثت منذ بدء الخليقة .. فكيف يقود المرحلة
ذات الأشخاص؟!".
مؤيدا ما ذهب إليه الفكي، قال
هارون إن "الشباب حظهم ضعيف في قيادة هياكل أحزابهم مع التفاوت من حزب إلى آخر..
وهذا الوضع جزء من أمراض الحركة الوطنية، حيث يتم ممارسة السياسة كمهنة، وبالتالي يكون
السؤال: أين سيذهب هؤلاء إن تخلوا عن مناصبهم ؟!"
ومضى قائلا إن "هذا الوضع
موجود على مستوى الإقليم العربي والأفريقي ولا يقتصر على السودان".
وحول فرص الشباب في إزاحة القيادات
القديمة، قال الشاب محمد الفكي إنه "ليس بمقدورنا فعل ذلك في الوقت الحالي؛ لأننا
لا نمتلك أدوات الصراع، إضافة إلى انفضاض الكثير من الشباب عن الأحزاب بعد يأسهم من
إصلاحها".
وعوضا عن ذلك، فإن الخيار الأسهل،
بحسب الفكي، هو "بناء منظومات سياسية جديدة رغم ما يعترض هذا الطريق من صعوبات جسيمة أيضا".
وحول قدرة القيادات الطاعنة في
السن على حل أزمات البلاد الراهنة، قال هارون إن "التجربة الإنسانية أثبتت أن
الأشخاص غير قادرين على العطاء لفترات طويلة فمثلا في المجتمعات المتقدمة لا يجدد لشاغلي
المناصب العامة لأكثر من دورتين".
وتابع "لذا نجد من النادر
جدا في هذه المجتمعات أشخاص يتولون مناصب عامة لفترات طويلة لأن ذلك يتطلب مقدرات فائقة
لا تتوفر للجميع".
وختم المحلل السياسي قائلا
"شئنا أم أبينا سننتهي إلى فضاء سياسي تديره الفئات الأحدث سنا؛ لأن ذلك هو سنة
الحياة، لكن لا أستطيع الجزم بأن مساعي الشباب الإصلاحية ستنجح من داخل هياكلهم الحزبية
القائمة".