بشار الأسد وصفقة الشيطان
جيمس تراوب - فورين بوليسي
خطة
جديدة لإيقاف شلال الدم في سوريا تهدف إلى الموافقة على إبرام هدنة محدودة مع النظام
في دمشق. إنها خطة بغيضة، ولكن هل يمكن اعتبارها مخالفة للمألوف وفاسدة؟
بحسب
ما ذُكر الأسبوع الماضي فإن لدى إدارة أوباما طريقة افتراضية هجومية في العراق
وليس في سوريا. وهي الدولة التي تعتبر الملاذ الخلفي لمقاتلي الدولة الاسلامية
التي تحاصر العراق. ومع مرور الوقت ستجني هذه الخطة الطويلة الأجل والتي تهدف إلى
تدريب المتمردين على مواجهة الدولة الاسلامية ونظام الرئيس بشار الأسد ثمارها. لم
يتبق في سوريا إلا القليل جدا لكي يتم انقاذه. وحتى على افتراض أن الإدارة
الأمريكية جادة في تنفيذ خطتها إلا أن التاريخ الماضي يشير إلى أنها على العكس من
ذلك.
ما
الذي يمكن فعله من أجل ايقاف مفرمة اللحم والقتل الوحشي في سوريا؟
لقد
كتب ديفيد اجناتيوس في صحيفة "واشنطن بوست" الأسبوع الماضي عن إحدى
الوثائق المسربة والتي تحتوى على مجموعة من المقترحات لوقف إطلاق النار محلياً بين الثوار السوريين والنظام والتي من المحتمل أن تفضي
في نهاية الأمر إلى عملية مصالحة سياسية بين الأطراف. لقد أحدث حديث الكاتب في
الصحيفة زوبعة من التخمينات والمضاربات في وسط عالم الخبراء السوريين الصغير, وهذا
بدوره دفع ديفيد هارلاند رئيس مركز الحوار الإنساني والذي يتخذ من جنيف مقراً له
ويعتبر مسؤول عن الوثيقة أن يقوم بتقديم تقرير نهائي موجز عن المقترح ومن ثم إرساله
لي. مازالت الوثيقة سرية لذا لا أستطيع أن أصل اليها ولكن يمكنني أن أستخرج بعض الاقتباسات
منها. يجب على كل شخص مهتم بالشأن السوري أن يتعامل مع هذه الحجة بجدية.
أولا, كلمة عن المنظمة وكاتب التقرير: ربما لم يسبق لك أن
سمعت عن مركز الحوار الإنساني لأن تلك هي الطريقة التي يحبونها. يعمل مركز الحوار
الإنساني في قلب النزاع, ويتمثل دوره بالعمل كوسيط راع للاتفاق بين الاسلاميين
والعلمانيين والذي أدى إلى انتخابات سلمية في تونس. أما في أفغانستان فهو يقوم
برعاية المفاوضات مع حركة طالبان. وفي سوريا كان لديهم رغبة في تنظيم ورعاية وقف إطلاق
النار منذ عام 2013م, أما الآن فلديهم الأمل للعمل كوسطاء من أجل الإشراف على الاتفاق
بين الثوار والسوريين الأكراد ورعايته. وباختصار يعتبر هؤلاء العاملين في هذا
المركز أناس جادين ويقومون بعمل جاد. ديفيد هارلاند مسؤول سابق في الأمم المتحدة
وقد مرت خمسة عشر سنة على معرفتي به.
إن
الوثيقة المسربة التي حصل عليها "ديفيد اجناتيوس" تبين أن من قام
بكتابتها هو مسؤول في مركز الحوار الإنساني ويدعى "نر روسن" وهو صحفي
سابق كان يقوم بنقل تقارير من جميع مناطق النزاع في الشرق الأوسط وقد قضى السنوات
العديدة الأخيرة في داخل سوريا, وكان يعمل فيها مع مسؤولي النظام السوري ومع آخرين
وذلك في محاولة منه لتنظيم اتفاق وقف إطلاق النار.
لقد
استمتع روزن بلحظات قليلة من الشهرة والسمعة السيئة في عام 2012م، وذلك عندما تم
اختراق البريد الالكتروني لبشار الأسد وتمكن حينها روزن من الوصول إلى العديد من
الرسائل الإلكترونية التي كان يرسلها الأسد إلى رموز النظام مؤكداً فيها على
متابعته وتعاطفه مع ما يجري. هذا الأمر قدم المزيد للإدعاء الذي يقول بأن روزن كان
"موالياً للنظام", والذي من المؤكد أنه سيجعل من أي تقرير يكتبه روزن
ويقدم فيه مقترح اتفاق سلام مع الأسد تقريراً مشتبه فيه.
ما
أود أن أقوله ويعتبر أمراً جديراً بالأهمية هو أنني لا أعتقد بأن روزن موالي
للنظام ولكنني أظن أنه ومع مرور الوقت اندمج وتفاعل مع الناس ووجهات نظرهم في دمشق
تماماً مثل الصحفيين الآخرين الذين اندمجوا مع الثوار وتشبعوا بوجهات نظرهم عندما
يقومون بكتابة تقارير تتعلق بهم.
إن أساس
تقرير مركز الحوار الإنساني والذي كان بعنوان "خطوات حسم النزاع في
سوريا", يتمثل في أنه ليس بإمكان النظام والثوار أن يلحقوا الهزيمة ببعضهم
البعض. إن هذا المأزق الدموي يخلق ظروف من شأنها أن تحقق الازدهار والنمو لكل من
الدولة الاسلامية وجبهة النصرة التي تعتبر تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.
والأمر
الأكثر سوءًا يتمثل في الشعور بالتعاسة حيال الجماعات المتمردة العامة لكونها
تمتلك القدرة على تغيير توجه الجنود العاديين ليصبحوا متشددين وسلفيين ومن ثم
ينضمون بشكل متزايد إلى الجماعات الجهادية. ومع ايقاع الهزيمة الأسبوع الماضي في
صفوف الألوية التي تتمركز في غربي مدينة ادلب وتتلقى الدعم من الولايات المتحدة,
فإن الثوار الغير تابعين للجهاديين قد يصبحوا في خطر عندما يتم تهميشهم في سوريا.
وفي
الوقت نفسه فإن الدولة السورية والتي يقتصر دورها على أنَّها دولة وظيفية لا أكثر
وسط اقتراب معظم أنحاء البلاد من حالة الانهيار أكثر من أي وقت مضى. ولأن الدولة
أصبحت تضعف شيئاً فشيئاً؛ أصبح من البديهي أن تتعاظم قوة العناصر الإجرامية
والعسكرية في المقابل, وفي هذه الحالة تقوم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بسد
الفراغ الحكومي هناك.
إنه
لمن الممكن أن يتراجع الوضع في سوريا ليصبح كالوضع في الصومال. إن حجتهم تقول بأن
هناك حاجة ملحة للحفاظ على الدولة حتى ولو تطلب الأمر أن يبقى الأسد على رأس
السلطة. ويختصر هارلاند قوله بعبارة بسيطة وهي" أن يكون لديك نظام ودولة خير
من أن لا يكون لك ذلك".
يعمل
مركز الحوار الإنساني جنباً إلى جنبٍ مع الأمم المتحدة على أرض الميدان في سوريا
في محاولة منهم للقيام بوساطة لرعاية اتفاقات وقف إطلاق النار. وفي كل حالة تقريبا
يلجأ النظام الذي يفتقد القوة العسكرية لكي يلحق الهزيمة في صفوف الثوار إلى تجويع
هؤلاء الثوار حتى يخضعوا لأوامره وعند هذا الحد يخضع الثوار للنظام بسبب ما يرونه
من معاناة للسكان المحليين.
هذه
الاتفاقات والتي تعتبر في حقيقتها نوع من الابتزاز ونادراً ما يتم التوقيع عليها
ولا تؤدي قطعاً إلى أي شيء يشبه الحكم الذاتي. وعلى النقيض من ذلك فإن التقرير الصادر
عن مركز الحوار الإنساني يظهر اتفاق قامت الامم المتحدة أو محاورين آخرين بتزويره
من أجل خلق كيان يسمى "سلطة السلام وإعادة الإعمار" والتي سوف تقوم
بتنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار وتكون بمثابة سلطة مؤقتة ولكن مسؤولي البلديات يقومون
بتقديم تقاريرهم إلى جهة محايدة وليس للنظام.
ويؤكد
التقرير على أنَّ المقترحات المقدمة سوف ينشئها السوريون أنفسهم وسوف يقومون
بتنفيذها أيضا وذلك بطريقة التلقي من أسفل إلى أعلى بدلاً من أن يتم فرضها عليهم
من الخارج بطريقة التلقي من أعلى إلى أسفل. إن المدن التي توصلت إلى اتفاق وقف إطلاق
النار سوف تحكمها هيئة أياً كانت سواء تابعة للحكومة أو الثوار. ومع مرور الوقت
سوف تحتضن هذه البلديات الإدارات والسياسات المحلية, وسوف يدفع المجتمع الدولي
تكاليف إعادة الاعمار. إن نهاية حملة النظام المتعلقة بالتفجيرات التي لا يمكن
تمييز فاعلها لا تحمي حياة المدنيين فقط بل تحبس جزءاً من الرياح لكي لا تصل إلى
أشرعة سفن الجهاديين وبالتالي تضع حد لتقدمهم, وبالتالي لم يعودوا قادرين على
تقديم أنفسهم على أنهم القوة الوحيدة القادرة على حماية السنة من وحشية النظام
الشيعي. ويقترح تقرير مركز الحوار الإنساني أن بعد تحقيق اتفاق السلام يستطيع كل
من الطرفين توجيه نيرانهم على الدولة الاسلامية.
ودائما
ما تؤجل خطط المصالحة الأسئلة الوجودية إلى المستقبل في غالب الأمر, على أمل أن
يتم التوصل وبسهولة إلى اتفاق نهائي بشأنها. وبالنسبة للسؤال الحالي والأبرز وهو:
"ما هو مصير الأسد؟" فإن مركز الحوار الإنساني يجيب عليه بالتالي: "إن
مصير الأسد يحدده الشعب السوري وذلك عند نقطة واضحة معينة, وبعد انتهاء الحرب سيتم
إجراء تعديلات شاملة على الدستور وإجراء انتخابات تحت اشراف دولي". هذا
المصير لبشار الأسد لن يحدث في الوقت القريب على الإطلاق. لقد أخبرني كل من روزن
وهارلاند أن قادة الثوار قد قبلوا بأن رحيل الأسد لن يكون شرطاً مسبقاً للمحادثات.
ويعتقد روزن بأن الذين يقومون بدعم الثوار من الخارج بما فيهم السعودية قد بدأوا
بالتوصل إلى نفس النتيجة.
هناك
العديد من الأسباب التي تجعلنا نعتقد بأن خطة مركز الحوار الإنساني لن تعمل.
فالجزء الذي تسيطر عليه جبهة النصرة والدولة الاسلامية تزداد رقعته وكلا التنظيمين
لن يقبلا المصالحة مع الأسد. انهم سيشكلون خطراً مميتاً للسلام الحساس والهش الذي
تصوره الخطة. تتنبأ تلك الخطة بنوع من العمل المتناغم بين النظام السوري والثوار
المعتدلين في قتالهم ضد الدولة الاسلامية على تخوم أحياء دمشق. لم يتم ذكر ذلك في
التقارير وفي حال كانت تلك التقارير دقيقة فإنها سوف تجعل من الجانب أقل بقليل من
أن يكون بعيد المنال.
هل
صحيح أن كلا الجانبين قد تم استنزافهم وإنهاكهم بما فيه الكفاية ولم يعودوا الآن قادرين
على بذل التضحيات الغير معقولة؟
أحد
المسؤولين في البيت الأبيض اطلع على مسودة روزن وكان قد أخبرني بأنه لا يرى أي
علامة تدل على أن قادة الثوار سوف يكونوا جاهزين للتوقيع على اتفاق من شأنه أن
يبقى الأسد على رأس السلطة. ولم يتم أيضاً اقناعه بأن الأسد قد أصبح خائفاً جداً
على حياته وبالتالي تمَّت تهيئته لكي يمنح حكماً ذاتياً حقيقياً للثوار. ويقول أحد
الخبراء في الشأن السوري في معهد واشنطن لسياسة الشرق وهو "الأدنى أندرو
تابلر" إنه قام بالإطلاع على المقترح بسبب النداءات المتكررة والقادمة من
دمشق والموجه للمجتمع الدولي من أجل دعم ما تبقى من نظام الأسد. إن تابلر يؤمن بأن
النظام السوري قد استخدم روزن والذي يعتبر حليفاً لها من أجل كسب مزيدٍ من الوقت
من لتثبيت سيطرته على الأجزاء المضطربة في البلاد. إن حسابات كل من روزن ومركز
الحوار الإنساني حيال احتمالية قبول كل من الثوار غير الجهاديين أو الأسد أو السعوديين
بأن يقوموا بتشكيل اقتراحٍ يبقى قيد الدراسة. هذه التجربة سوف يقوم كل من مركز
الحوار الإنساني وممثل الأمين العام للأمم المتحدة "ستافان دي ميستورا" بإجراء
تجربة يلعبان فيها دور الوسيط لوقف إطلاق النار في البلاد. وفي حال فشلوا في
تنفيذها سيكون لنا رد على ذلك.
إن
المعارضة المستمرة لخطة المركز لا تعتبر فقط مسألة حذر واقعي ومتزن ولكنها تعتبر
أيضا مبدأ أخلاقي.إن فكرة السماح للأسد بالبقاء في السلطة وفي حال ابتعد عن الحكم
لا يبتعد فقط بالقتل ولكن بالقتل الجماعي تعتبر فكرة مرفوضة. وحتى في حال بقي في
الحكم وبوضع ضعيف يحد من قدرته على فعل الشر فإن أي اتفاق من شأنه أن يحافظ على
مكانته يشعره وكأنه جبان وخاضع لإملاءات الغير. والإجابة التي يقدمها روزن هي أن
الثوار ليسوا بأفضل من النظام وأن النظام ليس بأسوأ منهم.
لقد
تراجعت عن الفكرة بالرغم من أنني تفهمت بأن القليل من الأجانب قد كان لهم الحق
بالوصول إلى ذلك القرار كما توصل له روزن. ولست متأكداً من أنه ذو أهمية في
النهاية. يجب علينا أن نترك هذا الأمر للرب لكي يقيم أرواح الرجال. وفي حال وصل الشعب
السوري إلى تلك الحالة من اليأس تجعلهم جاهزين للعيش في ظل نظام الأسد في مقابل
وضع حد للعنف والفوضى فأن ذلك سيكون جيد بما فيه الكفاية لنا.
وفي
الختام أتساءل ما هو الشيء الأفضل الذي يمكننا تقديمه؟ يناقش تابلر الأمر ويقول
بأنه وبمجرد أن تعود كوادر الثوار التي دربتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى
سوريا ابتداءً من هذا الربيع لتقف متحديةً الدولة الإسلامية ومن ثم النظام فإن "الأمور
سوف تتغير". لقد أدرك اوباما متأخراً بأنه لا يملك استراتيجية بشأن سوريا
وبالتالي قام بإصدار أوامره لمراجعة السياسة التي من الممكن أن تتضمن التسريع في
برنامج التدريب العسكري.
ومع
ذلك فإنني أظن أن إدارة أوباما سوف تتلذذ بوقتها في تدريب المجندين, حيث سيقومون
بإثبات صلابتهم وقوتهم تماماً كما كانوا في العراق وأفغانستان, وأن عددهم سيكون
قليلاً جداً ليقوموا بمواجهة حقيقة مع الدولة الإسلامية. لقد أخبرني سفير الولايات
المتحدة السابق لدى "سوريا روبرت فورد", والذي يعتبر أحد المؤيدين
المتحمسين وبشدة لقضية تسليح الثوار الغير جهاديين, أخبرني بأن الجمع بين حالة
اللامبالاة وعدم الاكتراث التي تتصف بها الإدارة بشأن قدر الثوار وبين الانتكاسات
المدمرة التي يعانون منها في هذا المجال قد أوصلته الآن إلى قناعة تامة بأن لا شيء
سوف يتمخض من هذا الطريق.
لم
تعد العدالة موجودة. فخطة مركز الحوار الإنساني وفي الوضع البعيد الاحتمال ستنال الاجتذاب
وتعرض شيئا أكثر تواضعاً. ويقول روزن لي: "هذا كل ما أدعو له" وهو "أن
أضع ضمادة على الجرح وأحاول معالجته بطريقة أو بأخرى".