• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تزكية الرسل عليهم السلام

تزكية الرسل عليهم السلام

 الحمد لله العلي الأعلى؛ خالق الخلق، وباسط الرزق، وكاتب الأجل، ومدبر الأمر، نحمده لذاته وأسمائه وصفاته، ونشكره على عظيم نعمه وجزيل عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أرسل الرسل للبلاغ والبيان، وأنزل معهم الحجة والبرهان، وجعلهم قدوة للأنام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله؛ بعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل، وكمله بجميل الخلق، وسلحه بالحلم والعلم، فقطع حجج المشركين، وصبر على أذاهم، واحتمل جهلهم، وعفا عنهم لما تمكن منهم، فكان سيد الخلق في الحلم والعفو، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وآمنوا برسوله، وصدقوا خبره، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 28].

أيها الناس: تكتسب تزكية أي شخص قيمتها من قيمة المزكي له ومكانته ومعرفته وصدقه، فبعض الناس إن زكى أحدا لم يقبل قول أحد مع قوله، ولا ترد تزكيته. وبعض الناس لا تقبل تزكيته ولو حلف على قوله بين الركن والمقام. وتزكية العظيم لأحد من الناس ليست كتزكية غيره، ومدحه له أثمن من مدح ألف ممن هم دونه؛ ولذا يفرح الأتباع إذا أثنى سيدهم عليهم.

 وإذا كان المزكي هو الخالق سبحانه وتعالى فنعم التزكية، ونعم المُزكَى؛ فإن التزكية تحتاج إلى صدق وعدل، ولا أصدق من الله سبحانه وتعالى في قوله، ولا أعدل منه عز وجل في حكمه؛ فمن زكاه خالقه سبحانه كان كما قال فيه.

 ومن نظر في القرآن وجد كثرة تزكية الله تعالى لرسله عليهم السلام، أفرادا وبيوتا وجماعات، وتزكيته سبحانه لهم حض للبشر على محبتهم وتوليهم، واتباعهم والتأسي بهم، والدفاع عنهم؛ لأن محبتهم وتوليهم من محبة الله تعالى والولاية له؛ لأنه سبحانه ما زكاهم إلا لرضاه سبحانه عنهم وعن أفعالهم ودعوتهم، وما أمر الناس باتباعهم إلا لأنهم على الحق والهدى، ويكفي اصطفاؤه سبحانه لهم من بين سائر البشر تزكية لهم {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ} [آل عمران:33].

 وهذا أول الرسل نوح عليه السلام زكاه الله تعالى فوصفه بالشكر {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:3]  والشكر مقام عَلِيٌّ عظيم قلَّ في الناس من يتصف به {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13].

 وزكى سبحانه الخليل عليه السلام فوصفه بالصلاح {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130]. ووصفه بالحلم والتضرع والإنابة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75] وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة.

 ووصفه مع أبيه نوح وجملة من أبنائه عليهم السلام بأوصاف تدل على تزكيتهم، ومكانتهم عند الله تعالى، فوصفهم عز وجل بالهداية والإحسان والصلاح والفضل فقال في الخليل عليه السلام {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 84 - 87].

 فهذه الأوصاف العظيمة يصف بها الخالق سبحانه هؤلاء العظماء من الرسل عليهم السلام؛ ليبين لقراء القرآن فضلهم ومكانتهم، ويدعوهم إلى التأسي بهم؛ لأنه بعد آيتين من تلك التزكية يأمر الله تعالى رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام أن يقتدي باؤلئك الأفاضل من البشر فيقول سبحانه {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} ]الأنعام:90].

 وذكر سبحانه وتعالى الخليل وآله من الأنبياء فأخبر أنهم أخيار، وهذا يجمع فيهم أوصاف الخير، وهو من أبلغ أوصاف التزكية {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} [ص: 45 - 48] فأعطاهم الله تعالى قوة في العبادة والدعوة، ومعرفة بالدين وأحكامه، فأخلصهم عملا للآخرة ودعاة إليها، وبعدا عن الافتتان بالدنيا، قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رحمه الله تعالى: نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ حُبَّ الدُّنْيَا وَذِكْرَهَا وَأَخْلَصَهُمْ بِحُبِّ الْآخِرَةِ وَذَكَرِهَا.

 وزكى الله تعالى نبيه لوطا عليه السلام فوصفه بالعلم والحكمة والصلاح والبعد عن الفواحش {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 74- 75].

وزكى سبحانه نبيه إسماعيل عليه السلام فوصفه بالوفاء والاحتساب في أوامر الشرع وفروضه {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:54-55].

  وذكره عز وجل مع اثنين من رسله عليهم السلام فوصفهم بالصبر والصلاح {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 85- 86].

 وزكى سبحانه وتعالى نبيه يحيى عليه السلام فوصفه بالتصديق والسيادة والعفاف والصلاح {فَنَادَتْهُ المَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:39].

وَالسَّيِّدُ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ: مَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِ حَالِ النَّاسِ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ مَعًا؛ وَلذا قال النبي عليه الصلاة والسلام «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» وهو عليه الصلاة والسلام قد أصلح حال العرب، وكلُ من اتبعه صلحت له دنياه وأخراه.

 ووصف الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام بالعلم والحكمة والتقوى والبر والبعد عن الظلم والمعصية {يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} [مريم:12-14].

 وزكى سبحانه نبيه سليمان عليه السلام فوصفه بِأَنَّهُ كَثِيرُ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] فهو رجَّاع إلى الله تعالى في جميع أحواله، بالتأله والإنابة، والمحبة والذكر والدعاء والتضرع، والاجتهاد في مرضاته سبحانه، وتقديمها على كل شيء.

وأثنى سبحانه على نبيه أيوب عليه السلام فوصفه بالصبر على ما أصابه من البلاء وبالأوبة إلى الله تعالى فقال فيه {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44].

 وزكى الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام فوصفه بالصلاح {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 46].

 وأما تزكية الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فجاءت في مواضع من القرآن، وأصلها الأصيل، وركنها الركين ما امتلأ به قلبه عليه الصلاة والسلام من الرحمة للخلق، وبيان الحق، ولين الجانب لهم، والحرص عليهم {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وفي مقام آخر من تزكية الله تعالى له {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة:128].

 وجماع تزكية الله تعالى له في قوله سبحانه مخاطبا إياه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَارَ امتثالُ الْقُرْآنِ، أَمْرًا وَنَهْيًا، سَجِيَّةً لَهُ، وَخُلُقًا تَطَبَّعَه، وَتَرَكَ طَبْعَهُ الجِبِلِّي، فَمَهْمَا أَمَرَهُ الْقُرْآنُ فَعَلَهُ، وَمَهْمَا نَهَاهُ عَنْهُ تَرَكَهُ. هَذَا مَعَ مَا جَبَله اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ. قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ"

 لقد رويت عن عظمة خُلُقه في السيرة، وعلى لسان أصحابه روايات منوعة كثيرة. وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كل ما روي عنه. ولكن هذه الجملة القرآنية أعظم بدلالتها من كل شيء آخر. {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. أعظم بصدورها عن العلي الكبير سبحانه وتعالى. وأعظم بتلقي النبي صلى الله عليه وسلم لها وهو يعلم من هو العلي الكبير، وبقائه بعدها ثابتا راسخا مطمئنا. لا يتكبر على العباد، ولا ينتفخ ولا يتعاظم، وهو الذي سمع ما سمع من العلي الكبير! ولو أن رجلا زكاه عظيم من العظماء لأحب نشر ذلك بين الناس، وفاخر به عليهم، فكيف بمن زكاه الخالق سبحانه؟

 إن هذه الرسالة من الكمال والجمال، والعظمة والشمول، والصدق والحق، بحيث لا يحملها إلا الرجل الذي يثني عليه الله تعالى هذا الثناء. فيطيق تلقي هذا الثناء في تماسك، وفي توازن، وفي طمأنينة.

 ومن أحبه تأسى به؛ فهو صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، وهو أعلى مثل وأدقه في امتثال القرآن وتطبيقه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].

  بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

الخطبة الثانية

 الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأحبوا رسله عليهم السلام؛ فإن محبتهم وطاعتهم من محبة الله تعالى وطاعته {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31].

 أيها المسلمون: في تزكية الله تعالى للرسل عليهم السلام هداية للبشر؛ لأن عادة البشر أن يتأثر بعضهم ببعض بسبب ما فاوت الله تعالى بينهم من قدرات في العقول والأجسام، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وفاضل بينهم في الأرزاق والإمكانات. والعادة أن القوي يؤثر في الضعيف، ويؤثر الذكي في الغبي، والمتعلم في الجاهل،  والغني في الفقير، فإذا ضلَّ المؤثر اتبعه الناس في ضلاله، وأكثر ضلال البشر من هذا القبيل كما يقول أهل النار {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب:67] فحين زكى الله تعالى الرسل لنا علمنا من نتبع؟ ومن نطيع؟ وبمن نتأثر؟ لئلا نزيغ أو نضل، وفي ذلك هداية لنا.

 وتثبت تزكية الرسل في القرآن ما تمتلكه هذه الأمة المباركة من منهج رشيد في تولي جميع الرسل، ومحبتهم في الله تعالى، وعدم بغض أحد منهم؛ لأن مرسلهم واحد سبحانه وتعالى، ودعوتهم واحدة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له. وحين تتخبط ديانات البشر وأفكارهم في مواقفها من الرسل عليهم السلام بين مكذب بهم كلهم، أو مصدق ببعض ومكذب ببعض فإن أهل الإسلام يؤمنون بجميعهم ويقولون {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:285].

 وفي تزكية الله تعالى للرسل عليهم السلام، وتكثيف ذلك في القرآن تنبيه المؤمن على العناية البالغة بمعرفة أحوال الرسل وأعمالهم، وتأمل الآيات والأحاديث التي ذكروا فيها، والاكتفاء بسيرهم عن سير غيرهم؛ لأنهم مصادر الشريعة، ومعاقد العلم والحكمة. ومن نظر إلى استغناء كثير من شباب المسلمين عن سير الأنبياء عليهم السلام، وإبدال غيرها بها؛ علم أسباب الانحرافات الفكرية والسلوكية التي تجتاح شباب المسلمين وفتياتهم:

 فأهل الثقافة والقراءة منهم استبدلوا بسير الرسل عليهم السلام سير مفكري الغرب وفلاسفته، وأكبو على قراءة نتاجهم الفكري المملوء بالإلحاد والزندقة والشكوك في الله تعالى وفي ملائكته ورسله عليهم السلام وفي البعث بعد الموت. وأمنية أحدهم أن يظفر بكتاب لذلك الملحد أو رواية لذلك العابث الساقط.

 وأهل اللهو من الشباب والفتيات استبدلوا بسير الرسل عليهم السلام سير أهل الغفلة من الممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات والرياضيين، فيعرفون أسماءهم وأعمارهم وسيرهم ولا يفوتون شيئا من معرفة أحوالهم، ويفاخرون بهذه المعرفة الجوفاء، والمعلومات الخرقاء، ويبزون بها أقرانهم. وشتان بين من استضاء بنور الله تعالى فبحث عن هذا النور في مظانه من أقوال الرسل وسيرهم وبين من أضاع النور واستبدل به ظلمات الجهل والهوى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].

 وصلوا وسلموا على نبيكم...  

أعلى