• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
نص خطاب توني بلير حول الشرق الأوسط و الإسلام السياسي

نص خطاب توني بلير حول الشرق الأوسط و الإسلام السياسي



بقلم: توني بلير

المصدر: http://www.newstatesman.com/politics/2014/04/tony-blairs-speech-middle-east-full-text

ليس من المستغرب أن يشعر الرأي العام في المملكة المتحدة وفي أي مكان آخر بالاستياء من فكرة الانخراط في سياسات الشرق الأوسط وسياسات خارج الشرق الأوسط. لقد تدخلنا في شؤون كل من أفغانستان والعراق وبشكل مؤلم. لقد عانينا بعد عام 2008م، من مشاكل داخلية جاء بعدها أزمة بريطانيا المالية. والى جانب ذلك فإننا وفي حال أردنا أن نشارك في تلك الأمور فإن الشعب سيوجه لنا سؤالا منطقيا وهو: أين سيحدث ذلك وكيف وما الغرض منه؟

لقد قدمت أوكرانيا خدمة من أجل دفع الشرق الأوسط إلى داخل القضية  حيث المذبحة التي تحدث في سوريا والظاهرة إلى العيان بعض الشيء والفوضى التي تحدث في ليبيا حيث قمنا بجعل الحكومة تتدخل من أجل تغيير ذلك والذي لا يستحق الذكر.

ولكن قضايا الشرق الأوسط وما يحدث حاليا هناك مازال يفسر التهديد الكبير للأمن العالمي في بداية القرن الواحد والعشرين.  إن المنطقة وتشمل المساحة العريضة خارج حدودها المتعارف عليها وأقصد هنا إلى الشرق من باكستان وأفغانستان والى الغرب من شمال أفريقيا تعتبر منطقة تعيش حالة اضطراب حيث لا نهاية للثورات يمكن أن نراها تلوح في الأفق ولا وجود لأي نتائج محتملة منذ الشعور بالتفاؤل المعتدل إلى حالة الكارثة.

إن في جذور الأزمة ترقد وجهة نظر راديكالية إسلامية منغمسة في السياسة وهي عبارة عن أيديولوجية تشوه رسالة الإسلام الحقيقية. إن التهديد من ناحية الإسلام الراديكالي لا ينحسر بل ينمو ويمتد نحو العالم. إنه يزعزع المجتمعات وحتى الأمم أيضا. كما أنه لا يحدد إمكانية التعايش بسلام في عصر العولمة. إننا نبدو في مواجهة هذا التهديد وكأننا مترددين للاعتراف به وبشكل يثير الفضول وأننا أيضا لا نملك القوة لمقاومته بشكل فعال.

إنني سأبين في خطابي هذا كيف يمكننا فعل ذلك, بما فيه الاعتراف بأننا وبغض النظر عن اختلافاتنا الأخرى يجب أن نكون مستعدين حيال هذه القضية للوصول للشرق والتعاون معه وخاصة روسيا والصين.

إن البيان الذي يعد ذا أهمية للشرق الأوسط لم يعد يحمل تحدياً. يقول البعض بأنه وبعد اندلاع ثورة السجيل تراجعت أهمية المنطقة من ناحية إمدادات الطاقة على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. والبعض الآخر يقول بأنه وبالرغم من أنهم قبلوا ذلك فإنها ما زالت تعتبر منطقة مهمة, حيث نجد أن هناك مشاكل ملحة أخرى, حيث تواجه أوروبا الشرقية وبشكل خاص الآن روسيا القومية التي بدأت تتنامى من جديد. وبالنسبة للجزء الأكبر فإن وجهة النظر الشائعة هي أن المنطقة ربما تكون على قدر من الأهمية لكنها منطقة لا يمكن التحكم بها بسهولة وبالتالي من غير الممكن السيطرة عليها وعليه فإنه يجب علينا أن نتركها ترعى شؤونها بنفسها.

إنني أود القول بأن هناك أربعة أسباب تكمن خلف بقاء الشرق الأوسط منطقة ذو أهمية مركزية ولا يمكن أن تنزل إلى المرتبة الثانية.

أول هذه الأسباب وأكثرها وضوحا هي أن منطقة الشرق الأوسط مازالت تضم أكبر مزود يمد العالم بالطاقة, وأنه وبغض النظر عن الآثار طويلة الأمد التي خلفتها ثورة الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن اعتماد العالم على الشرق الأوسط لا يمكن أن يختفي قريبا وفي أي وقت. كما أنه وعند وقوع أي حدث فإن له تأثير حاسم على أسعار البترول ومن ثم يؤثر بالتالي على استقرار الاقتصاد العالمي.

ثانياً: إن منطقة الشرق الأوسط تعتبر عتبة بوابة أوروبا حيث أن حدود الاتحاد الأوروبي تبعد مسافة قصيرة عن شاطئ البحر المتوسط, فحالة عدم الاستقرار هنا تؤثر على أوروبا, تماما كما أثرت حالة عدم الاستقرار في شمال أفريقيا على الدول القريبة منها وهي إسبانيا وايطاليا.

ثالثاً: في وسط حالة الاضطراب والغضب العارم توجد إسرائيل. فتحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقة الشراكة التي تقيمها مع الدول التي تقود أوروبا, بالإضافة إلى حقيقة أنها تمتلك طابع ديمقراطي غربي, كل ذلك يعني أن قدرها لا يمكن أن يكون مسألة ليست ذات أهمية. وعلى مدار السنوات الماضية فإن الإسرائيليين وبامتلاكهم قدر كبير من المهارة فإنهم أيضا استطاعوا أن يقيموا علاقات مع كل من الصين وروسيا. لم تكن تلك العلاقات مشابهة لتحالفاتهم الطويلة الأمد مع الغرب ولكن كانت لها أهميتها. لقد تم سحب قدم إسرائيل نحو الصراع الدائر في المنطقة وليس هناك طريقة واقعية يمكن للعالم بها أن يقف غير مكترث بما يحدث لها. لقد استطاعت إسرائيل وبنجاح في الوقت الحاضر أن تبقى بمعزل عن العاصفة من حولها. و لكن الشيء الوحيد الذي تعلمتاه نحن وتعلمه هم أيضا من السنوات القليلة الأخيرة هو أنه بإمكاننا أن نتوقع ما لا يمكن توقعه.

وأخيراً: السبب الأقل وضوحاً في جزء منه, والذي يعتبر السبب الذي يجعلنا مترددين للاعتراف به وبشكل يثير الفضول لأن القبول ربما يولد بعض الخيارات السياسية الصعبة جدا. إن مستقبل الإسلام سوف يتم تحديده في الشرق الأوسط واعني بذلك مستقبل علاقاته مع السياسة. إن ذلك يعتبر أمر جدلي لأن عالم السياسة يعتبر عالم غير مريح فيما يعلق بالحديث عن الدين, وذلك لأن البعض سوف يقول بأن المشاكل في الحقيقة لا تعتبر دينية بل سياسية وحتى لأنه في الحقيقة يمكننا أن نجد أكبر تعداد سكاني مسلم في خارج المنطقة وليس في داخلها.

لكنني أجزم بذلك على أية حال. وذلك لأن وراء اضطراب وثورات السنوات الماضية يكمن صراع واضح وجلي بين أولئك الذين يحملون وجهة نظر حديثة عن الشرق الأوسط حيث يوجد مجتمعات متعددة واقتصاديات منفتحة وتعتبر مواقفها وأنماطها من النوع الذي يتقبل العولمة. وبين جهة أخرى وهم أولئك الذين يريدون فرض أيديولوجية ولدت من رحم فكر يؤمن بأن هناك دين واحد صحيح ووجهة نظر واحدة حقيقية وصحيحة, وأن وجهة النظر تلك يجب أن تحدد وبشكل حصري طبيعة المجتمع والاقتصاد السياسي له. ربما يمكننا أن نسمي تلك الرسالة بأنها وجهة نظر" إسلامية" بالرغم من أن أحد الأمور المحبطة حول ذلك الجدل هو عدم ملائمة المصطلحات والاتجاهات لأي عملية اختزال من أجل إمكانية تفسيرها بشكل خاطئ. لذا يمكن إصدار قرار بحذف أولئك الذين يدعمون الأيديولوجية الإسلامية مع كل المسلمين.

ولكن أينما يجول نظرك بدءا من العراق إلى ليبيا وإلى مصر وإلى اليمن وإلى لبنان وإلى سوريا ومن ثم إلى أبعد من ذلك نحو إيران وباكستان وأفغانستان, يمكنك أن ترى المعركة الأساسية. بالطبع هناك مجموعة من الصعوبات في كل قضية نشأت من القبائل والتقاليد والأقاليم. لا أود للحظة أن أشير إلى أن تلك الصراعات ليس لها صفاتها التي تميزها عن غيرها. وأن عدم وجود فرصة اقتصادية هي بلا شك سبب رئيسي ومباشر للفوضى في المنطقة. ولكن هناك شيء غريب بصراحة فيما يتعلق بعدم الرغبة في قبول ما هو سهل وبسيط تماما: حيث أن ليهم يوميا وبشكل مشترك صراعاً حول قضية المكان الشرعي للدين في عالم السياسة وهنا نقصد بشكل خاص الدين الإسلامي.

إنه لأمر في غاية الأهمية في هذا التوضيح أن لا نشوش قضية الدين والسياسة وذلك فيما يتعلق بقضية التقوى. إن العديد من أولئك الذين يخالفون وبشكل تام الأيديولوجية الإسلامية هم وبكل تأكيد مسلمين متعصبين. وفي الحقيقة فإن الذين هم في الغالب الأكثر تعصبا هم الذين يأخذون معظم الاستثناءات لما يعتبرونه تشويها لمعتقداتهم ومذهبهم يمارسه أولئك الذين يدعون بأنهم مسلمون غيورون على دينهم بينما يتصرفون بطريقة متناقضة وبشكل كامل لتعاليم القران الصحيحة.

لا ينبغي أن ينظر إلى هذا ضمن حدود المصطلحات السنية أو الشيعية المبسطة. ففي بعض الأحيان يتم رؤية الصراع بناءً على تلك المصطلحات وبعض الأحيان من الصواب أن تراه كذلك. لكن المعركة الحقيقة تعتبر ضد تطرف كل من السنة والشيعة على حد سواء, حيث أن غالبية الناس سواء كانوا يتبعون المذهب السني أو الشيعي والذين هم مقتنعون وبشكل تام بالمبدأ الذي يقول أن أعيش وأدع غيري يعيش كذلك وبنفس الطريقة التي يتبعها غالبية الكاثوليك والبروتستانت, هم في الحقيقة عالقون بين نارين واقعة بين وجهات نظر متنافسة وحصرية للإسلام" الحقيقي". وحيث أن وجهتا النظر المتحالفتين تعتقدان بأن أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف هم الأعداء سواء داخليا أو خارجيا وذلك بغض النظر عن العداوة المشتركة بينهما.

السبب وراء كون هذه الأمور مهمة وبشكل كبير هو أن هذه الأيديولوجية يتم تصديرها إلى العالم. والشرق الأوسط مازال يعتبر البؤرة المركزية لفكر وأيديولوجية الإسلام. إن هؤلاء الناس لم ينشئوا تلك الأفكار وإنما استوردوها ولحسن الحظ أنهم لا يمثلون الأغلبية في بلدان مثل اندونيسيا أو ماليزيا والذين يتبنون وجهة نظر إسلامية متشددة.

لقد كان هناك تيار ثابت من التمويل والتبشير والتنظيم والانتشار خرج من الشرق الأوسط في السنوات الأربعين أو الخمسين الماضية, والذي دفع بوجهات النظر الدينية التي تتصف بضيق الأفق وبالخطورة. إننا ولسوء الحظ نبدو بلا بصر نستطيع من خلاله أن نرى التأثير العالمي الضخم التي امتلكته تلك المذاهب والتعاليم ومازالت تملكه.

وفي داخل الشرق الأوسط ذاته كانت النتيجة مروعة مع أناس يواجهون في الغالب معضلة الاختيار بين الحكومة الاستبدادية والتي تعتبر على الأقل متسامحة دينيا وبين المخاطرة المتمثلة في التخلص من الحكومة التي لا يتقبلونها, وفي نهاية المطاف يصلون إلى حكم شبه ثيوقراطي متعصب دينيا.

تراجع إلى الوراء خطوة وقم بتحليل ما يحدث في العالم هذه الأيام: مع احتمالية استثناء أمريكا اللاتينية (تاركين جانبا حزب الله في المنطقة ثلاثية الحدود الواقعة في جنوب أمريكا), فلا يوجد هناك منطقة في العالم لم تتأثر سلبا بالإسلاموية والأيديولوجية المتنامية. إن مشاكل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واضحة وجلية. ولكن انظر إلى الرعب الذي أصاب دول مثل نيجيريا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية تشاد ودول عديدة أخرى في تقع جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. إنني في الواقع أجادل بأن التطرف الديني  ربما يعتبر التهديد الوحيد والأكبر من حيث قدرته على تجاوز التحديات الضخمة للتطور هذه الأيام.

إن الهجمات الإرهابية في وسط آسيا تحدث بشكل منتظم في روسيا حيث يتجاوز التعداد السكاني من المسلمين هناك نسبة 15% وأن التأثيرات الراديكالية تتمدد عبر جميع الأجزاء المركزية لشمالي آسيا وتصل حتى إلى المقاطعات الغربية من منطقة شينجيانج في الصين.

وفي الشرق الأقصى هناك أهمية للتقدم من أجل إيجاد حل للخلاف حول جزر مينداناو في الفلبين حيث فقد ما يزيد عن 100 ألف شخصٍ أو نحو ذلك حياتهم في العقد الماضي. ولكن في مكان آخر مثل تايلاند وميانمار وبنجلاديش واندونيسيا بقي هناك تحديات وتوترات حقيقية بين الأديان. وفي الانتخابات الإندونيسية الأخيرة حصلت الأحزاب الإسلامية على ثلث الأصوات.

لقد تجاوز عدد المسلمين الذين يقطنون القارة الأوروبية الأربعة ملايين الآن ومازال العدد في تزايد. كما أن الإخوان المسلمين ومنظمات أخرى تعتبر منظمات نشطة وفعالة وبشكل متزايد كما أنها تعمل بدون استقصاء أو قيد كبير. إن الجدال الأخير خارج المدارس في مدينة برمنجهام (إضافة إلى الادعاءات المشابهة في فرنسا) تظهر مستويات عالية من الاهتمام بالتغلغل الإسلامي في مجتمعاتنا.

كل ذلك يمكنكم القراءة عنه.

وبالرغم من ذلك فإن الغرض من هذه الخطاب هو وجود أمرين جاذبين يبرزان أمامي.

الأول هو الرغبة المتجذرة وبشكل تام في الجزء الخاص بالمعلقين الغربيين فيما يتعلق بتحليل هذه القضايا على أنها منفصلة عن بعضها وليست متحدة بعناصرها المشتركة. لقد ذهبوا في كل قضية على حده إلى مدى يفوق التوقعات من أجل التساؤل عن وجود أسباب متعددة للفهم بأن ذلك لا يتعلق بشكل واقعي بالإسلام ولا يتعلق أيضا بالدين, بل هناك أسباب محلية وتاريخية توضح ما يحدث. هناك رغبة لاستقصاء العامل الواضح والشائع بطريقة أعتقد أنها متعمدة. والآن وكما ذكرت بالطبع فإن لكل مقام مقال وبالطبع سوف يكون هناك مجموعة كبيرة من العوامل المحلية والتي تلعب دورا في خلق القضية. ولكنه من الغريب تجاهل بيئة الهوية الدينية أو أن هناك عامل قوة وحيد في المصطلحات الأيديولوجية والذي يعتمد بشكل أساسي على وجهة نظر عالمية خاصة نحو الدين ومكانته في عالم السياسة والمجتمع.

الأمر الثاني هو وجود رغبة عميقة بفصل الأيديولوجية السياسية والمتمثلة بجماعات كجماعة الإخوان المسلمين عن أعمال المتطرفين والتي تتضمن الأعمال الإرهابية. إن ذلك ينبع من إدراك ممجد وبشكل كامل بأننا ملزمون دائما بالتمييز بين أولئك الذين ينتهكون حرمة القانون وبين أولئك الذين هم وبكل بساطة لا يتفقون معه.

ولكنه ممجد وجدير بالثناء رغم أن الدوافع موجودة والتي تقودنا إلى هذا الاختلاف في حال كنا غير حريصين كما أنهم يغمضون أعيننا عن الحقيقة التي تقول بأن الأيديولوجية نفسها بالرغم من ذلك تعتبر خطيرة ومزعجة وبالتالي فلا يمكن ولا يجب أن يتم التعامل معها على أنها نقاش سياسي مألوف بين وجهتا نظر مختلفتين حيال الطريقة التي يجب أن يتم السيطرة بها على المجتمع.

ربما قد تكون وإلى حد بعيد القضية التي تكون في حالات خاصة والتي تبين أولئك الذين يتبعون أجندة إسلامية سياسية متشددة والتي لا تكون مؤيدة ولا مستحسنة من قبل العنف السياسي. بالطبع هناك مجموعة متنوعة من وجهات النظر المختلفة والتي توجد داخل مثل تلك الحالة المصورة بشكل واسع وعريض. ولكن أيديولوجيتهم الشاملة تعتبر أيديولوجية تخلق وبشكل حتمي التربة التي يمكن لمثل هذا التطرف أن يتجذر فيها. وفي حالات عديدة يبدو واضحاً بأنهم يعتبرون أنفسهم جزء من سلسلة مع وجود اختلافات في وجهات النظر والتي تتمحور حول كيفية تحقيق أهداف الإسلاموية ولا يدور الاختلاف حول ماهية هذه الأهداف, وفي بعض الحالات فإنهم سوف يدعمون استعمال طرق ذات طابع يميل إلى العنف.

يجب أن أؤكد على هذه النقطة مرة أخرى، إن الإسلام لا يعطي بحد ذاته القوة لهذه الأيديولوجية لتنمو, بل هو تفسير للإسلام وفي الحقيقة هو تشويه له, حيث أن العديد من المسلمين يمقتونها. لقد كانت مثل هذه التفسيرات موجودة في المسيحية والتي أخذت منا سنوات من أجل القضاء عليها من سياساتنا السائدة.

إن السبب الذي يكمن خلف خطورة هذه الأيديولوجية هو أن تطبيقها يتعارض مع العالم الحديث من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لماذا؟ لأن الطريقة التي يعمل بها العالم الحديث تظهر من خلال الاتصال, وطبيعتها الجوهرية تعتبر تعددية. إنه يحابي ذوي العقول المتحررة. كما أن الاقتصاد الحديث يعمل من خلال الإبداع والعلاقات المترابطة. والديمقراطية لا يمكن لها أن تلعب دورا إلا من خلال اعتبارها طريقة تفكير بالإضافة إلى اعتبارها وسيلة للانتخاب.

أنت عندما تضع أفكارك ربما تخسر وتحاول أن تفوز في المرة القادمة أو ربما تفوز ولكن تقبل أنك ربما ستخسر في المرة القادمة.

ليست هذه هي الطريقة التي تعمل بها الأيديولوجية الإسلامية, فهي لا تتحدث عن وجهة نظر تنافسية تتعلق بكيفية التحكم بالمجتمع والسياسات داخل مساحة مألوفة حيث تقبل هناك وجهات النظر الأخرى والتي تعتبر صالحة على حد سواء. إنها تعتبر حصرية بطبيعتها, فالهدف الأساسي ليس مجتمعا يمكن لشخص آخر أن يغيره بعد أن يفوز بالانتخابات, ولكنه مجتمع له سياسة ثابتة يحكمها تشريعات ليست متغيرة في جوهرها ولكن قابلة للتغيير.

ولأن الغرب لا يشعر بالأُلفة بشكل كامل نحو مثل تلك الأيديولوجية فإننا لا نستطيع أن نرى حقا الخطر كما ينبغي بالرغم من أنه في الحقيقة يجب أن يرتد صدى تجربة الثورة الشيوعية أو الفاشية مع الأجيال القديمة. إننا تقريبا نشعر بأنه في حال عرفناه بتلك المصطلحات كوننا متهمين بمعاداة المسلمين فإن الإسلاميون سيلعبون بذكاء على وتر تلك العاطفة.

هذه هي المعركة التي نشبت الآن في الشرق الأوسط, وبالطبع فإنه في كل دولة تظهر بشكل مختلف, ولكن في كل حالة تخرج الآراء المتطرفة التي تدور حول الدين وكل صراع أو تحدي يصبح وبلا حدود أكثر قابلية لإدارته والتحكم به. هذا هو المكان حيث أنه وبالرغم من وجودها في مستوى واحد فالأيديولوجية تخرج من الشيعة في إيران والسنة متمثلة بالإخوان المسلمين ربما يمكن رؤيتها بشكل مختلف, وفي الحقيقة فهي تصل إلى نفس الشيء وبنفس التأثير وهو كبح جماح التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي الحقيقي للدولة.

هذا هو العامل الذي يمكنه أن يوضح العديد من الأمور التي نجدها على ما يبدو في الوقت الحاضر متعذرة التفسير بطريقة تدعم رغبتنا بالانسحاب من المعركة الدائرة في المنطقة ووراء المنطقة.

لذا فإننا ننظر إلى قضية التدخل أو لا ننظر ونبدو مرتبكين. لقد غيرنا النظام الحاكم في أفغانستان وفي العراق ولكن الجنود على الأرض ومن اجل المساعدة في بناء الدولة وهي عملية يشارك فيها غالبية الناس في كلا الدولتين وذلك من خلال الانتخابات, ولكن ثبت صعوبة ودموية تلك العملية.

لقد غيرنا نظام الحكم في ليبيا من خلال القوة العسكرية الجوية ولم نقوم بأي عملية عسكرية على الأرض ومرة أخرى ظهرت ردة فعل الناس في البداية كما يجب, ولكن ليبيا الآن تنتقل من فوضى إلى فوضى والتي تزعزع الاستقرار في كل مكان حولها, (بعيداً عن الجزائر إلى حد ما فإنها الآن تمر بالفعل بصراع وبالتحديد حول قضية الإسلاموية حيث فقد الآلاف من الناس أرواحهم بسبب ذلك).

وفي سوريا طالبنا بتغيير النظام الحاكم هناك وشجعنا المعارضة على الظهور ولكن عندما قامت إيران بتفعيل دور حزب الله في لبنان للوقوف إلى جانب نظام الأسد, قمنا نحن بالإحجام حتى فيما يتعلق بالتدخل الجوي من أجل إعطاء المعارضة فرصة. والنتيجة لذلك هي دولة تعيش حالة تفسخ والملايين من الناس مشردين وعدد القتلى يقترب من الأعداد التي نسمع عنها في العراق, ولا يوجد نهاية لهذا الصراع تلوح في الأفق, بالإضافة إلى المخاطر الهائلة المتعلقة بالاستقرار في المنطقة.

إن تأثير هذا التاريخ الحديث على رأي الغرب يتمثل بوجود رغبة ببقاء يده نظيفة من كل ذلك مهما كان الثمن.

وبعد ذلك ظهر ما يسمى بالربيع العربي, وفي البداية قفزنا نحو مد يدنا لدعم أولئك الذين وقفوا ضد الأنظمة في الشارع, والآن نشعر بالارتباك والحيرة لأن تلك الثورات لم تنتهي تماما كما كنا نتوقع.

وحتى فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط فإن هناك شعور خافت الصوت بالفزع بسبب أن العالم حول إسرائيل وفلسطين يمر بنوبة تشنج ثورية وأن الحاجة إلى التقدم تبدو طبيعية كذلك, وأن القضية التي استنفذنا فيها طاقتنا وعزمنا بشكل كبير من خلال ما يقوم به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مازالت تبدو عسيرة مقارنة بأي وقت مضى.

وفوق كل ذلك فإن التفسير لكل تلك التناقضات الغير قابلة للحل على ما يبدو هو واضح بالنسبة لنا.

إن هناك صراع قوي يحدث داخل المنطقة بين أولئك الذين يريدون المنطقة أن تعانق العالم الحديث سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وبين أولئك ال1ين يريدون بدلا من ذلك أن يخلقوا سياسات مبنية على اختلافات دينية حصرية. هذه هي المعركة وهذا هي الصورة المشوهة وهذا ما يجعل التدخل مشحون بشكل كبير ولكن عدم التدخل متساوي مع ذلك. هذا ما يجعل عملية التطور عملية معقدة وهذا ما يجعل من الصعب على الديمقراطية أن تتجذر. وهذا ما يقسم السياسات الفلسطينية ويقيد قادتها بغض النظر عن المشاكل التي تأتي من جانب إسرائيل.

إن النقطة المهمة لوجهة النظر الغربية هي أن هذا الصراع له جانبين, لذا عندما ننظر إلى الشرق الأوسط وما وراءه من باكستان وإيران وفي أي مكان آخر لا يبدو الأمر وكأنه فقط فوضى واسعة لا يمكن تفسيرها وفهمها وبلا نهاية تلوح في الأفق وأن لا أحد يستحق دعمنا ومساندتنا, بل هو صراع يشمل وبشكل خاص مصالحنا الإستراتيجية, حيث يوجد في الواقع أناس يجب أن نقدم لهم الدعم ومن المفارقة أنهم على الأرجح يمثلون الأغلبية في حال كانت تلك الأغلبية محتشدة ومنظمة ومتعاونة.

ولكن ما هو ضروري بكل تأكيد هو أننا في البداية نحرر أنفسنا من مواقفنا الخاصة وأنه يجب علينا أن نقف جانبا وأن نتوقف عن معاملة كل دولة على الأساس الذي يجعل حياتنا أسهل في أي وقت. يجب علينا أن نمتلك أسلوب مترابط بشكل منطقي للتعامل مع المنطقة ويجب أن ننظر له بالكلية. وفوق كل ذلك يجب علينا أن نلتزم ويجب علينا أن نتعهد.

التعهد والالتزام كلمتان من السهل استخدامهما ولكنهما يصبحان ذات تأثير عندما نصل للحساب. تعتبر التحالفات مزورة في لحظات التحدي العادية. والشراكات يتم بنائها من خلال المحاكمات المشتركة. لا يوجد هناك تعهد لا ينطوي على مقابل وليس هناك التزام بدون مخاطرة.

لا نعني بقولنا ذلك أنه يتوجب علينا أن نعيد الالتزام الكبير نحو العراق وأفغانستان ولكن ربما يكون جيدا عندما يصل الناس إلى رؤية تأثير تلك التعهدات بشكل مختلف, ولكن لا حاجة للقيام بذلك ناهيك عن الرغبة الشديدة له.

إنني أتفهم وبشكل كامل السبب الذي يجعل شعبنا يشعر بأنه قام بما يكفي وأكثر مما يكفي. وأنهم عندما علموا بما قمنا به من محاولة لتقديم المساعدة رفضوا بازدراء تلك المساعدة ووجهوا لنا النقد وحاولوا حتى أن يقتلونا, ويحق لهم أن يشعروا بالظلم وأن يقولوا: نحن انتهينا.

ولكن وكما فعل الأفغان عندما واجهوا وتحدوا كل شيء من أجل الإدلاء بأصواتهم فإن ذلك يظهر لنا وللعراقيين من الذي سوف يخرج أيضا ويدلي بصوته بالرغم من كل التهديدات وعدم كفاءة النظام الذي يعيشونه هذه الأيام ويبرهن على أن الذين يرفضون مساعدتنا هم فقط جزء من الرواية. هناك آخرون مازالت روحهم وعزيمتهم لا تمتلك الشجاعة. وأنا أفكر في المصريين الذين برغم كل ما مروا به من أحداث مازالوا يشعرون بالتفاؤل, والفلسطينيون الذين يعملون معي والذين هم برغم ما يشعرون به من إحباط إلا أنهم مازالوا يريدون الحل السلمي ويؤمنون به. كما أنني أنظر إلى التونسيين والليبيين واليمنيين الذين يحاولون جعل الأمور تعمل بشكل بصورة صحيحة, وأنا أدرك أن هذا ليس صراعا بدون أمل, إنها ليست بالفوضى التي يكون فيها كل شخص سيء تماما مثل بعضهم البعض. وبمعنى آخر فإن لذلك أهمية وأن هناك جانب يجب علينا أن نكون فخورين باختياره. هناك أناس يقفون إلى جانبنا وأناس سوف يقفون إلى جانبنا.

لكن يجب علينا أن نكون واضحين بما نقصده بذلك الجانب ولماذا نتخذه. لذا ماذا يعني ذلك؟

إن ذلك يعني دعم مبادئ الحرية والانفتاح الديني والاقتصاديات المستندة للحكم. كما يعني مساعدة تلك الدول التي يرغب شعوبها بتبني تلك المبادئ من أجل تحقيقها. وحيثما توجد ثورة يجب علينا أن نكون إلى جانب أولئك الذين يدعمون تلك المبادئ وأن نعارض الذين يتصدون لها. وحيثما لا يوجد ثورة يجب علينا أن ندعم التقدم الثابت نحو تحقيق تلك المبادئ.

وفي حال طبقنا تلك المبادئ على الشرق الأوسط فإن ذلك سوف يعني ما يلي:

مصر: بدأت بمصر ليس لأن ما يحدث في سوريا ليس بالأمر الأكثر إرهابا ورعبا ولكن لأن مصير مصر يتعلق بمستقبل المنطقة. هنا يجب علينا أن نفهم ما حدث بصراحة ووضوح. ببساطة لم تكن حكومة الإخوان المسلمين حكومة سيئة ولكنها كانت تستولي وبشكل ممنهج على التقاليد والمؤسسات الخاصة بالدولة. ولم يكن التمرد الذي حدث في الثلاثين من شهر يونيو من عام 2013 احتجاجا عاديا ولكن كان عملية إنقاذ ضرورية للشعب. يجب علينا أن ندعم ونقدم المساعدة للحكومة الجديدة. لا يعني ذلك أننا لا نقف معارضين وبشدة ونعبر عن رأينا بدون خوف فيما يتعلق ببعض الأمور التي تحدث مثل قضية إعدام 500 شخص في مصر. العديد من المصريين لديهم الجرأة للتحدث ولكن لا يعني ذلك أننا نظهر بعض الحساسية للحقيقة التي تقول بأن أكثر من 400 ضابط شرطة عانوا من العنف حتى الموت وبعض المئات من الجنود تم قتلهم. سوف يواجه الرئيس القادم تحديات كبيرة. إنه لمن مصلحتنا وبشكل كبير أن يكتب لهذا الرئيس النجاح. سوف نقوم بتعبئة وحشد المجتمع الدولي من اجل إعطاء مصر والرئيس الجديد المساعدة بكل ما أتيحت لنا من قوة وبالتالي يمكن للدولة أن تحصل على فرصة ليس من أجل الرجوع إلى الماضي بل من اجل أن تتجاوز كل العقبات للوصول إلى مستقبل أفضل.

سوريا: الكارثة الكاملة. نحن الآن في موقف حيث لا يزال الأسد على رأس الحكم والمعارضة تسيطر على الوضع هناك وهذا يبدو خيارا سيئا. فالأول مسئولاً عن خلق ذلك الوضع ولكن الحقيقة تقول بأن هناك العديد من التصدعات والمشاكل حول بعض العناصر دال المعارضة حيث أن الناس حذرين بحق من أي حل سوف يظهر أي من الطرفين على أنه الفائز وبشكل علني. على الرغم من أنه يبدو بغيضا إلا أن الطريق الوحيد للتقدم إلى الأمام هو الوصول إلى أفضل اتفاق ممكن حتى لو بقي الرئيس الأسد لفترة مؤقتة على الحكم. وإن كان ذلك غير مقبول بالنسبة له فإنه يجب علينا أن ننظر في عملية اتخاذ تدابير فعالة من أجل تقديم المساعدة للمعارضة وإجباره للجلوس على طاولة المفاوضات ولا يوجد هناك منطقة حظر جوي بينما يجب أن يكون واضحا بأنه لا يجب تقديم أي دعم للجماعات المتطرفة من قبل أي من الدول المحيطة.

تونس: هنا يوجد محاولات صادقة وايجابية تقوم بها الحكومة الجديدة من أجل الهروب من مآزق المنطقة ومن أجل تشكيل دستور جديد. إن تقديم الدعم للحكومة الجديدة يجب أن يكون له الأولوية المطلقة. وبما أن الرئيس التونسي الجديد طالب بحصة مما نقدمه من دعم إلى أوكرانيا والذي يعتبر الشيء الصحيح الذي يجب علينا أن نقوم به, فإنه يمكننا أن نساعد تونس لتقف على قدميها. يجب علينا أن نقوم بذلك وسوف يكون ذلك استثمارا ملموسا ومعقولا.

ليبيا: إننا نتحمل مسؤولية ما يحدث هناك. فحاجة ليبيا الملحة تتمركز حول إصلاح قطاع الأمن. لقد قمنا بعدة محاولات لفعل ذلك. ولكن من الواضح أن حجم المهمة وتعقيدات المليشيا يجعل تلك المهمة صعبة. ولكن ليبيا ليست كمثل العراق أو أفغانستان. فليس من المستحيل تقديم المساعدة وباستطاعة حلف الناتو أن يقوم بذلك. وبالرغم من أننا مترددون بشأن القيام بذلك الالتزام, إلا أنه يجب علينا أن ندرك تأثير حالة عدم الاستقرار التي تعيشها ليبيا في الوقت الراهن. وفي حال تفككت بشكل كامل فلسوف تؤثر على كامل المنطقة من حولها وسوف تغذي جذور عدم الاستقرار الموجودة في جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.

اليمن: ومرة أخرى تحاول اليمن أن تحرز تقدم فيظل ظروف تعتبر صعبة بصورة لا يمكن تخيلها. لقد قدمنا الدعم للحكومة الجديدة, وهناك دستور جديد. ولكن مرة أخرى أكرر أنه يجب تقديم الدعم من أجل القيام بإصلاحات في قطاع الأمن, بالإضافة إلى الدعم اللازم من أجل التطوير.

إيران: يجب علينا أن نستمر في جعل الأمور واضحة تماما كما فعلت إدارة أوباما وبشكل صحيح. وذلك يعني أن عليهم أن يتراجعوا عن فكرة كونهم دولة تقف على أعتاب فكرة امتلاك الطاقة النووية. في الأسبوع القادم سوف نمر بمرحلة حاسمة في المفاوضات. ولكنني لا أحبذ الرضوخ لمطالبهم التي تتعلق بحصولهم على نفوذ إقليمي في مقابل تقديم تنازلات بشأن طموحاتهم النووية. إن الحكومة الإيرانية تقوم وبشكل متعمد بزعزعة الاستقرار في المنطقة. وأهدافنا يجب أن لا تتضمن تغيير النظام الحاكم في إيران. فالشعب الإيراني سوف يقع على عاتقه في نهاية المطاف إيجاد طريقة تناسبه للقيام بذلك. ولكن يجب علينا وفي كل فرصة نراها مناسبة أن نقوم بالوقوف رافضين استخدام إيران لتلك القوة في دعم المتطرفين.

عملية السلام في الشرق الأوسط: منذ أن أصبح جون كيري وزيرا للخارجية الأمريكية لم يألُ جهداً لأحياء عملية السلام. وكما قلنا فإن جهوده مازالت تعتمد على بعض الأمور من أجل أن تلقى نجاحا. العديد من الناس يقولون بأنه ما كان يجب عليه أن يعطي مثل تلك الأولوية لهذه القضية. إنهم خاطئون. فهذه القضية مازالت تعتبر لب المنطقة والعالم أجمع. ليس لأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو سبب مشاكلنا, ولكن لأن التوصل إلى حل ناجح بشأنه سوف يعتبر نصراً لقوى بعينها والتي يجب أن نقدم لها الدعم. والآن وربما بعد سنوات من القول بأن إيجاد حل لهذه القضية يعتبر الطريق التي ستؤدي إلى حل مشاكل المنطقة. إننا على أعاب دخول مرحلة جديدة حيث يعتبر حل مشاكل المنطقة جزء حساس من حل قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولكن الفكرة هي أن الالتزام الذي قطعه جون كيري على نفسه لم يكن عبثيا. فلقد وضع نفسه في موضع قوي للغاية من أجل تحريك ذلك إلى الأمام استنادا إلى ذلك الالتزام. وهو بحاجة إلى دعمنا للقيام بذلك.

وفي مكان آخر في المنطقة يجب علينا أن نقف وبشكل حازم إلى جانب أصدقائنا وحلفائنا بما أنهم يحاولون أن يقوموا بعمل تغييرات إصلاحية في بلدانهم. سواء في الأردن أو في الخليج حيث أنهم يقومون بنشر القيم الدينية التي تدعو إلى التسامح والانفتاح, بالإضافة إلى الاقتصاديات التي ترتكز إلى قانون, أو تتبنى قوى رد الفعل على شكل إيران والإخوان المسلمين, فيجب علينا أن نقدم الدعم لهم ونساندهم.

وأخيراً, يجب علينا أن نقوم برفع قضية التطرف الديني إلى أعلى قائمة أجندتنا. ففي كل العالم نرى أن التحدي من اجل الدفاع عن هذه الأيديولوجية يتطلب تعهد فعال ودائم. انظر إلى السخافة التي تقول بأننا قمنا بإنفاق مليارات الدولارات على الترتيبات الأمنية وعلى الدفاع من أجل حماية أنفسنا من تتابعات أيديولوجية يتم الدفاع عنها في أنظمة المدارس الرسمية والغير رسمية وفي المؤسسات المدنية في الدول التي نقيم معها علاقات حميمة خاصة في مجال الأمن والدفاع. وبالطبع فإن بعضا من تلك الدول ترغب بالهروب من قبضة هذه الأيديولوجية, ولكن في الغالب يبدو الأمر صعبا عليهم للقيام بذلك خاصة في ظل الدساتير السياسية الخاصة بهم. يجب عليهم أن يخرجوا هذه القضية لتصبح مكشوفة وبالتالي سوف يكون من الصعب على هذه الأيديولوجية أن تروج لنفسها في الخفاء. وبمعنى آخر إنهم بحاجة لنا من أجل مساعدتهم في جعل تلك القضية تدخل في جوهر الحوار الدولي وذلك من أجل فرض التغيير الضروري في داخل مجتمعاتهم. إن الصراع بين ما نسميه التحرر والانغلاق يعتبر في القلب سواء تحولت الأمور في القرن الحادي والعشرين نحو التعايش السلمي أو نحو الصراع بين شعوب لديها ثقافات مختلفة.

وإذا لم نقوم بفعل أي شيء فسوف نرى ردود أفعال ضد الإسلام الراديكالي والذي سوف يرعى ويشجع الطرف داخل الأديان الأخرى. لقد رأينا في الواقع بعد الأدلة على ذلك وكيف أن ذلك التطرف قد توجه نحو المسلمين في أسيا تحديداً.

وعندما ننظر إلى التحديات الواضحة في زماننا, سوف تكون هذه الأولى التي يجب أن توضع في الأعلى جنبا إلى جنب مع التحديات المتعلقة بالبيئة وبالاستقرار الاقتصادي. وأضف على ذلك الموت المنتشر في العالم هذه الأيام ويمكنك حتى أن تضع التهديد القادم من الشرق الأوسط جانبا, بالإضافة الى عدد الوفيات والذي يبعث على الأسى. ومؤخراً شهدنا الآلاف من الناس في نيجيريا وباكستان فقط يموتون نتيجة صراع أحدثه الدين. وبعيداً عن فقدان الحياة الفعلي, هناك فقدان لفرص الحياة خاصة عند أولئك الغارقون في التفكير المتخلف و الذين يتبنون المواقف الرجعية خاصة تجاه الفتيات.

وفي هذه القضية هناك أيضا تطابق كامل في المصالح بين الشرق والغرب. فالصين وروسيا لديهم بالضبط نفس الرغبة والتي تصب في إفشال هذه الأيديولوجية تماما كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. هنا نجد الموضوع الذي ترتكز عليه جميع المبادئ التي يمكن لدول مجموعة العشرين الالتقاء عندها, ويمكن لها أن توافق على تنفيذها ويمكن أيضا أن تجد أرضية مشتركة لمصالح مشتركة بينها. سوف يكون للبرنامج العالمي الذي يهتم بالقضاء على التعصب والتحيز الديني في أنظمة المدارس الرسمية ونظام التعليم الغير رسمي ومن منظمات المجتمع المدني تأثير يشبه تأثير الصدمة الكهربائية العالية من اجل عدم قبول ما يتم تجاهله أو التساهل فيه حاليا.

لذا فهناك أجندة  عن الشرق الأوسط وأهميته وعن رؤية ما يحدث هناك في سياق تأثيره على العالم الواسع.

ولهذا السبب أعمل جاهداً على عملية السلام في الشرق الأوسط وأنشأت مؤسسة هدفها تعزيز الحوار بين الأديان وأقوم بتقديم ما بوسعي من أجل مساعدة الحكومات لمواجهة تلك القضايا.

تأمل للحظة كيف تغير عالمنا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر, وكيف أن الطرق المختلفة  التي  لا تحصى والتي اتخذناها من أجل التدابير الأمنية هي الآن نتخذها من أجل منحها لساحات الصراع المستمر منذ سنوات, وهناك ثمن يتم دفعه بالمال وبالحياة و بالفرصة الممنوحة للملايين. هذه ليست حربا تقليدية وهي ليست صراع بين القوى العظمى أو على أراضيها. لكنها حقيقية وعواقبها مخيفة , كما أنها تنمو وتمتد. إنها معركة تدور حول الدين والحداثة. إنها مهمة لأن العالم ومن خلال التكنولوجيا والعولمة يدفعنا جميعا نحو حدود الدين والثقافة. ومن دون معالجة ذلك فهناك احتمالية بزيادة الصراع. الالتزام لا يعني دائما التدخل العسكري. والتعهد لا يعني السير وحدك. ولكن يعني تحريك أنفسنا ويعني رؤية الصراع على حقيقته ويعني أيضا أن تقف في جانب معين وتتمسك به.

أعلى