إكرام الطعام
الحمد لله الجواد
الكريم؛ باسط النعم على العباد، ودافع البلاء عن البلاد، وإليه المرجع والمعاد،
نحمده على نعمه العظيمة، ونشكره على آلائه الجسيمة؛ يزرع الناس ونأكل، وينسجون
ونلبس، ويصنعون ونركب، وينتجون ونستهلك، ويجوعون ونشبع، لا نحصي نعم الله تعالى
علينا، ولا نحيط بألطافه فينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ جعل
الشكر قيدا للنعم، وجعل كفرها سبب النقم، فللعباد أن يُبقوا نعمهم بشكرهم، وأن
يزيلوها بكفرهم {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشُّورى:30] وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله؛ كان يلحظ نعم الله تعالى عليه في كل حال، ويلهج له بالحمد والشكر في
كل أوان، وكان حمده أفضل الحمد وأوفاه، طعم ذات مرة فلما غسل يديه لهج بحمد الله
تعالى فقال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَلَا يُطْعَمُ, منَّ
عَلَيْنَا, فَهَدَانَا, وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا, وَكُلُّ بَلَاءٍ حَسَنٍ
أَبْلَانَا, الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ, وسقى من الشرب,
وَكَسَا مِنَ الْعُرْيِ, وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ, وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى,
وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تفضيلاً, الحمد لله رب العالمين" صلى
الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله
تعالى وأطيعوه، وأكثروا حمده وشكره؛ فإن ربكم سبحانه يُحمد لذاته ولأسمائه وصفاته
وأفعاله، وكل ما في الوجود شاهد على استحقاقه الحمد. ويُحمد سبحانه حمد شكر على
نعمه وآلائه وأفضاله على عباده، وأعظم حمد وأكمله حمدُه سبحانه نفسَه، ولا يبلغ حمدَه
حمدُ أحد من خلقه؛ كما قال أفضل حامد له من خلقه وأعلمهم به سبحانه:«لَا أُحْصِي
ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رواه مسلم.
أيها
الناس: حاجة الإنسان إلى الطعام دليل على ضعفه
وأسره، وحاجته إلى غيره، ونعمة الطعام من أعظم النعم التي تحفظ الجنس البشري من
الانقراض، فلا حياة للإنسان بلا طعام.
ومن
نظر في القرآن وجد أن الطعام ذكر أكثر ما ذكر في سورتي الأنعام والنحل، والأنعام
منها الألبان واللحوم وهي أفخر الطعام، والنحل ينتج العسل وهو أطيب الطعام، وسورة
النحل تسمى سورة النعم لكثرة ما فيها من ذكر النعم. وفي هاتين السورتين ذكر الله
تعالى ما يكون سببا لبقاء الطعام، والتمتع به، وازدياده، وما يكون سببا لقلته
وذهابه، ووقوع الجوع والهلاك به؛ فبقاء النعم ونماؤها وزيادتها مرتهن بالشكر، وفي
سورة النحل ذكر الله تعالى الخليل عليه السلام ووصفه بأنه كان {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} [النحل:121] فوصفه سبحانه
بالشكر، والخليل كان يكرم الضيفان بالعجول السمان حتى كني من كرمه أبا الضيفان، ولم
يجد قلة رغم كرمه؛ لأنه قيد نعم الله تعالى عليه بالشكر.
وزوال
النعم مرتهن بالكفر، وقد عالجت سورة الأنعام هذه القضية مع ذكر الطعام، ففيها {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُوا
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام:142] فالنهي
عن اتباع خطوات الشيطان بعد ذكر الأكل مشعر بأن اتباع خطواته كفر لنعمة الأكل،
والشيطان يدعو لكل سوء، ويزين للعبد كل معصية. فيزين الكفر والجحود والنفاق
والعصيان، ويزين الإسراف في المآكل والمشارب والحفلات والولائم. وهو ما جاء النهي
عنه في موضع آخر من سورة الأنعام مقرونا بالأكل أيضا وبذكر الثمار والحبوب التي هي
من ضرورات الأكل؛ فأغلب ما يأكل الناس الحبوب: {
كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]
إن
حفظ النعم من الزوال مرتهن بطاعة الله تعالى فيها كسبا وإنفاقا، وشكره سبحانه
عليها.
إن بقاء النعم مرتهن بإكرامها، وعدم الاستهانة
بقليلها ولو كان حبات أَرُزٍّ، أو كسرة خبز، أو قليل حساء، أو حبة تمر.. فمن
استهان بقليل النعمة استهان بكثيرها، ومن ألقى كسرة خبز، وأهان حبيبات أَرُزٍّ،
هانت النعمة في نفسه فألقى الكثير من الطعام.
إن من
نظر في أطعمتنا اليومية، وولائمنا الموسمية، واحتفالاتنا العرضية ثم قارن ذلك
بمفهوم السلف للنعمة وإكرامها علم أننا نهين النعم ولا نكرمها، ونكفرها ولا
نشكرها، ونتسبب في زوالها لا استدامتها.
إننا
نجازى بمثاقيل الذر {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40] وكم في حبة الأَرُزِّ من ذرة، وكم في بقايا
الخبز من ذرة، ونستهين بما هو أكبر منها كالتمرة واللقمة، ولننظرْ في موائدنا
اليومية كم يسقط من الطعام على السفرة، وكم فيه من ذرة، ولو جُمع لأشبع إنسانا أو
أكثر، بينما يأنف أحدنا أن يجمع ما سقط منه ليأكله فلا يُبقي حبة بعده، وذلك لأن
الصحن أمامه مملوء بالطعام تحيط به أوان أخرى مملوءة بأطعمة منوعة، فلا حاجة لأن
يلتقط ما يتساقط منه، وهذا من الاستهانة بالنعمة.
وأما
إذا صنع وليمة لضيفه فما يبقى أكثر مما يأكلون، وأكبر همٍّ يحمله أهل البيت بعد الوليمة
هو تصريف ما بقي من الطعام، ولو حفظوه لأكلوا منه أسبوعا، ولكن أنفسهم المترفة
تأنف من طعام بائت! فإما بعثوا به إلى فقراء أو جمعيات تطعمهم، وهذا في أحسن
الأحوال. وإما ألقي للحيوانات وهو من أفخر الطعام، وفي الناس جياع، وإما رمي في
الزبالة، وهذا كفر للنعمة شنيع، وأشنع منه من يتخلصون من بقايا الطعام بإلقائها في
المجاري، نعوذ بالله تعالى من كفر المنعم، وإهانة النعم. وأما في الولائم الكبرى
من أعراس واحتفالات ونحوها، فأمر لا يكاد يصدق من الإسراف في كثرة الطعام وأنواعه،
ولولا أن الواحد منا يحضرها ويراها لما كان يصدق كثرتها وتنوعها لو وصفت له، وفي
بعض الاحتفالات يجمع فائض الأطعمة بالجرافات التي صنعت لجرف التراب لا لجرف
الطعام، وذلك من كثرتها حتى عجز الناس عن حملها، وفي منظر مؤذ من مناظر كفر النعمة
تقف سيارة النفايات عند بوابة مخيم، وعمال النظافة يفرغون الصحون المملوءة باللحم
والأرز فيها؛ للتخلص منها، وفي أحد الاحتفالات أحصي ما استغني عنه من طعام بعد
الحفل فبلغ خمسين طنا من الطعام، تشبع مئة ألف إنسان، وهذا في احتفال واحد، وكم في
السنة من احتفالات؟!
والفنادق تصنع كل يوم أطعمة يبقى نصفها أو ثلثها،
فترمى أكوام الطعام في كل وجبة، وفي المطاعم نحو ذلك، والمخابز تخبز أكثر من حاجة
الناس؛ لتتكوم في آخر اليوم أكوام الخبز التي لم تستهلك، فتباع لأهل المواشي، أو
تلقى في الزبالات.
هذه
صور من واقعنا المعاصر مع نعمة الطعام، لو قارناها بموروثنا الشرعي من السنة
والأثر لعلمنا كم أننا مسرفون مفسدون؟!
ففي
السنة النبوية اعتبار للتمرة الواحدة، واللقمة الواحدة، ولذا استخدمها النبي عليه
الصلاة والسلام مرات عدة في حديثه؛ فأخبر أن الرجل حين يطعم زوجته لقمة فهي له
صدقة، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ
عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ
وَالتَّمْرَتَانِ... الحديث» فاعتبر عليه الصلاة والسلام التمرة واللقمة، ولم
يحتقرها. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ
بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ" رواه أحمد، والظلف: خف الشاة، وفي كونه محرقا مبالغة في
غاية ما يعطى من القلة. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَى
أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ
أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ
حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ» متفق عليه. بل اعتبر بعض التمرة ولم يحقرها لقلتها، فقال
عليه الصلاة والسلام «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ...» فمن يطرأ
عليه أن يكرم بعض تمرة فيرفعها إن كانت ساقطة، ويأكلها أو يتصدق بها؛ فإنَّ شق
التمرة قد يقيك من النار، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:
جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ
تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى
فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ
التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا،
فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:«إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا
الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ»رواه مسلم. وقد يدخل النار عبد في
تمرة أو خبزة ألقاها ولم يأبه بها، أو يسلب ما بين يديه من النعم بسببها.
وتأملوا إكرام النعمة في الحديث الآتي، وعدم
الاستهانة بقليل الطعام ولو كان لقمة واحدة أو أقل منها، قال صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا،
فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا
لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ...»رواه
مسلم. وبقايا الطعام في الصحاف والقدور والأواني لا تحتقر ولا يستهان بها، بل تكرم
وتصان وتسلت فتؤكل، قال أنس رضي الله عنه: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ»رواه
مسلم.
والصحابة رضي الله عنهم أخذوا إكرام النعمة
واحترامها، وعدم الاستهانة بقليلها من النبي عليه الصلاة والسلام؛ عن ميمونة أنها
أبصرت حبة رمان في الأرض فأخذتها وقالت:«إن الله لا يحب الفساد». وتصدق عمر وعائشة
بحبة عنب، وقالا:«فيها مثاقيل كثيرة». وروي عن سعد بن أبي وقاص:«أنه تصدق بتمرتين،
فقبض السائل يده، فقال للسائل: ويقبل الله منا مثاقيل الذر، وفي التمرتين مثاقيل
ذر كثيرة».
فما
كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون قليل الطعام أن يرفعوه أو يقدموه صدقة، لا
يحتقرون تمرة ولا عنبة ولا حبة رمان؛ لعلمهم أن الله تعالى يعاملهم بمثاقيل الذر؛
ولعلمهم أن إهانة الطعام كفر للنعمة، وأن كفر النعمة يزيلها ولا يبقيها. {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا
فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ
هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}
[طه: 81، 82] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمد
لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما
بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه على نعمه، واحذروا الكفر والفسوق
والعصيان {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].
أيها
المسلمون: لنحذر من كفران نعمة الطعام، ولنقتصد في
أفراحنا وولائمنا واحتفالاتنا؛ فإن هذه المباهاة التي نعيشها تنذر بخطر عظيم، وهي
إثم كبير، حين نتلف الكثير من الطعام وفي الأرض جياع، والله تعالى يبدل من حال إلى
حال، فلا نغتر بما نرى من كثرة الأطعمة في أسواقنا وبيوتنا؛ فإن الله تعالى إن قدَّر
عقوبتنا سلبها منا في لمح البصر، فصرنا بعد الشبع جياعا.
وإخواننا
المحاصرون في الشام الذين ضربهم الجوع حتى هلكوا لا أقول إنهم يتمنون فائض
أطعمتنا، ولا باردها وبائتها، ولا ما يسقط على سفرنا أثناء أكلنا... بل يتمنون ما
نقدمه نحن للبهائم من خبز مكث شهرا وشهرين حتى يبس واشتد، وما نقدمه للطيور من حب
بارد بائت قد تراكم مع الأيام، وخلط بعضه ببعض حتى عافت النفس رؤيته وريحه
ومنظره... إن إخوانكم في الشام ليتمنونه، ويبذلون فيه أنفس ما يملكون، فالجوع لا
يرحم، وألمه لا يسكن، والبطن يطلب المزيد، حتى أكلوا القطط والكلاب والأعشاب، وحتى
بكت عجائزهم من ألم الجوع.
وفي
تاريخ المجاعات عبر وعظات، وقد كتب العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى عن
مجاعة في الشام وقعت قبل قرن فقال:«وقد ثبت عندي أن بعض الناس كانوا يأكلون ما
يجدونه في المزابل والطرق رطبًا يمضغ، أو يابسًا يكسر، وأخبرني في بيروت من رأى
بعض الأولاد الصغار رأوا رجلاً قاء في الطريق فتسابقوا إلى قيئه وتخاطفوه فأكلوه، وثبت
عندي أكل الناس الجيف، حتى ما قيل من أكل بعض النساء لحوم أولادهن، والعياذ بالله
تعالى. وأخبرني كثيرون في بيروت وطرابلس أن الناس كانوا يرون الموتى في الشوارع
والأسواق، والمشرفين على الموت من شدة الجوع، ولا يبالون بهم، ولا يرثون لأنين
المستغيثين منهم».انتهى كلامه.
إن
جمعيات حفظ النعم بادرة طيبة، حين يُجمع فيها فائض الولائم والحفلات ويوزع على
الفقراء، والأفكار التي تقترح لحفظ فائض الطعام في الفنادق والمطاعم والولائم
أفكار طيبة، ولكن الأهم من ذلك كله أن يحاسب الناس أنفسهم، وأن يغيروا سلوكهم في
استهلاك الأطعمة، وأن يرسخ فيهم الاقتصاد في المآكل والولائم والحفلات، وأن يربى
في الأسرة تقليل ما يطبخ يوميا من طعام، وأن ينشأ النشء على أن لا يأخذ من الطعام
فوق حاجته، وعلى احترام ما يتساقط من النعمة تحت صحنه، فلا يتركه في السفرة، بل
يجمعه ويأكله، وأول من يفعل ذلك رب الأسرة حتى يكون قدوة لزوجه وولده، وأن يُقتصد
في الولائم والأعراس والاحتفالات، فلا يوضع من الطعام فيها إلا بقدر حاجة
المدعوين، وأن تترك المباهاة والمفاخرة في ذلك، وإلا فإن كفر النعمة، وإهانة
الأطعمة؛ سبب للنقص والقلة والجوع، عافانا الله تعالى والمسلمين من ذلك.
وصلوا
وسلموا على نبيكم...