حرب "إسرائيل" المفتوحة على فلسطينيي 48
في
الوقت الذي يواصل فيه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مفاوضاته مع
"إسرائيل"، فأن النخبة الحاكمة في تل أبيب توظف المفاوضات في التغطية
على فتح جبهة ضد قطاع مهم وعزيز من الشعب الفلسطيني، وهم فلسطينيو 48، الذين
يعتبرهم رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو "خطر إستراتيجي" على مستقبل
الكيان ذاته. ومن المؤسف، أنه تحت وسمع القيادة المتنفذية لمنظمة التحرير تحاول
"إسرائيل" توظيف خطة "كيري" للتسوية من أجل التخلص من
فلسطينيي 48، عبر الترويج لفكرة تبادل الأراضي، والتي تقضي بضم المستوطنات
اليهودية المقاومة في الضفة الغربية للكيان الصهيوني مقابل ضم منطقتي
"المثلث" و"وادي عارة"، التي يتواجد فيهما أكبر عدد من
فلسطينيي 48 للكيان الفلسطيني. ومن الواضح أن هذا المقترح يهدف للتخلص من الثقل
الديموغرافي لفلسطينيي 48، مع العلم أن هناك علاقة وثيقة بين مطالبة
"إسرائيل" الفلسطينيين بالاعتراف بيهوديتها وبين تسويغ التخلص من
فلسطينيي 48. فصناع القرار في تل أبيب يرون أنه بمجرد الاعتراف الفلسطيني بيهودية
"إسرائيل"، فأن هذا يعد تسليماً بحق "إسرائيل" في التخلص من
فلسطينيي 48، على اعتبار أن هذه الخطوة تضمن الحفاظ على الطابع اليهودية للكيان
الصهيوني.
مساواة باطلة
لقد
تم التأكد أن ديوان نتنياهو قد نقل للكيري
مخططاً بهذا الشأن، بحيث يهدف هذا المخطط " إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن
ناحية التخلص من معظم فلسطينيي 48، وفي الوقت ذاته ضمان ضم التجمعات الاستيطانية
التي يقطنها أكثر من 70% من المستوطنين ". ويخشى نتنياهو أن يؤدي بقاء
فلسطينيي 48 داخل "إسرائيل" إلى تواصل النزاع حتى لو تم التوقيع على
اتفاق تسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على اعتبار أن الثقل الديموغرافي
لفلسطينيي 48 يهدد الطابع اليهودي للكيان الصهيوني. والمفارقة أن الأوساط السياسية
في الكيان الصهيوني تؤكد أن مساحة الأرض التي يوافق نتنياهو على نقلها للسلطة
الفلسطينية أقل بكثير من المساحة المقامة عليها التجمعات الاستيطانية في الضفة
الغربية، أي أنه يرفض معادلة ( 1-1 )،
التي تعني تبادل مساحة أراضي متساوية بين الجانبين. أن معظم الأراضي التي تعنى
"إسرائيل" بضمها في الضفة الغربية خالية من المستوطنين، في حين أن جميع
المساحة التي تبدي موافقة على نقلها للدولة الفلسطينية مأهولة بفلسطينيي 48، وهذا
يعني أن إسرائيل تحقق هدفاً آخر، ألا وهو الحصول على أكبر مساحة من الضفة الغربية،
وفي الوقت ذاته التخلص من أكبر عدد من فلسطينيي 48. ويبر نتنياهو موقفه هذا بالقول
إنه ليس لدى إسرائيل ما يكفي من الأراضي الخالية من السكان لكي يتم الانسحاب منها.
ومن الواضح أن ما يثير المرارة في هذا الطرح، هو جرأة الصهاينة على المساواة
الباطلة بين فلسطينيي 48، أصحاب الأرض والحق الشرعي عليها بين المستوطنين الغاصبين
لها.
التوافق مع توجهات اليمين الصهيوني
ومما
يدلل على أن هذا المقترح يخدم توجهات اليمين المتطرف "الإسرائيلي" حقيقة
إن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الذي يعتبر من الوزراء الأكثر تطرفاً في حكومة
نتيناهو يعتبر من المتحمسين لهذا الاقتراح. المفارقة أنه حتى النخب السياسية
الصهيونية لا تتورع في الكشف عن مرامي نتنياهو من وراء طرح فكرة "تبادل
الأراضي. فقد أكد وزير الداخلية "الإسرائيلي" الأسبق عوزي برعام من أن
تل أبيب تحاول أن توظف خطة كيري في طرد فلسطينيي 48، حيث لم يفت برعام التأكيد بأن
إصرار كل من نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان على فكرة تبادل الأراضي يهدف
بشكل أساسي إلى التخلص من فلسطينيي 48، وليس لتحقيق تسوية للصراع ".وفي مقال
نشره في صحيفة "إسرائيل اليوم" جاء بعنوان: " ليبرمان يريد الطرد
وليس التسوية "، أوضح برعام أن فكرة تبادل الأراضي التي يطالب بها ليبرمان
ونتنياهو تقوم على التخلص من منطقتي المثلث ووادي عارة اللتان تضمان النسبة الأكبر
من فلسطينيي 48 مقابل ضم مستوطنات الضفة الغربية لإسرائيل.
تهويد الجليل
لا
تقف الحرب الصهيونية ضد فلسطيني48 على محاولة توظيف فكرة تبادل الأراضي من أجل
طردهم، بل يتعداه الأمر إلى تهويد مناطق تواجدهم الحالية. فقد أعلنت الحكومة "الإسرائيلية"
أنها تعكف على خطة لتهويد الجليل، الذي تقطنه أغلبية فلسطينيي 48، حيث ترمي الخطة
إلى إعادة التوازن الديموغرافي بين اليهود والفلسطينيين في الجليل، عبر بناء
المزيد من المستوطنات اليهودية وتوسيع حدود مستوطنات قائمة، وذلك بتجاوز خطة
التطوير القطرية التي أقرتها الحكومة في السابق. وقد توجهت " الهستدروت
الصهيونية "، المسؤولة عن الأنشطة الاستيطانية داخل إسرائيل لعدد من شركات
التخطيط لتصميم خطط تسمح باستيعاب 100 ألف يهودي في الجليل.
تجنيد المسيحيين في الجيش الصهيوني
لكن
أخطر خطوة تعكف عليها النخبة الصهيونية تتمثل في شق فلسطيني 48، عبر التمييز بين
المسلمين والمسيحيين، جيث أعلنت قيادات سياسية يهودية أنها بصدد تمرير مشروع قانون
في الكنيست يعتبر فيه المسيحيين من فلسطينيي 48 ليسوا عرباً، ويمهد لإبرام تحالف
معهم ضد المسلمين ". وأعلن النائب
الليكودي يريف ليفين، رئيس كتلة الائتلاف الحاكم في الكنست، الذي بادر لهذه الخطوة
أن القانون الجديد يهدف إلى بناء تحالف بين "دولة إسرائيل" وبين
المسيحيين، على غرار التحالف القائم بين " الدولة والدروز، من خلال منحهم
مزايا أكبر بكثير من المسلمين. ويقول ليفين: " المسيحيون ليسوا عرباً، لذا
فأن القانون الجديد ينص على تسجيلهم في بطاقات الهوية على أساس أنهم مسيحيين
وليسوا على أساس أنهم عرباً، كما هو دارج حتى الآن". وينوه ليفين إلى عدد من
مظاهر التفرقة التي يسعى القانون الجديد لإرسائها بين المسيحيين والمسلمين داخل
فلسطين 48 ، مثل منح تمثيل مستقل للمسيحيين في المجالس المحلية، مشدداً على أن هذه
الخطوة تهدف إلى تقليص قوة المسلمين وأضاف: " سنحرص على أن تؤدي هذه الخطوات
إلى إرساء تحالف بيننا وبين المسيحيين من خلال ربطهم بالدولة وإيجاد توازن يهدف
إلى إبعادهم عن المسلمين "، مكرراً أن المسيحيين ليسوا عربا. وأكد ليفين أن
من بين "الامتيازات" التي يمنحها القانون الجديد للمسيحيين، وغير متاحة
للمسلمين، أن يكون بوسعهم أن يصبحوا مدراء عامين في الشركات الحكومية، علاوة على
منحهم فرص مثل اليهود في الحصول على الوظائف في سلك الدولة. وتوقع ليفين أن تسهم
المزايا في التقريب بين المسيحيين والدولة ودمجهم في مؤسساتها، وضمنها الجيش، كما
هو الحال بالنسبة للدروز، مشيراً إلى أن هناك تقارب كبير بين اليهود والمسيحيين،
قائلاً: " أنهم شركاؤنا الطبيعيون، أنهم مثلنا يخشون، من المسلمين، الذين
يحاولون تدمير الدولة من الداخل".
لكن للأسف الشديد، لم يكن بوسع ليفين أن يتجرأ على ذلك لولا خروج بعض
الأصوات من قيادات دينية مسيحية تنادي برفض الخدمة العسكرية على الشباب المسيحي من
فلسطيني 48.وكان أول من فجر العاصفة هو القس جرائيل نداف عندما دعا إلى تجنيد
الشباب المسيحي في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو ما أثار ردود قوية داخل أبناء الشعب
الفلسطيني من المسيحيين. وقد تصدت نخب مسيحية وطنية من فلسطينيي 48 لهذه الدعوات،
محذرة من الوقوع في الشرك الصهيوني. وفي مقال بعنوان " أيها المسيحيون أفيقوا
وتنبهوا " نشره أمس في موقع " أهلن "، الفلسطيني أمس الثلاثاء حذر
البرفسور جوني منصور، أستاذ علم الاجتماع في جامعة حيفا المسيحيين الفلسطينيين من
الوقوع ضحية الدعوات الهادفة إلى التفرقة بينهم وبين أخوانهم المسلمين.وأضاف:
" المسيحيون الفلسطينيون ينتمون إلى العربية قومية وحضارة ولغة وثقافة وأرضا وشعبا،
بمعنى أن العروبة بكل مكوناتها هي عبارة عن مظلة يتظلل تحتها المسيحيون والمسلمون على
كافة مذاهبهم وطوائفهم وتياراتهم الدينية والسياسية ".ووجه منصور حديثه
للمسيحيين قائلاً: " أذكرهم أيضا بأن
ارتباطهم بالمنطقة ليس ارتباطا دينيا فقط، إنما ارتباطهم بها هو ارتباط تاريخي عضوي
وطني وقومي جذوره ضاربة في الأرض منذ مئات آلاف السنين ".وحذر منصور من أن
الحكومة الإسرائيلية وتحديداً رئيسها بنيامين نتنياهو يستغل الدعوة التي أطلقها
القس نداف من أجل محاولة تحسين صورة إسرائيل في العالم.وشدد منصور على أن هدف
" إسرائيل " من خلال احتضان المسيحيين هو ضرب وحدة الشعب الفلسطيني،
قائلاً: " اثبتت الأحداث التاريخية الماضية سواء القريب منها
أو البعيد أن الطائفية ستودي بالشعب إلى الجحيم، وعندها تنعم اسرائيل بالراحة لأنها
تكون قد حققت مشروعها في تمزيق وحدة شعبنا "وقال: " ايها المسيحيون افيقوا
وتنبهوا إلى خطورة هذه الأصوات التي تريد العودة بنا إلى الخلف، إلى مربع الطائفية،
والتعامل معنا على قاعدة الطائفية البغيضة التي ننبذها ونرفضها. وعلينا كأبناء شعب
واحد موحد ومتحد ألا ندع الطائفية تقرع أبواب بيوتنا بالمرة ".
الهجوم على الشيخ رائد صلاح
لكن
إسرائيل التي تحاول استمالة المسيحيين تشن جام غضبها على الحركة الإسلامية بقيادة
الشيخ رائد صلاح، حيث أن القيادة الصهيونية تتهم الحركة الإسلامية في فلسطين 48
بالتحريض على "إسرائيل"، حيث تدعي أن الإسلاميين هم المسؤولون عن تأجيج
الاحتجاجات التي اندلعت قبل أربعة أشهر رفضاً لمشروع " برافير "، الذي
يهدف إلى طرد عشرات الآلاف من البدو من أراضيهم في النقب، وأقامة مستوطنات لليهود
عليها. وتتهم المؤسسة الأمنية الصهيونية الحركة الإسلامية باستغلال مخطط " برافير " من أجل
زعزعة الأمن والاستقرار. ويشن الجنرال دورون ألموغ، المسؤول عن تنفيذ مخطط
"برافير" هجمات بشكل متقارب على قيادة الحركة الإسلامية، مؤكداً أنها
تهدف لنزع الشرعية عن حق إسرائيل في الوجود. من ناحيته يقر الشيخ رائد صلاح أن
حركته تتصدى للممارسات الصهيونية، معتبراً أن هذا أمر يجعله يشعر بالفخر. وفي حديث
لـ "البيان"، قال صلاح: "نعترف بأننا نقف ضد هذا المخطط وسنتبع كل
الوسائل المشروعة لمقاومته ومواجهته، لكننا لسنا وحدنا، فمعنا كل أطياف ومشارب
شعبنا، مع العلم أن لجنة المتابعة العليا التي تنسق الأشكال النضالية ضد المشروع
التهويدي، والهيئة التي تمثل قيادة الشعب الفلسطيني في الداخل". أكد صلاح أن
حركته ستواصل رفضها المشاركة في الانتخابات للكنيست الصهيوني، قائلاً: "نحن
لسنا مصرين فقط على رفض المشاركة، بل إننا نؤكد أن الوقائع على الأرض تضفي صدقية
على موقفنا وتؤكد أننا اتخذنا القرار الصحيح، حيث أن المشاركة في الانتخابات
للكنيست لم تؤثر بشكل إيجابي على حياة مواطنينا قيد أنملة".
ويؤكد
صلاح أن المشاركة في الانتخابات الصهيونية لم تسهم في وقف الممارسات العنصرية ضد فلسطينيي48،
مشيراً إلى أن الكنيست تواصل سن القوانين المناوئة للعرب وتؤجج نار الحقد ضدهم.
قصارى
القول، لقد تبين للجميع مدى صوابية القرار المبدأي والتاريخي الذي اتخذته الحركة
الإسلامية بمقاطعة انتخابات الكنيست، حيث تبين أن مشاركة الأحزاب والحركات العربية في الكنيست
قد منحت "إسرائيل" الفرصة لتزعم أنها "دولة ديموقراطية"،
وتدلل على ذلك بوجود أعضاء عرب في الكنيست، حيث أن الحركة الإسلامية لم تكن لتمنح
الصهاينة هذا الانجاز على طبق من فضة.