"الإرهاب" التونسي .. و الدور المشبوه للمخابرات الجزائرية
يبدو
أن المخابرات الجزائرية هو الجهاز الفعلي الذي يشرف على قيادة الحروب ضد خصوم
الجزائر من دول الجوار بحيث يسهر هذا الجهاز الذي تربطه علاقات وطيدة مع قصر
المرادية على تصدير أزمته الداخلية إلى جيرانه الأشقاء، وتُعد "أعمال العنف
المسلح" و"التفجيرات الانتحارية" بلباس ديني و"الاغتيالات"،
وسيلة هذا الجهاز الأساسية لضرب أمن وزعزعة استقرار "خصوم الجزائر"
وأيضا وسيلة لتدويل أزمتها الداخلية المستمرة منذ أزيد من عقدين من الزمن، فقد
كشفت اعترافات عملاء استخبارات سابقين في المخابرات الجزائرية تورط هذا الجهاز في
أحداث إرهابية بداخل البلاد خلال العشرية الحمراء لتحميل المسؤولية للجماعات
الإسلامية المقاتلة، وأيضا في أحداث مماثلة استهدفت دول الجوار لعل آخرها ما حدث
في تونس خلال العام الماضي سنة 2013، حيث اهتزت على وقع عمليتين اغتيال وثلاث
هجمات انتحارية وأعمال عنف مسلح استهدفت الجيش بجبال الشعانبي بولاية القصرين، فهل
يكون للمخابرات الجزائرية يد في ما حدث في تونس؟ وأي دور قامت به الجزائر لإرباك
المشهد السياسي في تونس وزعزعة الأمن والاستقرار الذي كانت تنعم به البلاد وتتميز
به؟
اغتيال شكري بلعيد
ظلت
تونس منذ سقوط نظام زين العابدين بنعلي بمنأى عن أعمال التطرف أو شيء يسمى "الإرهاب"
وذلك لعدة أسباب لعل أبرزها مظاهر التحديث التي اكتست كل معالم الحياة وتوغلت في
بنيات المجتمع التونسي؛ وتمسك جزء عريض من الشعب التونسي بالإسلام الوسطي المعتدل
والتزامه بالمذهب الفقهي المحلي، فضلا عن تعايش جل مكونات وأطياف المجتمع التونسي وفق
مبدأ الاحترام وإدارة الخلاف بالحوار تأثرا بالبيئة المنفتحة التي شهدتها البلاد
في عهد النظام المخلوع زين العابدين، كما أن البيئة الجغرافية التونسية غير مساعدة
لاستيطان الجماعات المسلحة، كما هو الحال بصحراء ليبيا أو جبال الجزائر.
ورغم
سقوط النظام السابق بعد نجاح ثورة الشعب التونسي فإن البلد لم يعاني من انفلات
أمني حاد كما في ليبيا، ولوحظ كيف شكل أبناء المجتمع لجانا شعبية لمساعدة الجيش
والشرطة على ضبط وفرض الأمن وحافظت البلاد على أمنها من أي هزات مدة عامين بعد
الثورة جرت خلالها أول انتخابات شهد العالم بنزاهتها واختير رئيس للبلاد وتشكلت
الحكومة بناء على تمثيلية المجلس التأسيسي (البرلمان)، غير أنه في مطلع العام 2013
اهتزت البلاد على وقع اغتيال أحد زعمائها السياسيين بطريقة احترافية في التنفيذ
والهروب عن مكان الحادث والإفلات من قبضة الأمن، لتسقط الحكومة التونسية في أول
اختبار بعد الثورة.
وبعد
نجاح حركة النهضة في احتواء الأزمة السياسية التي ترتبت عن اغتيال شكري بلعيد، عاد
الاغتيال السياسي مجددا يضرب البلاد ويفاجئ الجميع بفتحه الطريق على مستقبل صعب
بعدما استهدف للمرة الثانية على التوالي وبنفس الطريقة والأسلوب معارض يساري آخر
هو النائب في المجلس التأسيسي محمد لبراهمي، في شهر آيار يوليو من نفس السنة،
لتندلع بعدها عمليات انتحارية استهدفت إحداها فندقا سياحيا بمدينة سوسة وإحباط
عملية أخرى بمدينة المنستير استهدفت تفجير قبر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة،
وقبلها قُتل ثمانية جنود تونسيون في كمين مسلح بجبال الشعانبي، لتجد تونس نفسها في
طريق مواجهة "الإرهاب" بينما كانت تشق طريقها نحو تثبيت الانتقال
الديمقراطي.
أيادي خارجية بتنسيق أطراف داخلية
بعد
اغتيال المعارض اليساري، شكري بلعيد، في شهر فبراير/شباط 2013 وجدت الحكومة التونسية
نفسها في موقف صعب بين مواجهة أصابع الاتهام ومطالب الكشف عن المتورطين والجناة
والإعلان عنهم، وَبَينما كان العلمانيون واليساريون يُوجهون أصابع الاتهام لحركة
النهضة الحاكمة وتحميلها المسؤولية، خرج المحامي فوزي بن مراد الناطق باسم هيئة الدفاع
عن شكري بْلعيد بعد أيام في ندوة صحافية، وفجر فضيحة من العيار الثقيل اتهم فيها أطرافا
جزائرية غير رسمية بالوقوف وراء عملية اغتياله.
وقال
المحامي فوزي بن مراد في ندوة صحافية، عقدها بعد أيام من الحادث، إن شاهد عيان تونسيا
قد اتصل على هاتفه الجوال، وأعلمه أن تونسيا مجهول الهوية قد أدخل 3 مواطنين جزائريين
خلسة إلى تونس، ومروا على مستوى القصرين على الحدود التونسية الجزائرية قبل يوم واحد
من اغتيال شكري بلعيد يوم 6 فبراير (شباط) 2013، وقد أعاد إخراجهم بالطريقة نفسها،
بعد عملية الاغتيال.
تصريحات
محامي شكري بلعيد الذي تعرض لضغوط كبيرة بسببها ليست وحدها التي وجهت أصابع
الاتهام للجزائر، إذ أن أطرافا سياسية تونسية أخرى من بينها قيادات في تحالف
الترويكا أشارت إلى دور مشبوه لأيادي خارجية لم تستطع تسميتها لاعتبارات سياسية
داخلية وخارجية، غير أن متابعين لسياسة النظام الجزائري ومحللين سياسيين مهتمين
بالشأن المغاربي يقولون إن لمسات المخابرات الجزائرية حاضر بقوة في كل الأحداث
الإرهابية التي هزت أمن تونس.
لمسات واضحة
خالد
شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، قال في تصريح لـ"الـبيان"،
يكفي طرح سؤال من المستفيد من زعزعة أمن واستقرار تونس لمعرفة المتورطين في اغتيال
المعارض اليساري شكري بلعيد وبعده محمد لبراهمي ثم أعمال العنف المسلح بجبال
الشعانبي والهجمات الانتحارية بالمدن السياحية، لمعرفة الجهة الواقفة وراء كل تلك
الأحداث أو بعضها، مضيفا بأن النظام الجزائري وظيفته أن يفرمل التوجه التنموي والديمقراطي
بالمنطقة وهذا ما يقوم به، لافتا إلى وجود تقارير استخباراتية تتحدث عن دور المخابرات
في صناعة العنف والحركات المتطرفة بتونس.
نفس
الخلاصة وصل إليها عبد الرحيم منار السليمي رئيس مركز الدراسات الأمنية وتحليل
السياسات بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حديثه في برنامج تلفزيوني "أضواء
على قضايا مغاربية" على قناة الحوار الفضائية بتاريخ 26 كانون الأول الماضي، حين
قال بأن هناك من دول الجوار التونسي من لا يريد للتجربة الديمقراطية الوليدة أن
تنجح، وأضاف؛ "أتحدث هنا حسب بعض المعطيات عن المخابرات الجزائرية بحيث أن ما
يقع في منطقة الشعانبي بمحافظة القصرين المتاخمة للحدود مع الجزائر من طرف مجموعة
مسلحة يطرح أكثر من علامات استفهام بخصوص كيفية وصول هذه التيارات وبسط نشاطها
بالمنطقة".
هذه
الاتهامات ستجد لها تأكيدا من أحد الضباط الأمنيين السابقين في جهاز الاستخبارات
الجزائرية، والمقيم بلندن، كريم مولاي، حيث صرح لجريدة قدس بريس الدولية، بوجود
لمسات واضحة لعمل استخباراتي جزائري في عملية اغتيال شكري بلعيد، ذلك أن هدف
الاغتيال يضيف العميل الاستخباراتي المتورط في الهجوم الإرهابي على فندق بمدينة
مراكش بالمغرب سنة 1994 حسب اعترافاته لجريدة المساء المغربية، هو الوقيعة بين
حركة النهضة وبقية الأطياف السياسية التونسية، بسبب الانزعاج المتزايد لجنرالات
وساسة قصر المرادية بالجزائر من تنامي شعبية الإسلاميين في تونس.
مخطط جزائري بدعم غربي
لم
يقف العميل الاستخباراتي السابق، كريم مولاي، في تصريحه لوكالة قدس برس عند كشفه
خيوط لمسة المخابرات الجزائرية في حادث اغتيال شكري، فقد أكد بامتلاكه معلومات
موثوقة عن مخطط جزائري مدعم غربيا للإطاحة بأنظمة الحكم الإسلامية في بلدان الربيع
العربي، وذلك قصد وضعها أمام واقع عدم القدرة على تدبير شؤونها الداخلية، ولتيسير
تنفير الشعوب منها والقضاء عليها إلى الأبد، مشيرا إلى أن الحرب الفرنسية على مالي
كانت وفق نفس المخطط الذي تسهر على تنفيذيه أيدي جزائرية من خلال صنيعة مخابراتها
المسماة "الحرب على الجماعات الإرهابية".
من
جانبه، يؤكد محمد العربي زيتوت، السياسي الجزائري المعارض والمقيم في بريطانيا، أن
ما حدث في تونس من أعمال إرهابية يندرج في سياق الثورة المضادة التي تقودها أطراف
داخلية تمثلها عصابات النظام البائد والقوى الإقليمية المعارضة ممثلة في النظام
الجزائري المدعوم من النظام الدولي وبالخصوص فرنسا وأمريكا.
كما
يؤكد زيتوت خلال تصريحات له لقناة المتوسط الفضائية التونسية عقب اغتيال محمد
لبراهمي، أن القوى العلمانية في تونس وحكام الجنرالات في الجزائر والاستعمارية
فرنسا ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية تجمع بينهم إرادة مشتركة تتمثل في
الفوبيا من الإسلاميين وإدامة الاستبداد والحفاظ على المشروع الصهيوأمريكي فرنسي
في المنطقة، ولذلك فإن اليد الجزائرية هي الأقرب للمنطقة لتنفيذ المخطط بدعم غربي.
الشًرَكُ الذي سقطت فيه النهضة
بعد
سلسلة من الهجمات المسلحة وتحت تصعيد غير مسبوق للقوى اليسارية والعلمانية وجدت
الحكومة التونسية نفسها مضطرة للاستجابة لمطالب الضغط الداخلي والخارجي، ولأن
النظام الجديد في تونس بعد الثورة ما يزال هش وغير قوي وغير متمكن وغير مستقر فإن
الحركات الإسلامية المسلحة التي تسعى للتغيير السياسي باستخدام السلاح تجد الفرصة
مواتية لتنفيذ مخططها، لم تجد الحكومة التونسية مخرجا آمنا لـموقفها المعقد سوى
الإعلان عن الحرب على "الإرهاب"، بينما كانت الجزائر تبحث عن هذا الموقف
لفتح باب لتطبيع العلاقات شبه المجمدة بين البلدين منذ وصول حركة النهضة إلى
السلطة ولإبعاد الشبهات عنها بعد تزايد الشكوك حول تورط أجهزتها الاستخبارية،
ولذلك يمكن فهم لماذا سارع ساسة قصر المرادية بالعاصمة الجزائر إلى إعلانهم مد يد
التعاون الأمني والعسكري لتونس في حربها على "الإرهاب" !.