أكد العلامة عماد الدين خليل على أهمية ربط التاريخ بالقرآن لاستخلاص العبر، ودعا إلى تفادي الالتزام بالماضي دون بناء حضاري، مؤكداً أن التنوع المعرفي دون عمق أفضل من التخصص الضيق، كما أبرز دور المرأة كحاضنة للقيم الأسرية ومحركة للحضارة الإسلامية.
                                            
                                        
                                        
                                            
 
ليسَ كلُّ سبَّاحٍ غوّاصًا، وليسَ كلُّ غوّاص قادرًا على استخراج اللؤلؤ والمرجان؛ 
مِثل العلاَّمة (عماد الدين خليل)، الذي غاص في أعماق التراث، وعكَف على اللّفائف 
والمخطوطات الثمينة، واستخرج منها الدُّرَر والجواهر التي استخدمها كدروعٍ واقية، 
وأسلحةٍ فعّالةٍ في معاركه الفكرية!
 نعم، ما تركَ -أستاذنا- مخطوطةً ولا مَرجعًا إلَّا واستفاد من طرحهِ العلمي، وما 
مِن كتابٍ خطّته أنامله إلَّا وتحوّلَ إلى جوهرةٍ ثمينة، وكنزٍ نفيس... وقد اجتهد 
ما وَسِعه الاجتهاد في الدفاع عن تاريخ أُمّتنا، وصدّ الحملات الهمجيَّة عن حضارتنا 
ومواريثنا، وعالَج التشوُّهات الفكرية والإصابات التي اخترقت وجدان الأمة في غفلةٍ 
من الزمن!
 في مدينة 
«الموصل» 
شمال العراق، وُلِد العبقريّ 
«عماد 
الدين خليل» 
عام 1941م، وتخرَّج في جامعة بغداد عام 1962م، وحصل على شهادة البكالوريوس في 
التاريخ، وفي عام 1965م حاز على درجة الماجستير، ثمَّ سافر إلى جامعة عين شمس 
بالقاهرة، وهناك حصل على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 1968م. وقد عمِل 
بالتدريس في عددٍ من الجامعات، ومع أنه تجاوز الثمانين من العُمر إلَّا أنه لا يزال 
يعمل أستاذًا، ومُشرِفًا، ومقاتلًا باللّسان والقلم دون كلَلٍ ولا مَلَل!
 لا يحتاج -ضيفنا- إلى تعريفٍ؛ فهو 
«أستاذ 
الأجيال» 
الذي نافَح عن التاريخ الإسلامي، وأسَّس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وانتشرت 
مُؤلَّفاته، وتخطّت اليابسَ والماء! ولعلَّ هذه فرصة ذهبية لنتعرَّف على جانبٍ من 
مواقفهِ الفكرية، واستلهام آراءَه النقدية في قضايا مختلفة، وشائكة أيضًا... وإلى 
التفاصيل: 
البيان: في عدة كتب، وجدنا المفكّر 
«عماد 
الدين خليل» 
حريصًا على الربط بين القرآن الكريم وعِلْم التاريخ... فما مغزى هذا الربط بينَ 
الثابت المقدَّس وبين المتغيّر المُختلَف فيه؟
إذا طالعنا 
«القرآنَ 
الكريم» 
نجده يُخصّص مساحات واسعة قد تزيد عن نصف القرآن، للخبر المتحقّق في الماضي؛ أيْ 
للتاريخ. فقصص الأنبياء والشهداء والصالحين، وكذلك أخبار الأمم والشعوب والجماعات 
والقرى هي حلقات الصراع الطويل بين الحق والباطل، وهي عروض تاريخية تُغذِّي هذا 
الفرع المعرفي بالمزيد من الإضاءات والمفردات.
وفي ختام سورة يوسف نقرأ قوله سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ 
لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي 
بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ 
يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف: ١١١]. فها نحن إذن قبالة التعامل مع التاريخ بكلّ ما ينطوي 
عليه هذا الفرع المعرفي من شروط. فالسرد التاريخي في المنظور القرآني يَستهدف البحث 
عن العِبْرَة، أيْ المَقْصد والمغزى، من أجل بناء العقل المسلم، وهو خطاب مُوجَّه 
لذوي البصيرة القادرين على سَبْر هذا المغزى، والإفادة منه في واقع حياتهم والتخطيط 
والتفكير لمستقبلهم، وليس لذوي المصالح والتَّحزُّبات والأهواء، وهو أيضًا حديث 
يَحمل مصداقيته المطلقة المنبثقة عن عِلْم الله الذي وَسِع كلَّ شيء علمًا. فهو 
-إذن- ليس رجمًا بالغيب، كما أنه ليس أهواءً وظنونًا، كما هو الحال في العديد من 
الأعمال التاريخية.
 والتعامل القرآني مع التاريخ يأخذ صِيَغًا مختلفة تتدرّج بين العرض المباشر والسرد 
القصصي لتجارب عدد من الجماعات البشرية، وبين استخلاص يتميَّز بالتركيز والكثافة 
للسنن التاريخية التي تحكم حركة الإنسان في الزمن والمكان. فإذا ما أضفنا إلى هذا 
وذاك تلك الآيات والمقاطع القرآنية التي يُحدّثنا عنها المفسرون في موضوع 
«أسباب 
النزول»؛ 
استطعنا أن نتبيّن أكثر فأكثر أبعاد المساحات الكبيرة التي منحها القرآن الكريم 
للتاريخ.
 فالقيمة البالغة التي سجَّلها القرآنُ لأحداث التاريخ الماضي لها أبعاد دعوية 
وحضارية عظيمة. فالدرس التاريخي يجب ألَّا ينصرف -فقط- إلى المهمات الدراسية 
الصّرفة والحصول على شهادة أوْ ضمان وظيفة، كما أنه ليس مجرد فرصة للحصول على 
المتعة أوْ تزجية أوقات الفراغ، وليس مجرد محاولة للتعلُّق بأمجاد الماضي وإغفال 
تحديات الحاضر ومطالب المستقبل، أوْ الهروب منهما. ولقد كانت هذه الخطيئة تُمارَس 
على نطاقٍ واسع زمن الصدمة الاستعمارية، فكان المسلم يُدير ظَهْره للمجابهة 
المفروضة عليه ويُيَمِّم وَجْهه صوب أمجاد الماضي وأنواره، يتغنَّى بها ليَسدَّ في 
نفسه نقصًا لم يكن له أيّ فضلٍ في ملئه.
 التاريخ ليس هذا ولا ذاك، وإنما هو محاولة للبحث عن الذات، للعثور على هويتنا 
الضائعة في هذا العالم، إنه محاولة لوضع اليد على نقاط التألُّق الحضاري من أجل 
استعادة الثقة بالذات في ظل الصراع الراهن الذي يتطلّب ثِقلًا نوعيًّا للأمم 
والشعوب، وهي تجد نفسها في مواجهة مدنيَّة الغرب الطاغية، وأعاصيرها المدمّرة.
البيان: هل سيظلّ المسلمون أَسْرى لمرويّاتٍ تاريخية متناقضة وخلافاتٍ مذهبيةٍ 
وطائفية تجاوزها الزمن، والدنيا حولنا تغيَّرت، والعالَم يخطو إلى الأمام خطواتٍ 
حضارية واسعة؟
 هذا ما يمكن تسميته بـ«العبودية 
للتاريخ»! 
فالكثير من أبناء الأمة -من أسف- يَصرفون همّهم كلّه باتجاه معاينة أحداث العصر 
الراشدي من مثل: الردّة والسقيفة والفتنة والجمل وصِفِّين... إلخ، ويَنْسَوْنَ 
المطلبَ الأشدّ إلحاحًا، وهو أن يكونوا في قلب العصر، قادرين على المشاركة في صياغة 
المشروع الحضاري الإسلامي البديل، قُبالة الفراغ الذي أحدَثه تساقط وانهيار المذاهب 
والعقائد الوضعية والدينية المنحرفة.
 هنالك الثوابت المُتَّفَق عليها في كتاب الله وسُنَّة رسوله المعصوم إزاء سيل 
المعطيات التاريخية القَلِقة التي تحتمل الخطأ والصواب... فهل نُحيل على الظَّنيّ 
القَلِق، ونتجاوز اليقيني الثابت؟ أنتشبَّث بالتاريخ ونتجاوز العقيدة والشريعة 
معًا؟ لا سيما إذا عَلِمنا أنَّ التدوين جاء متأخرًا عن وقوع الحوادث، ومنطويًا على 
دور الأهواء والتحزّبات والمصالح والخوف من السلطان والطائفية؛ الأمر الذي دفَع 
العديد من المرويات إلى الانزلاق بعيدًا عن مظانّ الصواب. والقرآن الكريم يُحرّرنا 
مَرَّتَيْن من الارتباط الآسِر بالتاريخ، في آيتيْن من سورة البقرة وبالمفردات 
ذاتها: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ 
وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134، 141]. ولكنّ 
الكثيرين منّا لا يريدون أن ينتبهوا!
 إنَّ الأخطاء التاريخية قَدَر لا بُدَّ منه، وكلّ أُمّةٍ تخطئ مرارًا عبر تاريخها 
الطويل، بلْ إن خَلْق العالَم والإنسان انطوى منذ اللحظة الأُولَى على احتمالات 
الخطأ، تمييزًا له عن عالَم الملائكة: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ 
فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ 
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
 فليس المهم أن نخطئ أوْ لا نخطئ كأُمَّةٍ على مستوى التاريخ، ولكنّ المُهِمّ هو 
مساحة البُعْد الإنساني في تاريخ كل أُمّة... ففي تاريخنا، وبكل المقاييس، أكثر 
المساحات عمقًا وتجذُّرًا واتساعًا، فهناك -على سبيل المثال- ظاهرة الفتوحات كحركة 
تحريرية رفعت شعار الانطلاق إلى العالَم لإخراج الإنسان من ضِيق الدنيا إلى سعتها، 
ومن جوْر الأديان إلى عدل الإسلام... هذه الحركة التي حملت قدرتها على الاستمرار 
لمدى قرون طويلة، وتمكّنت من التجذّر في جلّ الأماكن التي وصلت إليها، لكي تتفوق 
على كل صِيَغ التآكل والانكماش والفناء التي تعرَّضت لها سائر محاولات الانتشار 
والسيطرة في التاريخ البشري.
 وهناك ظاهرة التعامل مع 
«الآخر» 
التي تُمثِّل الوجه الآخر لمسألة الفتح، والتي تحتلّ أهمية بالغة في عصرنا هذا... 
فقد عكف 
«السير 
توماس أرنولد»، 
وهو باحث إنجليزي -مكثَ أربعين سنة على تأليف كتابه (الدعوة إلى الإسلام)، يتابع 
وقائع انتشار الإسلام وتعامله مع المغلوب على مدى ثلاثة عشر قرنًا ونصف، مستمدًّا 
مادته من أدقّ المصادر والوثائق-، يقول في كتابه: 
«إنَّ 
تاريخ الدعوة الإسلامية لم يُسجّل منذ لحظاتها الأولى حتى زمن الانتهاء من تأليف 
الكتاب في الربع الأخير من القرن قبل الماضي، حالةً واحدةً أُكْرِهَ فيها غير 
المسلم على اعتناق الإسلام».
 وهنالك ما يمكن تسميته بالأُممية الإسلامية التي شهدها هذا التاريخ. فلقد مُنِحَت 
كلّ الشعوب والجماعات التي انضوت تحت مظلّة هذا الدين فرصتها في الحياة والتحقّق 
والتعبير عن الذات... حتى سمحت للعبيد والمماليك أن يُواصِلُوا الصعود ويُشكِّلوا 
دولًا، بلْ إنها منحت 
«غير 
المسلمين» 
في بلاد الإسلام حقّهم المشروع في المجاليْن: المدني والديني على السواء.
البيان: الباحثون الذين يقرأون مُؤلّفات 
«عماد 
الدين خليل» 
في الحضارة يأخذونه حجّةً في التاريخ، والأدباء يرونه حجّةً في الأدب، فكيف تمَّ 
الجمع بين هذيْن التخصُّصَيْن، والتألق فيهما؟
 علينا أن نعلم أنَّ هناك اتصالًا بين التاريخ والأدب فيما يُسمَّى بالرواية 
التاريخية والمسرحية التاريخية اللتيْن تستمدان مادتهما الأساسية من وقائع التاريخ 
وأحداثه. لكنَّ التاريخ له منهجه وأسلوبيته، والأدب له منهجه وأسلوبيته، والقراءة 
المتواصلة في السياقيْن هي التي تمنح الوقود للكتابة والإبداع فيهما. 
وقد أُتيح لي أن أُنجِز في التاريخ والحضارة ما يقارب خمسة وعشرين كتابًا، وفي 
الأدب ما يتجاوز أربعين كتابًا (تنظيرًا ونقدًا ودراسةً وإبداعًا في مجال المسرح 
والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلات وأدب الحوار)، وذلك مِنَّة مِن الله 
سبحانه وتعالى.
البيان: هناك دعوة لاعتماد مبدأ 
«التخصُّص» 
في العلوم والمعارف، بدلًا من التشتُّت في ألوان وفروع عديدة من مسارات المعرفة، 
كما كان في العصور السابقة؟
 فكرة الاعتقال في زنزانة التخصُّص وإلغاء التنوّع الثقافي فكرة مرفوضة تمامًا. إذا 
كان الله -سبحانه- قد منَح بعضَ الناس القدرة على العطاء المتنوّع، ذي المستوى 
المتألق في كلّ حقل، فلماذا نصطرع مع سُنن الله، ونمنع الأنهار من أن تتدفَّق، 
والعيون مِن أن تتفجَّر؟!
 إنَّ عصر العقَّاد والمازني والزيات يجب أن يتواصل بخطّ لا ينقطع من المؤلفين 
الذين يكتبون في سائر حقول المعرفة الإنسانية: الأدب، النقد، التاريخ، الفِكْر، 
التراجم والسِّيَر... أيهم قدَّمَ ثقافةً أكثر قيمةً وخصبًا وإمتاعًا، المازني 
والعقاد، أمْ حشود الأكاديميين أصحاب البحوث المتخصّصة الذين لا يكاد أحد يقرأ 
صفحةً في أعمالهم حتى يصيبه الملل والإعياء! المهم ألَّا يكون التنوُّع والانتشار 
على حساب العمق واحترام القواعد العلمية. 
وأستطيع أن أقول: إننا إذا قارنَّا بعض أعمال هؤلاء الشموليين بنظيراتها لدى 
المتخصّصين، تفوقت عليها بكل المقاييس، حتى ما يُعرف بالمعايير الأكاديمية الصرفة، 
وفيما عدا ذلك فهم يتفوقون في كل شيء آخر، بحيث يبدو الفارق بين الصنفيْن أشبه 
بالفارق بين العمالقة والأقزام!
البيان: لماذا تشتعل جذوة الصراع بين القديم والجديد، كلّما ظهرت فلسفة مغايرة أوْ 
نظرية جديدة سواء في الفكر أوْ الأدب أوْ في شؤون الحياة عمومًا؟ 
لا أجدُ مُبرّرًا للصراع بين القديم والجديد، فالحياة في جوهرها مزيج من الثوابت 
والمتغيرات... منظومة من القِيَم القديمة والقِيَم المكتشفة والمضافة. تلك هي واحدة 
من سُنَن الله -سبحانه- في الحياة والوجود. وعلى المُفكِّر أوْ الأديب أن يملك 
دائمًا حسًّا انتقائيًّا يعرف كيف يجمع ويُوفِّق من جهة، وكيف يرفض ويطرح من جهة 
أخرى، دونما ضرورة للصراع أوْ الانحياز صوب ما يُسمَّى دعاة التجديد أوْ الحداثة، 
أوْ صوب مواقع التشبُّث بالقديم.
البيان: لدى البعض حساسية شديدة وتوجُّس إزاء التعامل مع (الآخَر)، قد تصل إلى حد 
النفور والمقاطعة، فهل يصلح هذا الحال في ظِلّ الاشتباك الإعلامي والتبادل الثقافي 
العالمي؟
 ليس هذا هو الصواب، فالتعامل مع معطيات الآخر -وبخاصة الغربيين-، يجب ألَّا يُشكّل 
أيّ عقدةٍ بالنسبة للأديب أوْ الناقد المسلم؛ لأنه لا يعدو أن يكون محاولة لتوظيف 
خبرات الآخَر المناسبة، والتي ثبتت مصداقيتها وقدرتها على العمل في سياق الأنشطة 
الإبداعية والنقدية الإسلامية. وليس من المحتَّم على الأديب المسلم أن يتقبَّل كلّ 
ما يقوله الغير أوْ يكتشفه، وإنما يجب أن يتحقَّق بحاسّة انتقائية تعرف -في ضوء 
المنظور الرؤيوي- ما تأخذ وما تدع.
البيان: إذا كانت 
«الترجمة» 
سيّما في الإبداع لا تَنقِل روح النص -أوْ كما يقال في الغرب عن المترجِم بأنه
«الخائن»-؛ 
فما الداعي للترجمة؟ ولماذا كلّ هذا الحماس نحو الأعمال المُترجَمة؟!
 لغة الترجمة اليوم تُمارس دورًا مزدوجًا؛ أحدهما يبني، والآخَر يهدم، فهي -إذا 
تمَّ التمكُّن من تقنياتها- تضع بين أيدينا خبرات الآخرين الخصبة الغنيَّة، أوْ على 
الأقل تكشفها لنا بما قد تتضمَّنه من سوء وشر يمكن أن نتعلم منه، كما أنها يمكن أن 
تمنحنا خبرات جيدة في مجال اللغويات والبلاغيات ووسائط التوصيل، لكن إذا أُسيء 
التعامل معها، وكان المُترجِم غير مُتمكِّن من أداته، أو متشنّجًا -بسبب من خوفه 
وعجزه- على التشبُّث بالنقل الحرفي، فإننا سنجد أنفسنا قُبالة خطيئتيْن: تشويه النص 
المترجَم وتدمير قدرته على الخطاب، من جهة، وإلحاق الأذى والشروخ في لُغتنا نفسها 
من خلال عدوى التقليد لمنظومة الأخطاء والانحرافات في التقنيات اللغوية التي أساء 
المترجِم التعامل معها من جهة أخرى. 
وإننا لنلحظ عبر العقود الأخيرة، كيف أسهمت الترجمة المنقوصة هذه، في تكوين جيل من 
الأدباء وقفوا عند منتصف الطريق، فلا هم تمكّنوا من 
«عربيتهم» 
الشَّاعرة المُحكَمة، ولا هم أوغلوا في شِعاب الأدبيات واللّسانيات الغربية... وقد 
ضاعوا وهم يرطنون بما هو ليس بعربي على الإطلاق! 
البيان: ما هي النظرة المُثلى للدور المنوط بالمرأة؟ وكيف تأخذ موقعها في الحفاظ 
على القِيَم الأُسرية، ودورها في صناعة الحضارة وبنائها؟
 لا جَرَم أنَّ دور المرأة قد يكون أكثر فاعلية من دور الرجل في الحفاظ على قِيَمنا 
ومشروعنا الحضاري، لأنها المحضن الأساس في تخريج الأجيال الفاعلة في الحياة 
الإسلامية؛ ولأن ضياعها يعني تفكك هذه الحياة وإبحارها في الاتجاه المعاكس الذي 
أراده لها الله سبحانه وتعالى؛ {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ 
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}
[النساء: 27].
 إن الغربيين بعد إنكارهم لمفردات المشروع الإسلامي بخصوص المرأة، عادوا بعد كفاحٍ 
طويل فأذعنوا لمقولاته، في قضايا الطلاق والإنجاب والتربية الأسرية... إلخ. ولطالما 
تساءل المرء: أيهما أكثر انسجامًا وتوافقًا مع قضية المرأة والأسرة: هندسة الإنسان 
أمْ هندسة الله الذي هو أهدَى وأعلَم بمَن خلَق؟! أعتقد أنه بقراءة متأنية لِمَا 
شهده ويشهده الغربُ عبر القرنيْن الأخيريْن، وبسؤال لحشود النساء اللواتي انتمينَ 
لهذا الدين في مختلف الأقطار الغربية... سيتبيّن الجواب!