هل تكون دماج.. القشة التي قصمت ظهر الحوثي؟!

هل تكون دماج.. القشة التي قصمت ظهر الحوثي؟!

 

بعد أن تعثرت جهود اللجنة الرئاسية المخولة بإيقاف الحرب وفك الحصار عن دماج؛ بدأت الأمور تتجه نحو الحسم بطرق عديدة.

فمن جه يعتبرها الحوثيون فرصة سانحة للهجوم على دماج، ومحاولة استئصال الفئة المتبقية التي صمدت خلال الفترة الماضية بجهود وإمكانيات بسيطة جداً، أمام إمكانيات الحوثي التي توازي إمكانيات الدولة.

ومن جهة أخرى فقد تسارعت القبائل من كل محافظات الجمهورية، لخنق الحوثي من الطرق المؤدية إلى صعدة، معلنة عدم التوقف إلا بفك الحصار الشامل والنهائي عن دماج.

وتقول المصادر الخاصة: أن القبائل استطاعت أن تفرض الحصار الخانق على الحوثيين، وجعلته يخوض أكثر من خمس حروب في مناطق متفرقة من البلاد في وقت واحد.. فهو يخوض حرب ضد السلفيين في دماج، وحرب آخري ضد القبائل في حاشد وعذر وعمران، وحربفي منطقة حرض التي تسيطر قبائل على الطريق الموصل إلى صعدة وتمنع دخول الوقود والتموين للحوثي، وحرب في الجبهة الأكثر فتكاً بالحوثي،وهي جبهة كتاف التي يتجمع فيها آلاف من المقاتلين من أبناء القبائل والمناصرين لدماج لدحر الحوثي وفك الحصار عن دماج.

وخلال الشهر الماضي استطاعت القبائل في كتاف أن تزحف إلى الأمام وسيطرت على مساحات جغرافية كبيرة، وغنمت الكثير من السلاح، وسيطرت على بعض المواقع التي كانت تحت قبضة الحوثيين، وسقط خلال تلك المواجهات مئات من مقاتلي الحوثي.

في حين أن القبائل في منطقة حاشد استطاعت أن توقف تمدد الحوثي، إن لم تكن قد تقدمت في مناطق واسعة كان الحوثي يسيطر عليها بداية الأحداث.

وفي حرض استطاعت القبائل أن تخنق الحوثي، حيث سيطرت على الجبال المطلة على المنطقة، وأقامت نقاط التفتيش على الطريق العام، لمنع دخول أي سلاح أو مؤن للحوثي، ومحاولة للتضييق عليه كوسيلة ضغط لفك الحصار عن دماج.

الحوثي وقع في الفخ

حسب الكثير من الخبراء والمحللين فإن الحوثي أستغل ضعف الدولة خلال فترة العملية الانتقالية من أجل التوسع بشكل أفقي، للسيطرة على أكبر رقعة جغرافية مناسبة، يستطيع بعدها أن يفاوض الدولة، ولديه وسائل ضغط متعددة، ومصادر قوة أكثر.

ولذلك كان لدى الحوثي شهوة للتوسع، حيث شن حروبه في أكثر من منطقة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً..وأراد أن يستقطع جزء من محافظة الجوف، وجزء من محافظة حجة، وتوسع باتجاه محافظة عمران وأستطاع أن يصل إلى منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وفي الاتجاه الآخر أراد أن يفرض سلطته على منطقة حرض وميناء ميدي.

لكن الأمر بدأ بعكس ما كان يحلم به، فقد تداعت القبائل من كل المحافظات اليمنية لإيقاف توسعه العسكري المذهبي، حتى بدأت الأصوات ترتفع للمطالبة برفع سلطته على محافظة صعدة التي يسيطر عليها منذ بداية 2011م.

كل الحقائق الموجودة على الأرض تؤكد أن جماعة الحوثي طمعت في التوسع، مستغلة تراجع قوة الدولة لكسب مناطق جديدة تحت سيطرتها؛ إلا أنها وقعت في الفخ عندما جيشت أنصارها لمحاربة اليمنيين في كل جبهة كانت تقودها لتقوية تمددها.

ويرى الكثير أن جماعة الحوثي هدمت ما كانت قد بنته خلال الأعوام الماضية، عندما ارتبطت بالمجتمع ودخلت صنعاء، وسمح لها بممارسة طقوسها واحتفالاتها داخل العاصمة صنعاء، إلا أنها استغلت التغاضي من قبل الدولة والأحزاب السياسية في التسلح العسكري داخل العاصمة وخارجها، وفرض سيطرتها بالقوة على بعض المساجد وبعض المناطق خصوصاً في منطقة الجراف التي أضحت تسمى الضاحية الجنوبية في إشارة إلى تشابه المسمى بضاحية جنوب لبنان التي يسيطر عليها حزب الله ، الأمر الذي جعل المواطنين يخشون من توغلها، ما أدى إلى رفضها ومطالبتها بالكشف عن مشروعها السياسي والتخلي عن العنف, وهو الأمر الذي أثر على سمعة الحركة، حيث خسرت ما جمعته من أصوات شعبية وسكوت قبلي عن أفعالها في الماضي.

وبسبب تلك التصرفات التي أوحت لها أنها ستنقض على اليمن، من أجل أن تعيد الحكم الإمامي الشمولي العنصري السلالي؛ كانت النتيجة سلبية في أرض الواقع حيث سقطت سقوطاً أخلاقياً في حربها لدماج، وسقطت سقوطاً سياسياً في تعاملها مع الحوار الوطني، كما أنها سقطت سقوطاً دولياً بعد أن أصبحت شعاراتها مجرد أقوال تشنجية لا يوثقها أي فعل على أرض الواقع.

خسارة الحوثي من الحرب

على المستوى السياسي لم يعد للحوثي منطق قوة كما كان في السابق، فمن غير الممكن الوثوق بجماعة تشارك في مؤتمر الحوار الوطني، وتدعي انها تطالب بدولة القانون والعدل والحقوق والحريات، في حين أنها تمارس في نفس الوقت القتل والتشريد والظلم لأبناء المناطق التي تسيطر عليها، ولم تكتفي بذلك بل واصلت زحفها على المدن اليمنية لفرض أمرها حاكماً واقعياً عليهم بتهديد القوة والسلاح.

أما على المستوى الشعبي فقد خسرت جماعة الحوثي، كما أسلفنا ما جمعته من شعبية خلال الأعوام الماضية، حيث خسرت كل التضامن الشعبي معها بسبب حروبها التي تشنها على دماج وعلى مناطق عدة.

أما في ساحات الحروب، فقد خسرت الجماعة مئات القتلى وآلاف من الجرحى سقطوا خلال الحروب التي تدور، في دماج، وحاشد، وكتاف، وحرض، وقبلها في منطقة الرضمة.

وغير ذلك، فهي تضع نفسها الآن في حالة طوارئ نتيجة الجبهات الكثيرة التي وقفت ضدها، ونتيجة صمود دماج أمامها، التي بسبب حربها على دماج خسرت الرأي العام العالمي والإعلامي والحقوقي، فقد أدانت أعمالها أغلب منظمات العمل الحقوقية المحلية والدولية.

وعلى مستوى الدولة، فإنها وإن كانت تغض الطرف حالياً على تصرفات الحوثي، لكنها لن تغفل أبداً على محاسبتها في الوقت اللازم، فالدولة في مرحلة ضعف ولا تريد أن تخوض حرب سابعة ضد جماعة الحوثي، ومن جهة أخرى فهناك سيناريو يرى بضرورة الضغط لتحريك قرارات لمجلس الأمن عبر مندوب الأمم المتحدة بن عمر تفرض على الحوثيين اختيار الاندماج السياسي وتسليم السلاح للدولة أو ضمها للقوائم السوداء ضمن لوائح الجماعات الإرهابية.

ماذا خسرت دماج

لا تزال دماج تئن تحت قصف وحصار الحوثي لها منذ أكثر من 70 يوماً، انعدمت فيها مقومات الحياة الإنسانية، وزاد على ذلك القصف الشديد الذي تشنه جماعة الحوثي على المنازل والمساجد.

في آخر احصائية حصلت عليها البيان، فقد وصل عدد القتلى من أبناء دماج 155 قتيلاً منهم 18 طفل، و3 نساء، فيما بلغت حصيلة الجرحى قرابة 405 جريح، منهم 46 طفل، و4 نساء.

وتم تدمير 306 بيت وأصبحت غير صالحة للسكن، كما تم تدمير 6 آبار للمياه، و4 مضخات ماء، وقصف المستشفى الوحيد وتعطيل أغلب الأجهزة فيه.

وقصفت جماعة الحوثي مدرستين إحداهما للبنين والأخرى للبنات، فيما أفسدت أكثر من 20 مزرعة في مناطق متفرقة، وبسبب القصف العنيف تعطلت أكثر من 8 سيارات نقل عامة.

وبالرغم من الخسارة البشرية والمادية التي خسرتها دماج جراء حصار وقصف الحوثي لها، إلا أنها استطاعت أن تكسر شوكة الحوثي، وتغير النظرة الكهنوتية التي كانت تصور الحوثي أنه قوة لا تقهر.

لقد خاضت جماعة الحوثي ست جولات من الحروب ضد الدولة، وفي كل مرة كانت تخرج أقوى، إلا في حربها ضد دماج، فقد خسرت كل شيء، وأصبحت دماج القشة التي كسرت ظهرها، والخنجر المطعون في خاصرتها دون أن تستطيع التخلص منه.

وهو الأمر الذي شجع القبائل للتوافد من كل المحافظات لفتح جبهات في كتاف وحرض وحاشد لمواصلة فك الحصار عن دماج.. ومن يدري قد تتحول الأمور في حال تم دعم تلك الجبهات إلى الزحف إلى صعدة لفك الحصار عنها بأكملها، وليس عن دماج فحسب.


أعلى