• - الموافق2025/02/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الزواج والأسرة.. ضرورة (عرض البنات على الأكفاء)

أيها المسلمون: من الناس من يظلم ابنته فيعرضها على ذوي جاه أو مال لا يُرضى دينهم ولا خلقهم، فيظلمها، وقد لا ترضاهم فيجبرها عليهم، ويبيعها لهم، وهذا ما نصح لها، بل أهلكها معنويا لصالح نفسه، ويبوء بإثمها، وقد حرَّج النبي صلى الله عليه وسلم حق المرأة لضعفها.


الحمد لله العليم الحكيم، العزيز الرحيم؛ خلق فأبدع، وشرع فأحكم، وقدر فرحم، واستُغفر فغفر، وسئل فأعطى، ودعي فأجاب، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يخيب من رجاه، ولا يضل من هداه، ولا يحرم من أعطاه، وهو البر الرحيم، الجواد الكريم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان أتقى الناس وأخشاهم لله تعالى، وكان ينام ويصلي، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، وحبب إليه من الدنيا الطيب والنساء، وجعل قرة عينه في الصلاة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه في كل شئونكم؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: 8 - 9].

أيها الناس: من التوفيق للشباب والفتيات الإقبال على الزواج؛ حيث العفة والمودة والرحمة، ومن أسباب قوة الأمم وفتوتها انتشار الزواج فيها؛ حيث الطهارة والنقاء والتكاثر بالطريق المشروعة؛ فإن الزواج نصف الدين للفتى والفتاة.

ومن حسن تدبير الآباء والأولياء إذا بلغ بناتهم مبلغ الزواج أن يسعوا في زواجهن، وييسروا الطرق لذلك، ويذللوا الصعاب لأجله، ولو أن ينفق أحدهم من ماله، ولو أن يعرضوا بناتهم على من يُرضى دينه وخلقه، فقد فعل ذلك أكابر الناس في القديم والحديث، ولم يجدوا فيه غضاضة؛ فإن الرجل الشهم النبيل، المتخلق بأخلاق الدين؛ يأمنه الأب على ابنته، ولو لم يكن له حظ من نسب أو جاه أو مال؛ فإن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها. بخلاف ضعيف الدين، سيء الخلق، قليل المروءة؛ فإنه لو وَزن البنت بالذهب لشقيت معه عمرها كله؛ لضعف دينه، وسوء خلقه.

وعرض الشيخ الصالح ابنته على موسى عليه السلام مقابل خدمته ورعي الغنم ثماني سنوات وجوبا ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: 27- 28]، قال القرطبي: «فِيهِ عَرْضُ الولي ابنته عَلَى الرَّجُلِ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، عَرَضَ صَالِحُ مَدْيَنَ ابْنَتَهُ عَلَى صَالِحِ بَنِي إِسْرَائِيلَ... وَعَرَضَتِ الْمَوْهُوبَةُ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنَ الْحَسَنِ عَرْضُ الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ، وَالْمَرْأَةُ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ، اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ».

وممن عرض ابنته على الأكفاء للزواج: عمر رضي الله عنه قَالَ: «أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، وَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ قَالَ عُمَرُ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْتُهَا» رواه البخاري.

وممن عرض ابنته على الأكفاء للزواج: عثمان رضي الله عنه قَالَ لابن مسعود: «هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا، تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟»، وفي رواية «هَلْ لَكَ فِي فَتَاةٍ أُزَوِّجُكَهَا؟» فرده ابن مسعود ردا لطيفا يخبره بأنه لا رغبة له، فقال: لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه الشيخان.

وممن عرض ابنته على الأكفاء للزواج: علي بن أبي طالب رضي الله عنه عرض ابنة عمه حمزة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ رضي الله عنه: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ تَنَوَّقُ فِي قُرَيْشٍ وَتَدَعُنَا؟ فَقَالَ: وَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، بِنْتُ حَمْزَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ» رواه مسلم.

وممن عرض ابنته على الأكفاء للزواج: إمام التابعين، وعالم المدينة في وقته، سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى، وكانت له ابنة من أجمل النساء وأعزهن نسبا، وورثت علم أبيها وخلقه ودينه، فخطبها الخليفة عبد الملك بن مروان لابنه الوليد فأبى سعيد أن يزوجه إياها، حتى أوذي بسبب ذلك، وكان يحضر درسه ابن أبي وداعة، وكان فقيرا رث الهيئة، قال ابْنُ أَبِي وَدَاعَةَ: «كُنْتُ أُجَالِسُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَفَقَدَنِي أَيَّامًا فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ قَالَ: تُوُفِّيَتْ أَهْلِي فَاشْتَغَلْتُ بِهَا، فَقَالَ: أَلَا أَخْبَرْتَنَا فَشَهِدْنَاهَا؟ قَالَ: ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ فَقَالَ: هَلِ اسْتَحْدَثْتَ امْرَأَةً؟ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَمَنْ يُزَوِّجُنِي وَمَا أَمْلِكُ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً؟ فَقَالَ: أَنَا، فَقُلْتُ: أَوَ تَفْعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ حَمِدَ اللهَ تَعَالَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَّجَنِي عَلَى دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ» رواه أبو نعيم.

وممن عرض ابنته على الأكفاء للزواج: العالم الحنفي علاء الدين السمرقندي، كان له ابنة حسناء، أخذت الفقه عن أبيها، وخطبها بعض الملوك لحسنها وعلمها وأدبها فلم يزوجهم، وكان علاء الدين الكاساني تلميذا للسمرقندي، وشرح كتابه (تحفة الفقهاء) وعرضه على شيخه السمرقندي، فأعجب بفقهه ودقته في العلم والتأليف، فجعل كتابه مهرا لابنته الحسناء، وزوجها إياه برضاها، حتى قيل (شرح تحفته، وتزوج ابنته) فبقي ذكرها بذكر الكتاب، وبقيت قصته، وذهبت أخبار الملوك الذين خطبوها.

نسأل الله تعالى الصلاح لنا ولأبنائنا وبناتنا وأولاد المسلمين كافة، وأن يجعلهم قرة أعين لوالديهم، وأن ينفع بهم الإسلام والمسلمين، إنه سميع مجيب.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

  الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].

أيها المسلمون: من الناس من يظلم ابنته فيعرضها على ذوي جاه أو مال لا يُرضى دينهم ولا خلقهم، فيظلمها، وقد لا ترضاهم فيجبرها عليهم، ويبيعها لهم، وهذا ما نصح لها، بل أهلكها معنويا لصالح نفسه، ويبوء بإثمها، وقد حرَّج النبي صلى الله عليه وسلم حق المرأة لضعفها.

وإذا كان للولي أن يعرض ابنته على الكفء من الرجال؛ فإن للمرأة أن تعرض نفسها عليه، كما عرضت خديجة رضي الله عنها نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم لما رأت أمانته وصدقه، قال إمام السير ابن إسحاق: «وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ؛ بَعَثَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا بن عَمِّ. إنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِيكَ لِقَرَابَتِكَ، وَسِطَتِكَ -أي شرفك- فِي قَوْمِكَ وَأَمَانَتِكَ وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِدْقِ حَدِيثِكَ، ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا».

وعن ثَابِتٍ البُنَانِيِّ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَاسَوْأَتَاهْ وَاسَوْأَتَاهْ، قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا» رواه البخاري وبوب عليه فقال: «بَابُ عَرْضِ المَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ».

والأولى أن تعرض ذلك على وليها كما فعلت ابنة الرجل الصالح حين قالت ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: 26].

ومن الشباب والفتيات من يتساهلون في التواصل بينهم عبر وسائل التواصل الجماعي، بحجة أنها تريد أن تفهمه ويفهمها، ثم بعد أن يوقعها في شباكه يتخلى عنها، وقد يوقعها في الحرام، وقد يصلان إلى كبيرة الزنا، فلا يحل للشاب أن يلعب ببنات الناس، ومن فعل ذلك سُلط على محارمه من يلعب بهن. وقد يكون الشاب صادقا مع الفتاة في طلبها للزواج، ولكن يحول أهله أو أهلها دون ذلك لسبب من الأسباب؛ ولذا فإنه يحرم على الشباب والفتيات التمادي في التواصل، ولو كان لأجل الزواج؛ لأن تكرار التواصل يكسر الحياء، ويزيل الحواجز، ويغري بالإثم من القول أو الفعل، والشيطان حاضر، والرقيب من البشر غائب، والإيمان يضعف «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ».

وصلوا وسلموا على نبيكم....

أعلى