• - الموافق2025/01/02م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التحديات الإقليمية وآفاق سقوط نظام بشار

لقد مثل السقوط السريع للنظام الوري مفاجأة لم يكن يتوقعها أكبر الحالمين، ولهذا سيكون لنا وقفة مع سوريا الجديدة وأبرز التحديات والآفاق التي تنتظر مستقبلها، مع التعريج على مصالح تركيا الجارة الحدودية لسوريا من هذا المتغير الإقليمي في المنطقة.


إن زوال نظام بشار الأسد خلال 12 يومًا بعد أن جثم على صدر الشعب السوري لأكثر من خمسة عقود، كان حدثاً فارقًا بمثابة قبلة الحياة لهذا الشعب الذي تشرد لسنوات يعاني فيها الأهوال والشتات في مختلف البقاع، وها هو الشعب السوري الحر اليوم ينتصر على نظام قام على حكم عائلي اغتصب السياسة في البلاد واحتكر مواردها، مخلفًا ملايين من الضحايا القتلى والسجناء والمهجرين والمنفيين على مدار أكثر من خمسين عامًا.

ومع سقوط نظام الأسد، تبدو تركيا في موقع إستراتيجي يجعلها من أكبر المستفيدين من انتصار المعارضة السورية، بالنظر إلى أولوياتها الإستراتيجية المتمثلة في تأمين حدودها ومعالجة قضية اللاجئين، وهو ما يسمح لأنقرة أن تجني مكاسب كبيرة، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية والدولية.

ولكن يبقى مستقبل هذا الانتصار مرهونًا بقدرة تركيا على ترجمة مكاسبها الميدانية إلى ترتيبات سياسية تضمن مصالحها، خاصة في ظل التحديات المعقدة التي تواجهها في الداخل السوري وعلى مستوى الإقليم ككل.

وفي أول تعليق تركي بعد سقوط نظام الأسد، قال وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان"، إن حقبة عدم الاستقرار التي عاشتها سوريا على مدى 14 عامًا قد انتهت، مشيرًا إلى أن بلاده تعتزم العمل مع الإدارة الجديدة لضمان نجاح المرحلة الانتقالية.

وأفاد فيدان في مؤتمر صحفي عقده في الدوحة، بأنه لم تكن هناك أي اتصالات مع الأسد في أيامه الأخيرة، وأشار إلى أن الرئيس التركي أردوغان، مد يده للنظام للوصول إلى الوحدة الوطنية والسلام ولكن رفض الأسد ذلك.

وصرح الوزير التركي بأن النظام لم يستغل الفرصة التي أتاحتها عملية أستانة منذ تجميد الحرب في 2016، ورأى أن النظام لم يهتم بالمشكلات التي تواجه الشعب، واتضح أن هناك عدم قدرة مؤسساتية على التعامل مع كثير من القضايا رغم توافر الوقت لمعالجتها لكن النظام لم يفعل ذلك، حسب تعبيره.

تلاقي المصالح

إن المعارضة السورية تتقاطع مصالحها حتمًا مع مصالح تركيا في عودة اللاجئين إلى مدنهم، ولا يمكن بحال من الأحوال اعتبار كل المعارضة السورية أداة في يد تركيا، حيث إن الثورات بطبيعتها مسار ممتد في الزمن وديناميات متغيرة ومعقدة حسب السياقات ووضعية العناصر الفاعلة فيها والداعمة لها من جهة، ووضعية الأطراف التي تسعى إلى وأدها وخنقها من جهة أخرى.

 

تدرك السلطات الجديدة للبلاد أبعاد وجود الدولة العميقة وبقايا الأجهزة الأمنية والمخابرات التي كانت تحكم سوريا، مما يأتي على رأس المخاطر في المرحلة القادمة لسوريا الجديدة.

وبالنظر إلى المرحلة السابقة، فإن عدم استجابة النظام السوري للتفاوض مع تركيا من أجل عودة اللاجئين وانتقال سلمي للسلطة، قد حفز المعارضة السورية لإطلاق عمليتها العسكرية، كما أنه قد أعطي مشروعية للتدخل التركي؛ بسبب تداخل جغرافيتها مع الشمال السوري، ودعمها المادي والسياسي للمهاجرين على الحدود وفي الداخل التركي، وبالتالي فالمسألة أصبحت جزءًا من أمنها القومي.

لذلك فإن ما تحقق من نجاح لعملية "ردع العدوان" التي استمرت على مدار 11 يومًا سواء كان بتخطيط مستقل من المعارضة أو بإيعاز تركي، فإنه يعبر عن ذكاء إستراتيجي وقد خدم المسألة السورية في نهاية المطاف، وهذه هي الحلقة الأهم في هذا الملف برمته.

الحكومة الجديدة تسابق الزمن

تسابق حكومة تصريف الأعمال في سوريا المُشكّلة بقيادة محمد البشير -الذي قاد "حكومة إنقاذ" من قبل في إدلب- الزمن، حيث إنها ستستمر حتى شهر مارس المقبل، وخلال هذه المدة القصيرة -قرابة 100 يومًا فقط- يجب عليها أن تعمل بجد لـ"ضبط الأمن" و"الحفاظ على استقرار المؤسسات"، و"ضمان عدم تفكك الدولة"، في الوقت الذي يتحرك فيه المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة للاعتراف بها ودعم مصالحها في أعقاب انهيار نظام "بشار الأسد".

وذكر رئيس الوزراء الجديد في سوريا "محمد البشير" أنه يسعى لإعادة ملايين اللاجئين السوريين وحماية جميع المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية، لكنه أقر بصعوبة تحقيق ذلك مع افتقار البلاد للعملة الأجنبية، وأضاف لصحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، أن خزائن الدولة لا تحوي إلا نقودًا بالعملة السورية، وهي لا تساوي شيئًا يذكر بالدولار.

وأضاف البشير أن سوريا ليس لديها حاليًا سيولة بالعملات الأجنبية، مشيرًا إلى أن الحكومة مازالت تجمع بيانات عن القروض والسندات، في ظل وضع اقتصادي ومالي بالغ السوء بالبلاد.

خطر الدولة العميقة

تدرك السلطات الجديدة للبلاد أبعاد وجود الدولة العميقة وبقايا الأجهزة الأمنية والمخابرات التي كانت تحكم سوريا، مما يأتي على رأس المخاطر في المرحلة القادمة لسوريا الجديدة.

ومما يزيد من خطورة هذا الملف أن ما يمكن أن يوصف بالدولة العميقة في سوريا يختلف عن غيرها من الدول؛ نظرًا لهروب أو اختفاء جزء كبير من قادة ومسؤولي النظام السابق بسبب حالة السيولة التي كانت تدار بها البلاد، في ظل غياب حقيقي لمؤسسات الدولة.

تحديات أمنية

كشف تحذير وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" من استغلال الوضع الحالي من قبل التنظيمات الإرهابية مثل "تنظيم الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني"، عن ملف آخر وتحديًا أمنيًا للسلطات الجديدة في البلاد.

كما برز من تصريحات البشير أن الأولوية في المرحلة الحالية هي ضبط الأمن بكافة المدن وعودة الاستقرار، متعهدًا بالإعلان خلال أيام عن التشكيلة الكاملة للحكومة المؤقتة.

ومن جهة أخرى، برز ملف "تهريب المخدرات" الذي كشف تورط عائلة الأسد في تجارة الكبتاغون كملف خطير تعاني منه سوريا، بالإضافة إلى ما ينتج عن ذلك من جرائم ومخاطر كنتيجة حتمية للفقر وسوء الأحوال الاقتصادية.

 

أكد وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" أن بلاده أقنعت كلًا من روسيا وإيران بعدم التدخل عسكريًا في سوريا خلال هجوم الفصائل المعارضة المسلحة، الذي أدى إلى إسقاط الرئيس المخلوع "بشار الأسد".

المواجهة مع إسرائيل

مع انهيار نظام الأسد، سارعت إسرائيل إلى تكثيف عملياتها العسكرية داخل الأراضي السورية وتعزيز وجودها في الجولان المحتل، حيث توغلت في المنطقة العازلة المقرة وفق اتفاقية عام 1974.

ومع هروب الرئيس المخلوع "بشار الأسد" من دمشق، بدأ الجيش الإسرائيلي توغلًا بريًا اجتاز على إثره خط فض الاشتباك مع سوريا، وسيطر على عدد من النقاط، بعضها يقع على مرتفعات في جبل الشيخ.

والجدير بالذكر أنه على مدى السنوات الماضية، نفذت إسرائيل عشرات الضربات الجوية ضد أهداف في سوريا، مؤكدة أنها تابعة لإيران ومليشيات حزب الله، ولهذا فإن الدور الإسرائيلي في سوريا لم يكن فقط عسكريًا بل سياسيًا أيضا، حيث أشارت تصريحات مسؤولين إسرائيليين مثل وزير الخارجية "غدعون ساعر" إلى أن وجود القوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية يهدف إلى ضمان أمن إسرائيل خلال فترة الارتباك بعد سقوط الأسد، ولهذا فإن شكل العلاقة مع إسرائيل يمثل تحديًا للحكومة السورية الحالية والمقبلة على مستوى الأبعاد العسكرية والسياسية والدبلوماسية.

التحدي الأمريكي.. التوازن بين المصالح والضغوط

من جانبها، تنظر الولايات المتحدة إلى سوريا من زاوية أوسع تتعلق بمصالحها الإقليمية والعالمية، فالسياسة الأمريكية تجاه سوريا ارتبطت بـ3 محاور رئيسية هي:

1. محاربة الإرهاب.

2. احتواء النفوذ الإيراني.

3. ضمان استقرار مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.

وفي تصريحات سابقة لـ"جيمس جيفري" المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، أشار إلى أن "الولايات المتحدة تدعم أي حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوري، لكن يجب أن يضمن قطع علاقات سوريا مع إيران"، وهذا الموقف يعكس رغبة واشنطن في التأثير على هوية أي حكومة سورية قادمة من خلال فرض شروطها.

إضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الأمريكية مثل قانون "قيصر" تمثل تحديًا كبيرًا لأي حكومة سورية جديدة، فهذه العقوبات لا تستهدف فقط النظام الحالي، بل تمتد إلى أي كيان يتعامل مع الحكومة السورية، مما يضع المعارضة أمام خيار صعب بين تأمين دعم دولي لإعادة الإعمار أو مواجهة قيود اقتصادية خانقة.

وفي هذا الإطار يقول "جون فاينر" نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي إن بلاده لا تزال تدرس كيفية التعامل مع قوى المعارضة، ورأى أنه من الأفضل التريث باتخاذ قرار بشأنها لحين معرفة ما ستفعله هذه التنظيمات؛ لأن القرارات بشأنها لا بد أن تستند إلى حقائق.

اعتراف تركي

أكد وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" أن بلاده أقنعت كلًا من روسيا وإيران بعدم التدخل عسكريًا في سوريا خلال هجوم الفصائل المعارضة المسلحة، الذي أدى إلى إسقاط الرئيس المخلوع "بشار الأسد".

وقال فيدان في مقابلة مع قناة "إن تي في" التركية إن "الأمر الأكثر أهمية قضى بالتحدث إلى الروس والإيرانيين، والتأكد من أنهم لن يتدخلوا عسكريًا في المعادلة، تحدثنا معهم وقد تفهموا الأمر".

وأضاف فيدان "بهدف الإقلال قدر الإمكان من الخسائر في الأرواح، سعينا لتحقيق الهدف من دون سفك دماء، عبر مواصلة مفاوضات محددة الهدف مع لاعبَين اثنين مهمين قادرين على استخدام القوة".

واعتبر الوزير التركي أنه لو تلقى الأسد دعم روسيا وإيران، لكان "انتصار المعارضة استغرق وقتًا طويلًا، وكان هذا الأمر سيكون دمويا"، وفق تعبيره.

وقال أيضًا "لكن الروس والإيرانيين رأوا أن هذا الأمر لم يعد له أي معنى، وأن الرجل الذي استثمروا فيه لم يعد يستحق الاستثمار، فضلًا عن ذلك فإن الظروف في المنطقة وكذلك في العالم لم تعد هي نفسها".

مكاسب تركيا

إن تركيا كانت واحدة من الدول القليلة التي استمرت في دعم المعارضة السورية عسكريا على مدى 13 عامًا، مما وضعها في مقدمة الأطراف الرابحة في هذا النزاع المعقد، وقد ركزت بشكل أساسي على قضيتين حيويتين خلال هذه الفترة: معالجة ملف اللاجئين السوريين، والتصدي لتهديد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية.

وكلا الملفين شهدا تقدمًا ملحوظًا، فاللاجئون بدؤوا بالعودة تدريجيًا إلى ديارهم، وقد تضاءلت فرص بقاء التنظيمات المسلحة في سوريا بشكل كبير، مما يعكس نجاحًا كبيرًا للسياسات التركية في هذا الإطار.

الناظر للمشهد بشكل عام سيجد أن التحولات الإقليمية بما في ذلك تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، تمثل فرصة إستراتيجية لتركيا لتعزيز دورها جنوبًا، وهو ما يمهد الطريق لنظام جديد في سوريا، يمكن أن يتسع فيه نفوذ أنقرة بشكل غير مسبوق.

بلا شك أن تركيا ستكون لاعبًا رئيسيًا في المرحلة المقبلة، حيث ستعمل على حماية مكتسباتها التي تحققت عبر السنوات الماضية في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة.

 لن تقبل تركيا ببقاء قوات تنظيم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال سوريا كقوة دائمة، أو السماح لها بالسيطرة على أراض هناك، حيث تعتبر أنقرة هذه المسألة مبدأ أساسيًا لا يمكن التفاوض بشأنه، واستمرار محاولات التنظيم التشبث بالمنطقة قد يدفع تركيا للتدخل العسكري بالتعاون مع قوى المعارضة، بهدف حماية أمنها القومي واستقرار المنطقة الحدودية.

كما أن موقف واشنطن من هذه القضية أصبح لا يحمل أهمية كبرى بالنسبة لأنقرة؛ لأن تركيا ترى أن الوجود الأمريكي في المنطقة مؤقت، ومن المحتمل أن ينتهي في أي وقت سواء في المستقبل القريب أو البعيد.

ولذلك تركز أنقرة على حماية مصالحها القومية بعيدًا عن الاعتبارات الأمريكية، وتستعد للقيام بأي إجراء تراه ضروريًا بالنسبة لها، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية إذا شعرت بتهديد مباشر لأمنها القومي.

وتأتي تخوفات تركيا في ظل موقف متعنت من تنظيم "قسد" حيث يرفض تسليم المدن والمناطق الواقعة تحت سيطرته للحكومة السورية الجديدة بدعوى أن هذه المناطق تابعة لإدارته الذاتية، ومن المعلوم أن هذا التنظيم المسلح تصنفه تركيا منذ زمن بعيد على أنه تنظيمًا "إرهابيًا"، وقد قامت قواته بتنظيم عدد من العمليات المسلحة ضد تركيا انطلاقًا من الأراضي السورية.

كلمة أخيرة

في ظل هذه التحديات الحالية نتيجة لتركة الفساد الكبيرة التي خلفها النظام المجرم البائد، تجد المعارضة السورية نفسها في وضع لا تحسد عليه، فمن جهة تحتاج إلى بناء علاقات مع الولايات المتحدة لضمان الاعتراف الدولي والدعم السياسي، ومن جهة أخرى تواجه ضغوطًا داخلية من قبل الشعب السوري والمكونات الوطنية الأخرى، التي ترفض أي تنازلات تتعلق بالسيادة الوطنية أو القبول بشروط قد تؤثر على الاستقلال السياسي للبلاد.

إضافة إلى تحدٍ آخر لا يقل أهمية عن سابقه ويتمثل في وجود تنظيم "قسد" العدو اللدود لتركيا، وهو التنظيم الذي يتبع لأمريكا وينصاع لأوامرها أملًا في الظفر بدولة كردية كما يحلم، وبالتالي فإن الحكومة السورية الجديدة تكاد تكون محاطة بمجموعة من الأخطار والتحديات، التي ستتطلب منها مزيدًا من الحكمة والتروي لتخطي المرحلة الانتقالية دون خسائر كبيرة في الاستقلال السياسي والسيطرة الأمنية.

أعلى