• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha

" إسرائيل " تستعد لما بعد الحقبة الأمريكية



لا خلاف في الكيان الصهيوني على تراجع مكانة الولايات المتحدة الإقليمية والعالمية، ولا خلاف أيضاً على أن المصالح " الإسرائيلية " مرشحة للتضرر بشكل جدي بسبب التحولات على مكانة الولايات المتحدة؛ وفي الوقت ذاته هناك جدل مستعر داخل أروقة صناع القرار والنخب الصهيونية حول آليات التعاطي مع الواقع الجديد. بمعنى أن هناك توافق صهيوني على أعراض المشكلة؛ لكن هناك اختلاف واضح على طرائق العلاج.

أوباما يتبنى نظرية والاس

في تل أبيب يرون إن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما ترغب في تقليص تدخلها في الشؤون العالمية والإقليمية، وهذا قد يدفعها إلى حد عدم التحرك للحفاظ على مصالح حلفائها وحلفاء الغرب. وفي تل أبيب هناك من يرى أن أوباما بعث الحياة في نظرية وزير الخزانة الأمريكية الأسبق والاس، الذي تحدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية عن ضرورة انطواء واشنطن على ذاتها، مشدداً على أن الولايات المتحدة ليس بمقدورها تحمل أعباء مواجهة تحديات وأخطار في كل مكان، وأنه لا يمكنها منح حلفائها الدعم في كل وقت. وإن كان الرئيس ترومان التي خدم في إدارته الوزير والاس لم يتبنى تصوره، فإن الإسرائيليين يرون أن أوباما بات يتبنى تصور والاس بشكل واضح، حيث تدل سياساته على أنه لا يرغب في صد كل محاولة لضعضعة الاستقرار ولا سيما في مناطق عُرفت بأنها حيوية من جهة عسكرية أو سياسية لأمن الولايات المتحدة وشريكاتها وراء البحار. ليس هذا فحسب، بل أن الإدارة الأمريكية في عهد أوباما تتبنى ما يعرف بـ " الحد الأدنى المتمايز "،  الذي يعني تقليص. التدخل الامريكي وراء البحار بشكل كبير. وفي الكيان الصهيوني يرون أو أوباما تجاوز والاس وأخذ يتبنى نهجاً أكثر تحفظاً للتدخل في الشؤون العالمية والإقليمية، حيث تشير النخب الصهيونية إلى أنه بخلاف أوباما، فإن والاس أوضح أن نهج الانطواء على الذات سيتغير في حال تعرضت مصالح الولايات المتحدة الحيوية للخطر.

دلالات التعاطي مع الملف الإيراني

إن كان الكيان الصهيوني يعبر عن رضاه عن دور أوباما في تأمين مصالح " إسرائيل " في سوريا عبر ضغطه من أجل التوصل لاتفاق نزع السلاح الكيماوي الذي توصلت إليه موسكو وواشنطن، فإن تل أبيب تسجل أيضاً تردد أوباما الكبير في الملف السوري، وحقيقة أن الأغلبية الساحقة من الأمريكيين كانت ترفض القيام بعمل عسكري ضد نظام الأسد. وهذا ما يضاعف المخاوف لدى صناع القرار في تل أبيب بشأن دلالات التعاطي الأمريكي مع الملف الإيراني، الذي وصل ذروته في التوصل لاتفاق جنيف الأخير بين إيران والغرب. وتبدي النخب الصهيونية مخاوف جدية إزاء السلوك الأمريكي تجاه إيران، وإنها ترى في ميل أوباما للتوصل لتفاهمات مع طهران على أنه أوضح مؤشر على تبني عقيدة والاس. وهناك الكثير من الشواهد التي تقدمها النخب الصهيونية لتدلل على اتفاق جنيف الأخير الذي تم التوصل إليه مؤخراً بين إيران والغرب يعكس في الواقع بداية تشكل نظام عالمي جديد، ويشيرون إلى الاتفاق مع إيران يعكس في الواقع توجه نحو توزيع القوة والنفوذ في العالم، وهذا ما يشكل دليلاً آخر على عدم استعداد الولايات المتحدة للاستمرار في فرض تصورها لواقع العالم باعتبارها القوة العظمى المهيمنة.

تداعيات الانشغال في الشؤون الداخلية

إن أكثر ما يقلق الصهاينة حقيقة أن أوباما يستغل رغبة الرأي العام الأمريكي في التركيز على على حل المشاكل الداخلية، سيما الاقتصادية والاجتماعية والصحية. ليس هذا فحسب، بل أنهم في تل أبيب يدركون أن أوباما في الواقع يعي أن الأمريكيين غير مستعدين للعودة لمغامرات سلفه بوش، ويرغبون بدلاً من ذلك والانكباب على حل وضع حلول للتحديات الاقتصادية. من هنا، فقد كانت تلك مفاجأة من العيار الثقيل عندما طالب السيناتور الجمهوري راند بول بتقليص حجم المساعدات الأمريكية للكيان الصهيوني. لم يكن مصدر المفاجأة يعود فقط إلى مجرد أن يصدر مثل هذا التصريح عن سيناتور أمريكي؛ بل أيضاً لأنه صدر عن أحد قادة الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، التي تحاول أن تصر في كل مناسبة على التشديد على أهمية الالتزام الأمريكي بدعم " إسرائيل " اقتصادياً وعسكرياً. وأكثر ما أثار استهجان النخبة الصهيونية حقيقة أن بول اختار أن يعبر عن موقفه في مطلع زيارة قام بها مؤخراً لإسرائيل. إن الحجة التي قدمها بول لتبرير مطالبته تعكس إلى حد ما طابع الجدل الذي يحتدم في الولايات المتحدة حول ما إذا كانت إسرائيل تمثل ذخراً للولايات المتحدة أم عبئاً استراتيجيا عليها. وقد تساءل بول: " كيف بإمكان الولايات المتحدة أن تواصل تقديم الدعم المالي لإسرائيل على هذا النحو؛ في الوقت الذي تقترض فيه 50 ألف دولار كل ثانية من الصين لسد العجز في موازنتها.

التحولات في مصادر الطاقة

إن أحد القضايا التي باتت تستحوذ على الجدل الإسرائيلي الداخلي، وتغذي القلق الصهيوني بشأن مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة هو التحول الاقتصادي الهائل، الذي يحدث في الولايات المتحدة، والمتمثل في ثورة " الغاز الصخري "، والتي من المتوقع أن تضمن للولايات المتحدة اكتفاءها الذاتي من النفط والغاز بحلول العام 2016؛ أي أن هذا التطور يعني استغناء الولايات المتحدة عن مصادر الطاقة في الشرق العربي. ولا خلاف في إسرائيل على أنه في حال تحققت هذه التنبؤات، فإنها تعتبر تطوراً إستراتيجياً سلبياً على إسرائيل. وحسب المنطق الإسرائيلي، فإنه في حال استغنت الولايات المتحدة عن مصادر الطاقة في العالم العربي، فإن هذا يعني المس بمكانة إسرائيل الإستراتيجية لدى الولايات المتحدة، ولن يكون هناك ثمة حاجة لدورها كشرطي يعمل لصالح الأمريكيين. وهنا علينا أن نذكر ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون في مقابلة مع قناة التلفزة الأمريكية " سي.أن.أن " عندما سئل عن حجم الثمن الاقتصادي الذي تدفع الولايات المتحدة لإسرائيل. فجاء رد شارون بسيطاً ومباشراً، حيث قال: " إسرائيل هي بمثابة حاملة طائرات ثابتة تعمل لصالح الولايات المتحدة في المنطقة". ومما لا شك فيه أن ما يفاقم حجم الأعباء التي تفرضها إسرائيل على كاهل الولايات المتحدة أنها تأتي متزامنة مع التحول الذي طرأ على سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما. فمن المعروف، أن الولايات المتحدة باتت ترى في منطقة جنوب شرق آسيا الحيز الجيوستراتيجي الأكثر أهمية بالنسبة لها، والذي يتوجب أن تركز جهودها من أجل منع الصين من الاستحواذ عليه؛ وذلك حفاظاً على مصالحها الاقتصادية بشكل أساسي. وقد زادت أهمية هذه المنطقة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الولايات المتحدة. ومن نافلة القول أن هذا التحول يقتضي أن يتقلص مستوى اهتمام واشنطن بمنطقة الشرق الأوسط؛ مما يعني أنه عندما تطالب تل أبيب واشنطن بمواصلة تركيز اهتمامها على المنطقة بما يخدم مصالحها فقط؛ فإن هذا يتناقض مع المصالح الأمريكية؛ وهذا بحد ذاته يعكس حقيقة أن إسرائيل باتت بالفعل عبئاً استراتيجياً على الولايات المتحدة.

مخاطر التوجهات الانعزالية

ويسجلون في إسرائيل بقلق كبير تعاظم الدعوات داخل النخب الأمريكية لتبني سياسة انعزالية على صعيد العلاقات الخارجية وانكفاء الولايات المتحدة على ذاتها والاهتمام بشؤونها الخاصة. أن ما يقلق الإسرائيليين بشكل خاص حقيقة أن الذين يتشبثون بهذه الدعوات هي النخب المحسوبة تحديداً على اليمين العلماني في الولايات المتحدة. ومن الواضح أن تبني هذا النمط من السلوك الإستراتيجي لا يصب في صالح إسرائيل، التي تقتضي مصلحتها أن تواصل الولايات المتحدة دورها و اهتمامها بالشأن العالمي، لأنها تستفيد من هذا الدور. أن أكثر ما أثار انزعاج النخب الإسرائيلية في هذا الصدد هو صدور كتاب " القوة الحكيمة "، لمؤلفه تيد كريفنتر، والصادر عن مركز " كاتو "، والذي يؤصل لمذهب لمذهب جديد في السياسة الخارجية الأمريكية قوامه: النأي عن الاهتمام بشؤون العالم، علاوة على تضمينه انتقادات حادة لسلوك اللوبي اليهودي؛ مع العلم أن المؤلف محسوب على نخب اليمين العلماني الأمريكي.

منطلقات أنانية

ومن الواضح أن منطلقات العتب الصهيوني على أوباما ونهجه منطلقات أنانية بامتياز، فصناع القرار والنخب في تل أبيب ترغب في أن يتجاهل أوباما المصالح الأمريكية وأن ينصب فقط على صياغة سياسات أمريكا الخارجية على هدي المصالح " الإسرائيلية "، هذا ما يدلل عليه الجدل الصهيوني. فإن ثبت فشل التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان ومواقع أخرى، فهذا لا يقلق الإسرائيليين، وهم يطالبون بأن يتعاطى أوباما مع الشؤون العالمية والإقليمية وكأن شيئاً لم يكن. وإن كان التدخلات الخارجية تستهلك الخزانة الأمريكية، في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الأمريكي أزمات خانقة.

 السعي لعقد أحلاف جديدة

إزاء ما تقدم، فأن هناك جدل عميق ومؤثر في داخل صناع القرار والنخب الصهيونية حول ما يتوجب عمله لمواجهة تحول الولايات المتحدة عن الاهتمام بالشؤون الإقليمية والعالمية. وهناك خلاف واضح بين الفرقاء في الساحة الصهيونية حول هذه النقطة. فهناك من يرى وجوب البحث عن حلفاء جدد، وهناك من يرى أنه لا بديل عن الولايات المتحدة وأنه يتوجب ممارسة الضغوط على إدارة عبر الكونغرس واللوبي اليهودي لمنعها من الالتفات عن الاهتمام بالمنطقة، ومواصلة التجند لتحقيق المصالح الصهيونية. فعلى سبيل المثال، يعد وزير الخارجية الصهيوني من المتحمسين للبحث عن حلفاء جدد. وحسب ليبرمان فأن البحث عن حلفاء جدد يأتي نتاج تراجع مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ويرى ليبرمان ضرورة  إدخال تعديلات جوهرية على السياسة الخارجية الإسرائيلية، تأخذ بعين الاعتبار توظيف المصالح المشتركة بين إسرائيل ودول العالم. وحسب ليبرمان فأن حقيقة مواجهة الولايات المتحدة الكثير من بؤر التوتر في العالم بات يقلص من التقاء المصالح بينها وبين إسرائيل، منوهاً إلى ونوه أن وجود 57 دولة إسلامية في العالم يقلص من قدرة إسرائيل على المناورة في الساحة الدولية، على اعتبار أن بعض دول العالم تخفض مستوى علاقاتها مع إسرائيل خشية المس بمصالحها الاقتصادية مع الدول الإسلامية. ويلفت ليبرمان إلى ضرورة التوجه للتحالف مع دول معنية بالاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في مجال التقنيات المتقدمة  والزراعة. لكن كثير من المسؤولين الصهاينة يختلفون مع ليبرمان. فعلى سبيل المثال يرى الجنرال نحمان شاي، الذي شغل في السابق منصب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أن تصريحات ليبرمان بشأن تراجع مستوى العلاقة مع واشنطن قد تؤثر سلباً على العلاقات مع إدارة الرئيس أوباما. ويشير شاي إلى أن الخلافات بين إسرائيل والإدارة الأمريكية كانت دائماً  وستتواصل " لكن لا يوجد على كوكب الأرض دولة بينها وبين إسرائيل قائمة كبيرة وحاسمة من القواسم المشتركة مثل الولايات المتحدة "، على حد تعبيره. ولا يفوت  شاي الإشارة إلى الدور الحاسم الذي تلعبه الولايات المتحدة في تأمين المصالح الإسرائيلية، مشيراً إلى أن واشنطن تحمي ظهر إسرائيل في عشرات الأحداث والتطورات وبشكل يومي.

قصارى القول، بخلاف العرب، فأن الكيان الصهيوني بات يستشعر أن الحقبة الأمريكية توشك على الانتهاء وهو يستعد لتحديات ما بعد هذه الحقبة.

 

 

أعلى