يصادف الاثنين 8جمادى الآخرة1446هـ/(9-12-2024) الذكرى الـ57لفاجعة حريق المسجد الأقصى، التي دبّرها الاحتلال الصهيوني. ورغم مرور كل هذه السنين على ذلك الحريق، فإنه لايزال مشتعلا في قلب كل مسلم غيور على دينه ومقدساته
تزداد اليوم انتهاكات اليهود اليومية للأقصى، ويقومون بحفر الأنفاق تحت أساساته في
محاولة لهدمه وإقامة هيكلهم المزعوم مكانه. وهو الأمر الذي يدعون للتذكير بهذه
الحادثة المفجعة، حادثة حريق المسجد الأقصى حتى لا تغيب عنا تلك المأساة ونعلم أن
مكر اليوم كان من اليوم الأول وما زالا مستمرا.
الفاجعة ونتائجها
في السابعة صباحًا من يوم الخميس8جمادى الآخرة1389هـ/(21-8-1969)، استيقظ
المقدسيون، على حريق هائل في المسجد الأقصى، قرة أعينهم وكنز كنوزهم، فتعالت صيحات
الفزع "الأقصى احترق. الاقصى احترق"، وسرعان ما انتشر الخبر في أحياء القدس كلها،
ولم يكن ثمّة حاجة للتأكد، ولا إلى سؤال وجواب، فقد كانت ألسنة اللهب المتصاعدة من
قبة الأقصى، وأعمدة الدخان المنبعثة منها، تشاهدان من جميع جهات القدس، وعلى وقع
تلك الصيحات والمشاهد المفجعة.
ترك الناس أعمالهم وما في أيديهم وأغلقوا محالهم التجارية، ونهض النائمون مذعورين،
وهرعوا نحو الأقصى، رجالا ونساء، وشبابا وشيوخا وأطفالا، لإطفاء الحريق، غير عابئين
بالحواجز الإسرائيلية التي حاولت منعهم، يخالج تكبيرهم وتهليلهم البكاء والأنين
ونبرة السخط على يهود، ولم يكن بحوزتهم أي وسائل حديثة لإخماده، فاستخدموا في ذلك
ملابسهم وأغطيتهم والتراب، ثم المياه الموجودة في آبار المسجد الأقصى، وفي البيوت
المجاورة،
إذ إن قوات الاحتلال، كانت قد قطعت المياه عنه وعن المنطقة المحيطة بالأقصى
بالكامل، ولم تقم بلدية القدس اليهودية، بإرسال سيارات إطفاء الحريق، لإطفاء
النيران، بل إن سلطة الاحتلال أعاقت وصول سيارات الإطفاء الفلسطينية،
التي قدمت من الخليل والضفة الغربية لنجدة المقدسيين، بعد أن أنتشر الخبر عبر
المذياع وعبر الهواتف.
|
وأقامت حكومة الكيان، لهذا الأسترالي الذي أشعل حريق المسجد الأقصى محاكمة
صورية، لذر الرماد في العيون ولصرف الانتباه عن مخططها الجهنمي لتدمير
الأقصى، وانتهت المحاكة إلى قرار مثير للسخرية، وهو إخلاء سبيل المتهم،
لكونه مختل عقليا |
وظل الناس يتوافدون على الأقصى لهذه الغاية، فوجًا بعد فوج، ووقفوا في صفوف طويلة،
وفوق السلالم، ليناول أحدهم الآخر آنية الماء لصبها فوق ألسنة اللهب، واستمروا
يكافحون الحريق، بوسائلهم البدائية وجهودهم الذاتية، إلى أن تلاشى، وقت العصر،
حينما وصلت سيارات الإطفاء الفلسطينية، بعد أن سمح لها يهود بالمرور، فأخمدته
تماما، ولكن بعد أن كان الحريق قد التهم السجاد والمصاحف، وحول المنبر الأثري
التاريخي العريق إلى رماد، وأحدث أضرارا بالغة في جدران المسجد وقبته وسقفه ومحرابه
وزخارفه.
مسئولية حكومة يهود
زعمت حكومة يهود في البداية أن الحريق كان بسبب ماس كهربائي، ولما كانت الدلائل
دامغة على أنه بفعل فاعل، ونتيجة للإدانات الدولية، والمعلومات التي قدمها
المقدسيون عن المشتبه به، اضطرت إلى القبض عليه، وقالت بأنه استرالي مسيحي، يدعى
دينيس مايكل روهان(28عاما)، وأنه دخل إسرائيل كسائح، قبل أربعة أشهر، وأقام في
القدس، وذهب يوم الحادث إلى المسجد في الصباح الباكر، بعد خروج المصلين وحلقات
تحفيظ القرآن، ودخل إليه من باب الغوانمة، الواقع بالجهة الشمالية الغربية للأقصى،
مموها على مواد الحريق، التي كان يحملها، بعد أن اشترى تذكرة من الحارس التابع
للأوقاف الإسلامية، ثم أشعل الحريق في المصلى القبلي، وأنه نفذ جريمته بصورة فردية،
دون مساعدة أحد له، بعد فشله في تنفيذها في وقتٍ سابق. بما يعني أنه ليس لسلطة
الكيان الغاصب، يد في ذلك.
وأقامت
حكومة الكيان، لهذا الأسترالي الذي أشعل حريق المسجد الأقصى محاكمة صورية، لذر
الرماد في العيون ولصرف الانتباه عن مخططها الجهنمي لتدمير الأقصى، وانتهت المحاكة
إلى قرار مثير للسخرية، وهو إخلاء سبيل المتهم، لكونه مختل عقليا
-زعموا -، بناء على إفادة قدمتها الخارجية الأسترالية، رغم أن هذا يتناقض مع بيان
المدعي العام الإسرائيلي، الذي أفاد بأن المنفذ خطط لعمليته جيدا، وأنه كان شديد
الذكاء، ورغم أن المنفذ أقرّ بجريمته.
وزعموا أيضا أنه ينتمي إلى مجموعة مسيحية أصولية صغيرة ومغمورة تدعي "كنيسة الله"،
لا تمت بصلة لأي كنيسة مسيحية معترف بها. ولكن حتى لو سلمنا جدلا بأنه ليس لليهود
يد في هذا الحريق، فتظل حكومة يهود، كسلطة احتلال، هي المسئولة عنه، بموجب مواثيق
الأمم المتحدة، التي أنشئ الكيان بموجبها، فما بالك، وهي قد وقفت متفرجة على الأقصى
وهو يشتعل، وقطعت عنه الما، وعرقلت وصول سيارات الإطفاء إليه.
منبر الأقصى التاريخي العريق
وفيما بعد تم ترميم كل الأضرار التي تعرض لها الأقصى، عدا منبره التاريخي الأثري
العريق، الذي كان تحفةً نادرةً، ذات قيمة رمزية وتذكارية عظيمة، وهو المعروف بـمنبر
صلاح الدين، لا لأنه أمر بصناعته، ولكن لأنه الذي أقامه، وأما من أمر بصناعته، فهو
الملك الصالح نورالدين محمود.
ولهذا المنبر حكاية جديرة بأن تروى ويعرفها المسلمون. فقد كان نورالدين، قد أمر
سنة563هـ، بصناعة منبر للأقصى، ليقيمه فيه، بعد أن يتم تحريره على يديه، كما كان
يأمل، وصنع هذا المنبر في حلب، بيد أمهر الحرفيين من النجارين والخطاطين، وبعد أن
حرر صلاح الدين القدس في27رجب583هـ، ونظف الأقصى من مخلفات ومعالم الصليبيين
المشركين، وأعاد فيه الصلاة وخطبة الجمعة، أراد أن يصنع له منبرًا يليق به، فذكر له
الناس المنبر الذي أمر بصناعته نور الدين، فأرسل من أحضره من حلب، وأقامه في
الأقصى، على يمين المحراب، فنسبه الناس إليه، وهو مصنوع من خشب الأرز، ومُطعَّم
بالعاج واللؤلؤ، وكان غاية في الفخامة والدقة والإتقان، وكان ارتفاعه6متر، وعرضه
السفلي4متر.
وظل هذا المنبر قائما في الأقصى، شاهدا على تحريرها، وعلى جهود نور الدين وصلاح
الدين في ذلك، إلى وقت الحريق المذكور. وكان الشيخ سعيد صبري والد الشيخ عكرمة
صبري، إمام وخطيب الأقصى المبعد عنه مطلع2020، هو آخر من وقف خطيبا فوق المنبر
التاريخي. وقد استبدل بعد ذلك بمنبر صغير مصنوع من الحديد. وفي بداية2007، أقيم فيه
منبر جديد، صنع بالأردن من الخشب وطُّعم بالعاج، ويكاد يكون نسخة طبقة الأصل من
المنبر المحروق، إلا أنه ليس له معنى، كتذكار وكرمز، كما كان عليه الأول.
تداعيات الفاجعة في الشارع الإسلامي
كان حريق المسجد الأقصى صدمة كبرى للمسلمين جميعا، فعمت المظاهرات الجماهيرية
الغاضبة، آنذاك، معظم شوارع الدول العربية والإسلامية، وطالب المتظاهرون وخطباء
المساجد والمنظمات الإسلامية، بإعلان الجهاد لتحرير القدس والأقصى، والذي وصل إلى
مستوى غير مسبوق، بينما لم تتعرض سلطة الاحتلال، لأي اجراء رادع، مما جعلها تتمادى
في اعتداءاتها وانتهاكاتها للأقصى، وفي سياساتها التهويدية للقدس.
وقد وصف الشاعر محي الدين الحاج عيسى من حلب، لؤم يهود وخستهم أثناء الحريق، وبسالة
المقدسيين في مكافحته، فقال:
مدَّ اليهـــــــــــــــودُخراطيمــــــــــــــــــامزيَّفَــــــــــــةً**لا
ماءَ فيها وقالوا: الماءُ مُنْقَطِعُ
وأظهــــــــــــــــروا أسفــــــــــا والبشرُ مُرْتَسِمٌ**على وجوههمُ واللؤمُ
والخُـــــــــدُعُ
ما يفعل الناس؟ والأقصى تُدَمْرَهُ**عِصَابَةٌ بثيابِ
المكــــــــــــــــــــــــــــرِ تـــَـــدَّرِعُ
تناقلــــــــــــــــــــــــــوا الماء من آبار ساحته**ودمعهم فـــــوق ذاكَ
الماءُ يَنْهَمِـعُ
يبكــون بيتا لذكر الله شِيْدَ ومــــــــــــا**يبكــــون يوما إذ الأبطالُ
تَصْطَرعُ
كأنهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم حوله والنار
تأكلهُ**أمٌ قد انْقّضَ يُردْي طفلها السّبُعُ
حتى أتت نجدات ثارثائـــــــــــــــــــــــــــرها**من كلِّ فجٍ وشر
النــــــــــــــــــــــــــــــــــار يَتَسِعُ
فأطفأوها وكان الغـــــــــــــدر يأملُ أنْ**تأتِيْ على البيتِ لا تُبْقِي ولا
تـــَـدَعُ
***