لماذا أبلغ الكيان الصهيوني إيران بأماكن الضربة المنتظرة؟

لماذا تبدو المعركة بين الكيان الصهيوني وإيران مقننة، ما هي أداة الضبط بينهما التي تمنع الأمور أن تنزلق إلى حرب شاملة، وما المكاسب التي حصل عليها نتنياهو مقابل عدم التوغل في الصراع مع إيران بشكل أكبر؟


فجر السبت، قام الكيان الصهيوني بثلاث موجات من الغارات الجوية على إيران، وقال الناطق العسكري باسم الجيش الصهيوني دانيال هاغاري: إن تنفيذ الهجوم تم بتوجيه من المستوى السياسي ردًا على هجمات النظام الإيراني ضد إسرائيل ومواطنيها.

وركزت الموجة الأولى على نظام الدفاع الجوي الإيراني، في حين ركزت الموجتان الثانية والثالثة على قواعد الصواريخ والطائرات المسيرة ومواقع إنتاج الأسلحة، طبقًا للرواية الصادرة عن الكيان الصهيوني.

وبعد نحو أربع ساعات أكدت هيئة البث في دولة الكيان انتهاء الهجوم العسكري على إيران الذي شاركت فيه مئات الطائرات المقاتلة، كما نقلت نيويورك تايمز عن مسؤولين صهاينة أن الهجوم على إيران انتهى بعد ضرب نحو 20 موقعًا.

ونقلت يديعوت أحرونوت عن مصدر صهيوني مطلع قوله: إن الهجوم على إيران لا يشمل منشآت نووية أو نفطية. كما نقلت شبكة إن بي سي نيوز عن مسؤول أمريكي قوله إنه يبدو أن ضربات إسرائيل مقتصرة على أهداف عسكرية ولا تشمل مراكز نووية أو منشآت طاقة.

أما في إيران، فقد قال الدفاع الجوي الإيراني إنه تصدى لمحاولات الكيان الصهيوني استهداف عدة مواقع حول طهران وفي أنحاء البلاد.

وقال مركز الدفاعات الجوية بطهران إن أصوات الانفجارات التي سمعت في طهران ناتجة عن تعاملنا مع محاولات الكيان الصهيوني استهداف ثلاث نقاط، مشيرا إلى أنه يتم التحقيق في تفاصيل وزوايا تعامل الدفاعات الجوية مع محاولات الكيان الصهيوني.

ولاحقا قال مركز الدفاعات الجوية الإيرانية إن الكيان الصهيوني هاجم مواقع عسكرية بمحافظات طهران وخوزستان وعيلام، بينما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن مصادر إغاثية بطهران أنه لم يتم الإبلاغ عن أي حادثة في العاصمة أو محيطها تتطلب تدخلا.

 

فالإدارة الأمريكية مقبلة على انتخابات رئاسية مصيرية وشيكة تشتد فيها المنافسة، ويهمها هدوء المنطقة، كما لا تريد أزمة في النفط الأمر الذي ينتج عنه ارتفاع أسعار البنزين في أمريكا الذي سيؤثر على الناخب الأمريكي

وفي حين أكدت وكالة أنباء تسنيم نقلا عن مصادر مطلعة أنه لم يتم استهداف أي مراكز عسكرية للحرس الثوري الإيراني غربي وجنوب غربي طهران، ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة تأكيدها أن دوي الانفجارات ناتج عن اشتباك الدفاعات الجوية للجيش الإيراني بـثلاثة مواقع حول طهران.

وكالعادة في الضربات المتبادلة بين الكيان الصهيوني وإيران، فقد حدث التضارب في روايات الطرفين عن كيفية تنفيذ الضربة، فقد أعلنت دولة الاحتلال أنها نفذت ردها على إيران عبر أكثر من 100 طائرة بينها مقاتلات منها طائرات إف-35، فضلا عن مسيّرات، مشددة على أن جميع الطائرات عادت بسلام إلى تل أبيب، في حين قالت وسائل إعلام إيرانية، نقلا عن مصادر مطلعة، إن العملية الإسرائيلية نفذت "بأجسام طائرة صغيرة" أحبطت بنجاح.

وبالرغم من ذلك، فقد أكد الجيش الإيراني مقتل جنديين خلال التصدي للهجوم الإسرائيلي، دون أنباء عن مقتل مدنيين، كما لم يتضح بعد حجم الخسائر المادية بالمواقع العسكرية المستهدفة، بينما ذكرت وكالة تسنيم أن الهجوم أدى إلى أضرار محدودة لم توضحها.

ولكن الملاحظ أنه بعد الضربات الصهيونية ضد المواقع العسكرية الإيرانية لم يقطع بايدن ونائبته هاريس نشاطهم، ولم يعودا إلى البيت الأبيض في واشطن كما حدث في المرات السابقة، سواء التي أعقبت الهجوم الإيراني السابق على الكيان، أو هجوم أبريل الصهيوني على إيران.

وسرعان ما جاءت الإجابة من موقع أكسيوس المقرب من المخابرات الأمريكية، ومن صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.

فقد نقل موقع أكسيوس عن ثلاثة مصادر لم يحدد هويتهم أن الهجوم كان معروفًا للإيرانيين مسبقًا.

وقال أحد المصادر: "لقد أوضح الإسرائيليون للإيرانيين مسبقاً ما الذي سيهاجمونه بشكل عام وما الذي لن يهاجموه".

وقال مصدران آخران إن إسرائيل حذرت الإيرانيين من الرد على الهجوم، وأكدت أنه إذا ردت إيران، فإن إسرائيل ستنفذ هجوما آخر أكثر خطورة، خاصة إذا قُتل أو جُرح مدنيون إسرائيليون.

ولفت أحد المصادر إلى أن إحدى القنوات لنقل الرسائل إلى إيران قبل الضربة الإسرائيلية كان وزير الخارجية الهولندي، كاسبر فيلدكامب.

وقبل ساعات من الضربات الإسرائيلية كتب فيلدكامب، على منصة إكس: تحدثت مع وزير الخارجية الإيراني (عباس عراقجي) حول الحرب والتوترات المتزايدة في المنطقة، وأضاف: وفيما يتعلق بالتوترات الأخيرة، حثثت على ضبط النفس. يجب على جميع الأطراف العمل لمنع المزيد من التصعيد.

كما أكدت صحيفة وول ستريت جورنال ذلك، مشيرة إلى أن التحذير تضمن تأكيدًا بأن إسرائيل ستضرب بشكل أقوى إذا ردت إيران.

 

على المستوى الاستراتيجي، فإنه على ما يبدو فإن أمريكا قد أطلقت يد الكيان الصهيوني في غزة، مقابل عدم تصعيده مع إيران، ورأينا بدء تطبيق خطة الجنرالات وما أتبعها من المجازر غير المسبوقة في جباليا

ولكن يجب علينا أن نلاحظ التهديدات الصهيونية التي سبقت الضربة، قد تضمنت أنه سيكون ردًا غير مسبوق بنفس ألفاظ الوزراء الصهاينة أو أقطاب الاعلام الصهيوني، وعلق وزير المالية بتسلئيل سموتريتش قائلا "إيران، مثل غزة وحزب الله ودولة لبنان، ستندم على هذه اللحظة".

ولكن بعد هذه التهديدات العنيفة تمخض الجبل فولد فأرًا، فماذا حدث وجاء الرد الصهيوني هزيلا باتفاق جميع الخبراء العسكريين، وليس كما كان متوقعا؟

الصفقة

كان هناك ما يقرب من شهر، بين ضرب إيران للكيان الصهيوني وما أتبعه من تهديدات صهيونية، وما بين رد جيش الاحتلال فجر السبت.

في هذه الفترة الطويلة جرت اتصالات مكثفة بين الطرفين عن طريق وسطاء وربما مباشرة ولم يحن بعد الوقت ليكشفها أطرافها، ولكن المهم فإن الوسطاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة حاولوا تجنب الرد غير المحسوب واللامقنن، الذي لا يتبعه رد إيراني قد يجر إلى حرب إقليمية.

فالرد غير المحسوب في النظر الإيراني أو الأمريكي يتضمن خمسة أمور: ضرب المفاعل النووي الإيراني، أو قصف المنشآت النفطية والبتروكيماوية، أو اغتيال قيادات إيرانية، أو تدمير البنية التحتية الإيرانية من مطارات وغيرها، أو استهداف مدنيين.

لذلك تركز الضغط الأمريكي، على تجنب الكيان ضرب هذه الأهداف الخمسة، واكتفاء الضربة الصهيونية بتوجيهها إلى أهداف عسكرية، وهي التي يمكن لإيران تحملها ولا ترد عليها، في إطار الاستراتيجية المعتمدة من قبل القيادة الإيرانية، والتي يُطلق عليها الصبر الاستراتيجي.

فالإدارة الأمريكية مقبلة على انتخابات رئاسية مصيرية وشيكة تشتد فيها المنافسة، ويهمها هدوء المنطقة، كما لا تريد أزمة في النفط الأمر الذي ينتج عنه ارتفاع أسعار البنزين في أمريكا الذي سيؤثر على الناخب الأمريكي، الأمر الذي سيؤثر بلا شك على فرص انتخاب هاريس باعتبارها جزء من الإدارة الأمريكية الحالي، وفي هذا الاطار تتحدث مصادر صحفية أمريكية، أن الإدارة الأمريكية قد تدخلت حتى في تحديد موعد الضربة ليكون مساء الجمعة بالتوقيت الأمريكي، بعد أن تكون أسواق المال والبورصات قد تكون أغلقت وفق الإجازة الأسبوعية وهي يومي السبت والأحد، وبذلك لن تتعرض الأسواق لأي هزة.

ولكن السؤال الأهم هو ماذا أعطت أمريكا نتانياهو في مقابل تقنين ضربته لإيران؟

فطوال الأسابيع الأربعة الماضية أي بعد الضربة الإيرانية، تلاعب نتانياهو بالإدارة الأمريكية وهو الذي يجيد الابتزاز ليخرج بأكبر مكاسب ممكنة.

فالمكاسب التي حصل عليها الكيان تنقسم إلى مستويين: على مستوى السلاح ومعدات الحماية والقتال وهذه تصب في استراتيجية الدفاع كأحد مفاهيم الردع الصهيوني، أما المستوى الآخر فهو استراتيجي يتعلق بأهداف الاحتلال الرئيسة سواء في حربه الأساسية في غزة، أو في لبنان مع حزب الله ذراع إيران الهامة في المنطقة.

في المستوى الأول، فقبل الضربة الصهيونية الرمزية لإيران بأيام وصل نظام ثاد الأمريكي إلى دولة الكيان، وهو أحد المكونات الرئيسية لشبكة الدفاع الجوي المتعددة الطبقات للجيش الأمريكي، لتعزيز قدراتها في الدفاع الصاروخي. ويضيف نظام ثاد طبقة مهمة إلى نظام الدفاع الإسرائيلي، حيث يكمل مجموعة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، من القبة الحديدية وحتى صواريخ آرو Arrow أو السهم مرورًا بمقلاع داود، من خلال تغطية مناطق أكبر واعتراض التهديدات على مسافات تصل إلى 200 كيلومتر.

كما أرسلت الولايات المتحدة، يوم الجمعة أي قبل الضربة بساعات، مقاتلات إف 16 إلى قاعدة في الشرق الأوسط، وذكرت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" ذلك عبر حسابها على منصة إكس.

وقبلها أعلنت أمريكا أنها مستعدة للدفاع عن إسرائيل، عن طريق حاملات الطائرات والجنود الموجودين على الأرض.

أما على المستوى الاستراتيجي، فإنه على ما يبدو فإن أمريكا قد أطلقت يد الكيان الصهيوني في غزة، مقابل عدم تصعيده مع إيران، ورأينا بدء تطبيق خطة الجنرالات وما أتبعها من المجازر غير المسبوقة في جباليا وحملة التجويع والتهجير والاعتقال لسكان شمال غزة، أما على الصعيد اللبناني فيبدو أن إيران قد قبلت بفكرة الفصل بين غزة ولبنان، بالرغم من أن نتانياهو كان لا يقبل بهذا الفصل مصممًا على انتهاز الفرصة وكسر أجنحة الحزب بعد اغتيال قياداته وكوادره، ولكنه بعد أن رأى عجزه عن الاقتحام البري لجنوب لبنان، أخذت الصحافة الصهيونية تردد أن الكيان قد قبل خلال أسبوعين بخطة لوقف اطلاق النار على جبهة شمال فلسطين.

فهل نشهد بعد هذا التنسيق إحياء لحلف المصالح بين فارس والروم واليهود؟

 

أعلى