• - الموافق2024/11/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الحرب بين حزب الله والكيان الصهيوني... هل هي وشيكة؟

تتصاعد التصريحات والتهديدات تارة من الجانب الصهيوني أنه سيدمر لبنان وأنها سيجعلها مثل غزة إن لم تتوقف هجمات حزب الله، وتارة يهدد حزب الله "إسرائيل" بهجوم أوسع وأشد ضراوة فهل يمكن أن تتطور التصريحات والمناوشات إلى حرب واسعة بين الطرفين؟


الزوبعة هي في الأصل البخار الذي يتصاعد من فوهة الفنجان، والذي يزول بسرعة ولا يترك أثراً.

وهي كحال الرياح التي تدور حول نفسها، وترفع الأشياء عدة أمتار ويظنها الناس أحلاما سامقة فإذا بها تهوي على الأرض وتضيع مع التراب.

وهذا كحال تفكير البعض، وهم يرون ما يعتبرونه عنتريات حزب الله في مواجهة الكيان المحتل، وتهديدات حكومة الصهاينة بجعل لبنان مثله مثل غزة في التدمير والإبادة، فيظن الجميع أن هناك حربًا ستندلع بين الحزب والكيان، ثم تمضي الأيام والأسابيع ولا نرى حربًا كاسحة مدمرة بل مناوشات وفق قواعد محسوبة بدقة.

فما تفسير ما يجري بين حزب الله والكيان الصهيوني؟

كيف نرى كل حين تهديدات بالحرب بين الطرفين ثم لا تلبث أن يخبو الحديث عن تلك الحرب؟

هل صحيح أن من بين مبررات حرص الجيش الصهيوني على إيقاف الحرب في غزة، أنه سيتفرغ بعدها للحرب مع حزب الله؟

لماذا يحرص المتحدثين باسم حزب الله والقريبين منه على التأكيد أن الكيان الصهيوني لن يدخل حربًا في لبنان؟

للإجابة على هذه الأسئلة، ولفهم ما يجري بين الطرفين، يجب علينا في البداية إدراك معادلات الصراع بين حزب الله والكيان الصهيوني، والأسس التي تحكمها، ثم نحلل علاقة طوفان الأقصى بهذه المعادلة.

الكيان الصهيوني والجنوب اللبناني

تاريخيًا يمكن اعتبار أهل السنة هم أصل وغالبية سكان الجنوب اللبناني، وتاريخيا أيضًا، مثلت طوائف الشيعة أقلية متخذين من جبل عامل مركزا لهم، حيث ظهر علماء كبار لهذه الطائفة، ولكن الهجرات الإيرانية إلى الجنوب في خلال قرن من الزمان قلبت موازين الديموغرافية في الجنوب، ليصبح الشيعة هم الطائفة الأكثر سكانا، مع وجود قوي للموارنة المسيحيين.

يغطي جنوب لبنان مساحة تقدر بـ 1045 كيلومترا مربعا، ويقدر ساكنيه بحوالي 800 ألف نسمة، وتضمّ محافظة الجنوب 181 بلدة و146 بلدية، ويصل عدد القرى التي تتبعها حوالي 412.

 

تزامن توقيت الاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني، مع بدء نظام الآيات الجديد في طهران خطته لبسط هيمنته على العالم الإسلامي، وذلك بزرع أذرع له ينفذون مخططاته سواء بنشر التشيع، أو الهيمنة على حواضر أهل السنة، لاتخاذها أوراق في لعبته مع الدول الكبرى العالمية

ويضم الجنوب اللبناني خمسة مخيمات للاجئين الفلسطينيين وهي: مخيم عين الحلوة والذي أنشئ سنة 1949 قرب مدينة صيدا، وهو الأكبر مساحة وسكانا، ومخيم الرشيدية على بعد 7 كيلومترات جنوب مدينة صـور، ويسكنه أكثر من 22 ألف نسمة وفق إحصاءات الأونروا، وهو من أكثر المخيمات الفلسطينية معاناة من القصف الإسرائيلي لقربه من الحدود.

كما يوجد مخيم البرج الشمالي، ويضم لاجئين معظمهم من قرى شمال فلسطين، وهناك مخيم المية ومية ويسكنه ما يقرب من خمسة آلاف فلسطيني، وأخيرًا مخيم البص جنوب مدينة صور ويسكنه نحو 10 آلاف لاجئ.

وبصفة عامة، مثل الجنوب اللبناني أزمة جوسياسية مزمنة للكيان الصهيوني، وبالتحديد منذ نهاية الستينات وبدايات السبعينات.

ففي تلك الحقبة، اتخذت المقاومة الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات من جنوب لبنان منطلقا لعملياتها الفدائية ضد الصهاينة في فلسطين، خاصة بعد طرد المقاومة من الأردن عام ٧٠، ووجود حكومات قوية في مصر وسوريا تمنع أي أعمال معادية للكيان انطلاقا من أراضيها، فلم يتبق لها من دول الطوق إلا لبنان.

مثّل أهل السنة في الجنوب ومخيمات اللاجئين حاضنة شعبية للمقاومة، بينما نظر الشيعة والموارنة للمقاومة نظرة امتعاض وتوجس، ولكن قوة المقاومة العسكرية أسكتتهم حتى عام ١٩٨٢، عندما غزا الجيش الصهيوني الجنوب اللبناني لإخراج المقاومة الفلسطينية منها، هنا ظهر الانحياز الشيعي للصهاينة وأظهرت الصور التي التقطت في ذلك التوقيت، خروج الرجل والنساء من قرى الشيعة بالورود يرمونها على الدبابات الصهيونية الغازية لأنها خلصتهم من سيطرة المقاومة الفلسطينية وهيمنتها على المنطقة.

ظهور الذراع الإيراني 

وتزامن توقيت الاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني، مع بدء نظام الآيات الجديد في طهران خطته لبسط هيمنته على العالم الإسلامي، وذلك بزرع أذرع له ينفذون مخططاته سواء بنشر التشيع، أو الهيمنة على حواضر أهل السنة، لاتخاذها أوراق في لعبته مع الدول الكبرى العالمية، وحتى مع الكيان الصهيوني، للاعتراف به كقوة إقليمية تتقاسم معه الهيمنة على المنطقة.

لذلك عندما دخلت إيران لبنان وجدت حركة أمل بزعامة نبيه بري وهو تنظيم شيعي مدعوم من حافظ الاسد حاكم سوريا في ذلك الوقت، والذي كان يطمح في الهيمنة على لبنان، فتسللت إيران داخل التنظيم بعناصر شيعية مدعومة مباشرة منها، واستطاعت حركة أمل وبمساندة من كل من الأسد وإيران القيام بحرب عصابات ناجحة ضد التواجد الصهيوني في الجنوب، وإجباره على الانسحاب بعد تفاهمات سرية مع الأسد تم بمقتضاها اعتراف الكيان بهيمنة الأسد على سوريا، نظير أن تمنع الميليشيات الشيعية قوات المقاومة الفلسطينية من التواجد، ومن العمليات الفلسطينية في شمال فلسطين منطلقة من الجنوب.

ولكن طموح إيران والهيمنة على لبنان لم يتحقق بعد، فعملت على فصل جناحها داخل حركة أمل وأطلقت عليه حزب الله ليعبر عن التوجهات الإيرانية المباشرة، وسلحته ودعمته ماليا واجتماعيا ليتمدد داخل الطائفة الشيعية ويهيمن عليها، ويهمش حركة أمل ولكنه يبقي عليها موظفا لدورها ليصب في مصلحته.

وانتقل الذراع الإيراني (حزب الله) لمرحلة ثانية ليحاول تحجيم باقي الطوائف اللبنانية وخاصة أهل السنة وينجح في تحجيم دورها بالترهيب والسلاح والاغتيالات، وبعدها استدار إلى الموارنة الذي عمل على تقسيمهم بين موالين للحزب وبين معارضين له والوجود الإيراني.

وبعد أن نجح نسبيا في الهيمنة على القرار السياسي اللبناني، انتقل الحزب إلى المرحلة الثالثة، وهي سعي الحزب بتوجيهات من إيران في انتزاع الاعتراف به وبهيمنته على لبنان من الكيان الصهيوني، فكانت حرب ٢٠٠٦.

صمد الحزب إزاء الضربات القوية للجيش الصهيوني، لتقر بعدها دولة الكيان بدوره وهيمنته على لبنان، خاصة مع قدرته على إنهاء أي عمليات فلسطينية تنطلق من الجنوب اللبناني، وبذلك حافظ على سلامة الحدود الشمالية لدولة الكيان من أي اختراق.

 

وقد بدا تململ قيادات حماس من الموقف الإيراني المتخاذل عن دعمها في حربها المصيرية مع الكيان الصهيوني، فظهر أنهم كانوا يتوقعون تعاونًا أكبر من مجرد عمليات حزب الله المحدودة والتي تسير وفق قواعد اشتباك يفهمها ويدركها الجانب الصهيوني جيدا.

٧ أكتوبر والمعادلات الجديدة

قبل السابع من أكتوبر تمكنت إيران من تطوير علاقاتها مع فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.

فتمويلها الكامل وتبنيها لفصيل المقاومة الجهاد الاسلامي تم منذ فترة طويلة، كما استطاعت إيجاد علاقة مع حماس، فأمدتها إيران بالتدريب والسلاح.

ولكن حرصت حماس على عدم التماهي الكامل مع إيران مثل فصيل الجهاد الإسلامي، وبقيت لها مواقفها المستقلة حتى لا تحسب على أذرع إيران الأخرى، وظهر الاختلاف بين الطرفين في الموقف من الثورة السورية.

ولكن الحرص الإيراني على إيجاد أوراق لها في المنطقة مكنها من تجاوز إصرار حماس على استقلاليتها، فتعاملت معها من هذا المنطلق كحليفين وليس كذراع لها.

ولذلك عندما قادت حماس المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى، حرصت إيران ممثلة في مرشدها خامنئي وذراعها اللبناني حزب الله ممثلا في حسن نصر الله على إظهار عدم علمهم بالاجتياح الفلسطيني لمستوطنات غلاف غزة.

ولكن في نفس الوقت ما كان لإيران أن تتخلى عن ورقتها الفلسطينية، فقد أظهرت إيران دعم حليفها الفلسطيني بتسخين الحدود الشمالية للكيان بعمليات محدودة ومحسوبة يقوم بها ذراعها اللبناني حزب الله، تتسع وتضيق وفق تجاوزات الجيش الصهيوني نفسه، كما أوعزت إلى حوثي اليمن وفصائل الشيعة العراقيين بتصعيد محسوب مماثل.

وقد بدا تململ قيادات حماس من الموقف الإيراني المتخاذل عن دعمها في حربها المصيرية مع الكيان الصهيوني، فظهر أنهم كانوا يتوقعون تعاونًا أكبر من مجرد عمليات حزب الله المحدودة والتي تسير وفق قواعد اشتباك يفهمها ويدركها الجانب الصهيوني جيدا.

الأمر الذي استلزم ردًا مباشرًا من خامنئي، فقد كشفت وكالة رويترز للأنباء، في 15 نوفمبر الماضي، عن تفاصيل اللقاء بين المرشد الإيراني وزعيم الجناح السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وكتبت أن خامنئي أبلغ هنية أن إيران لن تخوض حربًا مع إسرائيل نيابة عن حماس.

التصعيد الأخير

من بين نتائج طوفان الأقصى الاستراتيجية، هو فقدان الكيان الصهيوني لإحدى ركائز أمنه القومي وهي القدرة على الردع، تلك القدرة التي حافظ عليها منذ قيامه عام ٤٨، والتي ظهر عجزه عن استعادتها حتى مع حملة الإبادة ضد غزة.

ولذلك عمل الكيان الصهيوني على تصعيد عمليات الاغتيال ضد قيادات الحرس الثوري الإيراني المتواجدين في سوريا وقيادات حزب الله العسكرية في لبنان، وبدا أن أجهزة إيران الأمنية عاجزة عن لجم الاختراق الصهيوني المذهل، ومعرفته لأماكن هذه القيادات ومواعيد اجتماعاتهم.

شجع الصمود الفلسطيني وعمليات المقاومة ضد جيش الكيان الصهيوني إيران على الرد على الاغتيالات التي يقوم بها الكيان ضد قياداتها العسكرية، فقامت بهجمات في العمق الصهيوني داخل الأراضي المحتلة بطائرات وصواريخ، وكان الرد الايراني محسوبًا أن لا تقع خسائر في الجانب الصهيوني ولكن الكيان اعتبر الهجمات الإيرانية استهتارًا بالردع الصهيوني فكان الرد باغتيال الرئيس الإيراني رئيسي، والذي تحاول إيران إخفائه حتى لا تكون مطالبة بالرد وأقله الدخول في حرب إقليمية مع الكيان الصهيوني، لا تريدها إيران وليس في مصلحتها.

ولكن حتى لا يمر اغتيال رئيسي هباء، فكان لزامًا أن يكون هناك ردًا إيرانيًا ما.

فجاء الرد الإيراني متمثلا في التصعيد الذي قامت به أذرع إيران والذي استغربته الأوساط الإعلامية، والذي يمكن اعتباره ردا على استحياء على اغتيال ثاني أهم شخصية في النظام السياسي الإيراني.

أي أن التصعيد الذي يقوم به حزب الله ليس ردا على مجازر بني صهيوني ضد الفلسطينيين كما يعتقد البعض، ولكنه رد محسوب على اغتيال رئيس الجمهورية الإيراني في حده الأدنى.

ولكن لذلك لا يمكن تصور أن تتطور الأمور إلى حرب، فقد نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن مسؤولين أمريكيين: إن كل من إسرائيل وحـزب الله أبلغا الولايات المتحدة أنهما لا يريدان حربًا شاملة.

وكما قلنا في البداية زوبعة في فنجان، لا تلبث أن تخبو مع الوقت.

 

أعلى