أزمة الإسلاميين في مصر
يمر
الإسلاميون في مصر في هذه الأيام بأزمة شديدة، متعددة الأبعاد، متطورة الأحداث،
وستكون لها انعكاسات كثيرة على عموم العمل الإسلامي، سواء في مصر أو في غيرها من
البلاد العربية والإسلامية.
وفي هذه الدراسة المقتضبة
سأجتهد في تسليط الأضواء على هذه الأزمة من عدة محاور:
المحور الأول: البُعد
السُنَني:
لا نستطيع أن نحكم على
أزمة ما وأن نسبر أغوارها ونتبيّن أسبابها ونستشرف نتائجها، دون أن نردها إلى مسار
السنن الربانية لنتعرف على مدى مجاراتها لها أو انحرافها أو السير عكس اتجاهها.
وكذا لنتعرف على الحجم الحقيقي لهذه الأزمة قياساً على ما تشكّله من تأثير في
المسار الإسلامي حاضراً ومستقبلاً. وسأكتفي هنا بالإشارة إلى عشرة أبعاد سننية
تساعدنا على تلمّس مجمل ما حصل، وهي كالتالي:
1- انتصار أهل الباطل مؤقت:
في مراحل تداول الصراع
بين أهل الحق وأهل الباطل، فإن أهل الباطل ربما سجلوا انتصارات على أرض الواقع،
مما يعمي أبصارهم عن تبيّن الحق، ويصرف قلوبهم عن الإذعان له، ويظنون أن انتصارهم
في بعض الجولات انتصار أبدي، وهذا مخالف للواقع السنني، فإن الغلبة به، والحق
المقصود فيما نحن بصدده هو التمسك بالكتاب والسنة. وقد قص علينا القرآن
قصصاً كثيرة تبيّن كيف أن الدائرة تدور على «الملأ» الذين كذبوا أنبياءهم بعد أن
كانوا يظنون أن الغلبة والانتصار حاصل لهم لا محالة، فإذا بسنن الله تعالى في انتصاره
لأنبيائه تفجأهم فيصبحوا أثراً بعد عين!! فمن ذلك:
قوم نوح.. قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ
فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ} [الأعراف:64].
عاد قوم هود.. قال تعالى:
{وَأَمَّا
عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ 6 سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ
لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى
كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ 7 فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّنْ بَاقِيةٍ} [الحاقة: ٦ – 8].
ثمود قوم صالح.. قال
تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ
جَاثِمِينَ} [الأعراف: 78]، {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ 44 فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ
وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ} [الذاريات: 44-45].
قوم لوط.. قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ
الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ 73 فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا
عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ 74 إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ
لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 73-74].
قوم شعيب.. قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ
الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ 91 الَّذِينَ كَذَّبُوا
شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا
هُمُ الْـخَاسِرِينَ} [الأعراف: 91-92].
فرعون وجنوده.. قال
تعالى: {وَفِي مُوسَى إذْ أَرْسَلْنَاهُ إلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ
مُّبِينٍ 38 فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ 39
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات: 38-40] لذلك؛
فعلى الإسلاميين في مصر أن لا يفاجأوا باستعادة العلمانيين دفة السلطة فيفتُّ ذلك
في عضدهم أو يضعف معنوياتهم؛ فإن {الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
2- قد تطول فترة الصراع
وانتعاش الباطل:
ربما استعجل بعض
الإسلاميين قطف ثمرة الصراع مع أهل الباطل، وهذا الاستعجال في غير محله، والله
تعالى وحده هو الذي بيده الأمر كله، فيجريه وفق مراده ومشيئته بحسب علمه وحكمته،
فلا بد من الصبر والتضرع والدعاء مع بذل الأسباب، وتكليل ذلك بالتوكل على رب
الأرباب.
فها هو نوح قد امتد صراعه مع قومه قروناً مديدة وهو يدعوهم إلى توحيد ربهم
ويجادلهم ويقيم عليهم الحجج والبراهين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحًا إلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا
فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِـمُونَ} [العنكبوت: 14]. وانظر
كم عمّر فرعون من السنين وهو يمارس وحشيته: القتل والتنكيل.. بدأ ذلك قبل أن يولد
موسى عليه السلام، قال تعالى: {وَإذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49]. عشرات من
السنين وهو يمارس ذلك حتى أصبح ذلك عنده عادة لا تكاد تتغيّر! انظر إليه وهو يفتك
بالسحرة بعد أن آمنوا بموسى، قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ
آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إنَّ هَذَا لَـمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي
الْـمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 123
لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ
أَجْمَعِينَ} [الأعراف:123-124]. ومع استمرار صراعه مع موسى واستطالة الزمن في
ذلك، فإن شهية القتل لم تكد تفارقه، قال تعالى: {وَقَالَ الْـمَلأُ مِن
قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ
وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي
نِسَاءَهُمْ وَإنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127].
هكذا فعل كثير من الطغاة
الذين تسلّطوا على رقاب المسلمين، وقد قاسى الإسلاميون في مصر ما قاسوا منذ ثورة
يوليو 1952 ولا يزال الصراع مستمراً، فتلك سنة من سنن الله تعالى، ولنا في رسول
الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد صارع أهل الشرك 23 عاماً، وهو المؤيد
بالوحي، ويلتف حوله رجال هم من خير القرون. ولذلك نقول: إن اصطراع الإسلاميين في
مصر مع العلمانيين وأذنابهم ربما تنطوي في ثناياه السنون فلا غرابة في ذلك ولا
استعجاب!
3- استئصال أهل الباطل لأهل
الحق لا يدل على أنهم على حق:
في مكان ما، وفي زمان ما،
ربما يستمكن أهل الباطل من أهل الحق فيستأصلوهم عن بكرة أبيهم، غير أن ذلك لا يدل
على أن أهل الباطل هم أهل الحق، وأن أهل الحق هم أهل الباطل؛ فالحق لا يُعرف
بمقدار القوة ووحشية البطش. وقد ذكر القرآن ما فعله الملك بأصحاب الأخدود الذين
آمنوا برب الغلام، قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ 4 النَّارِ ذَاتِ
الْوَقُودِ 5 إذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ 6 وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ
بِالْـمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ 7 وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلَّا أَن يُؤْمِنُوا
بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْـحَمِيدِ 8 الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج: ٤ - ٩]. فلا عجب أن يفعل العلمانيون
عندما يمتلكون أدوات القمع مثل ذلك.. ولا يخرج ما حدث من قتل للمسلمين في صلاة
الفجر عند مبنى الحرس الجمهوري، وكذا ما تبعه في ميدان رمسيس؛ لا يخرج ذلك كثيراً
عن المعنى الذي بيّنته. فليحتسب الإسلاميون قتلاهم عند الله تعالى شهداء، وجرحاهم
أعزة كرماء، وليعلموا أن الإسلام قد ضرب بجذوره في الأرض، وأن أتباعه لن يتمكن أحد
من استئصالهم، وأنهم منصورون كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة.
4- لا اغترار بكثرة أهل
الباطل:
إن كثرة أهل الباطل
ومليونياتهم المزعومة لا تدل على أنهم على حق، فالحق كما لا يُعرف بالقوة، فكذلك
لا يُعرف بالكثرة، قال تعالى: {وَإن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ
يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116].
ولقد نفش الإعلام في
أعداد المجتمعين في ميدان التحرير ليدخل الجيش لصالحه بحجة الاستجابة للحشود
الجماهيرية. وقد صدَّق ذلك كثير من المغفلين والسُّذَّج، وما أسرع ما انطلت عليهم
الحيلة. لكن جرت سنة الله تعالى أن ذلك إلا زبداً يذهب جفاءً مهما كَثُر ناصروه،
وأن الحق هو الباقي وإن قلَّ ناصروه، قال تعالى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ
اللَّهُ الْـحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا
مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد: 17].
5- العبرة بالمآلات
الأخروية لا بالسيادات الدنيوية:
يظن أهل الباطل أن الحياة
الدنيا هي نهاية المطاف، فيظلمون الناس ويستكبرون في الأرض. وهم في حال نشوة وغرور
بقوتهم وأموالهم وجيوشهم، فربما بهر ذلك عيون أهل الحق فاضطربت نفوسهم لما يرونه
من انسياح للباطل في الأرض وانكفاء لأهل الحق، ربما في غياهب السجون، إلا أن الله
تعالى قد بيّن أن الأمر ليس كما يظنون، وما الذي يجري في هذه الدنيا إلا جزء يسير
من تمام المشهد؛ ذلك أن المآل من حيث الصفة وامتداد الزمان إلى ما لا نهاية له ولا
عد، هو ما يمثل الحقيقة بواقعها الحسي والمعنوي، قال تعالى: {لا يَغُرَّنَّكَ
تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ 196مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْـمِهَادُ} [آل عمران: 196-197].
6- دعاوى باطلة يفضحها الله
بسننه وآياته:
لم يكفّ أهل الباطل عن
ادّعاء الوطنية والحرص على مصالح الجماهير، وأنهم هم فقط، وليس سواهم، أهل الصلاح،
وهم الذين يرفعون لواء الحرية، وهم الذين سيرفعون الظلم عن المظلومين، ويساعدون
الفقراء والمحتاجين، ويطلقون سراح الموقوفين والمسجونين؛ كل ذلك بإرادة علمانية
وراية ليبرالية وشريعة بشرية. وأما الآخرون الذين ينادون بتحكيم الشريعة الإسلامية
ما هم إلا رجعيون وظلاميون، وأنهم يقيدون حركة الناس وحرياتهم تحت عباءة الإسلام.
هذه الدعاوى الزائفة
والأقاويل الباطلة فضح الله تعالى أصحابها على رؤوس الأشهاد، وقد حكم تعالى بحكمه
بين الفريقين فبيّن زيف وبطلان دعاوى الذين يدّعون الصلاح والدعوة إليه وأنهم
ليسوا إلا مفسدين، قال تعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي
الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ 11 أَلا إنَّهُمْ هُمُ
الْـمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١١- 12]، وقال
تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْـحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْـخِصَامِ
204 وَإذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْـحَرْثَ
وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 204- 205]،
وقال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
يَضْحَكُونَ 29 وَإذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ 30 وَإذَا انقَلَبُوا إلَى
أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ 31 وَإذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إنَّ هَؤُلاءِ
لَضَالُّونَ} [المطففين: 29 – 32].
7- استمرار تداول الصراع
بين أهل الحق وأهل الباطل:
للصراع محطات، وكل من
المتصارعين يبذل جهده ويستنفذ إمكاناته ويحشد حشوده ويستقوي بمؤيّديه وأنصاره،
فتارة ينتصر ويعلو طرف، وتارة ينتصر ويعلو الطرف الآخر، وهذه سنة التدافع، قال
تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ
الأَرْضُ} [البقرة: 251]، وقال تعالى: {إن يَمْسَسْكُمْ
قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا
بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]. فإذا دال أهل ميدان التحرير على أهل ميدان رابعة
العدوية، فإن ذلك ما هو إلا مؤقت، وإن شاء الله سرعان ما سيديل الله تعالى المؤدين
بالإسلام في ميدان مسجد رابعة العدوية على المؤدين بالعلمانية في ميدان التحرير،
وليس ذلك على الله بعزيز، لكن بشرط أن يتمسك أصحاب الحق بدينهم ويخلصوا عبادتهم
لله وحده.
8- ليس في الأحداث صدفة:
الصدفة ممتنعة في الخلق
كله، سمائه وأرضه، ملائكته وإنسه وجنه، وجميع خلقه. إن استعلاء أهل الباطل ليس
صدفة، وكذلك انزواء أهل الحق ليس صدفة، بل هي سنن مقدرة ومرتبة تسير وفق إرادة
ومشيئة وعلم الحكيم الخبير، قال تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: ٨]، وقال تعالى:
{إنَّا
كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن
مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن
نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ 22 لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا
فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ} [الحديد:22 - 23]. والله تعالى قد أقام الحجة على خلقه وأرسل لهم
الرسل وأنزل معهم الكتب وبيّن لهم ما ينفعهم وما يضرهم في الدنيا والآخرة، قال
تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْـحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ
لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149]. ولذا وجب على الإسلاميين في مصر،
بل وفي غيرها، أن يسبروا أسباب هذه الأحداث الجسام التي وقعت في مصر، حيث تجسد
الأحداث على أرض الواقع ما كتب من القدر في علم الغيب، فكثير من الأقدار يسوقها
الله بأفعال من عباده، قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ
بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ
مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]، وليس المقصود من ذكري هذه الآية الدعوة إلى قتال
المناوئين، بل ذلك نعارضه ونمنعه ونحول قدر الإمكان دون وقوعه أو حتى التهديد به،
بل المقصود فقط هو الاستدلال على أن الله تعالى ربما ساق أقداره بأيدي عباده، وذلك
من حكمته وعلمه، وإلا فإن الله تعالى غني عن خلقه، قيوم بذاته، إذا أراد شيئاً قال
له كن فيكون، قال تعالى: {إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن
يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 28].
9 سنن الله تعالى لا تحابي
أحداً:
يجب على الإسلاميين أن
يكيّفوا أعمالهم ويبرمجوا خططهم وفق ما بيّنه الله تعالى من السنن كما جاء ذلك في
كتابه العزيز بما حوى من تجلية عظيمة لتلك السنن وانقياد الكون لنوامسيها، تحقيقاً
لمعنى العبودية المطلقة لرب الخلائق ولنفاذ أمره في خلقه، قال تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ
إلَّا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن
تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 34].
وقد بيّن الله تعالى كيف
أن سنته قد جرت في نصر أنبيائه وأوليائه عندما تمسّكوا بمنهاجه الذي جاء بيانه في
كتابه العزيز بأجلى العبارات وأوضح البيانات.
إن مجرد الانتماء للعمل
الدعوي الإسلامي دون الأخذ بمقتضياته ولوازمه الشرعية، لا يتدرج في استدعاء سنن
الله تعالى في نصره لعباده المؤمنين.
10- النصر من الله تعالى
وحده:
مع وجوب الأخذ بالأسباب
المادية والمعنوية على الوجه الشرعي، فإنه أيضاً من الواجب الاعتقاد أن النصر هو
من الله تعالى وحده، وأن ذلك مشروط في نصره للمؤمنين بأن يكون فعلهم وتجمهرهم
ودعوتهم هي لنصرة دينه وإعلاء كلمته، ليس لدعوة حزبية ولا لراية وطنية ولا لعصبية
قبيلة، قال تعالى: {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧]، وقال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إلَّا
مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْـحَكِيمِ} [آل عمران: 126]. فعلى
الإسلاميين في مصر، بل وفي كل مكان، أن يؤطروا حركتهم في هذا الإطار، وأن يخلصوا
دينهم لله، وأن يكون همهم الأوحد إعلاء كلمة الله وإقامة حكم الإسلام في مصر، وفي
كل مكان، وإذا دال حكم العلمانيين على الإسلاميين فعلى الإسلاميين أن يستنتجوا أن
فيهم دخناً وبين ثنايا حركتهم خللاً.
المحور الثاني: الذنوب
تمهّد لتسلط الأعداء:
إن استقامة العمل
الإسلامي مرهونة باستقامة الأخذ بمنهج الإسلام، عقيدة وحركة وسلوكاً، ووقوع الذنب
في أيٍّ منها يخل بتلك الاستقامة، فيحيد بها عن وجهة النصر، فعندها تقع المصائب
وتدلهم الخطوب وتتشعب الدروب، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن
مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، قال ابن
كثير: «أي مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هي عن سيئات تقدمت لكم» [تفسير
ابن كثير 4 / 116]. ولهذا أمرنا الله تعالى بالاستقامة على منهجه، قال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ
وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [الشورى: 15]، وقال
تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، وقال
تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا
وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْـمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
إن النكبات التي تعرضت
لها أمة الإسلام إنما تقع في دائرة إخلالها باتّباع منهج الاستقامة الذي أمر الله
تعالى به ورسوله.. وقد حفلت أحداث تاريخ أمتنا الإسلامية بكثير من ذلك، ومن أمثلة
ما حصل:
1-
في غزوة أحد، نزل الرماة من على الجبل قبل أن يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم،
اجتهاداً منهم، باعتبار أن المعركة قد انتهت وانتصر المسلمون. ولم يكن اجتهادهم
صائباً، إذ إنهم خالفوا ما أُمروا به، فانقلب على المسلمين ظهر المجن، إذ استغل
المشركون تلك الثغرة فمالوا على المسلمين من موقع لم يكونوا يتوقعونه، فانكشف ظهر
المسلمين، فحصل فيهم من القتل ما حصل، وما ذلك إلا بسبب استعجال بعض الرماة للفوز
بالغنائم.
لقد كان درساً قاسياً
ومؤلماً، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُم
بِإذْنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنْ
بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم
مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ
عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 251]. لقد
استغرب المسلمون مما حدث وتعجبوا من صيرورة الأمر إلى ما صار إليه، فبيّن الله
تعالى أن ذلك وقع بسبب ميل بعضهم إلى مكاسب الدنيا، وهي الغنائم، قال تعالى: {أَوَ لَـمَّا
أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ
هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]. ونحن
نقول لإخواننا المسلمين إن ما حصل في 30 يونيو 2013 وما بعده من تنحية الرئاسة
واعتقال من اعتقل؛ إنما هو بسبب الإخلال بالمنهاج القويم، مما يستوجب إعادة النظر
في الأمر بمجمله واستجلاء البصر في كلياته.
2-
في غزوة حنين، كلمة واحدة انهزم بسببها جيش المسلمين، (لن نغلب اليوم من قلة)،
قالها بعض الصحابة واستعظموا عديدهم الذي بلغ 12 ألفاً، فأراد الله أن يعلمهم
درساً بليغاً، مفاده أن النصر من الله تعالى وليس بالعدد والعدة، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ
الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25]. ولم يعد
الميزان إلى اتزانه ويرجح الكفة للمسلمين بعد طيشها إلا ما أنزله تعالى من السكينة
لتثبيت قلوب المؤمنين والملائكة ليرفدوهم وينصروهم، قال تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ
سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْـمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ
تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 26].
فيا أيها الإسلاميون في
مصر وفي غيرها: زنوا كلامكم وشعاراتكم ومؤتمراتكم وأحاديثكم في القنوات الفضائية
وتغريداتكم في «تويتر» وتواصلاتكم الاجتماعية والسياسية والدينية؛ زنوا كل ذلك
بميزان الشرع وأصول الاتباع، ليتمهد لكم طريق النصر وسبيل البشائر، وأعرضوا عن
الذين يتشدّقون بالوطنية والقومية والحزبية، ولا تكونوا مثلهم في رفع مثل هذه
الشعارات التي تغضب الرحمن وتهدم الأوطان.
3- اكتساح التتار لبلاد
المسلمين.. نعم حصل ذلك بأبشع ما صوَّره التاريخ وساقه في صفحاته من إجرام
ووحشية وقتل ونهب وتدمير للحضارة وإفساد في البلاد وتشنيع في العباد. إن دراسة
متأنية لأسباب ذلك تشير إلى أن ما انتشر بين المسلمين من البدع وقارفه بعضهم من
المعاصي ووصول المندسين من الرافضة إلى مواقع اتخاذ القرار في سدة الخلافة؛ قد
مهَّد الطريق وسهَّل السبيل لأولئك الهمج من المغول ليقوموا بأفعالهم الشنيعة التي
اقترفوها، وأعمالهم الدنيئة التي صنعوها. ومحل العبرة فيما يخصنا هو أن ننقي
قلوبنا من العقائد الفاسدة، وجوارحنا من الأعمال الباطلة، وصفوفنا من المنافقين
والمنتفعين، وأن نحافظ على نقاء المنهج ونصونه من كل ما يعكّر صفوه ويلوث بياضه.
4-
إن التسلط الذي قام به الاستعمار على بلاد المسلمين عبر القرون الفائتة، إنما مكن بسبب انصراف
المسلمين عن الأخذ بتشريعات ربهم وتفريطهم بأحكام دينهم وتخاذلهم في إقامة أركانه
والجهاد دون بنيانه.
5- وقد مهَّد هذا التخاذل
للعلمانيين ليبسطوا نفوذهم ويمدوا أجنحتهم في طول البلاد الإسلامية وعرضها؛ فتسنّموا سدات الحكم،
وصادروا الاحتكام إلى الشرع، وجلبوا دساتير الغرب، وأذلوا الرقاب، وقطعوا الأعناق،
وساموا شعوب المسلمين جميع أنواع العنف والإرهاب، وأذلوهم بالبطش والاستبداد،
فصادروا الأصوات المنادية بالعودة إلى الدين وتحكيم شريعة رب العالمين. إن هؤلاء
لن يردعهم إلا عودة الشعوب المسلمة إلى ربها، وإلى علم شريعتها وفقهها.
إننا نهيب بالمسلمين
جميعاً في مصر وغيرها، أن ينفضوا عن قلوبهم أسباب التخاذل، خاصة فيما يتعلق
بالتشدق بشعارات أرضية ولوثات وطنية وحبائل قومية وتعصبات حزبية. إن الانجرار وراء
ذلك عاقبته عند الله خطيرة، وآثاره في الأوطان مثيرة! فلتكن الحشود المليونية دعوة
لرفع راية الإسلام ونشره في الآفاق وفي كل الأنام.
المحور الثالث: معالم
المرحلة الجديدة في مصر:
يمكن تلخيص معالم المرحلة
القادمة في مصر بما يلي:
1- انشقاقات عميقة في بنية
ولحمة الشعب المصري، فهناك الآن فريقان: فريق مؤيد للانقلاب العسكري، وفريق معارض له
وينادي بعودة مرسي تحت رعاية «الشرعية»، وكلا الفريقين يواصل حشوده الجماهيرية
لإثبات ثقله وفاعليته. ثم ما بين هذين الفريقين هناك فرق وجماعات أخرى (أشخاص
وأحزاب وتجمعات) تتناثر بينها الآراء وتتشاكس وتتنافر، ولكل وجهته ورأيه.
2- المظاهرات التي يقوم بها
الإسلاميون للضغط لعودة الرئيس مرسي، قد تستمر مع محاولة الاعتصام بالشعارات السلمية
وعدم العنف. لكن ذلك قد لا يمكن السيطرة عليه فيما بعد، خاصة بعد وقوع صدامات
دموية مع متظاهري مؤيدي الانقلاب، وكذا بعد التعرض للمعتصمين الإسلاميين في رابعة
العدوية وميدان رمسيس بالخرطوش والقنابل المسيلة للدموع وبالرصاص الحي، ما أوقع
كثيراً من القتلى ومئات من الجرحى.
3- نخشى أن تتطور الأوضاع
وفق خط تصاعدي يتوافق مع تدرجه مع ما حصل في بدء الثورة السورية، وها هو الآن قد وصل إلى
مراحل في غاية الخطورة.
4- سيكون هناك مزيد من
الانقسام بين الإسلاميين، حيث إن بعضهم لا يرون معاداة النظام الانقلابي،
بل إن بعضهم مؤيد له بغية محاولة استمراره في العملية السياسية ولكي لا يخرج من
المولد بدون حمّص (كما في المثل).
5- سيتعرض كثير من
الإسلاميين وقاداتهم للملاحقة والاعتقال من قبل النظام الانقلابي، وسيكون ذلك بذرائع توقع
لها صفات قانونية، أو حتى دون ذرائع، بحجة تعريض الأمن المدني للخطر.
6- ستتوالى وتستعر الحملات
الإعلامية ضد الإسلاميين، سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية. ومن
الملاحظ مشاركة جهات إعلامية كثيرة غير مصرية في هذه الحملات، فضلاً عن
الحملات الإعلامية المصرية. وقد رافق ذلك إغلاق جميع القنوات الإعلامية المصرية
المؤيدة للإسلاميين الداعين إلى عودة الرئيس، والتضييق على القنوات الإعلامية
الأجنبية (غير المصرية) التي تنحو هذا النحو.
7- انفتاح البوابة
المصرية على العلمانية والليبرالية من جديد، تماماً كما كان الأمر في أيام
الناصريين، وسيشمل هذا الانفتاح القطاعات الفكرية والثقافية والفنية والسياحية
والاجتماعية والاقتصادية والنسائية والتبشيرية والطائفية، إضافة للتوجهات السياسية
من حيث المبادئ والآليات.
8- الخيار الديمقراطي لدى
الإسلاميين في مصر لا يزال هو البارز في توجهاتهم، وسيبقون ساعين وراء
صناديق الاقتراع والاحتكام إلى نتائجها، وستكون أيضاً في المقابل ردة فعل لدى
إسلاميين آخرين ضد الديمقراطية، وربما أخذوا مما حل بهم عبرة وعظة. لكن يخشى أن
يتحول البعض من الإسلاميين إلى العنف بعد أن يئسوا من الديمقراطية كوسيلة للمشاركة
في السلطة، فقد كانت هناك سابقة لمثل هذا الموقف عندما أجهض العسكريون في الجزائر
فوز الإسلاميين بأغلبية مقاعد مجلس النواب، فاندلعت الثورة المسلحة.
9- المرحلة القادمة في مصر
إذا انتهت بانتصار الانقلابيين، فإنها لن تختلف في جوهرها عما كان عليه الحال في
أيام حسني مبارك. وإذا انتهت بانهيار الانقلابيين وعودة الرئيس مرسي، فإن وضع
الإسلاميين سيكون قوياً، وسيحيلون الذين انقلبوا على الرئيس للقضاء، وسينحى وضع مصر
نفس منحى تركيا، والله تعالى أعلم.
10- إذا انتهى الأمر
بانتصار الانقلابيين فسيصبر الناس شهوراً عديدة، فإن فقدوا الأمل في
تحقيق مطالبهم وتحسين معيشتهم ورفع الظلم عنهم واستعادتهم حقوقهم وكرامتهم؛ فليس
من المستبعد أن تتحرك الجماهير من جديد على نفس نسق التحرك الأول، وبنفس محتوى
ثورة 25 يناير 2011، وسترجع الأمور بمجملها إلى المربع الأول، لكنها مثقلة بتجربة
مريرة، واكتشافات للأوضاع والرموز خطيرة!
المحور الرابع: نظرات
شاملة بخصوص الأحداث في مصر:
ويمكن إجمالها بما يلي:
1- أهمية ووجوب التقيّد
بالكتاب والسنة في ممارسة شؤون التغيير الشمولي، والاهتداء والاقتداء بما جاء في
ذلك في المنهاج النبوي وفي فهم السلف الصالح له، فإن ذلك شرط رئيس في استحقاق نزول
النصر الإلهي.
2- لا بد من إعادة تقييم
ثورات ما اصطلح عليه بالربيع العربي في ضوء ومن منظار الكتاب والسنة.
3- الديمقراطية شفا جرف
هار ينبغي اجتنابه والتحذير من مطباته ومنزلقاته.
4- سيطرأ تغيير في توازن
المعادلات العربية والإقليمية والدولية بعد سقوط الإسلاميين في حكم مصر، وها هنا
تبرز الأهمية البالغة لدراسة هذا التغير وآثاره المنتظرة.
5- لا بد من دراسة تقييم
أثر إزاحة الإسلاميين عن السلطة في مصر على:
الثورة السورية، والأوضاع
في كل من تونس وليبيا واليمن والسودان.
قطاع غزة، ووضع حماس
(سياسياً وحركياً).
الصراع مع الكيان اليهودي
في فلسطين.
الامتداد الصفوي.
سياسات دول مجلس الجامعة
العربية.
إعادة بروز التيار القومي
العلماني.
إنعاش التيار الجهادي.
العمل الإسلامي بعمومه.
6- الاهتمام بتقييم الوضع
التركي بعد أحداث مصر، خاصة الحراك العلماني المتمحور في «تقسيم».
7- ينبغي دراسة أثر
الأحداث في مصر على:
- الانقسام في الشعب
المصري.
- الانقسام في الشارع
العربي والشارع الإسلامي، وكيفية احتواء الآثار المترتبة على ذلك.
8- انهيار سلطة
الإسلاميين في مصر التي وصلوا إليها عن طريق الديمقراطية؛ سيقوي كفة الجهاديين
ويوطد توجههم، سواء من كان منهم منضبطاً بالكتاب والسنة أو غير منضبط بهما.
المحور الخامس: توصية
واقتراح:
إن الذي وقع في مصر ليس
بالموضوع الهين ولا بالأمر السهل، ولا ينبغي أن ننظر إليه دون فاعلية مؤثرة؛ ولهذا
فإني أقترح عقد مؤتمر للعلماء والدعاة والعاملين المؤثرين في العمل الإسلامي
والمفكرين الإسلاميين والمؤسسات الدعوية الإسلامية والمنظمات الإسلامية ذات
الاهتمام الدعوي التغييري، وأن يكون بعنوان: «تقييم عمل الإسلاميين في ربيع مصر
العربي».
ويتضمن المؤتمر ثلاثة
محاور رئيسة، هي:
1- رصد الأحداث منذ ثورة
يناير 2011.
2- التقييم والدروس
المستفادة.
3- التوصيات.
وأخيراً؛ فهذا ما وفقني
الله تعالى له من إلقاء أضواء على أزمة الإسلاميين في مصر.
ما كان من الحجة فمن الله تعالى وحده، وما كان سوى ذلك فمني ومن الشيطان، وأستغفر
الله العظيم وأتوب إليه.
وصلى الله على نبينا
وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.