• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التجديد في أسماء المواليد

التجديد في أسماء المواليد

 

التجديد في أسماء الأولاد ظاهرةٌ بارزةٌ في هذا العصر، لا سيما أسماء البنات، وهذه الظاهرة ما زالت في تنامٍ، ولذلك فهي بحاجةٍ إلى الوقوف عندها، والمناقشة حولها.

وسأقف معها أربع وقفاتٍ:

الوقفة الأولى: من المهمّ في البدء ونحن نتحدّث عن تسمية المولود أن نبيّن الضابط في الاسم المشروع من غيره؛ حتى يكون أساسا نبني عليه.

يقول الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - في كتابه "تسمية المولود" ص 39: "من نصوص الشريعة أمر ونهي ودلالة وإرشاد، وبمقتضى قواعد الشريعة وأصولها يتبيّن أنّ اسم المولود يكتسب الصفة الشرعية متى توفّر فيه هذان الشرطان:

الشرط الأول: أن يكون عربيّا، فيخرج به كل اسم أعجميّ، ومولّد، ودخيلٍ على لغة العرب.

الشرط الثاني: أن يكون حَسَنَ المبنى والمعنى لغة وشرعا، ويخرج بهذا كل اسمٍ محرّم أو مكروه....".

ونزيد تميما لكلام الشيخ في الشرط الأول الذي ذكره، فنقول: إنّ الاسم الأعجميّ يشترط له شرطان حتى تجوز التسمية به، الشرط الأول: أن لا يشتمل معناه على محظور شرعيّ، والشرط الثاني: أن لا يكون من الأسماء المختصّة بالكفار، مثل: جورج وبطرس ونحوهما.

الوقفة الثانية: أنّ قدرا من الأسماء الجديدة التي أطلّت علينا هي أسماء أعجميّة، لا سيّما أسماء البنات، نُظِرَ فيها إلى جمال اللفظ دون الاعتناء بالمعنى كثيرا، ولو سألتَ بعض الآباء عن معنى اسم ابنته لأخبرك وهو شاكٌّ فيه، وغير جازم به!

والشرعُ نظر إلى المعنى واعتنى به عناية كبيرة، فإن كان معنى حسنا أمر به، وإن كان معنى قبيحا نهى عنه؛ وذلك "لأنَّ صَاحب الاسم الحسن قد يستحي من اسْمه، وقد يحمله اسمُهُ على فعل ما يُنَاسِبه وترك مَا يضادّهُ".. قاله ابن القيّم في كتابه: تحفة المودود بأحكام المولود ص 146.

بل إنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان يراعي معاني الأسماء فيما هو أبعد من ذلك، قال ابن القيم:"وَمن تَأمّل السُّنة وجد مَعَاني فِي الْأَسْمَاء مرتبطة بهَا حَتَّى كَأَن مَعَانِيهَا مَأْخُوذَة مِنْهَا، وَكَأن الْأَسْمَاء مُشْتَقَّةٌ من مَعَانِيهَا، فَتَأمّل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أسلم سَالَمَهَا الله، وغفارٌ غفر الله لَهَا، وَعصيَّةٌ عَصَتْ اللهوَقَوله لما جَاءَ سُهَيْل بن عَمْرو يَوْم الصُّلْح: سَهُل أَمركُم..... إلخ".. تحفة المودود ص 121.

والسّرُّ في ذلك أنَّ "الله سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ فِي قَضَائِهِ وَقدره يُلهم النُّفُوسَ أَن تضع الْأَسْمَاء على حسب مسمياتها لتناسب حكمته تَعَالَى بَين اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ كَمَا تناسبت بَين الْأَسْبَاب ومسبباتها...".. تحفة المودود ص 146.

الوقفة الثالثة: أنَّ نزوعَ بعض الناس إلى التجديد في الأسماء يمكن أن يُفسَّر الدافع له (إذا أحسنَّا الظنَّ) بأنَّ الإنسان تميل نفسُه إلى التجديد؛ لأنَّ من طبيعة النفس البشريّة أنَّها تحبُّ التميّز والتفرُّد؛ قال تعالى: }يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا{، ومعنى الآية - على ما اختاره الطبري وغيره -: أي: سمّيناه باسمٍ لم يتسمَّ به أحدٌ قبله.

ففي هذا الآية يمتنُّ الله على زكريا - عليه السلام - بأن سمَّى ولده باسم جديد لم يُسبق إليه، وحصول الامتنان بذلك يدل على أنه نعمة ومزية؛ لأن الله خلق هذا الإنسان ويعلم أن من طبعه أنه يحب التفرُّد وعدم المشارِك.

لكن محبّة التجديد ينبغي أن لا تحملَنا على الابتعاد عن الأسماء الشرعية، بل إنَّ في الأسماء الشرعيّة مجالا رحبا للتجديد، وانظر إلى ما قاله الألباني - رحمه الله - عن نفسه: "وإنَّ من توفيق الله عزَّ وجلَّ إياي أن ألهمني أن أُعَبِّدَ له أولادي كلَّهم، وهم: عبد الرحمن وعبد اللطيف وعبد الرزاق من زوجتي الأولى - رحمها الله تعالى -، وعبد المصور وعبد الأعلى من زوجتي الأخرى، والاسمُ الرابعُ (يعني: عبد المصور) ما أظنُّ أحدا سبقني إليه على كثرةِ ما وقفتُ عليه من الأسماء في كتب الرجال والرواة! ثم اتَّبعني على هذه التسمية بعضُ المحبّين، ومنهم واحدٌ من فضلاء المشايخ - جزاهم الله خيرا - أسأل الله تعالى أن يزيدني توفيقا، وأن يبارك لي في آلي".. (السلسلة الضعيفة 1/629).

وهذا من فقه الشيخ الألباني - رحمه الله -؛ لأنَّ التعبيد لله مستحبّ، واستحبابه ليس مأخوذا من حديث "خير الأسماء ما عُبِّد وحُمّد"، فإنَّ هذا الحديث موضوع، وإنما استحبابه مستنبطٌ من قوله صلى الله عليه وسلّم: "أحبّ الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن" أخرجه مسلم.

فاسما عبدالله وعبدالرحمن شَرُفا من جهتين: من جهة التعبيد لله، ومن جهة شرف الاسمين الكريمين: الله والرحمن، فهما أفضل أسماء الله الحسنى عند بعض العلماء.

الوقفة الرابعة والأخيرة: هل من مقاصد الشرع التجديد في الأسماء؟

من نظر في الأدلّة التي جاءت في باب تسمية المولود، يرى فيها ترغيبَ الشرع في أسماء معيّنة، كالترغيب في اسمَيْ عبدالله وعبدالرحمن (الحديث السابق)، ويمكن أن يستفاد منه: استحباب جميع الأسماء المُعبّدة لله.

وكذلك الحديث الصحيح في تسمية النبي صلى الله عليه وسلّم ولدَه إبراهيم، حيث قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ»، وهذا الحديث يمكن أن يستفاد منه استحباب التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين.

ونلاحظ من خلال هذين الحديثين أنَّ الشرع رغّب في التسمية بالمعنى الحسن؛ لأنّ هذا يحمله على امتثال معناه، وكذلك رغّب في التسمية بأسماء الأنبياء؛ لأنَّ هذا يحمل المُسمَّى على الاقتداء بهم.

فترغيبُ الشرع في هذه الأسماء يدلُّ على أنَّه قصد شيوعَ هذه الأسماء في المجتمع المسلم، وظهورَها فيه؛ ليصبح لهذا المجتمع خصوصيّته وتميّزه عن غيره من المجتمعات.

أعلى