• - الموافق2024/12/04م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
زلزال سياسي في تركيا..  قراءة في نتائج الانتخابات المحلية ورسائلها الحادة

مثلت نتائج الانتخابات البلدية التركية صدمة كبيرة، حتى أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع أن تحصد المعارضة هذا الحجم من المكاسب، ما هي أسباب تراجع حزب العدالة والتنمية، ولماذا لم تظهر هذا التقلب في مزاج الشعب التركي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية؟

المتابع لمجريات الأحداث في الشارع التركي في الآونة الأخيرة ونبض المواطن التركي في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور ربما كان يتوقع أن يتراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، لكن النتائج الأولية التي ظهرت أوضحت تراجعًا كبيرًا غير متوقع وخسارة مدوية لأول مرة للحزب الحاكم في البلاد منذ وصوله للسلطة في عام 2002.

فقد خرجت صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية بمفاجآت من العيار الثقيل، شكلت صدمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، كما فاجأت المعارضة ذاتها التي لم يكن أكبر المتفائلين يتوقع تحقيقها فوزًا كبيرًا يجعلها الحزب الأول في البلاد بعد خسارتها الكبيرة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو الماضي أي منذ "10 أشهر" فقط.

النتائج الصادمة  

حسب النتائج الأولية غير الرسمية، تقدم حزب الشعب الجمهوري (المعارض) باقي الأحزاب وتفوق لأول مرة على العدالة والتنمية (الحاكم) منذ تأسيس الأخير، محققًا نسبة أصوات بلغت %37.7 بينما حل حزب العدالة والتنمية لأول مرة في المركز الثاني بنسبة تصويت %35.5، وحل حزب الرفاه من جديد في المركز الثالث بنسبة 6.2%، وقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 78,5%، وتعد هذه أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات منذ عام 2004.

 

 أنصار العدالة والتنمية أو الشرائح التي طالما صوتت له وخصوصًا من المحافظين، وجهوا للحزب الرسالة الأكثر قسوة في هذه الانتخابات، إذ تشير نسبة المشاركة المتدنية إلى عزوف واضح عن المشاركة

وقد فاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة 35 بلدية (15 بلدية كبرى و20 محافظة)، و"العدالة والتنمية" بـ24 (12 بلدية كبرى و12 محافظة)، وحزب "المساواة الشعبية والديمقراطية" التابع للأكراد بـ10 (3 بلديات كبرى و7 محافظات)، وحزب "الحركة القومية" حليف العدالة والتنمية بـ8 بلديات كبرى، وحزب "الرفاه من جديد" ببلديتين كبريين من بينهما "شانلي أورفا" أحد معاقل حزب العدالة والتنمية عن طريق ترشيح "قاسم غل بينار" لرئاسة بلديتها بعد أن استبعده العدالة والتنمية من قائمة المرشحين، وكل من حزبي "الاتحاد الكبير" و"الجيد" ببلدية واحدة.

نجح حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، في توسيع نطاق نفوذه المحلي بشكل ملحوظ، إذ فاز بإدارة 35 بلدية بعد أن كان يسيطر على 21 فقط، في المقابل تراجع العدالة والتنمية الحاكم، إلى 24 بلدية من أصل 39 كان قد فاز بها في الانتخابات الماضية، وكذلك حليفه حزب الحركة القومية تراجع من 11 بلدية إلى 8 بلديات فقط.

بينما فاز كل من أحزاب (الرفاه من جديد والجيد) برئاسة بلديات لأول مرة، ورفع حزب المساواة الشعبية والديمقراطية (حزب الشعوب الديمقراطي سابقًا) رصيده من 8 إلى 10 بلديات.

وقد حصل حزب الشعب الجمهوري في هذه الانتخابات على أغلبية مجلس البلدية لكل من بلديتي أنقرة وإسطنبول اللتين كانتا بحوزة تحالف الجمهور الحاكم في الانتخابات السابقة رغم خسارته رئاسة البلديتين الكبريين لصالح المعارضة.

خسارة لأول مرة

أظهرت النتائج الأولية تغير توجهات الناخبين في 30 ولاية تركية ذهبت غالبيتها من يد حزب العدالة والتنمية إلى حزب الشعب الجمهوري.

خسر "العدالة والتنمية" في بلديات لم يسبق له الخسارة فيها من قبل مثل ولايات بورصة وبالكسير، التي لم يفز "الشعب الجمهوري" بها منذ 47 عامًا، بجانب خسارة أديامان، إحدى الولايات التي ضربها زلزال 6 فبراير 2023 ومعقل جماعة "المنزل" الدينية الموالية لأردوغان، التي لم يفز بها "الشعب الجمهوري" منذ عام 1999.

بينما حافظ الشعب الجمهوري المعارض على المدن الكبرى التي فاز بها في انتخابات 2019 مثل (إسطنبول، أنقرة، إزمير، أضنة، أنطاليا، مرسين) بينما خسر بلدية هاتاي لأول مرة في تاريخه بفارق بسيط جدًا لصالح "العدالة والتنمية" بسبب الإصرار على ترشيح رئيس البلدية السابق "لطفي ساواش" الذي أثار غضب الناخبين بسبب أدائه السيء خلال فترة الزلزال، الذي كانت هاتاي هي أكبر المدن تضررًا منه.

النجم الصاعد

يُعد أكبر الفائزين بعد حزب الشعب الجمهوري حزب "الرفاه من جديد" بقيادة فاتح أربكان بعد صعوده المفاجئ ليصبح الحزب الثالث في البلاد بعد الانتخابات المحلية، ويصبح بذلك أقوى منافس إسلامي لحزب العدالة والتنمية.

 

فالصورة الكلية للمشهد برمته تقول أن هناك من أراد عقاب الحزب الحاكم فقاطع الانتخابات، وهناك من أبطل صوته، وهناك من منح صوته لأحزاب أخرى في مقدمتها حزب "الرفاه من جديد".

كان موقف حزب "الرفاه من جديد" الذي رفض الاستمرار في "تحالف الجمهور" الحاكم بعد انتخابات مايو مؤثرًا بشكل كبير على معدل أصوات "العدالة والتنمية" وساهم في تفتيت الكتلة التصويتية لتحالف (العدالة والتنمية والحركة القومية)، فقد ارتفعت نسبة أصوات الحزب من 2.8% في انتخابات مايو الماضي إلى 6.2% في هذه الانتخابات.

وأظهر الحزب موقفًا صارمًا في رفض التحالف مع "العدالة والتنمية"، متحدثًا عن خديعة تعرض لها في انتخابات مايو الماضي، ونجح في الضغط على الحزب الحاكم وانتزاع كتلة من أصوات قاعدة المحافظين، بمطالبته بوقف التجارة مع إسرائيل والمطالبة بزيادة رواتب المتقاعدين إلى 20 ألف ليرة، ليقدم نفسه كـ"حصان أسود" في الانتخابات المحلية واعدًا بمزيد من الصعود في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة في 2028.

التصويت العقابي

فكرة "التصويت العقابي" حل تستخدمه الشعوب التي تتمتع بحرية التعبير في بلادها والتي تنعم بكامل حقوقها في إبداء رأيها للسلطة الحاكمة، وتتمثل في إيصال رسائل للقيادة السياسية عبر صناديق الاقتراع، وهو ما حدث بوضوح في هذه الانتخابات، وعليه مؤشرات عديدة سوف نسردها.

فنجد مثلًا أن أنصار العدالة والتنمية أو الشرائح التي طالما صوتت له وخصوصًا من المحافظين، وجهوا للحزب الرسالة الأكثر قسوة في هذه الانتخابات، إذ تشير نسبة المشاركة المتدنية إلى عزوف واضح عن المشاركة في الانتخابات بين أنصار العدالة والتنمية، فإذا ما استثنينا الانتخابات المحلية عام 2004 (الأولى للعدالة والتنمية بنسبة مشاركة 76,2%) تكون هذه الانتخابات صاحبة النسبة الأقل مشاركة في الانتخابات المحلية منذ سبعينيات القرن الماضي، كما أن تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب بأكثر من مليوني صوت (15,7 مليون صوت مقابل 18 مليون صوت في 2019) رغم ارتفاع عدد المصوتين، يؤكد صحة هذه الفرضية.

فالصورة الكلية للمشهد برمته تقول أن هناك من أراد عقاب الحزب الحاكم فقاطع الانتخابات، وهناك من أبطل صوته، وهناك من منح صوته لأحزاب أخرى في مقدمتها حزب "الرفاه من جديد".

أسباب الهزيمة

يبرز العامل الاقتصادي في المقدمة كأكبر أسباب خسارة أردوغان وحزبه للانتخابات والتراجع غير المسبوق في نتائج الحزب، فقد اختار الناخبون معاقبة أردوغان على التراجع المستمر في القدرة الشرائية والارتفاع المتواصل لمعدل التضخم الذي سجل بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ارتفاعات متكررة ليصل إلى 67% بجانب رفع سعر الفائدة الذي وصل لمعدل 50% واستمرار ارتفاع الأسعار.

ولعب المتقاعدون أيضًا - الذين يشكلون كتلة تصويتية كبيرة عددها يفوق 10 ملايين ناخب - دورًا بارزًا في هذه الخسارة بسبب عدم الاستجابة لمطالبهم بزيادة رواتبهم التي تقف حاليًا عند 10 آلاف ليرة، بينما الحد الأدنى للأجور 17 ألف ليرة، بالتزامن مع تجاوز خط الفقر 45 ألف ليرة.

والمتابع للساحة السياسية التركية سيجد أن هذه الأسباب كانت حاضرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة، لكن التصويت العقابي فيها كان سيكون ذا تكلفة عالية جدًا، حيث كان سيفتح الطريق للمعارضة للوصول لسدة الرئاسة والحصول على أغلبية البرلمان، ولذلك قامت الشرائح الغاضبة بتأجيل خطوتها هذه للانتخابات المحلية على أمل إصلاح الوضع الاقتصادي أو رفع الأجور بشكل مناسب لنسب التضخم.

غزة في قلب الحدث

شهدت تركيا قبيل الانتخابات حملات ضغط شعبي تدعو الحكومة إلى قطع التبادل التجاري مع إسرائيل بشكل فوري والتدخل بكافة الوسائل الممكنة لدعم أهالي قطاع غزة.

غير أن عدم تفاعل الحكومة مع المطالب بشكل مرضي، وعدم الاستجابة بفاعلية وسرعة لمطالب المواطنين بشأن الوضع في غزة، دفع الناخبين إلى التعبير عن استيائهم من خلال صناديق الاقتراع، وهو ما تجسد في انتشار صور لناخبين عبر منصات التواصل الاجتماعي عبر كتابة شعارات داعمة لغزة أثناء التصويت ومنتقدة موقف الحكومة الذي لم يكن على المستوى المطلوب والمُتوقَع، وهو ما يعكس الاستياء الشعبي من موقف تركيا تجاه غزة وتأثيره الواضح على النتائج.

الخلاصة

كانت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة رسالة تحذيرية وحادة للعدالة والتنمية من ناخبيه وأنصاره بضرورة الإنصات لصوت الشارع والتفاعل معه، وعليه سيكون أمام أردوغان وحزبه أربع سنوات لاستعادة ثقة الناخبين والاستعداد لانتخابات 2028 عبر إجراء تغييرات جوهرية وحقيقية وليست صورية وشكلية.

 

أعلى