• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
عامان على الحرب الروسية الأوكرانية.. مسارات وسيناريوهات

بعد عامين من الحرب الروسية الأوكرانية، ما هي السيناريوهات المحتملة لمسار الحرب في عام 2024 وما بعده؟، ما هي الشروط التي تقود إلى إنهاء الصراع؟ وهل هناك احتمالية للتوصل إلى حل سلمي؟، وما التحديات التي تواجه معالجة هذه الحرب؟

                    

في الرابع والعشرين من فبراير 2022؛ شنّت روسيا حربًا ضارية على أوكرانيا، خلفت هذه الحرب دمارًا هائلاً في أوكرانيا، وأودت بحياة الآلاف وشردت الملايين من الأوكرانيين، وكانت لها تعبات سياسية وتأثيرات اقتصادية على المستوى العالمي، اليوم وبعد مرور عامين على هذه الحرب التي لا تزال مستمرة، لا يبدو أن الصراع ينجرف نحو نهايته، فأوكرانيا المدعومة بقوة من الغرب لا تزال غير قادرة على إيقاف التقدم الروسي، فيما استعادت روسيا زمام المبادرة الاستراتيجية بعدما وجدت طرقًا لإصلاح مشاكلها المرتبطة بتكتيكاتها العسكرية، وبدأت في استخدام قواتها بشكل أكثر فعالية عبر أساليب تجنيد مبتكرة لملء صفوفها، والانتقال نحو اقتصاد الحرب لزيادة إنتاج المعدات التي تشتد الحاجة إليها.

مسارات الحرب

لقد أدت الحرب الروسية ـ الأوكرانية لتأثيرات إقليمية ودولية واسعة النطاق؛ من أبرزها: أزمة اللاجئين، حيث أدت الحرب إلى نزوح الملايين من الأوكرانيين من بلادهم، مما أثار أزمة لاجئين كبيرة في بعض البلدان التي لم تكن مؤهلة لاستيعاب هذه الأعداد، إلى جانب حدوث أزمة في الطاقة والحبوب وارتفاعهما عالميًا، ناهيك عن التوتر الدولي الطويل والمعقد، ويمكننا إيجاز المسارات والمراحل الرئيسية التي مرّت بها الحرب في النقاط التالية:

المرحلة الأولى:

بدأت الحرب بغزو روسي واسع النطاق لأوكرانيا، حيث سيطرت روسيا على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية في جنوب وشرق البلاد، افترضت موسكو انهيارًا سريعًا أو استسلامًا للدولة الأوكرانية وخططت لحرب مناورة سريعة نسبيًا مقترنة بهجمات جوية و عمليات برمائية للسيطرة على المدن الكبرى مثل كييف وخاركيف وأوديسا، لكن المفاجأة كانت أن أوكرانيا قاومت بشدة، لكونها استعدت إلى حد ما للغزو الروسي منذ عام 2014م، وكانت روسيا بحلول نهاية عام 2022 في مأزق أسوأ بكثير من وضع أوكرانيا الآن، حيث تأثرت روسيا بشدة من العقوبات الدولية وحالة الهياج الغربي ضد كل ما هو روسي، ورأى الغرب في هذه الحرب فرصة سانحة لهزيمة موسكو عبر مواجهة غير مباشرة، وفي الإطار فشلت كل محاولات وقف إطلاق النار أو البحث عن مسار للمفاوضات.

 

 أثبتت الحرب أن القيادة الروسية قوية ومهووسة بغزو أوكرانيا على الرغم من التكلفة الهائلة والمكاسب الإقليمية المحدودة التي تم الحصول عليها حتى الآن، ويبدو بوتين حتى الآن واثقًا من قدرته على تحقيق النصر

المرحلة الثانية:

واجهت روسيا مقاومة أوكرانية قوية بدعم من الدول الغربية، مما أدى إلى توقف تقدم القوات الروسية نسبيًا، لكن في نفس الوقت فشل الغرب في سنّ السياسات اللازمة لتخفيف نقص العتاد في أوكرانيا، وهو ما انعكس سلبيًا خلال عام 2023م على أداء القوات الأوكرانية، فعلى سبيل المثال لم تكن هناك جهود صناعية منسقة لإعادة إمداد أوكرانيا بمركبات قتالية مدرعة من مختلف الأنواع، وحتى إنتاج وتوريد الذخيرة لا يزال متأخرًا بشكل كبير عن الجدول الزمني المحدد له، وفي أواخر ربيع عام 2023م شنّت كييف هجومًا مضادًا يهدف إلى تحرير الأراضي الواقعة جنوب زاباروجيا، لكن لسوء الحظ تمكنت القوات الروسية من صد الهجوم والاحتفاظ بمعظم الأراضي التي اكتسبتها سابقًا.

المرحلة الثالثة:

خلال الأشهر اللاحقة، شهد كلا الجانبين مستوى عالٍ من الاستنزاف، حيث تم نشر أكثر من نصف مليون جندي من قبل الطرفين، وركزت روسيا جهودها على السيطرة على المزيد من الأراضي الأوكرانية، لا سيما الأجزاء الشرقية والجنوبية من أوكرانيا، وألحقت خسائر كبيرة في القوى البشرية والمعدات الاوكرانية، وقد أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرارًا وتكرارًا أن هدفه ليس الاستيلاء على 20% فقط من أوكرانيا، فهو يرى أن روسيا وأوكرانيا هما كيان واحد، ووجود دولة أوكرانية مستقلة ما هي إلا مؤامرة مناهضة لروسيا تم تدبيرها من خلال التدخل الأجنبي.

على مدار الأشهر الماضية، كثفت أوكرانيا تحذيراتها من أن قواتها تعاني من نقص التسليح والعدد بشكل متزايد، وفي أواخر يناير اعترف الاتحاد الأوروبي علنًا بأن الكتلة الأوروبية لن تحقق هدفها المتمثل في إرسال مليون قذيفة مدفعية إلى أوكرانيا بحلول مارس من هذا العام، قائلًا إن حوالي نصف هذه الكمية سيتم تسليمها بحلول ذلك الموعد النهائي، وفي ظل نقص الذخيرة الذي يعيق قدرة قوات كييف على صد القوات الروسية؛ انسحبت القوات الأوكرانية نهاية الأسبوع الماضي من مدينة أفدييفكا الشرقية المحاصرة في مواجهة التقدم الروسي، ويعدّ هذا الانسحاب أول انتصار كبير لموسكو في ساحة المعركة والاستيلاء على أراضي جديدة منذ الاستيلاء على مدينة باخموت في مايو 2023.

المرحلة الرابعة:

نظرًا للتردد الغربي في زيادة توريد الأسلحة لكييف، والافتقار إلى التخطيط لفترة ما بعد الهجوم المضاد الذي فشل فشلًا ذريعًا، بدأت كييف مؤخرًا في التخلي بشكل أو بآخر عن الاعتماد على الغرب لتزويدها بما تحتاجه لمواصلة الحرب، خاصةً الطائرات بدون طيار، وأنظمة الحرب الإلكترونية، والمركبات القتالية المدرعة، وشرعت الحكومة الأوكرانية في إنتاج هذه الأسلحة محليًا من خلال إحياء برامج التصنيع القديمة بمساعدة غربية، ولكن هناك تحديات كبيرة أمام هذا الطموح، فالمركبات لن تكون جاهزة قبل العام المقبل، ولن تكون متاحة بكميات أكبر إلا بحلول عام 2026، علاوة على ذلك ستظل أوكرانيا تعتمد على الغرب في الحصول على الطائرات، وأسلحتها والصواريخ الدفاعية لأن تعقيد هذه الأنظمة لا يسمح بإنتاجها محليا.

سيناريوهات محتملة

سيكون العام الحالي 2024 هو الوقت الأكثر تحديًا بالنسبة لأوكرانيا منذ أول شهرين منذ بدء الغزو الروسي، ورغم أنه من الصعب التنبؤ بمستقبل الصراع، لكن يمكن طرح بعض السيناريوهات المحتملة لتطوره:

النصر الروسي:

من غير المرجح أن تتمكن روسيا من تحقيق نصر كامل في أوكرانيا، لكنها قد تتمكن من السيطرة على أجزاء كبيرة من شرق البلاد، ستستغل موسكو ما تعانيه القوات الأوكرانية من نقص متزايد في القذائف والصواريخ التي تحتاجها لمواصلة عملها الدفاعي، ومن شأن زيادة الضغط على الخطوط الأوكرانية أن يجعل معظم ألوية الجيش الأوكراني متعبة ومنهكة، وبالتوازي مع ضعف الإمدادات الأمريكية والأوروبية، قد تستغل روسيا ذلك من خلال تسريع وتيرة القصف الاستراتيجي على المدن الأوكرانية. هناك تشاؤم متزايد في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة بشأن قدرة أوكرانيا على تأمين النصر في ساحة المعركة، وفقا لاستطلاع حديث أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ومع تزايد الشعور بالكآبة والاستسلام، وهناك ترقب لما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لا سيما إن أتت بالرئيس السابق دونالد ترامب، وكذلك انتخابات الاتحاد الأوروبي في يونيو المقبل والتي من المتوقع أن تشهد صعود للقوى اليمينية بقيادة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

النصر الأوكراني:

من الممكن أن تتمكن أوكرانيا من استعادة جميع أراضيها، لكن هذا السيناريو يتطلب دعمًا هائلًا من الدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة التي يُفترض أن تقدم مساعدات أكثر سخاء لأوكرانيا، وسيتطلب حدوث هذا السيناريو أيضا ألا يفوز دونالد ترامب بالرئاسة وأن يظل المزاج الأمريكي الداخلي مؤيدًا لإرسال المزيد من المساعدات إلى الأوكرانيين، وقد يتطلب هذا السيناريو الانتظار حتى حلول نهاية عام 2024، حيث ستبدأ ثمار الخطة الأوكرانية لاستعادة زمام المبادرة في الظهور، وهي خطة تعتمد على إنتاج المزيد من المركبات القتالية المدرعة من خطوط التجميع المحلية ومواكبة إنتاج الذخيرة للطلب الكثيف على جبهات القتال.

حرب طويلة الأمد:

قد تستمر الحرب لفترة طويلة دون حسم واضح، مما سيؤدي إلى مزيد من الدمار والخسائر البشرية، في هذه الحالة سيواصل الأمريكيون والأوروبيون تسليم جزء من تعهداتهم فقط من الأسلحة والذخائر وقطع الغيار، وهو ما يساعد على إبقاء أوكرانيا واقفة على قدميها، ولكن في وضع دفاعي فقط. من جهتها؛ فإن روسيا تمكنت من الحفاظ على خطوطها وتشكيلاتها المقاتلة في ساحة المعركة، ولا تزال تواصل تطوير وتجربة معدات جديدة منتجة محليًا، مع تحسين تكتيكاتها الدفاعية، وقد حلّت أزمة توفير الجنود من خلال تجنيد المزيد من المرتزقة.

التسوية السياسية:

قد يتم التوصل إلى تسوية سياسية بين روسيا وأوكرانيا برعاية من الدول الغربية، لا سيما وأن إبقاء خطوط الإمداد إلى أوكرانيا مفتوحة يُضعف القدرات الإنتاجية والمخزون الاحتياطي لدى الدول الغربية التي فشلت سابقًا في الاتفاق على تمويل طويل الأجل، فالقدرة الإنتاجية لصناعة الدفاع الأوروبية مثلًا بالكاد توفي الاحتياجات الأوروبية، كما أن التعاون الصناعي الدفاعي الأوروبي مع أوكرانيا يواجه صعوبات عديدة، والمساعدات الأمريكية لا تزال رهينة التوافقات السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين، ومع عدم وجود نهاية في الأفق للحرب، تتزايد المخاوف المحلية الناجمة عن أزمات تكلفة المعيشة التي يقودها التضخم في جميع أنحاء العالم، كما أن إنفاق مبالغ كبيرة على أوكرانيا قد يصبح من الصعب سياسيًا الدفاع عنه بالنسبة لبعض الاتحاد الأوروبي، من هنا تزايدت الدعوات إلى التسوية التي من شأنها على الأقل إنهاء العنف، وستمنح الدبلوماسية فرصة لإيجاد حل طويل الأمد، لكن المعضلة أمام التسوية السياسية هي أن الكرملين قد أعلن بشكل واضح أنه لن يتفاوض إلا على استسلام أوكرانيا، وفيما يصرّ الزعماء الأوروبيون على أن أوكرانيا وحدها هي التي ستقرر شروط أي سلام يتم التفاوض عليه في المستقبل، أوضح الأوكرانيون بنفس القدر أنهم سيستمرون في المقاومة حتى آخر رجل في جيشهم، فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفض إمكانية التنازل عن الأراضي كما رفض التفاوض مباشرة مع روسيا.

جمود الوضـع:

بالنظر إلى طبيعة الصراع الحالي؛ فمن المؤكد أنه لن تكون هناك معاهدة سلام قريبة، ولن توافق روسيا على سحب قواتها من الأراضي التي ضمتها رسميًا، وعلى الجانب الآخر لن تعترف أوكرانيا أبدًا باستحواذ روسيا على أراضيها، والتي ستظل أرضًا أوكرانية بموجب القانون الدولي، وسيبقي الغرب على نظام العقوبات كما هو، قد يدخل خط المواجهة العسكرية إلى حالة من الجمود، فيما يستمر الطرفان في السعي لتحقيق أهدافهما، وبشكل عام ستظل كييف وموسكو على خلاف وقد يندلع العنف مرة أخرى في نهاية المطاف، مثلما حدث في معظم الصراعات المجمدة في المنطقة السوفييتية، بما في ذلك منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا اللتين تم دمجهما بحكم الأمر الواقع في روسيا بعد التدخل العسكري الأخير في عام 2008م، أو في منطقة ناجورني كاراباخ التي انتهى الجمود الذي دام 30 عامًا بشأنها في العام الماضي، حيث اجتاحت القوات الأذربيجانية الجيب العرقي الأرمني.

 

لقد تسببت التبرعات العسكرية لأوكرانيا إلى استنزاف ترسانات أمريكا الشمالية وأوروبا بشكل كبير، والتي لم تكن صالحة لحرب استنزاف واسعة النطاق وطويلة الأمد

ملامح وتحولات ودلالات

شهدت الحرب خلال العامين الماضيين بعض التحولات الدراماتيكية، لكنها في نفس الوقت أثبتت بعض الحقائق التي يمكن الإشارة إليها في الآتي:

قوة قيادة بوتين:

أثبتت الحرب أن القيادة الروسية قوية ومهووسة بغزو أوكرانيا على الرغم من التكلفة الهائلة والمكاسب الإقليمية المحدودة التي تم الحصول عليها حتى الآن، ويبدو بوتين حتى الآن واثقًا من قدرته على تحقيق النصر في أوكرانيا في الأمد البعيد إذا توقف الدعم العسكري الأمريكي لكييف. ويمثل الموت الأخير لخصم بوتين الرئيسي، أليكسي نافالني، دليلاً على القوة النسبية للنظام في الداخل، ومن قبله قائد فاغنر المتمرد؛ يفغيني بريغوجين.

صراع وجودي:

بالنسبة للكرملين؛ تنطوي الحرب على نوع من الطابع الوجودي المتمثل في استعادة مكانة روسيا كقوة عظمى، وتراجع النفوذ الغربي عن الجمهوريات السوفييتية السابقة، وربما تدمير الوحدة الأوروبية وتحجيم قوة الناتو من خلال الاستفادة من حكومات معينة وبعض الدوائر الانتخابية داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. لقد أخطأت روسيا في البداية في تقدير العديد من العوامل المرتبطة بالحرب، وارتكبت عددًا من الأخطاء فيما يتعلق بالتخطيط للحرب وتنفيذها على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي، إلى جانب ضعف الخدمات اللوجستية والتدريب، لكن سرعان ما تكيّفت موسكو مع الإخفاقات الأولية وعوضت ذلك سريعًا، وأثبتت كذلك أن لديها درجة كبيرة من الصمود في مواجهة العقوبات الغربية.

حرب استنزاف قد تطول:

تنفق روسيا حوالي 6% من ناتجها المحلي الإجمالي على جيشها، وهو مستوى أقل بكثير من المتوسط المعتاد للدول التي في حالة حرب، كما أن روسيا لم تلجأ إلى التعبئة الكاملة حتى الآن، وهذا يعني أنها مستعدة وقادرة على مواصلة المسار إلى أبعد نقطة ممكنة، وهو أمر يجب أن يأخذه الغرب في الاعتبار في حالة حدوث تصعيد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.

حسابات الدعم والتصعيد:

رغم ترسانات الأسلحة الهائلة للغرب، إلا أن حجم وتوقيت الإمدادات العسكرية الغربية إلى أوكرانيا لا تزال موضع شك في كثير من الأحيان، ففي الغالب كانت الإمدادات أدنى بكثير من طلبات كييف، صحيح أنه بدون هذا الدعم العسكري والاقتصادي، لم تكن أوكرانيا لتتمكن حتى الآن من الاحتفاظ بأكثر من 80% من أراضيها ضد الغزو الروسي، إلا أنه من الواضح أن الدول المانحة تريد إضعاف المجهود الحربي الروسي مع تجنب التصعيد بين موسكو وحلف شمال الأطلسي. على الجانب الآخر؛ حصلت موسكو على مساعدات عسكرية من كوريا الشمالية وإيران دون قيود كبيرة على استراتيجيتها ضد أوكرانيا، في حين يبدو الدور الذي تلعبه الصين يقتصر حتى الآن على الشراكة السياسية والطاقة والاقتصادية مع روسيا، دون المستوى المطلوب بشأن توفير المعدات العسكرية.

حدود الصناعة العسكرية الغربية:

لقد تسببت التبرعات العسكرية لأوكرانيا إلى استنزاف ترسانات أمريكا الشمالية وأوروبا بشكل كبير، والتي لم تكن صالحة لحرب استنزاف واسعة النطاق وطويلة الأمد، لقد تضاءلت بسرعة مخزونات الذخيرة والمركبات المدرعة والصواريخ المضادة للدبابات، وأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي والدبابات القتالية الرئيسية، وهو الأمر الذي كشف مدى ضعف الصناعات الدفاعية الأوروبية خاصةً، وهو الأمر الذي دفع بعض الدول إلى تعديل ميزانيتها العسكرية ومشترياتها للتعامل مع مستقبل هذه الحرب أو أي صراع مستقبلي.

التصعيد النووي:

استخدمت روسيا خطابها النووي ضد حلفاء أوكرانيا من أجل ثنيهم أو على الأقل الحد من تقديمهم للمساعدات العسكرية لكييف، وكانت النتائج متباينة حتى الآن، فعلى الرغم من أن خطر التصعيد النووي لا يزال مطروحًا على الطاولة، إلا أن الردع الذي يملكه الناتو لا يزال يعمل بشكل فعال على تقييد خيارات موسكو في الوضع التقليدي لاستعمال هذا السلاح الفتاك.

صراع مجهول النهاية

مع تجاوز الغزو الروسي على أوكرانيا ذكراها السنوية الثانية، لا يزال الصراع مستمرًا وسيظل كذلك إلى أن يتم استنزاف أحد الطرفين، ولا يمكن التنبؤ بمستقبله بشكل دقيق، فيما أصبح إرهاق الحرب يهيمن على معظم الدول ذات الصلة به، ومع الهجوم المضاد غير الحاسم الذي شنته أوكرانيا خلال العام الماضي والذي أدى إلى حرب موضعية لا يبدو أن أيًا من الطرفين قادر على اكتساب اليد العليا فيها، وحتى إذا تم التوصل إلى هدنة أو اتفاق سلام دون ردع قوي لروسيا، فمن المشكوك فيه أن تمتثل موسكو؛ فمن معاهدة بيرياسلاف عام 1654م إلى مذكرة بودابست عام 1984م إلى معاهدة الصداقة الروسية الأوكرانية عام 1997م، أظهر التاريخ أن روسيا تتجاهل أو تنتهك بشكل مباشر معظم اتفاقياتها الثنائية أو المتعددة الأطراف، ولا يمكن للعالم أن يفترض أن هذه المرة ستكون مختلفة.

لقد بات من الواضح أن هذه الحرب ستظل لها تأثيرات إقليمية ودولية واسعة النطاق لسنوات عديدة قادمة، لا سيما وأن هدف بوتين السياسي يتلخص في إعادة ترسيخ روسيا كقوة عظمى جديدة، وإعادة تشكيل النظام السياسي في أوروبا، ولا شك أن إعادة تأسيس وحدة روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا هي الشرط المسبق لهذه الرؤية، لقد استثمر بوتين موارد هائلة في هذه المغامرة التي انغمس فيها الجيش الروسي على الأراضي الأوكرانية، وبالتالي فإنه لن يعيد النظر فيها أو يتخلى عنها بسهولة، ولذلك فإن النتيجة الوحيدة الممكنة لهذه الحرب لن تقبل القسمة على اثنين؛ فإما أن تفوز روسيا أو تفوز أوكرانيا.

أعلى