قانون الجذب عده أصحابه الذين اخترعوه في الغرب السر الذي اكتشف لتحقيق كل شيء، ومبناه على الشرك في الربوبية، والقول بوحدة الوجود، والذين نقلوه للعربية أجروا عليه عمليات تجميل، وأخفوا كثيرا من حقائقه،
الحمد لله الذي هدانا للحق المبين، وحذرنا من كيد الشياطين، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يصل العباد إلى رضاه إلا بدينه، ولا وسيلة تقرب إليه أكثر من طاعته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ لا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه، تركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتمسكوا بدينه ولا تفلتوه، واحذروا مضلات الفتن والأهواء؛ فإنها للقلوب أدواء، وللعبد أعداء، تفسد عليه قلبه، وتصرفه عن دينه، وتزين له سوء عمله، فيرى الباطل حقا، والحق باطلا، ويرى الضلال هدى والهدى ضلالا، ويرى الخطأ صوابا والصواب خطأ، وذلك انتكاس القلب وانقلابه على صاحبه ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: 8].
أيها الناس: مع كثرة العلوم والمعارف، وانفتاح الديانات والثقافات بعضها على بعض؛ تسربت لشباب المسلمين وفتياتهم مفاهيم وأفكار لا تعرف في الإسلام، بل تخالفه في كثير من الأحيان، وتلقفها قوم من المسلمين، يتاجرون بها مستغلين ضعف الناس أمام أعباء الحياة الثقيلة. ومن موضوعاتهم التي شرقت وغربت، وألفوا فيها الكتب، وعقدوا فيها الدورات، وجنوا بها الأموال من الضعفاء؛ كذبة (قانون الجذب، واستحقاق الذات) وملخص دجلهم هذا: أن الإنسان يخلق واقعه بنفسه عن طريق تفكيره؛ فيعدون الفقير بالثراء السريع الفاحش بلا كسب ولا عمل، ويعدون المريض بالشفاء العاجل بلا علاج ولا دواء، ويعدون من يتمنى شيئا أن يحصله بيسر وسهولة عن طريق قانون الجذب، وذلك بأن يفكر فيما يريد، ويوقن أنه سيحصل له، فهو يجذبه إليه، فيحصل له. تقول الراهبة الكبرى لهذا الدجل الرخيص: «أفكارك تحدد مصيرك. كل امرئ يحصل على ما يفكر به. وما تفكر به هو ما تحققه». فقانون الجذب يعني أنك تخلق واقعك الخاص بك من خلال تفكيرك.. أي: تخاطب ما تريد في نفسك، أو تفكر فيه تفكيرا إيجابيا فينجذب إليك.
ونقل هذا الإفك المبين للمسلمين أحد المتيمين به من أهل الإسلام، واجتهد في أسلمته، والاستدلال له، ومن أقواله في تسويق هذا الكذب: «إننا نجذب الأحداث التي حولنا من خلال التركيز والاهتمام والطاقة» فهم يقولون: إذا أردت شيئا أغلق عينيك وتخيل حصوله، وثق أنه يحصل وأنك امتلكته... فمن بلائهم أنهم ألغوا كل الأسباب والسنن الكونية، وحصروها في الجذب فقط، فهل يقول عاقل إن النار لا تحرق إلا إذا اعتقدنا أنها تحرق، بل هي تحرق سواء اعتقدنا فيها الإحراق أم لم نعتقده.
بل وصل بهم قانون الجذب إلى الشرك في الربوبية والألوهية والاعتقاد في الأحجار؛ ففي حادثة يذكرونها أن امرأة عانت من مشكلات أسرية، فأخذت حجرا وسمته حجر الامتنان، وحملته معها وأخذت تلمسه، وهي تعتقد أن مشاكلها ستحل؛ فحلت مشاكلها، وتقول راهبتهم الكبرى: «حدد ما تريد، ووجه طلبك للكون، وآمن أن الأمر صار ملك يديك».
إن قانون الجذب الذي يُغرَى به الشباب والفتيات يؤدي إلى تعظيم الذات، وإقناع الإنسان نفسه بأنه عظيم، وأنه مستحق لكل شيء، وأن ما يريده يحصل له لعظمته لا لسعيه وعمله، وأنه سيد الكون، ويجعلون من العبد الضعيف إلاها متصرفا في الكون، يخط قدره بنفسه، بل يتصرف في غيره تصرف الرب، تعالى الله عن إفكهم. فهم يزعمون أن القوة التي تحرك العالم كامنة في داخل الموقن بقانون الجذب، ولا حدود لإمكاناته وقدراته، وهو صاحب قدرة مطلقة، وحكمة ليس لها حدود، وذكاء لا نهائي، وأنه بقانون الجذب لديه إمكانيات الله تعالى في خلق عالمه، ويخاطبون أتباعهم قائلين: «إنك خالق، وثمة عملية سهلة للخلق باستعمال قانون الجذب»، ويقولون: «نحن الخالقون، ليس لقدرنا فقط؛ بل نحن الخالقون لقدر الكون»، وقالوا: «قانون الجذب هو قانون الخلق»، ويقولون: «إنك الله في جسد مادي»، ويقولون: «كل شيء نركز عليه فإننا نخلقه».
إنهم ينقلون أتباعهم من عبادة الله تعالى إلى عبادة الكون في دعائه وطلب الحاجات منه، فيقولون: «الكون سيعطيك كل شيء طيب تريده...ثق بالكون.. الكون يقدم كل شيء لكل الناس من خلال قانون الجذب..».
وقانون الجذب عده أصحابه الذين اخترعوه في الغرب السر الذي اكتشف لتحقيق كل شيء، ومبناه على الشرك في الربوبية، والقول بوحدة الوجود، والذين نقلوه للعربية أجروا عليه عمليات تجميل، وأخفوا كثيرا من حقائقه، وعبثوا بترجمة نصوصه؛ لئلا يرفضها المسلم؛ لكونها مصادمة لعقيدته في الربوبية والألوهية. ثم حاولوا الاستدلال له بنصوص شرعية يحرفون معانيها لتوافق إفكهم، في تلبيس على الشباب والفتيات، وإضلال لهم، ونفخ لذواتهم، وهذه طريقة كفار أهل الكتاب، حين يخفون الحق عن أتباعهم، ويزينون الباطل لهم، فخاطبهم الله تعالى بقوله ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 71].
نسأل الله تعالى أن يحفظ شباب المسلمين وفتياتهم ممن يريدون صرفهم عن دينهم، وإفساد عقائدهم، وأن يرد كيد المفسدين إلى نحورهم.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة: 48].
أيها المسلمون: إن قانون الجذب واستحقاق الذات الذي ضحك به الدجالون على كثير من الشباب والفتيات فيه إلغاء للإيمان بالقضاء والقدر، فالإنسان هو الذي يخلق قدره حسب رأيهم، بل يقررون أن لوح الإنسان أبيض، لم يكتب فيه شيء، وأن الإنسان يكتب قدره فيه عبر التفكير واتصال عقله بذرات الكون. وفيه تعظيم للذات، وتكريس للأنانية والفردية، وفيه أن ما يصيب العبد من الابتلاء في نفسه أو أهله أو ولده أو ماله فهو الذي جلبه لنفسه بسلبية تفكيره، وليس من تقدير الله تعالى، وأن المظلوم يستحق الظلم من ظالمه؛ لأنه جذب الظلم إلى نفسه بتفكيره السلبي.
كل هذه الخطايا والضلالات في قانون الجذب واستحقاق الذات؛ يدعى إليها شباب المسلمين وفتياتهم، ويخبرون بأنها السر المكتشف لكل نجاح، والبلسم المزيل لكل الآلام، والحل الأكيد لكل المشاكل، ثم إذا تاه الشاب أو الفتاة في ظلمات التفكير والأحلام والآمال، وتعلق بغير الله تعالى؛ صدمه الواقع بالحقائق التي لا مناص منها.
إن على كل مسلم ومسلمة، وشاب وشابة؛ أن يعوا حقيقة مهمة، وهي أنه لا مفزع للمخلوق من أزماته ومشكلاته إلا إلى الله تعالى، ولا مخرج له من واقعه الأليم إلا بالله تعالى، بالإيمان به سبحانه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، وتوثيق الصلة به، والعمل بأسباب النجاح والفلاح؛ لأنها من سنن الله تعالى، وأمر سبحانه بالأخذ بها؛ وأن يعلموا أن المرتزقة الذي يرتزقون بآلام الناس وأحلامهم وتطلعاتهم لن يغنوا عن العبد شيئا؛ لأنهم لو كانوا صادقين فيما يذكرون عن قانون الجذب؛ لجذبوا الدنيا بمالها ومناصبها ولذائذها إلى أنفسهم، ولما احتاجوا إلى إقامة دورات، وتأليف كتب؛ ليجنوا بها شيئا من المال. ولكنهم كالسحرة والمشعوذين الذي يعدون من يصدقهم بالثراء الفاحش، والحياة الجميلة، من أجل الاستيلاء على شيء من أموالهم، ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: 32].
وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم...