• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ناميبيا..

وفقا لشهادة أحد أبناء الهيريرو الذي بقي حيا فإنه تم نقلهم إلى جزيرة تدعى القرش بالإجبار وطلبوا منه سلخ جلد الموتى وتنظيف الهياكل العظمية لأفراد عائلاتهم وقبائلهم، لإرسالها إلى مراكز الأبحاث في ألمانيا


في نهاية القرن التاسع عشر كانت ألمانيا تسعى لنقل مواطنيها إلى مستعمرات جديدة لتوسيع أراضيها الصناعية المكتظة بالسكان، ففي عام 1884 بدأ القادة الأوروبيين تقاسم الكعكة الإفريقية لتطبيق خططهم الاستعمارية، بعد مؤتمر برلين استغلت ألمانيا الفرصة واختارت ناميبيا التي كانت تعرف في ذلك الوقت بجنوب غرب إفريقيا الألمانية لقيمتها الاقتصادية والألماس المنثور في أراضيها فأطلقت جيوشها نحو البلد الإفريقي الضعيف الذي يعيش فيه ثمانون ألفا من قبائل الهيريرو وعشرون ألفا من قبائل الناما.

بدأ الجنود الألمان أخذ أراضي السكان الأصليين بالقوة واستعباد أهلها للعمل فيها، لم يتحمل أفراد القبائل تلك المعاملة العنصرية، وعمليات التعذيب العنصرية التي كان يقوم بها الجنود الألمان ضد أصحاب الأرض الأصليين.

في يناير 1904 حشد شعب هيريرو بقيادة صامويل ماهاريرو، أفراد قبيلته وثاروا ضد الحكم الاستعماري الألماني. وقتلوا أكثر من 100 رجل ألماني في منطقة أوكاهاندجا، مع ذلك أبقوا النساء والأطفال. لم يعجب الأمر السلطات في برلين فقررت إرسال الجنرال الوحشي لوثر فون تروثا لقمع ثروتهم واستمرت المعارك لما يقارب العام وفي أغسطس فاز الجنرال الألماني لوثر فون تروثا على الهيريرو في معركة ووتربرغ وسفك دماء السكان الأصليين، وتظل مقولة الجنرال التي وثقت الإبادة وهي يأمر جنوده "أطلقوا النار على أي هيريرو أعزلا أو كان يحمل بندقية اقتلوا أطفالهم ونساءهم وأخمدوا أصواتهم إلى الأبد"، تردد عبر مائة عام لتسمعها الأجيال وتسمعها العالم الذي غض الطرف عنها وكأنها لم تكن.

وبدأ جنوده باستخدام جميع الأسلحة النارية والحربية، قصفوا البيوت واغتصبوا نساء القبلية، وأجبروا من تبقى من أفراد القبلية وعائلاتهم على الفرار إلى صحراء تدعى "أوماهيكي" القاحلة والحارقة وحاصروهم هناك، وأغلقوا عليهم الآبار وسمموها حتى لا يتمكنوا من الهرب أو الشرب، وأجبر بعضهم على حقن أنفسهم بالزرنيخ أو الأفيون، أو إصابتهم بأمراض مثل الجدري والسل لإجراء البحوث العلمية عليهم.

ووفقا لشهادة أحد أبناء الهيريرو الذي بقي حيا فإنه تم نقلهم إلى جزيرة تدعى القرش بالإجبار وطلبوا منه سلخ جلد الموتى وتنظيف الهياكل العظمية لأفراد عائلاتهم وقبائلهم، لإرسالها إلى مراكز الأبحاث في ألمانيا، كانت تجري عليهم أبحاث لإثبات تفوق الأوربيون البيض على الأفارقة الأسود، وإثبات أنهم شعوب دنيا تسمى البرابرة، مستهلكون غير قادرين على الإنتاج، استمرت عملية الإبادة ثلاثة سنوات حتى عام   1908،  حتى  تعالت الضغوط الداخلية في ألمانيا لوقف هذه الحرب، وإرساء سياسات جديدة تخدم مصالح القوات الاستعمارية والسكان المحليين. لكن هذا كان بداية لفصل جديد في معاناة القبائل المحلية، إذ أمر المستشار الألماني آنذاك برنارد فون بولوف بإنشاء خمسة معسكرات لتنظيم العمالة.

وبعد إغلاق المعسكرات، كان قد قُتل 60 ألفا على الأقل من أفراد قبائل هيريرو البالغ عددهم ثمانون ألفًا، بجانب عشرة آلاف من قبائل ناما البالغ عددهم عشرين ألفا.

بجانب كل تلك الفظائع أصدرت السلطة الألمانية في تلك الفترة قرارا يمنع السكان المحليين من امتلاك الأراضي والماشية والخيول، وأُدمج من بقي من السكان المحليين في نظام للعمالة يخدم المصالح الألمانية بالأساس. وفرت معظم الأسر إلى جنوب أفريقيا تجنبا للبطش الألماني.

ويرى المؤرخون والمحللون على السواء أن الأحداث التي وقعت بين عامي 1904 و1908 قضت على الإرث الثقافي للقبائل، ليس فقط بقتل أكثر من 80 في المائة من السكان، بل كذلك بتشتيتهم ومنع من بقي منهم عن استكمال أنشطتهم الاقتصادية التي ارتبطت بشكل وثيق بتراثهم الثقافي.

في عام 1923، شُيعت جنازة القائد صمويل مهاريرو، قائد قبائل هيريرو وأحد أبطالها الذي عاصر كل المواجهات مع القوات الألمانية. وهنا جاءت الفكرة ببدء تحرك جماعي لأبناء القبائل، ينقل للعالم ما حدث في بلدهم، وتمثل في تأسيس حركة أوتروبي.

واستمر أفراد الحركة في أفريقيا وأوروبا في سرد ما جرى في المجزرة الألمانية، حتى أتت الفرصة لدعم مطالب الاستقلال بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية 1945، إذ وضعت المستعمرات الألمانية في أفريقيا تحت وصاية الأمم المتحدة.

وأوكلت إدارة المنطقة إلى الحكومة المحلية في جنوب أفريقيا حتى أكتوبر/تشرين الأول 1966، حين أنهت الأمم المتحدة هذا التفويض وأصبحت المنطقة خاضعة للوصاية الأممية المباشرة.

وبدأ الصراع في المنطقة من أجل الاستقلال، ونشطت حركات التحرر في أوروبا وفي أفريقيا حتى حصلت ناميبيا على الاستقلال عام 1990.

ويعتقد خبراء ألمان -وفق الصحيفة- أن الإبادة الجماعية للهيريرو والناما كانت مؤشرا ينذر بتنامي الأيديولوجية النازية .

ويُعتقد أن الضباط الاستعماريين الألمان، الذين كانوا يدرسون طرق تحسين النوع البشري، وهو اعتقاد مشوه في تحسين السلالات البشرية من خلال التربية الانتقائية، قد طوروا أفكارا حول النقاء العرقي واختلاط الأجناس خلال تجاربهم على الضحايا في ناميبيا.

وقد تم فعلا إرسال مئات جماجم الضحايا إلى ألمانيا لفحصها، أعيد بعض منها خلال السنوات الأخيرة، فيما اعتبر أحد "أكثر المواقف عاطفية وإثارة للجدل" في تاريخ الإبادة الجماعية الناميبية.

وبدأت حملة من أجل الاعتراف بالإبادة الجماعية بحق شعبيهما بعد استقلال ناميبيا عام 1990، وازدادت قوة وزخما مع الذكرى المئوية للفظائع عام 2004 وخلال السنوات الأخيرة خاصة؛ بفضل الباحثين والسياسيين ، الذين دفعوا ألمانيا للتصالح مع تاريخها الاستعماري، الذي نادرا ما تتفحصه.

وفيما ألمحت ألمانيا مبكرا إلى أنها مستعدة للاعتراف بالفظائع على أنها إبادة جماعية، كان هناك على الدوام حجر عثرة يقف في طريق هذا الاعتراف، وهو المال؛ ليس فقط المبلغ الذي سيتم تقديمه كتعويضات، لكن أيضا كيف ستوصف تلك الأموال.

  

أعلى