• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الربيع العربي.. النافذة السياسية

الربيع العربي.. النافذة السياسية


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.. إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون{، }يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً{، }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً{.. أما بعد:

النافذة السياسية هي من أهم النوافذ - أو من أبرزها - التي حركت قضية الربيع العربي. وسألقي الضوء على ثمانية محاور تتعلق بها، وهي كالتالي:

المحور الأول: ماذا نقصد بالنافذة السياسية؟

المحور الثاني: تصارع مكونات تركيبة الرؤى السياسية في الربيع العربي وفق منطلقاتها.

المحور الثالث: مكونات ميدان الصراع، وهي: المجلس والشارع والمعارضة والنقابات.

المحور الرابع: الإسلاميون وتجاربهم الديمقراطية.

المحور الخامس: الديمقراطية دين كما الإسلام دين (أي: منهج).

المحور السادس: مهمة المسلم والإسلاميين المحافظة على منهاج التوحيد.

المحور السابع: خطورة الانخراط في المنهج الديمقراطي.

المحور الثامن: العمل الدعوي المؤسسي القائم على تحقيق التوحيد هو المنهاج المطلوب.

هذه هي المحاور التي سنتحدث عنها إن شاء الله في هذه المحاضرة.

المحور الأول: ماذا نقصد بالنافذة السياسية؟

هي واحدة من النوافذ التي نطل منها على ما اصطلح على تسميته الربيع العربي، وتغطي المكونات السياسية من أحزاب وجماعات وأفراد كل منهم له رؤيته السياسية ومذهبه السياسي، وتغطي أهداف المكونات السياسية، والممارسة السياسية الديمقراطية وغيرها والأهداف السياسية والمؤثرات الداخلية والخارجية في الجانب السياسي والرؤيا الإسلامية التي نتبناها في هذا الموضوع، أي في الجانب السياسي.

وإذا نظرنا من خلال تركيبة الرؤى السياسية في الربيع العربي إلى الشارع والناس الذين خرجوا في الميادين والشوارع، وتظاهروا وأضربوا وتجمعوا من رجال ونساء وأطفال، ونصبوا الخيم وباتوا في تلك الميادين، ووصلت مسيراتهم إلى مليونية، وتعددت في أماكن كثيرة في العواصم والمدن الكبرى، بل حتى في القرى والأرياف؛ فهذه التجمعات الكبيرة من الناس والمكونات إذا ألقينا عليها نظرة لأجل أن نفرزها وننظر إلى خلفياتها فمن الممكن أن نقسمها إلى الأقسام التالية:

القسم الأول: تجمعات إسلامية:

وتضم الإخوان المسلمين والسلفيين بمدارسهم المتعددة، وتضم الصوفيين والمستقلين، وكل من هؤلاء له خاصيته في الممارسة السياسية، وخاصيته في التحليل الذي لأجله خرج وتظاهر واعتصم. إذاً هناك مجموعات كبيرة جداً من الأفكار والمنطلقات والمنبعثات التي تجمعت لسبب ما في هذا المكان بتلك الشعارات لأجل تحقيق مصلحة معينة.

القسم الثاني: الليبراليون والعَلمانيون:

وتضم هذه الشريحة القوميين والوطنيين والمستغربين والمستشرقين وجماعات أخرى وأفراداً، وكل حزب أو كل جماعة يتمثل بحزب أو بأفراد أو بنقابات... إلخ.

القسم الثالث: المستقلون:

وتضم هذه الشريحة بعض الإسلاميين والليبراليين والعَلمانيين.

وأما الفرق بين القسم الأول والثاني: فالأول جماعات، والثاني أفراد.

وهناك قوى داعمة للأنظمة القائمة خرجت ضد تلك التجمعات وأولئك الأفراد، وهي قوى وظفتها الدول والحكومات القائمة لأجل أن توازي التجمعات المضادة التي خرجت لها ولأجل أن توازن الشارع، وهؤلاء يتألفون من مخلفات الأنظمة ومفرزاتها؛ كأعضاء الحزب الوطني في مصر، والبعثيين والشبيحة في سورية، أو مِن الذين استفادوا من وجود هذه الأنظمة، أو مِن أفراد أجبروا على الخروج، ففي سورية مثلاً هناك عدد كبير جداً من الأفراد من الموظفين والطلبة يجبَرون على أن يذهبوا للميادين لأجل أن يتظاهروا لصالح النظام وليعطوا النظام خلفية جماهيرية تدل على شرعيته وأن هناك أناساً مع النظام. فهؤلاء هم جزء من الرؤيا السياسية في مكونات المشهد.

ووجدنا أن مع هؤلاء الذين كانوا تابعين للأنظمة والذين لا يزالون تابعين لها؛ سلاحاً وأحياناً يكونون مدججين بعصي وهراوات وأشياء أخرى، ويعتدون فيها على المتظاهرين، وتصبح هناك اشتباكات يتسلح النظام بها للتدليل على أن المظاهرات هذه التي خرجت ليست مظاهرات سلمية وإنما خرجت بالسلاح ومن ثم يعطي لنفسه مبرراً لأجل أن يستخدم السلاح ضد هذه المجموعات التي خرجت ضده.

ومن المظاهرات والاعتصامات التي لها خصوصية في قضية التحرك السياسي؛ ما جرى في البحرين، فهذه الأخيرة لها وضع خاص يتعلق بالحلم الشيعي المتمثل في إقامة دولة شيعية كبيرة في المنطقة، وأيضاً لارتباطها المباشر عقدياً وحركياً مع إيران، ولأن هناك معارضة سنية في الشارع ضد هذه المجموعة وليسوا من قبل النظام.

ولن أخوض في الحديث عن قضية البحرين لأنها لا تدخل في هذا المجال الخاص بالربيع العربي، حيث إنها تتعلق أصلاً بمعارضة مستمرة منذ سنوات طويلة مدعومة من الخارج وتحركها جهات خارجية غير الأشياء التي حركت القوى التي خرجت في الشارع العربي.

المحور الثاني: تصارع مكونات تركيبة الرؤى السياسية في الربيع العربي وفق منطلقاتها:

سنتكلم أولاً عن مرحلة ما قبل إسقاط الأنظمة في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا، وفي اليمن، ومرحلة ما قبل الثورة السورية، وما الشيء الذي حرك الجماهير للخروج على هذه الأنظمة.

ويمكن أن نقسم الجماهير الثائرة إلى قسمين:

 القسم الأول: الذين خرجوا بسبب القهر.

والقسم الثاني: الذين خرجوا بسبب الفقر.

ويتمثل القهر في الاستبداد السياسي وفي السجون والمعتقلات والتعذيب والفصل بين الوظائف والكبت الإعلامي من كتابة أو صحافة أو نشرات سمعية أو مرئية.. كل هذه الأمور تراكمت وأدت إلى تفاقم نفسي وداخلي نابع من القهر والكبت، فخرج الناس وثاروا على الأنظمة.

ويتمثل الفقر في البطالة وارتفاع نسبتها، ومن ثم أدت إلى وجود الجريمة والجهل والجوع وأشياء كثيرة جداً؛ فتجمعت هذه الأمور كافة وحركت الشارع.

ومن الأشياء التي تعد ظاهرة من ظواهر الفقر: عدم توفر المسكن والمأكل والملبس والعلاج والتعليم، فكل هذه الأمور تجمعت وأنتجت ما أنتجته، وكل فرد من الذين خرجوا في هذه الشوارع أو تلك الميادين قد ناله شيء من هذا بتفاوت بينهم، وهذا التفاوت هو الذي جعل في كل شخص من هؤلاء الأشخاص دافعاً داخلياً بقدر معين للتعبير، فالذين يعدون أكثر الناس تعرضاً لما سبق ذكره كانوا أشد تعبيراً واستعداداً للتضحية من غيرهم.

وسنتكلم الآن عن مرحلة ما بعد إسقاط النظام، وهي التي نراها الآن، فهناك أكثرية في الشارع اتفقت على الاحتكام للديمقراطية أساساً للمشاركة في الحكم، فإذا ذهبت إلى تونس فالأكثرية اتفقت على أن تكون الديمقراطية أساس الحكم، وإذا ذهبت إلى ليبيا ومصر واليمن فستجد الأمر نفسه، وهو القرار ذاته المطروح الآن في سورية لفترة ما بعد سقوط النظام هناك، فالأكثرية الشعبية الجماهيرية اتفقت على أن تكون ساحة التحرك السياسي المستقبلي لها بعد إسقاط الأنظمة هي الساحة الديمقراطية، ويشارك في ذلك الجماعات الإسلامية وكثير من الإسلاميين بشتى فصائلهم وشرائحهم، إضافة إلى الشرائح الأخرى. وهناك أقلية لا ترى هذا الرأي، ولم تستطع أن تعبر عن رأي واقعي في الساحة ذي مردود سوى أنها تعبر عن رأيها، وتقول أنا لا أرى هذا، وأن هذا الكلام خطأ، وأن هذا التصرف خطأ، لكن ليس لها مردود في الشارع قوي يستطيع أن يغير اتجاه موجة الحركة الجماهيرية الموجودة حالياً، وعلينا أن نبقي هذه المعلومة في أذهاننا، وعلينا أن نتذكر أن الحق لا يُعرف بالعدد ولا بالكثرة ولا بالغلبة، وإنما يعرف بالكتاب والسنة، هذه قضية أساسية جداً، وعلينا أيضاً أن نتذكر، وسنأتي إلى هذا الكلام فيما بعد إمّا في هذا اللقاء أو في الذي بعده؛ أن الأنبياء وأتباعهم دائماً كانوا هم قلة وكانت المساحة الجماهيرية ليست في هذا الاتجاه.

وأرجو أن لا يُفهم من كلامي أني أشبّه الإسلاميين بالذين عارضوا الأنبياء، لكن أقول إن التجمع على شيء من حيث الكثرة والعدد لا يدل على أن هذا التجمع محوره هو محور الحق الصافي، وقد يكون فيه بعض الحق وقد يكون غير ذلك.

المحور الثالث: مكونات ميدان الصراع:

أفرز الربيع العربي ميادين للصراع عدة، وهي:

الميدان الأول: المجلس النيابي (البرلمان).

الميدان الثاني: الشارع.

الميدان الثالث: النقابات.

الميدان الرابع: المعارضة، وهي موزعة بين الثلاثة المذكورين؛ أي: هناك معارضة في البرلمان، ومعارضة في الشارع، ومعارضة في النقابات.

والمفصل الرئيس الذي يتقرر من خلاله طبيعة ما سيكون من حركة هو الصراع في المجلس النيابي، فهو الذي سيقرر على ما سوف تكون التوجهات في هذه النتائج الخاصة بالربيع العربي.

فإذاً؛ إن المجلس النيابي هو الصيغة التي اتفقت عليها الأطراف لتكون الميدان المعبر عن الديمقراطية في هذه البلاد، وسيطرح الإسلام من خلال المجلس طرحاً ديمقراطياً يتم التصويت على تشريعاته قبولاً أو رفضاً أو تأجيلاً، والجميع سوف يرضخون لهذه النتيجة، سواء كانوا من الإسلاميين أو من الليبراليين أو من العلمانيين أو من شتى الطوائف أو الفرق. إذاً ليس كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هما المختصان بالتشريع، وإنما هو رأي البشر وما يتفقون عليه وما تقرره نتيجة التصويت، إذاً هذا ميدان من ميادين الصراع الرئيسة.

وعلينا أن نلاحظ أن الإسلام لم يكن شعاراً مرفوعاً في الربيع العربي، بل كان الشعار المرفوع هو إسقاط النظام (الشعب يريد إسقاط النظام)، ففي تونس سمعنا: الشعب يريد إسقاط النظام، وفي مصر سمعنا: الشعب يريد إسقاط النظام، وفي ليبيا واليمن وسورية الآن: الشعب يريد إسقاط النظام. وأنا شخصياً لم أسمع في تونس أن جماهير الشعب تريد الإسلام أو في مصر أو ليبيا أو اليمن أو سورية وربما رفعها بعض الناس لكنهم كانوا أفراداً وليس جماعات.

ولا يزال الشارع موضوع تأثير وقوة لو أراد الإسلاميون استغلاله، وكنا نقول من قبل إنه لو نجح الإسلاميون في دعوتهم في داخل الشرائح الشعبية واستطاعوا أن يوظفوا القوة الشعبية لأجل أن تضغط على الأنظمة لتحكيم الشريعة؛ لنجحوا في ذلك، لكنهم لم يفعلوا، لكن عندما اجتمعت القوة كلها من أولها إلى آخرها ضمن شعارات أخرى غير إسلامية نجحوا، فدل على أن هذا الكلام كان حقيقياً وصحيحاً في وقته لكن الإسلاميين لم يريدوا ذلك أو لم يفكروا فيه واتخذوا منهجاً محدداً وواضحاً بالنسبة لهم هو أنهم لن يفعلوا شيئاً في هذا الخصوص إلا من خلال المجالس النيابية، ومن ثم أهملوا كل التوجهات الأخرى التي يمكن أن تفرز الواقع الحقيقي الذي يعبر عن هذه الجماهير التي هي ولدت إسلامية في أصلها وتاريخها إسلامي وولدت من أبوين مسلمين وفي أرض إسلامية وفي بيئة إسلامية ومع ذلك لم يستفد من هذا المخزون الإسلامي العقدي الذي يمتد إلى 14 قرناً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بل يمتد إلى بدء الخليقة من وقت ما خلق الله آدم عليه الصلاة والسلام.

 لم نستطع نحن بوصفنا إسلاميين أن نوظف هذا المخزون العقدي التاريخي على المستوى الشعبي لأجل أن نغير أي نظام من الأنظمة القائمة، ونجحت القوى الأخرى بشعارات أخرى في أن تحقق ما هو ليس من طبيعة المكون العقدي لهذه الشعوب. وهذا الكلام يطول الحديث فيه.

ومن ميادين الصراع أيضاً النقابات، وهي تشكل قضية مهمة جداً في المكونات؛ لأن الشرائح المهنية جميعها لها نقابات، وهذه النقابات يندرج فيها مئات الآلاف من العاملين، فهناك نقابة للمهندسين، ونقابة للعمال، ونقابة للبترول... إلخ، وكل نقابة من هذه النقابات فيها مكونات من الإسلاميين ومن غير الإسلاميين، فهي أيضاً محطة أو محطات صراع جزئية تكون في نتائجها أجزاء من مكونات الصراع الكلية التي تفرز ضغطاً ما على البرلمان وعلى المجالس النيابية، فهذه هي ميادين الصراع.

ولا بدّ أن نلقي ضوء على الديمقراطية التي ينادي بها الآن الفرقاء من إسلاميين وغيرهم من حيث: من أين جاءت إلى بلادنا؟ وهل هي إفراز طبيعي من طبيعة نسيج المجتمع الإسلامي؟ أم هي شيء أسطوري جاءنا من الخارج ودعم من الخارج وطبق علينا من الخارج وتقمصناه وتشربناه وأصبحنا جزءاً من هذا النسيج الخارجي الذي نسج فوق نسيجنا الحقيقي والأول؟

ولا شك في أن تسليط الضوء على هذه القضية يعد ضرورياً جداً، وسنتناولها فيما يلي:

ينبغي لنا أولاً أن نفهم أن الديمقراطية تحقق أهداف الغرب في: تمييع مفهوم الإسلام، وفي عدم تفرد الإسلام بالحكم، وفي تمرير المشاريع الغربية لتفعل فعلها في الشارع المسلم بغطاء برلماني.

وبإمكاننا الآن أن نسلط الضوء على بعض هذه الأمور بشكل أكثر تركيزاً، فهناك دراسات كثيرة أُعدَّت في الغرب لأجل هذه الغرض، وسأشير إلى هذه الدراسات ضمن مضامين معينة.

 تشير الملامح الرئيسة لتقرير راند 2007 فيما يخص تطبيق الديمقراطية في البلاد الإسلامية والعربية بالذات إلى أمور عدة، منها:

الأمر الأول: القبول بالديمقراطية الغربية، ورفض فكرة الدولة الإسلامية.

الأمر الثاني: القبول بالمصادر غير الدينية في تشريع القوانين.

الأمر الثالث: احترام حقوق النساء وحرياتهن وفقاً للنموذج الغربي.

الأمر الرابع: احترام حقوق الأقليات غير المسلمة، وإمكان تولي بعضها مناصب سياسية عليا في دولة ذات أغلبية مسلمة.

الأمر الخامس: احترام حق غير المسلمين في بناء دور عبادة خاصة والدعوة إلى أديانهم في بلاد المسلمين.

الأمر السادس: احترام حقوق الإنسان بما فيها حق الإنسان في تبديل دينه.

الأمر السابع: نبذ العنف الذي يمارسه الفرد أو الجماعة بصوره وأشكاله كافة. والمقصود بذلك طبعاً ما يسمى التطرف الإسلامي.

هذه أهم الملامح التي أريد لها أن تكون واقعاً عملياً فكرياً وحركياً في الجماهير الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية.

فما الأهداف المرجوة من هذه الملامح؟

لهذه الأهداف محوران:

المحور الأول:

العمل مع المسلمين - الذين بالنسبة لهم يسمون - المعتدلين في الدول التي تكون الظروف فيها مواتية وإيجابية لتطوير شبكات ومؤسسات مسلمة فعّالة؛ من أجل تقوية هذه المجتمعات في مواجهة تدفقات السلفية المتطرفة للإسلام والنابعة من الشرق الأوسط.

المحور الثاني:

إيجاد قنوات تواصل إعلامية تشجع نشر التفسيرات المذكورة والعامة للإسلام من قبل المسلمين المعتدلين في المناطق الأخرى وفق ما يلي:

أولاً: إعادة تفسير الإسلام بما يقتضي تغيير مفاهيمه بحيث لا يصبح مقاوماً للهيمنة الغربية على المستوى الفكري أو العقدي بل المستوى الحركي كذلك.

ثانياً: إعادة توصيف مصطلح التيار الإسلامي ومصطلح المعتدلين الذين يرشحون للتعاون في بناء شبكات معتدلة تعم العالم الإسلامي.

ثالثاً: دعم التوجهات التحررية المناهضة للحكومات العربية الحالية. وجاء في التقرير: "نرى أن جهود دعم الديمقراطية التي تتحدى بشكل مباشر الأنظمة السياسية التسلطية هي جزء مهم من الاستراتيجية الكبرى".

رابعاً: تصفية الوجود السلفي في أوروبا. يقول التقرير: "يرى التيار السلفي أن المؤسسات الإسلامية يجب أن تتوسع إلى أن تتمكن أعداد أكبر وأكبر من المسلمين في أوروبا من الحياة بشكل مستقل من خلال نظام إسلامي غير معلن داخل الدولة العلمانية، كما يؤمنون بأنه من خلال الدعوة ومعدلات الإنجاب العالية وكثرة نسبة الشباب ضمن التركيبة السكانية مع استمرار الهجرة؛ فإن المجتمع المسلم سيتوسع وسيحصل على فرص تأثير أكبر في المجتمع، أي أنه يأمل في أسلمة أوروبا". فهم يعدون التيار السلفي الذي في أوروبا يمكن أن يشكل خطراً بالنسبة لهم وتغييراً في التركيبة السكانية، فأين مصدر هذا التيار؟ مصدره من العرب من بلاد المسلمين، فإذاً القضاء على المنبع مهم جداً بالنسبة إليهم. وإن اختراق التيار السلفي واختراق الفكر السلفي وجر السلفيين إلى البحيرة الديمقراطية وإخراجهم من الاستقلالية التي هم عليها؛ سيؤدي إلى تفريغ هذا المحتوى وهذا المفهوم، ومن ثم سيضعف هذا الفكر السلفي المؤثر في أوروبا وفق هذا الأمر.

إذاً ما الأفكار الرئيسة التي تسوغ تحقيق هذه الأهداف التي ذكرتها لكم؟

الأفكار الرئيسة هي:

أولاً: ليس الصراع الدائر الآن بين الغرب والإسلام صراعَ مصالح، وإنما صراع فكري بين منظمتين متكاملتين متباينتين تماماً، فهو صراع بين الأمة المسلمة والعالم الغربي. ولاحظوا (تشخيص راند) المتمثل في أن طبيعة الصراع في حقيقتها وفي جذورها وفي عمقها صراع بين مكونين مختلفين ومنظومتين متكاملتين كل منهما له اتجاهه، هذا الاتجاه إسلامي وهذا الاتجاه غربي، ويقوم الاتجاه الغربي باختراق الاتجاه الإسلامي والدخول في وسطه ثم سحب هذا التيار من وسطه وسحبه إلى داخل البحيرة الغربية ومن ثم يفقد خصوصيته واستقلاله ويصبح جزءاً من المكون الغربي ويصبح فكره متأثراً بالفكر الغربي. إذاً هذه فكرة مهمة جداً في بيان أن طبيعة الصراع هي صراع فكري عقدي قبل أن يكون شيئاً آخر.

ثانياً: المواجهة الغربية هي مع كل التيارات الإسلامية وليست مع طائفة جهادية فحسب أو سلفية أو غير ذلك، لكن هم أعدوا لكل شريحة من الشرائح الإسلامية ما يناسبها من الاختراق، فهناك إعداد مخطط لاختراق الإخوان، ومخطط آخر بطريقة أخرى وبرؤية أخرى لاختراق السلفيين، وهناك مخطط آخر وبرؤية أخرى لاختراق التحرريين، وهناك مخطط آخر لاختراق الجهاديين. فلكل مجموعة من هذه المجاميع الإسلامية هناك مخطط خاص لاختراقها، بحيث يكون الاختراق شاملاً، وفي سواقٍ تؤدي إلى بحيرة ومنظومة واحدة، فعلينا أن نفهم هذا جيداً، وأن ندقق النظر فيه، فهناك خطوط عامة تخترق هذه المنظومات جميعها، وهناك خطوط تفصيلية داخلية لكل مجموعة، وهناك اتصالات فردية مع قيادات من هذه المجموعات في الغرب وفي غير الغرب، وتعقد هذه الاجتماعات لأجل التأثير على هذه التوجهات ضمن الخطوط التفصيلية، وهناك مؤتمرات ودراسات تسرب للقواعد في هذه المجموعات لأجل أن تصيغ قواعدها وفق التفاصيل الخاصة بهذه المجموعة. وإن التفاصيل الخاصة باختراق قواعد الإخوان ليست التفاصيل نفسها الخاصة باختراق قواعد السلفيين، وليست التفاصيل نفسها الخاصة باختراق الجهاديين، فكل مجموعة من هذه المجاميع هناك خطوط تفصيلية لاختراقها.

ثالثاً: التركيز في المواجهة الفكرية على التيارات السلفية.

رابعاً: توظيف غلاة أهل البدع في مواجهة أهل السنة، وهذا سوف يكون الكلام فيه في محاضرة خاصة في النافذة العقدية.

إذاً هذه أربع جهات مهمة بالنسبة لهذا الأمر، وهذه الأفكار التي ذكرتها لكم ما جاءت هكذا وإنما جاءت نتيجة دراسات سأذكر جزءاً منها بشكل سريع.

من أهم الدراسات تلك الدراسة التي ذكرتها لكم وأنتجتها مؤسسة راند، التي فيها أكثر من ألف موظف، وميزانيتها السنوية تزيد على مائة مليون دولار، ولها دراسات وبحوث متعددة، ويعمل بها عدد كبير جداً من الناس، ولها تاريخ طويل.

وهناك مراكز بحوث أوروبية تغذي صانعي القرار في الدول الأجنبية الغربية الذين يتخذون القرار ويسيّرون الأمور في المجتمع الإسلامي، أي يصدرون قراراتهم إلى وزارة الخارجية، ووزارة الخارجية إلى السفارات، والسفارات إلى التابعين لها؛ لتحرك مجمل ما يتحرك في الشارع الإسلامي، سواء كان على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي أو المستوى النقابي أو المستوى الاقتصادي أو المستوى الاجتماعي... إلى آخره.

ومن أبرز هذه المراكز المعهد الملكي للخدمات الدفاعية الموحدة، ومدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية، ومركز الفقه الإسلامي وقوانين الشرق الأوسط، والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، والجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، ومعهد آدم سميث، ومركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، وديموس مركز بحوث مستقل، ومعهد الدراسات العربية والإسلامية، ومؤسسة فريدر كايبرت، والمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، ومركز الدراسات والبحوث الدولية، ومركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، ومعهد الشؤون الدولية، والمعهد الأوروبي لبحوث التعاون المتوسطي والأوروبي العربي، والمعهد الفنلندي للشؤون الدولية، والمعهد الدنمركي للبحوث الاجتماعية، ومركز أوروبا والعالم الثالث، ومعهد بحوث السلام الدولي، ومعاهد أخرى. لكن هذه المعاهد التي ذكرتها الآن هي مراكز عاملة الآن، وهناك مراكز بحوث أخرى كانت تعمل في السابق وسلمت نتائج دراساتها إلى المعاهد التي جاءت بعدها.

وأنتجت هذه المعاهد دراسات مهمة، وذكرتُ لكم أن مؤسسة راند من بينها، ومن أبرز الدراسات التي أنجزتها هذه المؤسسة دراسة بعنوان (مواجهة الإرهاب الجديد) في عام 1999 في 153 صفحة، ودارت فكرتها حول أن مصدر الإرهاب الجديد هو منطقة الشرق الأوسط وأنه سيهدر المصالح الأمريكية والكيان الصهيوني.

ومن تقاريرها أيضاً: تقرير بعنوان (العالم المسلم بعد 11 سبتمبر) صدر في عام 2004 في أكثر من خمسمائة صفحة وتناول عرضاً تفصيلياً للعالم الإسلامي وخريطته الأيديولوجية والقوى الدينية المؤثرة والخلافات الأساسية بينها، ومن الممكن أن تدخلوا النت وتستخرجوا هذا الكتاب.

ومن تقاريرها أيضاً: تقرير "الإسلام حضاري ديمقراطي – شركاء وموارد واستراتيجيات"، وصدر في عام 2005، وتناول خطوط التعامل مع الفئات الإسلامية المختلفة وترتيبهم في أولويات التعامل الغربي.

ومن دراساتها أيضاً: دراسة بعنوان "ما بعد القاعدة" وصدرت في عام 2006 في مجلدين حول حركة الجهاد العالمية والجماعات الإرهابية الإسلامية.

ومن تقاريرها أيضاً: تقرير بعنوان "بناء شبكات مسلمة معتدلة" صدر عام 2007 في 217 صفحة، تناول دراسة استراتيجية جديدة، وقدم توصيات محددة وعملية للحكومة الأمريكية فيما يتعلق بمواجهة الإسلام.

 إذاً هذه المراكز لها تأثير كبير جداً بالنسبة للتوجه الفكر الغربي أو القيادات الغربية التي تقود صراعها الآن مع العالم العربي والإسلامي.

وسأعطيكم فكرة سريعة عن أحد التقارير السابقة وهو (الإسلام حضاري ديمقراطي – شركاء وموارد واستراتيجيات) الذي أعدته شيريلبينر في مؤسسة راند عام 2003 في فصول عدة، وكان الفصل الثاني بعنوان (خيارات البحث عن شركاء لتعزيز الإسلام الديمقراطي)، انتبهوا إلى كلمة "شركاء لتعزيز الإسلام الديمقراطي"، وكان الفصل الثالث بعنوان (الاستراتيجية الواضحة لتطوير الإسلام)، وضعوا خطاً تحت كلمة "تطوير الإسلام" ليصبح حضارياً ديمقراطياً يتماشى مع الغرب.

ويضم التقرير أربعة ملاحق:

الملحق الأول: وعنوانه (الحروب بين أحاديث السنة النبوية)، وفيه يقترح التقرير التركيز على الحديث النبوي بوصفه أداة لتطوير الإسلام بعيداً عن القرآن الكريم الذي يعد عند المسلمين كتاباً مقدساً غير قابل للنقد.

الملحق الثاني: وعنوانه (دراسة حالة الحجاب)، وفيه يزعم التقرير أن حجاب المرأة المسلمة يعد قضية سياسية وشعاراً للأصولية أكثر من كونه شعيرة، ومن ثم دعا الحكومة الأمريكية إلى منعه.

الملحق الثالث: وعنوانه (في أغوار الاستراتيجية)، وهو ملحق فيه وصف مفصل ودقيق لكيفية تطبيق الاستراتيجية التي وردت في الفصل الثالث.

الملحق الرابع: وعنوانه (مراسلات وزارة الخارجية الأمريكية)، حيث يرد فيها وصف الإسلام.

 والمرأة التي أعدت هذا التقرير لها تقارير سابقة مهمة جداً من أبرزها: الدروس المستفادة من البوسنة عام 1993، وتقرير تعزيز الشراكة -تحسين التنسيق العسكري- بين عمليات الحلفاء ووكالات الإغاثة الإنسانية، وتقرير بعنوان "التعلم عن طريق الإذاعة في أفغانستان"، وتقرير بعنوان "الديمقراطية والإسلام في الدستور الجديد لأفغانستان"، وتقرير بعنوان "إسلام حضاري ديمقراطي"، وتقرير بعنوان "العالم المسلم"، وتقرير بعنوان "بعد ثلاث سنوات الخطوات القادمة في الحرب على الإرهاب"، وهذا التقرير كان في عام 2005، وتقرير بعنوان "مستقبل الشباب الخيارات المتاحة لمساعدة الشباب في الشرق الأوسط للهروب من فخ التطرف"، وتقرير بعنوان "الرعاية الصحية - الدروس المستفادة من مهمات إعمار الأمم"، وتقرير بعنوان "شبكات مسلمة معتدلة"، وتقرير بعنوان "حركة كفاية" في عام 2008، وتقرير بعنوان "أفغانستان الدولة والمجتمع وسياسة القوة العظمى والطريق إلى المستقبل" في عام 2008.

 إذاً هذه المؤلفة ذات خلفية ولها بحوث وتقارير سابقة ولها التصاق بالواقعية. وقد سئلت في مقابلة صحفية: هل تعتقدين أن النظام الديمقراطي يتعارض مع النظام الإسلامي؟ فقالت: لا، لا أعتقد ذلك، إن العالم الإسلامي مليء بالأنشطة والمفكرين، وعامة الناس الذين يريدون الديمقراطية حينما يحين وقت الانتخابات ستجدهم بأعداد كبيرة يتوجهون إلى التصويت؛ لذلك من الواضح أن هذه الأعداد الكبيرة - أي من المسلمين - تريد الديمقراطية.

وأعطي مثالاً على تأثير هذه المراكز على صانعي القرار الغربي بسرعة، فريتشرد هاس وهو رئيس مجلس العلاقات الخارجية في وزارة الخارجية الأمريكية منذ عام 2003 ومدير سابق لدار تخطيط السياسة العامة في وزارة الخارجية الأمريكية يقول: إن مؤسسات الفكر والرأي تؤثر على صانعي السياسة الخارجية الأمريكية بخمس طرق مختلفة:

الأولى: إيجاد أفكار وخيارات مبتكرة في السياسة.

الثانية: تأمين مجموعة جاهزة من الاختصاصيين للعمل في الحكومة.

الثالثة: توفير مكان للنقاش على مستوى رفيع.

الرابعة: تثقيف مواطني الولايات المتحدة عن العالم.

الخامسة: إضافة وسيلة مكملة للجهود الرسمية للتوسط وحل النزاعات.

إذاً هذه المؤسسات الفكرية ليست مؤسسات فكر فقط للجماهير، إنما هي مؤسسات فكر تأخذ - نتيجة دراساتها التطبيقية - مجالها وطريقها إلى موقع القرار السياسي في تلك البلاد، وأمريكا أكبر مثال على ذلك.

وسأعطيكم أمثلة عن أشخاص خرجوا من تلك المؤسسات وكان لهم دور كبير في السياسة الخارجية الأمريكية، منهم: زلماي خليل زاده وكلكم تعرفونه جيداً حيث كان يشغل منصب عالم سياسة رئيسي في مؤسسة راند وبعد ذلك شغل مناصب حساسة في حكومة بوش الابن وكان آخرها سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ثم شغل مناصب أخرى مهمة جداً، وهو كان عالماً سياسياً في مؤسسة راند، إذاً أفرزت مؤسسة راند أشخاصاً دخلوا في صلب القرار وصنعه في السياسة الأمريكية.

والشخصية الثانية معروفة جداً فهي كوندليزا رايس هذه كانت أيضاً باحثة سابقاً في مؤسسة هوفر للحرب والثورة والسلام وهي من أعرق مؤسسات البحوث الأمريكية وتأسست عام 1919، وكذلك كانت كوندليزا رايس ولا تزال عضواً في مجلس أمناء مؤسسة راند، ومن ثم وزيرة الخارجية في حكومة بوش الابن.

إذاً هذه المؤسسات أفرزت أشخاصاً شاركوا في صنع السياسة الأمريكية في المنطقة، والحال نفسها بالنسبة للمراكز الأوروبية، حيث أفرزت أشخاصاً تسلموا أعلى المناصب في السياسة البريطانية والفرنسية وغيرهما.

وآخر ما سأذكره في هذه المحاضرة السريعة في التوجه الديمقراطي الموجود الآن حالياً في الانتخابات، أن هناك دعماً مهماً جداً من قبل جهات تأخذ أشكالاً مؤسسية أو أشكال شركات أو أشكال أشخاص قد لا تظهر بشكل مباشر؛ تؤثر على مجريات الشارع العربي صاحب الربيع العربي؛ لأجل أن تفرز من خلال هذا الشارع أناساً ذوي تأثير وقوة على مجمل القرارات التي سوف تأتي في المستقبل في السنة القادمة وما بعدها، وقد وضع لهؤلاء الأشخاص مصطلح هو المجددون، فكلمة المجددين يقصد بها بشكل أساسي بعض الإسلاميين الذين يدخلون في مفهوم الإسلام المستنير وغير ذلك.

وتؤكد مؤسسة راند على ضرورة تقوية المجددين وتوفير الدعم لهم، ووضعت لهذا الأمر برنامجاً عملياً وفق خطوات محددة هي بعد جمعها وترتيبها كالتالي:

أولاً: تقوية رؤى المجددين وتعزيز منبر لهم يستطيعون من خلاله التعبير عن آرائهم ونشرها، وجعل آرائهم في متناول الجميع لتنافس آراء التقليديين والأصوليين.

ثانياً: يجب أن يظهروا هم دون التقليديين أمام الجمهور المسلم على أنهم صورة الإسلام المعاصر.

ثالثاً: تحديد أسماء العلماء المجددين المناسبين لإدارة موقع إلكتروني للإفتاء وإبداء الآراء الشرعية العصرية.

رابعاً: تشجيعهم على كتابة الكتب الدراسية ووضع المناهج التعليمية.

خامساً: تشجيعهم على الكتابة لعامة الجمهور والشباب.

سادساً: نشر كتبهم بأسعار مدعومة لتكون متوفرة ومنافسة لكتب الأصوليين.

سابعاً: استخدام الإعلام لنشر أفكار المجددين وممارساتهم.

ثامناً: تكوين قيادات تجديدية جديدة وتنمية خصائص الشجاعة فيهم بجعلهم المدافعين عن حقوق المدنية وليس سواهم.

تاسعاً: إشراك المجددين في الفعاليات السياسية.

عاشراً: إبراز موقف المجددين على أنه هو الثقافة البديلة للثقافة السائدة، أي أنه الحل لأزمات العالم العربي أو العالم العربي والإسلامي.

إذاً نحن إزاء إفراز أشخاص بدعم خارجي أوروبي لنشر كتبهم ودراساتهم وإعطائهم مجالات في المواقع الإلكترونية وفي الساحات التقنية ليؤثروا على مجمل الآراء والأفكار في الشارع العربي والإسلامي؛ بخصوص إعادة تفهيم الناس الإسلام بشكله الجديد الذي يريده الغرب ليخدم هذا الإسلام بهذا الفهم الجديد: المصالح الغربية؛ اليهودية والنصرانية.

ومن جملة الذين سوف يكون لهم الدعم بشكل قوي جداً أناس محسوبون على الإسلام يكتبون بطريقة ليبرالية وأناس بطريقة علمانية وأناس بطريقة صوفية وبدعية... إلى آخره.

المحور الرابع: الإسلاميون وتجاربهم الديمقراطية:

خاض الإسلاميون تجارب ديمقراطية كثيرة في كلٍّ من: مصر، وسورية، والأردن، ولبنان، والسودان، وتونس، والمغرب، والجزائر، والبحرين، والكويت، وقطر، وفلسطين، واليمن، وأيضاً في بعض البلدان الإسلامية مثل: تركيا، وباكستان.. إلخ.

ويحتفظ الإسلاميون لأنفسهم بتجارب متعددة، في أماكن جغرافية مختلفة وفي ظروف سياسية متنوعة، وتشكل هذه التجارب بالنسبة لهم رصيداً لما هم مقبلون عليه.

فما المطالب الأساسية للإسلاميين من المجالس النيابية؟

في كل مرة ينزل الإسلاميون إلى الشارع لأجل انتخابات لمجالس نيابية ويرفعون لافتات ويوزعون منشورات ويكتبون في الصحف ويعلنون في التلفزيون وغيرها مطالبهم التي لو جمعناها فإننا نستطيع أن نلخصها فيما يلي:

المطلب الأول: تحكيم الشريعة الإسلامية.

المطلب الثاني: الإصلاح حسب الاستطاعة.

المطلب الثالث: عدم تمكين أعداء الله من الانفراد بالسلطة.

المطلب الرابع: نشر الدعوة (أي: اتخاذ المجلس منبراً لنشر الدعوة).

المطلب الخامس: الدفاع عن حقوق المسلمين بحماية الحصانة النيابية.

فماذا حقق الإسلاميون من هذه المطالب حقيقةً واقعاً عندما دخلوا في هذه المجالس النيابية ولفترات طويلة؟

هناك دراسة أصولية خاصة بهذا الموضوع أجريتها، وقد نشرت في كتاب (الإسلاميون وسراب الديمقراطية)، لمشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية، فمن أراد التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى هذا الكتاب.

لكن سألقي ضوءاً سريعاً على المطالب المذكورة آنفاً.

المطلب الأول: تحكيم الشريعة الإسلامية:

في إطار تحكيم الشريعة الإسلامية هناك مراحل عدة ينبغي أن تتم داخل المجلس.

المرحلة الأولى:

الموافقة المسبقة والمعلنة على الشكل والمضمون الدستوري القائم بالفعل، أي قبل أن تطرح ما تريد لا بد أن توافق على الدستور وتوافق على المضمون الدستوري حتى إن كنت تريد تغييره في المستقبل.

المرحلة الثانية:

الموافقة على الاحتكام لغير شرع الله إلى أن تتم الموافقة على تحكيمه، والآن لم يحكم شرع الله لكن عليك أن توافق على الاحتكام لغير شرع الله يعني إلى الدستور إلى أن يتم تحكيم شرع الله.

المرحلة الثالثة:

طرح شرع الله تعالى للتصويت النيابي عليه.

المرحلة الرابعة:

إذا كانت نية التصويت لصالح تحكيم شرع الله سبحانه وتعالى فيعرض ذلك على زعامة الملأ وهو رئيس الدولة ليقرر فيها رأيه، وبهذا يتبين أن قرار مجلس الشعب ليس قراراً نهائياً وأن القرار النهائي هو قرار رئيس الدولة.

المرحلة الخامسة:

 أن زعامة الملأ لها الخيار بين ثلاثة أمور:

- إما أن تقبل نتيجة التصويت لصالح تحكيم الشريعة.

-  وإما أنت ترفض.

- وإما أن تجمد.

فلا شك في أن هذه العملية بحد ذاتها مخالفة مباشرة لقضية رئيسية في الإسلام وهي توحيد الله سبحانه وتعالى وأنه لا يجوز عرض شرع الله سبحانه وتعالى على التصويت.

المطلب الثاني: الإصلاح حسب الاستطاعة:

أنواع الفساد الموجودة في كل دولة من الدول من خلال منظار الإسلاميين، هي:

الفساد الإداري، والفساد القضائي، والفساد الإعلامي، والفساد الاقتصادي، والفساد الثقافي والفكري، والفساد التوجيهي، والفساد السياسي، والفساد الاجتماعي، والفساد الأمني والدفاعي. أنواع كثيرة جداً من الفساد.

والآن كيف يتم الإصلاح؟ هذه أيضاً إشكالية؛ فحتى نتكلم عن إصلاح هذا الفساد نحتاج إلى محاضرة قائمة بذاتها؛ لأن الإصلاح هل المقصود منه التغيير؟ وإذا كان كذلك فكيف يكون؟ وعلى أي أساس؟ وما المنطلقات؟ وما المتطلبات؟ وما التقييمات؟ وإلى ما سوف نصل؟

المطلب الثالث: عدم تمكين أعداء الله من الانفراد بالسلطة:

يقول الإسلاميون: نحن ندخل المجلس تحت ضغط الضرورة؛ لأننا إن لم ندخل فسوف يسيطر على المجلس العلمانيون والليبراليون وغيرهم، ولا بد أن ندخل نحن المجلس من أجل أن نوازن هذه العملية.

ونطرح هنا السؤال التالي: هل مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية هي فعلاً من باب الضرورة؟ أم هي منهج عندهم؟

نحن نعرف أن الإسلاميين بدؤوا في هذه العملية منذ عام 1942 ونحن الآن في عام 2011، أي: مرت على أول مشاركة للإسلاميين في المجالس أو أول دعوة لمشاركة الإسلاميين في المجالس، حوالي 70 سنة! فهل هناك ضرورة؟ هناك عمل دعوي يسير تحت خط الضرورة لمدة 70سنة؛ فأين المنهج؟ من المؤكد أنه ضاع في هذه الفترة.

وللتأكيد على أن هذا ضرورة أسوق بعض الأقوال بسرعة:

أبدأ بالشيخ حسن البنا - رحمه الله:

يقول عن النظام النيابي المصري: "ليس في قواعد هذا النظام النيابي ما يتنافى مع القواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحكم". ومن ثم دخول المجلس ليس تحت الضرورة طالما لا يوجد ما ينافيه إذاً هو منهج. ويقول: "ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله للإسلام وهم لا يعدلون به نظاماً آخر". فهل دخول المجالس تحت هذه الجملة ضرورة أم منهج؟ إنه منهج.

وفي عام 1941 أصدر مكتب الإرشاد قراراً بالإذن للأكفياء من الإخوان بأن يتقدموا للهيئات النيابية ليرفعوا صوت الدعوة وليعلنوا كلمة الجماعة، وفي عام 1944 أصدر قراراً آخر يسمح للإخوان أن يشاركوا بترشيح أنفسهم بصفة مستقلة للإخوانية ولقد رشح الأستاذ البنا نفسه مرتين المرة الأولى عام 1942 والثانية عام 1944 وذلك بناء على القرارين الصادرين.

إذاً الممارسة التي مارسها الشيخ حسن البنا رحمه الله ناشئة عن تصور منهجي في كون المجلس النيابي طريقة من الطرق أو وسيلة من الوسائل للوصول إلى الأشياء التي ذكرناها من تحكيم الشريعة والإصلاح.. إلخ.

وبعد حسن البنا رحمه الله جاء الشيخ حسن الهضيبي رحمة الله عليه مراقباً عاماً للإخوان، ومن جملة ما قاله كما نقله عنه صلاح شادي في كتابه صفحات من التاريخ: "إعادة الحياة النيابية.. لا ريب أن الحياة النيابية هي الأساس السليم لكل حكم في العصر الحاضر، والأمة لا تتعلم بإلغاء الحياة النيابية في فترة الانتقال، وإنما تتعلم بممارسة الحياة النيابية بالفعل، فلنشرع فوراً فيما يؤدي بنا إليها في أقرب وقت"، ضرورة أم منهج؟ إنه منهج.

ويقول الشيخ مصطفى السباعي مراقب عام الإخوان المسلمين في سورية: "هناك أربعة أمور تقتضي أن يكون دين الدولة الإسلام وهي: أولاً: القواعد الديمقراطية، ثم المصلحة الداخلية، ثم المصلحة القومية، ثم المصلحة السياسية". ولقد ناقشت هذه الأشياء في كتاب السراب لمن أراد أن يرجع إليها.

ويقول الشيخ سعيد حوى رحمه الله في كتابه "جند الله تنظيماً وتخطيطاً وتنفيذاً": "قد يكون سبيل الجماعة الإسلامية للوصول إلى الحكم وإقامة الدولة الإسلامية في قطر ما هو الانتخابات والمشاركة في الوزارات، ذلك هو الطريق البطيء والتدريجي والأسلم". ويقول: "إن المعارك الإسلامية تحتاج إلى دراسة وتخطيط وخبرات كالمعارك الحربية تماماً".

ويقول الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتابه "موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه": "أما كيف يتأتى هذا التغيير فليس له من سبيل في النظام الديمقراطي إلا خوض معارك الانتخابات، وذلك أن نربي الرأي العام في البلاد، ونغير مقياس الناس لانتخابهم لممثليهم، ونصلح طرق الانتخاب ونطهرها من اللصوصية والغش والتزوير، ثم نسلم مقاليد الحكم والسلطة إلى رجال صالحين يحبون أن ينهضوا بنظام البلاد على أسس الإسلام الخالص، ومن حسن حظنا أن قرار مبادئ الدستور قد أزاح عن طريقنا جميع العقبات الدستورية التي كانت تحول الآن بيننا وبين اختيار الطريق فبمجرد زوال هذه العقبات في سبيلنا نشترك في معركة الانتخابات ولا يزال أمام أعيننا في هذا العمل نفس الغاية التي قد بينتها لكم آنفاً" كما يقول. ورحم الله أبو الأعلى المودودي لو نظر الآن بعد مرور عشرات السنين بعد هذا الكلام ماذا حل في باكستان بعد أن شاركت الجماعة الإسلامية في باكستان في مختلف المجالس النيابية؛ فلا تزال بالنسبة للجانب السياسي تراوح في مكانها وكأنها لم تفعل شيئاً خلال هذه الفترة سوى أنها خسرت المنهج.

إذاً نحن أمام واقع فاسد يحتاج إلى تغيير.

 وهذا الواقع الفاسد له عناوين رئيسة، منها:

- أنه فساد مقنن مدعوم من فئات معينة يحميه القانون.

- وأنه عمّ معظم المرافق الحيوية إن لم يكن جميعها.

- وأن بعض المتجاوزين امتد في تجاوزه إلى ما وراء الحدود الدستورية.

- وأن الإسلاميين لم يتطرقوا لإصلاحه، ويبدو أنه داخل في أفق مخططاتهم.

- وأن اجتثاث هذا الفساد العام لا يتم بمجرد تعديل بعض النصوص الدستورية.

- وأن الإصلاح الحقيقي يفرض المواجهة مع الملأ مع استخدام ما يناسب من الوسائل الشرعية مع كل مرحلة من مراحل تلك المواجهة.

- وأن الخرق اتسع على الراقع ولا بد من تغيير الثوب كله.

إذاً؛ اتخاذ دخول المجالس النيابية منهجاً لا يصلح لإصلاح هذا الفساد الذي ذكرته لكم.

وقالوا نشارك في المجالس النيابية لأجل نشر الدعوة.

والحقيقة يحضرني كلام للشيخ محمد قطب رحمه الله أذكره لكم بعدما ذكرت كلام البنا وكلام الهضيبي والسباعي وسعيد حوى وأبو الأعلى المودودي، فلنقرأ رأياً من آراء الإخوان الذين ينظرون بمنظار الشرع السليم، ماذا يقول محمد قطب رحمه الله في كتاب مذاهب فكرية معاصرة، يقول:

"وفي العالم الإسلامي كتّاب ومفكرون ودعاة مخلصون مخدوعون بالديمقراطية، يقولون نأخذ ما فيها من خير ونترك ما فيها من شرور. يقولون: نقيدها بما أنزل الله ولا نبيح الإلحاد ولا نبيح التحلل الخلقي والفوضى الجنسية. إنها إذاً لن تكون الديمقراطية إنما ستكون الإسلام". في هذه الحالة لو فعلوا هذا فإنه سيكون الإسلام. لكن هل فعلوا هذا؟ هل منع الإسلاميون عندما دخلوا المجالس الإلحاد والتحلل الخلقي والفوضى الجنسية.. إلخ؟ لم يستطيعوا ذلك.

ثم يقول إن الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب. وبهذا يتولى الشعب سلطة التشريع، فإذا ألغي هذا الأمر أو قيد بأي قيد فلن تكون هي الديمقراطية التي تقوم اليوم بهذا الاسم.

وفي البند الذي يتعلق بنشر الدعوة وأنهم إذا شاركوا في المجالس لن يتمكن الآخرون من الانفراد في المجالس وأن يفعلوا ما يريدون؛ فهل هناك من إيجابيات كانت من الإيجابيات البارزة في مشاركة الإسلاميين في المجالس؟ هل نجح الإسلاميون في جعل الشريعة الإسلامية هي التي يتحاكم إليها دون سواها؟ والجواب: لم ينجحوا.

هل نجحوا في إنفاذ قانون يحقق جزئية من أحكام الإسلام كتحريم الربا أو فرض الحجاب مثلاً؟ هل نجح الإسلاميون في حمل أي نظام حاكم في البلاد الإسلامية الديمقراطية على تنفيذ حد من الحدود الشرعية؛ كحد الرجم للزاني المحصن أو القطع لليد أو غيرها من الحدود ؟ والجواب: لم ينجحوا.

هل نجح الإسلاميون في تغيير مناهج وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة؟ هل نجح الإسلاميون في جعل المساجد منابر للدعوة لها حصانتها الشرعية؟ أم أن المساجد ما زالت مؤممة لدى وزارات الأوقاف؟ هل نجح الإسلاميون في منع البنوك الربوية من ممارسة أنشطتها المحرمة؟ هل نجح الإسلاميون في تغيير مناهج التربية والتعليم لتكون إسلامية بدل كونها علمانية؟ هل نجح الإسلاميون في توفير حماية للدعاة وإيجاد مجالات يبثون من خلالها دعوتهم في قنوات الدولة من قوات مسلحة وشرطة وغيرها بحيث يؤمّنون الحد الأدنى من تلك الحماية؟ قد يكون الجواب أنهم في بعض الدول: نعم، وأنا أقول لهم: نعم صحيح ولكن من دون دخولهم المجالس، وإنما من خلال بعض الأنشطة في داخل الوزارات.

هل نجح الإسلاميون في أسلمة القضاء؟ هل نجح الإسلاميون في إيقاف ولاء هذه الأنظمة الديمقراطية لأعداء الإسلام من شرق أو غرب؟ هل نجح الإسلاميون في تحويل أي نظام من الأنظمة التي شاركوا في مجالسها إلى نظام يرفع الجهاد في سبيل الله ليحرر المسجد الأقصى من براثن اليهود أو أي بلد إسلامي آخر وقع تحت الاحتلال؟ والجواب في كل هذه المسائل: لا.

إذاً لم ينجح الإسلاميون في أي شيء من هذه الأشياء التي هي تدخل في باب: أنهم إذا دخلوا المجالس لن يمكنوا أعداء الله من الانفراد بالسلطة، وأنهم سوف يفعلون ويفعلون، وأنهم سوف ينشرون الدعوة.. إلى آخره.

المطلب الخامس: الدفاع عن حقوق المسلمين:

الدفاع عن حقوق المسلمين حق واجب، لكن نحن نريد أن يكون الدفاع عن حقوق المسلمين دفاعاً مؤثراً، وأنا أسأل: ماذا حقق الإسلاميون في مجالسهم للدفاع عن حقوق المسلمين في أفغانستان وهم يقتّلون منذ عشر سنوات؟ ماذا فعلوا للدفاع عن حقوق المسلمين من أهل السنة في العراق؟ ماذا فعلوا للدفاع عن حقوق المسلمين في فلسطين؟ ماذا فعلوا للدفاع عن حقوق المسلمين في الصومال؟ ماذا فعلوا للدفاع عن حقوق المسلمين في الشيشان؟ ماذا فعلوا للدفاع عن حقوق المسلمين في كشمير؟

إن الدفاع عن حقوق المسلمين ليس مجرد بيانات، فإذا كان كذلك فمن الممكن أن تنشر بيانات من دون أن تدخل في المجلس، ولا يترتب على نشر البيانات أن تدخل المجلس، وتفرط في المنهج، وأقصى ما فعله الإسلاميون في بعض المجالس النيابية أنهم نشروا بيانات من أجل إبراء الذمة.

المحور الخامس: الديمقراطية دين كما الإسلام دين (أي: منهج).

أولاً: الديمقراطية هي منهاج حياة وضعه البشر لأنفسهم مقابل الإسلام المنهج الرباني الذي نزل به الوحي.

ثانياً: الديمقراطية حكم الشعب برأي الشعب، أو أكثريته، وفي المقابل نجد في الإسلام حكم الشعب بشرع الله سبحانه وتعالى.

ثالثاً: الديمقراطية يتناقش مرشحوها لمراضاة الناس فيقدمون لهم ما يرضيهم، وفي المقابل نجد التنافس في الإسلام يكون للفوز بمرضاة الله فيقدمون لهم ما يرضي الله. وهناك فرق بين أن تقدم للناس ما يرضيهم، وأن تقدم لهم ما يرضي الله سبحانه وتعالى؛ لأن ما يرضي الله سبحانه وتعالى قد يكون فيه من الحقوق أكثر مما يرضي الناس، وفيه من العدل أكثر مما يرضي الناس.

رابعاً: يناضل معتنقو الديمقراطية لأجل الدستور، وفي المقابل نجد المؤمنين في الإسلام يجاهدون لأجل الكتاب والسنة.

وقد سمعت بالأمس عن أحد الإسلاميين الذي يدعو إلى حزبه يقول بملء فيه: "لن نطبق شرع الله وإنما سنطبق منهاج حزب العدالة والحرية". كيف يتجرأ شخص أن يقول هذا الكلام؟ نحن نقول: في الإسلام يجاهد المؤمنون به لأجل الكتابة والسنة ولأجل شرع الله وليس لأجل الدستور.

خامساً: رموز الديمقراطية علمانيون وليبراليون، وفي المقابل نجد رموز الإسلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على مر القرون. وفرق بين هذا الرمز وهذا الرمز.

سادساً: تاريخ الديمقراطية غربي نصراني، والإسلام تاريخه عالمي توحيدي.

سابعاً: حصل في ظل الديمقراطية الظلم والاضطهاد والعدوانية، ومن أبرزها في عصرنا الحاضر ما يفعل في أفغانستان وفي العراق وفلسطين، كل هذا القتل يحدث تحت ظل ديمقراطية أمريكا وديمقراطية حلف الناتو، أليسوا دولاً ديمقراطية، هذه ديمقراطيتهم؟ أما الإسلام ففي ظله حصل العدل والمساواة والحرية وجهاد الظالمين، إذاً هذه أمور رئيسة بالنسبة للمفاضلة أو المقابلة بين الإسلام والديمقراطية.

المحور السادس: مهمة المسلم والإسلاميين المحافظة على منهاج التوحيد:

مهمة الإسلاميين المحافظة على منهاج التوحيد، وليست مهمتهم بشكل أساسي أن يصلوا إلى الحكم بهذه الطريقة، فنوح عليه السلام كم من السنين صبر ولم يقدم أي تنازل في قضية التوحيد، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء صمدوا وصبروا وجاهدوا لأجل قضية التوحيد رغم أنهم قد عرضت عليهم عروض كثيرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عرض عليه المُلك مقابل أن يتنازل (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً)، أي: يترتب على الشيء القليل من التنازل من منهاج التوحيد ذل في الحياة وذل في الآخرة.

وماذا تتطلب المحافظة على منهاج التوحيد؟ هل تتطلب دخول المجلس النيابي أم تتطلب أشياء أخرى؟

وأنا أقول تتطلب أشياء أخرى من أبرزها:

أولاً: لا بد من استقلالية منبر الدعوة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يمارس الدعوة من خلال أي نظام أرضي سائد أو تحت وصايته أو تحت قانونه وعرفه وتقاليده، وعندما بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته لم يكن معه أحد، فلا أعوان ولا أنصار ولا جماهير ولا قبائل، وبدأ الدعوة وحده مستقلاً عن كل ما سواه من الوسائط البشرية، ثم دخلت زوجته خديجة في دينه، ثم أبو بكر، ثم علي، ثم تتابع القوم.

ثانياً: وضوح عقيدة الدعوة بأنها لا إله إلا الله محمد رسول الله وكفر بالطاغوت وإيمان بالله، ولا بد من توضيح هذه القضية.

ثالثاً: البراءة والموالاة: البراءة من الشرك وأهله، والموالاة لمن دخل في دينه. ولا لقاء مع المشركين في منتصف الطريق ولا مداهنة لهم }قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عبد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين{.

رابعاً: الاحتكام لهذا الدين وحده ونبذ كل ما سواه من أحكام جاهلية مهما كانت عميقة الجذور في الأعراف والتقاليد.

خامساً: العالمية؛ فهذا الدين لكل الناس، ومخاطب به الأجناس جميعها وفي كل أنحاء الأرض؛ فلا فرق بين عربي وغير عربي، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين حر وعبد، ولا بين شريف ووضيع، الكل من آدم، وآدم من تراب.

سادساً: المسلمون أمة وحدهم، وهم يد على من سواهم، يقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.

سابعاً: ألف المسلمون فيما بينهم الجماعة المسلمة التي أخذت على عاتقها رفع راية الإسلام وإقامة دولته على مراحل دون أن يخلّوا بمنهاج الله في أي مرحلة من تلك المراحل. وطبعاً هذا ما فعله المسلمون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في وقتنا لنا معطيات ولنا ظروف ولنا أوضاع علينا أن نكيّفها ضمن هذه الأطر العامة التي قد لا تنطبق مائة في المائة ولكن يحويها الإطار العام ومن الممكن أن نتحرك من خلال هذا الإطار العام.

المحور السابع: خطورة الانخراط في المنهج الديمقراطي:

أولاً: إضاعة معالم منهج التوحيد وخاصة المرجعية والولاء والبراء، فالمرجعية في المنهج الديمقراطي للدستور.

ثانياً: مخالفة سنة الأنبياء في الدعوة.

ثالثاً: إحالة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى رف الأرشيف، أي: الدخول في المجالس النيابية هو عبارة عن منهج حركي ومنهج عقدي يخالف ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان الخطوط العريضة في هذا المنهج، ومن ثم نحن في ضمن المسلك الديمقراطي لسنا بحاجة إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن الديمقراطيين لا يرجعون إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما هم عليه؛ لأنهم استغنوا عنها.

رابعاً: تضييع القواعد عقيدة وحركة، والقواعد المقصود بها قواعد الشباب، أي: عندما تربي الجماعات الإسلامية على منهج التوحيد شيء؛ وعندما تربي على المنهج الديمقراطي شيء آخر؛ فالشباب عندما يشبون داخل هذه الجماعات ويدرسون ويعلَّمون التعصب لصالح حزبهم وجماعتهم ويدعون لحزبهم وجماعتهم ومرشحيهم ضمن هذا المنهج؛ فهذه إضاعة لهذه القواعد، وقد راح عودها ونخره التصور العلماني والتصور الليبرالي، فالحركة التي من المفترض أن تذهب لأجل أن تعزز دين الله سبحانه وتعالى؛ ذهبت لتعزز منهجاً آخر.

خامساً: في خطورة الانخراط في المنهج الديمقراطي وإضفاء الشرعية القانونية على منهج العلمانيين والليبراليين وفكرهم، فالآن في تونس مثلاً من أصبح رئيس جمهورية؟ المرزوقي. فما تاريخ المرزوقي؟ وما مبدؤه؟ وما عقيدته؟ هو عبارة عن شخص ليبرالي ويرأس حزباً ليبرالياً وتم دعمه والموافقة عليه من قبل الإسلاميين (حزب النهضة). أليس في هذا إذاً إضفاء شرعية قانونية على جهة رسمية علمانية تتولى رئاسة الدولة بدعم الإسلاميين؟

سادساً: الاشتغال عن الدعوة ومهامها بالمجالس النيابية ومهامها، وهذا تكلمنا فيه كثيراً في السابق، وقد لاحظنا أنه عندما دخل الإسلاميون المجالس النيابية انحسرت الدعوة من الجامعة شيئاً فشيئاً، وبدأت تنحسر أيضاً من مدارس الثانوية شيئاً فشيئاً؛ لماذا؟ لأن القياديين انشغلوا في قضية المجالس، والدعاة المعول عليهم في التخطيط والتنفيذ وتربية الشباب انخرطوا في شيء آخر ومن ثم انحسرت الدعوة شيئاً فشيئاً.

 سابعاً: في خطورة الانخراط في المنهج الديمقراطي: هو التنافس في إظهار المثالب بين الإسلاميين بما يؤدي إلى الشحناء والبغضاء، وهذا تكلم عنه جمال سلطان في مؤتمر السلفيين الذي عقد في تركيا وبين كيف أنه تنزل قوائم وشعارات لبعض الإسلاميين في المنطقة الواحدة وكل إسلامي يريد أن يفوز. فيفوز بماذا؟ بمثالب الآخرين، فلان فيه كذا وفلان فيه كذا وفلان فيه كذا، ومن ثم يتناحر الإسلاميون ويتشاحنون فيما بينهم لأجل ماذا؟ لأجل المنهج الديمقراطي حتى يفوز فلان ولا يفوز فلان وكلاهما يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وكلاهما قد يصلي في المسجد نفسه وربما كلاهما يحفظ القرآن.

ثامناً: إظهار الإسلام كأنه عاجز عن تقديم الحلول في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والتقنية والعسكرية والقانونية وغيرها. وكأن الإسلام ناقص لا يكتمل إلا بأخذ بعض القوانين وبعض اللوائح وبعض التشريعات من جهات أخرى، ولذلك ينص في الدساتير على أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع، أما بقية المصادر من فرنسا ومن بريطانيا ومن أمريكا ومن روسيا ومن الصين ومن غيرها لأجل الاستكمال، إذاً ديننا ناقص في هذه الحالة نستكمله بشرائع أخرى وهذا كفر لا يجوز، يقول الله سبحانه وتعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، فديننا كامل لأن ديننا عند الله الإسلام فليس عندنا نقص.

تاسعاً: في خطورة انخراط الإسلاميين في المجالس: اتخاذ المجالس النيابية منبراً لإرضاء الغرب من اليهود والنصارى ولتقديم التنازلات في الأمور الشرعية، وهذا بدأ عندما استلم بعض الجماعات كحزب النهضة مثلاً مركز الثقل في المجلس التأسيسي في تونس، فقد بدأ تطمين الغرب أن الحزب لن يقف ضد موضوع الحجاب، ولن يقف ضد موضوع السياحة، ولن يقف ضد موضوع المتاحف.. إلخ، يريدون أن نسارع لتقديم تنازلات يرضى بها الغرب عنا والله سبحانه وتعالى يقول: }ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم{.

عاشراً: الدفاع عن الديمقراطية لتبرير ممارستها: بعض الإسلاميين لأنهم مارسوا الديمقراطية فإنهم يدافعون عنها حتى يبرروا الموقف ويبرروا حركتهم فيها ويبرروا ممارستهم لها، فأصبح للديمقراطية مدافعون من الإسلاميين، والآن لو حضرتم في أي ديوانية من الديوانيات وتكلمتم عن الديمقراطية ومشاركة الإسلاميين في الديمقراطية فسوف تجدون كثيراً من اللحى الجالسة في المجلس تتصدى لكم وتدافع عن الديمقراطية ومنهجها ودستورها... إلى آخره.

حادي عشر: الديمقراطية لها إشكاليات كثيرة جداً ذكرتها في كتاب "إشكاليات الديمقراطية"، وهو يتعلق بمواد الديمقراطية ومدارسها وزاوية النظر والديمقراطية والتعبير العملي لها والنتائج المترتبة على ذلك. فمن أحب فالكتاب موجود.

المحور الثامن: العمل الدعوي المؤسسي القائم على تحقيق التوحيد هو المنهاج المطلوب:

هناك صراع حضاري بيننا وبين اليهود والنصارى، وهذا الصراع الحضاري هو في حقيقته وفي بنيته وفي محتواه وفي جوهره صراع عقدي يتبدى بالمنظومة الحضارية الموجودة حالياً؛ فما قواعد الصراع الحضاري؟

إن قواعد الصراع الحضاري التي نحن نتخذها منبراً وأساساً ومنهجاً لمقابلة الديمقراطية والليبرالية والشيوعية والاشتراكية وغيرها تتكون مما يلي:

- التوحيد أولاً.

- الولاء والبراء.

- تحكيم الشريعة الإسلامية.

- الممارسة السياسية وفق الكتاب والسنة.

- التقوى والربانية.

- الغيرة على دين الله والانتصار له.

- الأخذ بالأسباب المشروعة.

- الجدية وبذل الجهد.

- الإعداد العسكري وأصناف القوة.

- الجهاد في سبيل الله.

- التقيد بمقاصد الشريعة.

- مراعاة المصالح والمفاسد.

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- استشعار العزة الإيمانية.

- لا تحزن إن الله معنا.

- المحافظة على خصوصية الهوية الإسلامية.

- الاجتماع على حقل المسميات.

- العمل الجماعي.

ثم إن هناك قواعد أصولية كثيرة جداً، ومن أراد أن يعرف هذا الموضوع بتفصيله فليرجع إلى كتابي (القواعد الشرعية لإدارة الصراع الحضاري)، فهي موجودة مفصلة في هذا الكتاب.

ثم نجابه هذا الموضوع بالعمل المؤسسي، فالعمل المؤسسي الإسلامي هو عمل شامل يشمل مرافق المجتمع جميعها ضمن تغيير حقيقي في بنية المجتمع بوساطة المؤسسات.

فالتغيير وفق أسلوب العمل المؤسسي لا يتم دفعة واحدة وفي برهة محددة، بل يأتي وفق المنهج المتدرج الذي ينتقل بخطى ثابتة إلى الأمام خطوة بعد خطوة، مع تناغم في الأداء وتكامل في مراحل المسيرة بين المؤسسات المؤثرة في الساحة الرسمية والشعبية، أي: التغيير عبر مراحل، وإن المسيرة ضمن المرحلية هي التي يطلق عليها إصلاحاً: السير ضمن المرحلية إصلاح، وهذا يعني أن العمل المؤسسي الذي نقصده هو عمل إصلاحي في إطار كل مرحلة تغييرية؛ فلو قسمنا المسيرة التغييرية إلى مراحل لوجدنا أن كل مرحلة تبتدئ بالإصلاح وتنتهي بالتغيير الجزئي لتلك المرحلة، ويقع التغيير الجزئي ضمن التغيير الكلي، ثم تبتدئ المرحلة التي تليها كذلك بالإصلاح وتنتهي بالتغيير الجزئي لتلك المرحلة الأخرى، وهكذا دواليك إلى أن تنجز المراحل جميعها عبر عمليات إصلاحية متواكبة وعمليات تغييرية متراكبة وتكون عمليات التغيير الشامل هي محصلة عمليات الإصلاح الشامل؛ لأجل هذا الموضوع أفردت كتاباً بعنوان (العمل الإسلامي في طوره الجديد) وفحواه: كيف يمارس العمل الإسلامي عملية التغيير في المجتمع من خلال العمل المؤسسي. وهذه قضية أساسية ومهمة جداً.

وآخر ما أختم به هو الحديث عن: الملابسات السياسية لواقع الربيع العربي:

 فقد حصل عندنا مظاهرات وتجمعات مليونية خرجت إلى الشوارع والميادين ومارس الناس عملية الضغط على أنظمة الحكم ونجحوا في تغييرها في بعض البلاد وسوف ينجحون إن شاء الله في بلاد أخرى؛ فهناك ملابسات سياسية في هذه القضية وخاصة موضوع المآلات ودور الإسلاميين في هذه الموضوع. وسوف أذكر بنوداً رئيسة في هذا الموضوع:

أولاً: أخذ الربيع العربي الإسلاميين على حين غرة، ولم يدَّعِ ولن يدّعي أحد من الإسلاميين أنه خطط للربيع العربي، والجماعات الإسلامية جميعها لا تستطيع أن تدعي أنها هي التي خططت للربيع العربي وأنها جمعت الناس وفق تاريخ معين، وإنما وقع هذا الأمر ثم انضمت إليه الجماعات الإسلامية وواكبته وشجعته ودخلت فيه.

ثانياً: لم تكن في منهج السلفيين المشاركة الديمقراطية، بل عكس ذلك، فإن سلفيي مصر بالذات غير سلفيي الكويت، حيث كان السلفيون في مصر يرون عدم جواز المشاركة في الديمقراطية والمجالس النيابية، فما الذي حصل؟ الذي حصل أنه بعد نجاح إسقاط الحكم في مصر غيّر السلفيون موقفهم إلى موقف آخر.

ثالثاً: لا توجد دراسات شرعية معمقة استند إليها الإخوان وبعض السلفيين والإسلاميين المستقلين في مشاركتهم في الديمقراطية، فرغم مرور عشرات السنين على دخول الإسلاميين المجالس إلى الآن لم تقدم دراسة شرعية معتبرة في هذا الموضوع من قبل علماء إسلاميين معروفين.

رابعاً: تغلغل القوانين الطاغوتية في البناء المجتمعي في المرافق كافة؛ السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية والاجتماعية والإدارية والعسكرية وغيرها، وهذه ملابسة أخرى، فلا يكفي الآن أن يسقط رأس الحكم، فلرأس الحكم جذور في البنية المجتمعية كلها من أولها إلى آخرها على مستوى الثقافة والتعليم والعسكر والاقتصاد... إلى آخره.

فلا يظن ظان أنه بمجرد إسقاط النظام وسيطرة فئة من الفئات على السلطة سيتغير كل شيء دفعة واحدة؟ لا. هذا يحتاج إلى فترة طويلة ويحتاج إلى برامج ومناهج وخلفيات تقوم عليها الأسس والأطر التي يقوم عليها هذا الغرض.

خامساً: عدم انفراد الإسلاميين بالسيطرة على دفة المساحات الجماهيرية، وينسحب ذلك على البرلمانات، فالذي رأيناه أن الإسلاميين ليسوا المسيطرين على الجماعات الجماهيرية، فهناك قوميون ووطنيون وبعثيون وشيوعيون وناصريون وليبراليون. فالملابسات أنه لست أنت الوحيد الذي تملك الزمام وتتحكم فيه كما تشاء، فهناك آخرون دخلوا هذا الموضوع بل ربما هم الذين حركوا الشباب في مصر وليس الشباب الإسلامي بالذات، وإنما حركة الشباب، ثم دخل فيها الإسلاميون وغيرهم.

سادساً: قطف بعض العلمانيين للحراك كما في تونس واليمن وسورية، ففي سورية مثلاً من هو رئيس المجلس الوطني؟ غليون. ما تاريخ هذا الرجل؟ تاريخه علماني ليبرالي معاد للإسلام والمسلمين وله أشياء ضد الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهؤلاء الذين الآن يقومون بمظاهرات في سورية ما اتجاهاتهم في الأغلب؟ وما المحتوى المكون الرئيسي لهذه المظاهرات؟ أليسوا مسلمين؟ وينادون بالإسلام؟ لكن من يريد أن يقطف الثمرة؟ إنهم العلمانيون. هذه قضية في الملابسات ينبغي على الإسلاميين أن ينتبهوا إليها وأن يخططوا لأجلها، فالمسلمون يقومون بمظاهرات والعلمانيون يقطفون الثمرات. القضية خطيرة، فأين الدماء التي ذهبت وأين النساء التي ترملت وأين الأولاد التي يتمت. فهذه من الملابسات.

سابعاً: من الملابسات أيضاً حيرة الإسلاميين بين فقدان التمسك بالمنهج وبين فقدان قطف ثمرة الحراك الشعبي الجماهيري وبين ثورة العلمانية والليبرالية على السلطة، فالإسلاميون الآن في حيرة هل يتمسكون بالمنهج فلا يدخلون المجلس النيابي؟ أم يدخلون المجلس النيابي ويقللون الضرر؟ أم يتحالفون مع الليبراليين والعلمانيين في قوائم مشتركة لأجل أن يفوزوا؟ أم يخفضون بعض الرأس للأقباط؟

إلى الآن لم تقدم دراسات من قبل الإسلاميين للخروج من هذه الحيرة.

ثامناً: انقسام السلفيين حول المشاركة في المجالس النيابية إلى أقسام بخلاف الإخوان، فالإخوان على رأي واحد في هذا الموضوع، أما السلفيون الآن فهم على آراء مختلفة، ومدرسة الإسكندرية قد تخالف مدرسة القاهرة، ومدرسة القاهرة قد تخالف مدرسة السويس وطنطا وهكذا.

تاسعاً: تنافس السلفيين فيما بينهم وتنافسهم مع الإخوان في الوصول إلى المجالس النيابية.

عاشراً: عدم تمكن السلفيين ولا الإخوان من التغلغل في المؤسسات الأمنية ولا العسكرية، وهذه قضية مهمة جداً، فالآن من الذي يمسك السلطة في مصر؟ المجلس العسكري أليس كذلك؟ من الذي يتصدى الآن للجماهير التي تخرج في الميادين؟ الجيش والشرطة أليس كذلك؟

فالمحتوى الأمني والعسكري الذي كان في زمن حسني مبارك هل هو موجود الآن أم تقوض؟ موجود. هل يمارس الدور نفسه الذي مارسه في البداية ضد الجماهير أم لا؟ يمارس الدور نفسه.

إذاً الإخوان والسلفيون لا يملكون شيئاً، هم يملكون الشارع لكن لا يملكون شيئاً في المؤسسات الأمنية والعسكرية بحيث تحد من القرارات العسكرية التي تتخذ ضد الجماهير.

حادي عشر: لم يستفد الإسلاميون من تجاربهم السابقة في موضوع المجالس.

ثاني عشر: استفادة الإسلاميين من أجواء الحرية مقدمة على فقدان المنهج التوحيدي، وهذه قضية مهمة جداً.

فنحن الإسلاميون نستفيد من غطاء الحرية فهي تعطي الإسلاميين حيوية وقوة في الحركة والوصول إلى الزوايا والأماكن والشعب والناس والفئات كافة أينما كانوا. هذا الأمر نحن نريده وهو ينفع ويفيد وينشر الدعوة، لكن إذا كانت هذه الحرية ثمنها أن نضحي بالمنهج، وهو منهج التوحيد، من خلال المجالس أنفعل أم لا نفعل؟ هل نضحي بالمنهج لأجل الحرية أم نضحي بالحرية لأجل المنهج؟ كيف نوافق بين الحرية والمنهج؟

ثالث عشر: مسارعة بعض الإسلاميين لإرضاء الغرب على حساب الشريعة الإسلامية.

رابع عشر: المحصلة العامة التي حصلت إلى الآن حكم علماني بمشاركة إسلامية لتخفيف غلوائه.

خامس عشر: يجب تفعيل ميزان المصالح والمفاسد الآن من قبل علماء ربانيين. وأقصد قضية المصالح والمفاسد، وهل نشارك أم لا؟ وما حجم المشاركة؟ ومن يفصل في عدم المشاركة؟ وفي منهج الإسلام التوحيدي وحركة الإسلام أو حركة المسلمين هل يفصل فيه رجال الشارع أم العلماء؟ هنا يأتي دور العلماء الربانيين وإلى الآن لم نسمع دوراً فاصلاً للعلماء في هذه المسألة بشكل حاسم.

سادس عشر: المآلات وفق مقاصد الشريعة مقدمة على أحوال الواقع وفق ما يراه الدعاة، فالدعاة قد يرون شيئاً لكن نحن ننظر إلى المآلات.

 ونحن شاركنا الآن في الديمقراطية فهل لأول مرة يشارك الإسلاميون في الديمقراطية في مصر؟ لا فقد شاركوا كثيراً ثم ماذا كان المآل بعد ذلك؟ لا شيء، وهذا كتاب سميته (الإسلاميون والديمقراطية في مصر) يبين كيف شارك الإسلاميون في الديمقراطية في مصر، ثم ماذا كان المآل؟ المآل لا شيء.

كذلك شارك السوريون في التجارب الديمقراطية في سورية وهذا كتاب كتبته (الإسلاميون والديمقراطية في سورية) يبين كيف شارك الإسلاميون ثم ماذا كان المآل؟ يجب علينا أن لا نفكر فقط في اللحظة وفي الساعة ولا بد أن نفكر أيضاً في المآل ونستفيد من التجارب السابقة ولا نلغيها بل نحاكمها مع منهج التوحيد منهج الإسلام ونحكم عليها من خلال ذلك وننظر إليها من هذا المنظار، ثم إذا فعلنا هذا سنتوصل إن شاء الله إلى نتائج حاسمة وقيمة.

أعلى