• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مصر وطوفان الأقصى

ما هو موقف مصر مما يجري في غزة، هل تستطيع مصر تجيير ما يحدث في غزة للحصول على دعم سياسي واقتصادي يخرجها من أزمتها، أم أن الأمور لا تسير في صالحها، بسبب الضغوط الدولية؟


بعد عملية طوفان الأقصى والتي اجتاحت فيها كتائب عز الدين القسام مستوطنات غلاف غزة، في حرب تم وصفها من قبل الخبراء الصهاينة بالتاريخية، ومنهم ‏عيران تسيون نائب رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني السابق حيث قال: إن أية عملية عسكرية صهيونية مهما كانت واسعة لن تمحو حقيقة أن حماس وجهت ضربة موجعة لإسرائيل على المستوى الإستراتيجي والتاريخي، لقد تمكنت حماس من تحقيق هذا الإنجاز الفذ الذي سيدرس في المدارس العسكرية لسنوات طويلة.

وفور ورود أنباء هذه الحرب، شهدت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تفاعلاً غير مسبوق تجاوبًا مع ما وصفوه بالبطولات الفلسطينية الرائعة، وسادت حالة من الفرحة الكبيرة منشورات كثير من المصريين حيث ربط المتابعون بين مرور خمسين عامًا على حرب السادس من أكتوبر، وبين النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر.

واعتبرت معظم هذه منشورات ما حدث نصرًا كبيرًا للمقاومة الفلسطينية.

 

باعتبار الجغرافية السياسية، تمثل فلسطين بصفة عامة وقطاع غزة خاصة جسرًا تاريخيًا بين الشام ومصر، كما تُعتبر غزة مع سيناء الحدود البرية الوحيدة بين قارة آسيا وقارة أفريقيا، لذلك عبر التاريخ فإن غزة بمثابة بوابة مصر الشرقية

وفي اليوم الثاني لهذه المعركة والتي اشتد أتونها، إذا بشرطي مصري يطلق النار على سائحين صهاينة فيردي اثنين منهم قتلا ويجرح آخر، وهذا في الوقت الذي يشيد به إعلاميون مصريون محسوبون على السلطة المصرية بعملية طوفان الأقصى.

وفي إحدى مباريات كرة القدم اندفعت الجماهير في هتافاتهم الجماعية مرددين: بالروح والدم نفديك يا فلسطين وبالروح والدم نفديك يا أقصى، كما رددوا في هتافاتهم الجماعية عبارات نابية بحق دولة الكيان الصهيوني.

وجاء بيان الخارجية المصرية أكثر قوة من ذي قبل تجاه الكيان، بعد أن كانت بياناتها في مثل هذه المواقف عائمة ومضمونها يقوم على مساواة الجاني والمجني عليه، وتحميل الطرفين مشتركين المسئولية عن القتل والتدمير، ولكن هذه المرة تضمن بيان الخارجية المصرية كلمات قوية حيث حث إسرائيل على وقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بمسئوليات الدولة القائمة بالاحتلال.

فبماذا يمكن تفسير موقف السلطات المصرية هذا؟

هل هو تجاوبا مع مشاعر الشعب المصري والتي تاريخيًا كانت ترفض التطبيع وتتعاطف مع القضية الفلسطينية؟

أم هو موقف مصلحي وقتي اضطرت فيه الظروف الداخلية والخارجية التي تتعرض لها السلطات المصرية لاتخاذه؟

لكي نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة، ينبغي في البداية معرفة أهمية القضية الفلسطينية بصفة عامة وغزة بشكل خاص بالنسبة لمصر، ثم موقع غزة في الاستراتيجيات الصهيونية، وأخيرًا تحليل للموقف المصري.

غزة ومصر

باعتبار الجغرافية السياسية، تمثل فلسطين بصفة عامة وقطاع غزة خاصة جسرًا تاريخيًا بين الشام ومصر، كما تُعتبر غزة مع سيناء الحدود البرية الوحيدة بين قارة آسيا وقارة أفريقيا، لذلك عبر التاريخ فإن غزة بمثابة بوابة مصر الشرقية ومنها يأتيها أي غزو بري لحدودها قادم من الشرق.

وترتب على هذا الوضع وتلك الحقيقة الجغرافية، أن غزة أصبحت تمثل دائمًا مرتكزًا أساسيًا من مرتكزات الأمن القومي المصري، فإذا أرادت مصر حماية نفسها من أي غزو قادم من حدودها الشرقية فلابد من تأمين غزة، فانهيار غزة وسقوطها أو مجرد تعرضها لتهديد فإن ذلك مؤشر على سقوط مصر أيضا، فإذا أرادت مصر حماية نفسها فلابد لها من تأمين حدودها عند غزة، أي باختصار فحقائق الأمن القومي المصري تقول غزة القوية هي حصن الأمان لمصر. 

وتشهد الغزوات التاريخية منذ عهد الفراعنة والرومان والعرب والتتار والصليبيين والاحتلال الغربي والصهيوني بتلك الحقيقة.

وعند إعلان دولة الكيان الصهيوني تأسيسها عام 1948، دخلت مصر الرسمية حربًا وأرسلت جيشها ليقاتل مع الجيوش العربية العصابات الصهيونية، بينما تطوع الكثير من المصريين ودخلوا إلى فلسطين لمساندة أهلها ضد الصهاينة، وانتهت الحرب بخسارة الجيش المصري مع الجيوش العربية غير المتوقعة، واحتفظت مصر بسيادتها على قطاع غزة.

حتى جاءت حرب عام 1967، فهاجم الكيان الصهيوني وسحق الجيوش العربية، وأسفر القتال من بين ما أسفر عنه طرد الجيش المصري من غزة.

ولم تستطع مصر أو تشاء بعد حرب أكتوبر، وبمقتضى معاهدة كامب ديفيد أن تسترد غزة أو يكون لها دور فيها، حتى قام الفلسطينيون بانتفاضاتهم ضد الكيان الغاصب، والتي كان أعنفها في قطاع غزة بكثافته السكانية العالية في شريط ضيق من الأرض.

ومع عجز الكيان الصهيوني ببطشه وقمعه وآلته العسكرية والاستخبارية عن قمع ثورة الفلسطينيين ورغبتهم في تحرير أرضهم، حينها بدأ الفكر الصهيوني في التغير.

غزة والمشروع الصهيوني

كشفت الانتفاضة عن مأزق المشروع الصهيوني الذي تعترضه إشكاليتان:

الإشكالية الأولى: حدود هذا الوطن الصهيوني؛ وقد سأل أحد الصحفيين دافيد بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، وأحد مؤسسي الكيان الصهيوني عن حدود إسرائيل، فأجاب بأنها حدود ديناميكية أي متحركة وليست ثابتة! وفي عام 1982م عندما اجتاح شارون لبنان سأله صحفي غربي عن حدود إسرائيل بعدما استقرت آلة حربه في بيروت، فقال شارون: إن المكان الذي تتوقف فيه الدبابة الإسرائيلية ولا يمكنها التقدم أكثر تلك هي حدود الكيان! وهذا يعني أن هذه الدولة فكرة توسعية وليست حدوداً جغرافية.

 

جاء بيان الخارجية المصرية أكثر قوة من ذي قبل تجاه الكيان، بعد أن كانت بياناتها في مثل هذه المواقف عائمة ومضمونها يقوم على مساواة الجاني والمجني عليه، وتحميل الطرفين مشتركين المسئولية عن القتل والتدمير

أما الإشكالية الثانية فقد تمثلت في التوازن السكاني بين العرب واليهود وهي مصدر الخطورة الحقيقية التي يشعر بها الكيان الصهيوني.

وإزاء هذه الإشكاليات انقسم التيار السياسي الصهيوني إلى فريقين لكل فريق استراتيجيته في حل هذه المعضلات، ولكنهم متفقون على أن الهدف النهائي هو الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.

ويرى الاتجاه اليساري (رابين - بيريز - باراك) أن إقامة علاقات اقتصادية وثقافية وإعلامية وسياسية هي الوسيلة الأنسب لتحقيق تلك الهيمنة؛ فدولة الكيان حققت الجزء الأول من أهدافها في الهيمنة، ونجحت في إقامة قلعة أو مركز للسيطرة؛ هذا المركز له درع عسكري تحت مظلة نووية قادر على توجيه الضربات إلى أي عضو في النظام الإقليمي يفكر في الخروج عن هذه الهيمنة.

ويقول شيمون بيريز: إن إسرائيل تواجه خياراً حاداً: فإما أن تكون إسرائيل الكبرى اعتماداً على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم، أو أن تكون إسرائيل الكبرى اعتماداً على حجم واتساع السوق التي تحت تصرفها.

مر اليسار الصهيوني في سبيل تحقيق ذلك الهدف بمرحلتين:

الأولى: بعد حرب الخليج الثانية وصواريخ سكود التي أطلقها العراق برهنت أن احتلال الأراضي الفلسطينية في زمن الصواريخ لم يعد يشكل ضماناً لأمنها؛ ولذلك قبلت إسرائيل مقررات مؤتمر مدريد التي انتهت باتفاقية أوسلو والتي أثمرت السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي كان يهدف رابين من ورائها سحب القوات الصهيونية من داخل المناطق وتسليمها إلى قيادة فلسطينية لديها القدرة على أداء ما تعجز عنه إسرائيل في ضبط انتفاضة الشعب الفلسطيني، ولجم الجماعات الإسلامية داخل فلسطين وهو ما قامت به السلطة وأجهزتها على أكمل وجه.

والمرحلة الثانية: بعد إخفاق محادثات كامب ديفيد بين باراك وعرفات وكلينتون، واقتناع فريق اليسار أن لا حل نهائياً للقضية؛ فالطريق الوحيد لتهدئة الوضع وإيجاد أرضية للاتفاق المستقبلي هي خطة الانفصال الأحادي الجانب، وعلى إسرائيل تنفيذ هذه الخطة بالاتفاق مع الفلسطينيين إذا كان ممكناً وبدعم من المجتمع الدولي. أما إذا لم تتوفر الإمكانية، فلتنفذها دون الدعم الفلسطيني والدولي وبالاعتماد على دعم الأغلبية في إسرائيل.

بينما رأى الجناح اليميني (بيجين وشارون ونتانياهو) أن القوة أو التلويح بها هي الطريق الأفضل، وهي أداة الحسم باتجاه فرض النفوذ اليهودي، ولهذا كان هذا الاتجاه ضد إعطاء الفلسطينيين الحكم الذاتي، ومن ثم فهؤلاء ضد أوسلو والسلطة الفلسطينية.

ومن هنا كانت أهداف نتانياهو وشارون فور توليهم الأمور في إسرائيل هو عرقلة تنفيذ أوسلو بقدر الإمكان ورسم مخططات على مدى متوسط لتفريغها من مضمونها، ومن ثم الإجهاز عليها.

تمحورت استراتيجية اليمين الصهيوني على ترحيل الفلسطينيين وإحياء سياسة الترانسفير؛ وأن على إسرائيل أن تضرب الفلسطينيين بقوة وتوجه ضربة عسكرية شديدة تنفذ بعدها خطة الفصل وفق نظرية الحرب ثم السور.

ولكن ما موقع غزة في هذه الاستراتيجيات؟

شكلت غزة حجر عثرة في تطبيق هذه الاستراتيجيات، فقد كانت فكرة الترانسفير غير مطروحة لدى الدول العربية في البداية، ويقول إسحاق رابين رئيس الوزراء الصهيوني الراحل: وددت أنام وأستيقظ وأجد غزة وقد بلعها البحر.

لذلك عرض حكام الكيان الصهيوني بدء من رابين ونهاية بشارون إعطاء غزة لمصر لتشرف عليها مرة أخرى، ولكن الدولة المصرية رفضت هذا الاقتراح خوفا من عبء الكثافة السكانية العالية، ووجود حركات المقاومة والتي لها مشروعها في إقامة كيان فلسطيني مستقل عن الدول العربية ولا يخضع لأمزجة نظمها السياسة واستبدادها، والتي كانت ستصطدم حتما بالسلطات المصرية.

السلطات المصرية

تعاني السلطات المصرية في العديد من الملفات، فهناك انتخابات رئاسية على وشك الحدوث، وهناك عدد من الأزمات أبرزها الملف الاقتصادي، وأصبح النظام المصري في ورطة حقيقية داخليا وخارجيا. 

وفي وسط شبه الحصار المفروض على السلطات المصرية والذي وصل إلى حد مقاطعة الاتصال به من جانب رؤساء كثير من الدول، إذا بحماس تشن حربًا على إسرائيل، وهنا شعرت السلطات المصرية بأن هذه الحرب ربما تكون مخرجًا لها من ورطتها أو على الأقل تأجيلاً لها من زاويتين:

الأولى هي استعادة الدور المصري الإقليمي الوحيد والذي يتمثل في التأثير على حماس باعتبار أن المخرج الوحيد لغزة بعد الحصار الصهيوني هي بوابة رفح، وحتمًا سيتم كسر حاجز المقاطعة الغربية للسلطات المصرية باعتبارها الوسيط الفعال.

أما الزاوية الثانية فتتمثل في استعادة الثقة والعلاقات مع الجانب الصهيوني، الذي سيعطيه ربما تأييده في استمرار النظام الحالي.

ولكن المؤشرات حتى الآن ليست في صالح النظام، فهناك لا مبالاة صهيونية بالسلطات المصرية، ربما لانشغالهم بكارثة الحرب في غزة واستهتارهم بالدور المصري.

ومن هذه المؤشرات، إقدام نتانياهو في خطاب له على توجيه إنذار لأهل غزة بضرورة مغادرتهم القطاع، وإلى أين يتوجهون؟ فليس لهم مخرج إلا مصر؟ وهذا بالطبع مرفوض مصريًا.

ثم قصف طيرانه رفح المصرية وتدمير معبرها مع قطاع غزة ليخرج من الخدمة، ولم تكلف الحكومة الصهيونية في أي من مستوياتها التوجه باعتذار أو أسف.

سلطات مصر وورقة غزة

يبدو موقف السلطات المصرية من هذه الحرب الجارية في فلسطين محيرا.

فمن ناحية وبصفة رسمية وعلنية تغلق السلطات المصرية معبر رفح المخصص لعبور الأفراد أوقاتا طويلة، وتفتحه استثنائيًا على فترات متقطعة ليسمح بعبور العشرات القادمين في مناسبات مختلفة أو أمام الحالات الإنسانية، ثم تعاود إغلاق المعبر.

ولكن من ناحية أخرى يبدو الأمر في بعض الأوقات غير ذلك خاصة في السنتين الماضيتين.

فقد انقلب موقف السلطات المصرية رأساً على عقب حيث زار رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل قطاع غزة في السنة قبل الماضية أثناء معركة سيف القدس، وكان على رأس مستقبليه يحيي السنوار قائد حماس والحاكم الفعلي لغزة.

أعلى