• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اتفاقية أوسلو بعد 30 عامًا.. سلامٌ مفقود وآفاق معتمة

تحل تلك الأيام الذكرى الثلاثون لاتفاقية أوسلو، فيما يمكن وصفه بالحصاد المر، فالفلسطينيون منقسمون، والعدو يكتسب كل يوم أرضا جديدة، وهنا يتساءل الناس هل من الأجدى إحياء أوسلو أم الأولى قبرها وقد أزكمت رائحة موتها الأنوف؟


"لحظة تاريخية تستحق التأمل والإشادة"، "انتصار الأمل على التاريخ"، "يوم المجد .. نهاية عقود من الصراع"؛ بمثل هذه العناوين الحالمة دأبت الصحافة الغربية على توصيف مصافحة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين في حديقة الورود بالبيت الأبيض في العاصمة واشنطن، والتي تمت تحت أنظار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون و 3 آلاف من القادة والمسؤولين الحاضرين في 13 سبتمبر 1993م، وذلك بعدما تم التوقيع على الوثيقة المعروفة باتفاقية أوسلو، بيْدَ أن التأثير العاطفي لبعض اللحظات التاريخية ذات الشهرة العالمية سرعان ما يتلاشى مع مرور الوقت، فيما نستفيق ببطء على خيبة أمل كبيرة وواقع مرير، كان من المفترض وفقًا لاتفاقية أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أن يستقر كلاهما في دولة مستقلة ذات سيادة وحدود ثابتة بعد 5 سنوات من توقيعها، لكن الفترة المؤقتة طالت بعدما مرّت 5 سنوات ثم مرّت 5 سنوات أخرى، ثم أخرى وهكذا إلى أن أصبحت الفترة المؤقتة دائمة، والآن بعد 30 عامًا من المصافحة التاريخية؛ ما الذي تحقق من اتفاقية أوسلو؟، ما الذي حصده الفلسطينيون وكيف تمرّ عليهم ذكرى هذه الاتفاقية؟

 

 فمنذ التوقيع على الاتفاقية قتلت إسرائيل نحو 10 آلاف فلسطيني (وقد يزيد الرقم الحقيقي عن ذلك)، بينهم عدة آلاف من النساء والأطفال، وتم فصل الضفة الغربية وغزة سياسيًا عن بعضهما البعض

اتفاقية وُلِدت ميتة

منذ حرب 1967م وما شهدته القضية الفلسطينية من جولات في صراعها لاستعادة الأرض المنهوبة، تم طرح عدة خطط سلام ومفاوضات، وعلى الرغم من أن بعض مسارات التفاوض قد نجحت نسبيًا مثل المفاوضات بين مصر وإسرائيل وبين إسرائيل والأردن، إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق فيما يخص النزاع الجوهري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر في نوفمبر 1967م والقرار رقم 338 بمثابة المبدأ الأساسي لمعظم خطط السلام اللاحقة والقائم على "الأرض مقابل السلام"، لم تُحدث حرب أكتوبر 1973م تقدمات كبيرة في التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، وصولًا إلى العام 1991م حيث بدأت محادثات بين الأطراف المعنية في مؤتمر مدريد الذي تم تحت رعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، كان هدف هذا المؤتمر تشجيع الدول العربية الأخرى على توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وقد شمل مشاركة الأردن ولبنان وسوريا بالإضافة إلى إسرائيل ومصر، توصل المؤتمر في نهاية المطاف إلى معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل في عام 1994م، ولكن محادثات السلام مع سوريا ولبنان تعثرت.

أما بالنسبة للمسار الفلسطيني؛ فقد توصلت المحادثات السرية في العاصمة النرويجية إلى اتفاقية أوسلو كمحاولة للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تم التوقيع على الاتفاقية التي أطلق عليه رسميًا "إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت" في 13 سبتمبر 1993م في حديقة البيت الأبيض، بين إسرائيل ممثلة في رئيس وزرائها إسحاق رابين ومثّل الجانب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يرأسها ياسر عرفات، كان المؤيدين ينظرون إلى هذه الاتفاقية بنشوة كبيرة، لدرجة أن بعض الصحف الإسرائيلية وصفتها بـ "ثاني أكبر انتصار في تاريخ الصهيونية بعد إنشاء إسرائيل في عام 1948م"، على الجانب الآخر كان المنتقدون يرونها "أداة لاستسلام الفلسطينيين"، وبالرغم من الحديث الدائم عن بنود سرية غير معلنة، يمكننا على الأقل الآن التذكير بما هو معلن منها:

* لم تشترط اتفاقية أوسلو على إسرائيل سوى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني وسحب قواتها من أجزاء من الأراضي المحتلة التي كانت إسرائيل سعيدة بالتنازل عنها لقوات الأمن الفلسطينية التي سيتم تشكيلها قريبا، فقد كانت إدارة إسرائيل لأجزاء من المدن الفلسطينية المكتظة بالسكان آنذاك بمثابة صداع مزمن.

* لم تضع الاتفاقية حلولًا واضحة أو جذرية للموضوعات الشائكة؛ مثل: القدس، واللاجئون، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع الجيران الآخرين.

* نصّت الاتفاقية على فترة انتقالية مدتها 5 سنوات، دون أي حوافز للفلسطينيين، إذ لم تنص الاتفاقية بوضوح على إقامة دولة فلسطينية، واعتمد المعنى الضمني على أن إنشاء الدولة الفلسطينية في المستقبل إلى جانب إسرائيل سيأتي بعد انتهاء المرحلة المؤقتة التي ستؤدي إلى الحكم الذاتي الفلسطيني، لكن هذا لم يتحقق أبدًا، وتحول الإجراء المؤقت إلى وضع راهن مستدام قد أفاد بشكل رئيسي إسرائيل وربما النخبة المرتبطة بالسلطة الفلسطينية حيث عاد أفرادها من المنفى.

* تحدثت الاتفاقية عن وضع حد لسنوات من المواجهة والنزاع، من خلال اعتراف كل جانب بالحقوق الشرعية والسياسية المتبادلة للجانب الآخر.

* كانت الاتفاقية تهدف إلى تطوير حلول لاحقة من خلال التفاوض على حل دائم للصراع (بين عامي 1996م و1999م على أقصى تقدير)، لكن هذا لم يحدث قط، لا تزال قواعد اللعبة اليوم محصورة بين عدم الامتثال الإسرائيلي والتوبيخ الدولي لها.

ما بعد أوسلو

عندما تم التوقيع على أوسلو كانت الدبلوماسية في العالم في صعود، وكانت الحرب الباردة قد انتهت للتو، وفي غضون عام واحد من التوقيع على اتفاقية أوسلو، فاز رابين وعرفات ووزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز بجائزة نوبل للسلام، استغرب البعض التكريم في ظل عدم وجود دولة فلسطينية حقيقية أو نوايا واقعية للسلام، ولم تكن هناك أي علامة على ذلك على الإطلاق، فمنذ التوقيع على الاتفاقية قتلت إسرائيل نحو 10 آلاف فلسطيني (وقد يزيد الرقم الحقيقي عن ذلك)، بينهم عدة آلاف من النساء والأطفال، وتم فصل الضفة الغربية وغزة سياسيًا عن بعضهما البعض، وارتفع عدد المستوطنين الإسرائيليين من حوالي 250 ألف مستوطن في عام 1993م إلى 600 ألف مستوطن اليوم.

 

 لقد ضمت إسرائيل بشكل فعلي جزءًا كبيرًا من الضفة الغربية، فأكثر من 90% من الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن تقع تحت السيطرة المباشرة للكيان الصهيوني الآن

من الناحية الفنية لا تزال الاتفاقية سارية المفعول، وهي التي تعطي الأساس القانوني لإنشاء قوات الأمن الفلسطينية وتؤطر التنسيق الأمني بينها وبين الإسرائيليين، وكذلك تقسيم الضفة الغربية إلى 3 مناطق؛ المدن الخاضعة للسيطرة الإدارية والأمنية للسلطة الفلسطينية (رغم أن الجيش الإسرائيلي يدخلها بشكل شبه يومي لتنفيذ مداهمات)، والمناطق المختلطة في المنطقة المحيطة، ومناطق المستوطنات الإسرائيلية وهي الأكبر (أكثر من 60% من الأراضي) وهي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، ومن السخافة بمكان الحديث الآن عن أي أمل في أن ترى اتفاقية أوسلو النور، فقد أصبحت حكومة وشعب إسرائيل أكثر تطرفًا، إلى درجة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه يحتل أقصى اليمين في الطيف السياسي الصهيوني، أصبح الآن جزءًا من الوسط المعتدل.

حصلت إسرائيل بموجب اتفاقية أوسلو على فرصة انتشالها من تحت الانتفاضة الفلسطينية الناجحة آنذاك، وبشكل مدهش تم إسناد جزء كبير من المهام الإدارية للاحتلال إلى نخب فلسطينية في السلطة الناشئة حديثًا، فيما نجحت الإدارة الأمريكية في تحقيق استقرار الوضع للكيان الصهيوني الذي ترعاه، بالإضافة إلى الحصول على صورة جميلة في البيت الأبيض ترفع من أسهم إدارة كلينتون. المؤسف أن الجانب الفلسطيني لا يحظى حتى الآن بتمثيل سياسي مُرضٍ بالنسبة لجموع الفلسطينيين، فالسلطة الفلسطينية ـ التي أنشئت بعد أوسلو باعتبارها هيئة الحكم الذاتي المؤقتة للفلسطينيين ـ هي إلى حد كبير عميل فاسد للحكومة الإسرائيلية وفقًا لوجهات نظر فلسطينية، وكل ما فعلته منذ نشأتها أنها تحافظ على الموقف الراهن وتديره، وبدا الصراع بالنسبة للبعض إلى حد كبير أنه صراع بين الفلسطينيين من ناحية، وإسرائيل والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية من ناحية أخرى.

بعد 3 عقود

بعد مرور 30 عامًا، تُقابل الذكرى السنوية لهذا الحدث ـ الذي وُصِفَ يومًا بـ "التاريخي" وتم الاحتفال به طويلًا في العواصم الغربية ـ بالحرج والصمت، فالآمال التي أثيرت حينها بعيدة كل البعد عن الواقع المرير الذي تعيشه فلسطين اليوم، فالأمر واضح للجميع ولا يحتاج إلى تقارير مطولة، إذ يكفي أن نشير إلى الانفجار الكبير في عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، بالإضافة إلى بناء جدار الفصل داخل المنطقة مما حوّلها إلى متاهة تتكون من 165 جيبًا صغيرًا ولا يمكن فك طلاسمها، لقد ضمت إسرائيل بشكل فعلي جزءًا كبيرًا من الضفة الغربية، فأكثر من 90% من الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن تقع تحت السيطرة المباشرة للكيان الصهيوني الآن، أما بقية الضفة الغربية، والتي تسمى "المنطقة أ" بموجب اتفاقيات أوسلو، فهي المكان الذي من المفترض أن تتمتع فيه السلطة الفلسطينية بالسيطرة المدنية والأمنية الكاملة، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل التدخل فيه متى شاء، لا سيما في ظل سيطرة التحالف اليميني المتطرف على السلطة حاليًا في إسرائيل.

سياسيًا؛ كانت اتفاقية أوسلو بالنسبة لإسرائيل نجاحًا سياسيًا بارزًا حيث أدت إلى تطبيع العلاقات مع الفلسطينيين وتوقيع اتفاق سلام أعطى الأمل في إمكانية التسوية السلمية في المنطقة، كما تم تمهيد الطريق أمام توقيع معاهدة سلام مع الأردن في عام 1994م، حصلت إسرائيل على اعتراف دبلوماسي من معظم الدول العربية دون التخلي عن الاحتلال العسكري لفلسطين، منها مؤخرًا الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، وهذا يعكس تقدمًا ملحوظًا في العلاقات الإقليمية.

اقتصاديًا؛ شهدت إسرائيل نموا كبيرًا وتزايدت الاستثمارات الأجنبية فيها، حتى باتت رائدة في قطاعات اقتصادية متنوعة بما في ذلك مجال الابتكار والتكنولوجيا، حيث تمتلك الآن صناعة تكنولوجيا مزدهرة، وأصبح اقتصادها من أقوى الاقتصادات في العالم، وحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا على مر السنوات التالية لتوقيع اتفاقية أوسلو، كما شهدت إسرائيل زيادة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما ساهم في تحسين بنية التحتية وتطوير القطاعات الرئيسية، وأصبح القطاع الزراعي فيها من أكثر القطاعات تطورًا وتقدمًا في العالم، حيث تمتلك تقنيات زراعية حديثة تسمح بزراعة محاصيل عالية الجودة بكفاءة.

من ناحية أخرى، لا يزال الفلسطينيون بلا دولة ويعيشون في الضفة الغربية مع سلطة ضعيفة ولا تحظى بالشعبية كما أنها شبه مستقلة بسبب خضوعها لإسرائيل، كما تشهد الضفة أعنف موجة من العنف الإسرائيلي منذ ما يقرب من 20 عامًا، فيما يخضع قطاع غزة لحكم حركة حماس منذ عام 2007م، فيما زادت القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين، مما جعل من الصعب على الفلسطينيين الوصول إلى العمل والتجارة، واستمر المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في النمو مما شكّلَ عقبة رئيسية أمام عملية السلام، كما ألحق الضرر بالاقتصاد الفلسطيني.

آفاق معتمة

في نوفمبر 1995م، نظّمَ رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحق رابين، حدثًا في تل أبيب للدفاع عن اتفاقية أوسلو التي توصل إليها قبل عامين مع الفلسطينيين، وكان الهدف هو استعادة زمام المبادرة في مواجهة الحملة اليمينية المتزايدة ضده، وفي خطابه أمام حشد من حوالي 100 ألف شخص استعمل رابين كلمة "السلام" 31 مرة، واختتم الحدث بأغنية عن السلام، وبعد دقائق قليلة اغتاله متطرف يهودي يميني لأنه "سلّمَ أرضه وشعبه إلى الأعداء"، وفقًا لاعترافات القاتل أثناء المحاكمة، والآن بعد مرور 30 عامًا على الاتفاقية التي كلّفت رابين حياته، يبدو أن كلمة "السلام" قد اختفت من المفردات السياسية في المنطقة، المثير أنه بعد اغتيال رابين بوقت قصير، فاز نتنياهو الذي كان يتزعم المعارضة آنذاك، في الانتخابات التالية وكانت أجندته تقوم على انتقاد اتفاقية أوسلو، وبمجرد وصوله إلى السلطة كرسَّ جهده على إيقاف عملية أوسلو فعليًا، ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية بذل الفلسطينيون والإسرائيليون جهودًا أخيرة في عام 2001م للتوصل إلى اتفاق نهائي، لكنها سرعان ما فشلت بعدما فاز أرييل شارون اليميني في الانتخابات، وأعادت إسرائيل احتلال المناطق التي انسحبت منها.

اليوم وبينما تأتي الذكرى الثلاثون لاتفاقية أوسلو؛ لم تحتفل سفارات العالم بذكرى حفل التوقيع، لم نلحظ مقالات افتتاحية في الصحف الكبرى لمسؤولين سابقين في وزارات خارجية الدول التي شاركت في المفاوضات، لم نشهد أنصار أوسلو وهم يهنئون أنفسهم على عملهم الجاد واجتهادهم، ولم يلجأ بيل كلينتون إلى نشر فيديو قصير عبر الإنترنت أو نشر تدوينة قصيرة ليتذكر فيها ذلك اليوم المقدس، لا أحد لديه الشجاعة للاعتراف بفشل اتفاقية أوسلو والمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه والذي يتلخص في دولتين لشعبين، ثمة صمت تام فيما يستمر صوت الرصاص الإسرائيلي يعلو ويعلو، ففي الواقع لا يوجد ما يستحق الذكرى أو الاحتفال.

 

أعلى