هل هي معركة الحسم في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، تمهيداً لسيطرة السلطة الفلسطينية على سائر مخيمات لبنان، لتجفيف مصادر وموارد حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية وقطاع غزة؟
للجواب على هذا السؤال الخطير، لا بدّ من كشف دوافع زيارة اللواء ماجد فرج رئيس
المخابرات العامة الفلسطينية إلى لبنان في 24 تموز/يوليو الماضي، وما جرى في
المباحثات التي أدارها مع نظرائه اللبنانيين، ومع قادة فصائل أساسية، كما مع قادة
حركة فتح في المخيمات الفلسطينية بلبنان.
انقسم اللبنانيون في تأويل زيارة فرج وعلاقتها بتفجير الاشتباكات في المخيم. فحزب
الله وحلفاؤه، ألقوا بالمسؤولية عليه، باعتبار من يمثّل في السلطة الفلسطينية، ونوع
التنسيق الذي يمارسه منذ عام 2009 مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لإجهاض عمليات
المقاومة، واعتقال المقاومين لأي فصيل انتموا.
أما المعسكر الآخر، فرأى أن اللواء فرج قام بزيارة اعتيادية إلى لبنان، وبدعوة من
الأجهزة الأمنية، لتدارس المشكلات الأمنية التي تهدّد سكّان المخيمات كما محيطها،
وكيفية تدارك تلك المخاطر، والإجراءات المطلوبة لتحقيق ذلك.
|
أما
المعركة الأخيرة، والتي تُعتبر الأخطر حتى الآن، من نواحٍ عدة، حتى تكاد
تجرّ إلى صراع بين المخيم ومحيطه كما حدث عام 2007 في مخيم نهر البارد شمال
لبنان |
أما السبب المباشر لهذا الاختلاف الظاهر في تقييم زيارة فرج، فهو الاقتتال غير
المعهود بحجمه وغَرَضه، في مخيم عين الحلوة، والذي يرمي كما بات واضحاً إلى تغيير
وجه المخيمات سياسياً، من خلال نزع سلاح الفصائل المتنوعة، وبسط سيطرة الشرطة
الفلسطينية حصراً في المخيمات، بالتعاون مع الطرف اللبناني الرسمي. لكن الرغبة شيء
والقدرة على تنفيذها شيء آخر.
اشتباك سياسي
إن الاشتباكات الأخيرة في عين الحلوة أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الاثني عشر
في لبنان، تختلف سياسياً عن المعارك القصيرة التي كانت تقع في السنوات الماضية،
نتيجة اغتيال فرد من تنظيم فلسطيني ما لمنافس لآخر، أي معارك ثأرية تنتهي إما
بتسليم القاتل أو القتلة إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، أو يُسمح للمتهمين
بالتواري عن الأنظار داخل الأزقة الضيقة للمخيم أو خارجه؛ إذ يبدو أن ما يحدث من
حراك متصاعد في الضفة الغربية، معقل السلطة الفلسطينية المهادِنة لإسرائيل، وتحوّل
الضفة تدريجياً إلى ساحة قتال مع الاحتلال، على غرار قطاع غزة، ينعكس توتراً في
مخيمات لبنان.
صحيح أن حركة حماس، لا تستنسخ في لبنان، ما فعلته منظمة التحرير الفلسطينية ما بين
عامي 1969 (تحويل جنوب لبنان إلى جبهة مفتوحة وفق اتفاق القاهرة بين لبنان والمنظمة
برعاية مصرية) و1982 (انسحاب القوات الفلسطينية من بيروت وفق الاتفاق المعقود بين
المنظمة وإسرائيل بوساطة الموفد الأمريكي فيليب حبيب). وهي بذلك، تنأى بنفسها، عن
كل الصراعات الداخلية بين الفصائل القديمة والمستجدة، كما تتجنّب مدّ الصراع
العسكري مع إسرائيل إلى جبهات أخرى، من دون التوافق مع حكومات البلدان التي يعيش
فيها لاجئون فلسطينيون.
لكن حركة حماس، لن تأسى إن فقدت حركة فتح، وتالياً منظمة التحرير الفلسطينية نفوذها
في لبنان، لاعتبارات سياسية وصراعية عدة، قد يكون أبرزها تحضير المخيمات في لبنان،
نفسياً وتنظيمياً، لخوض صراع شامل مع إسرائيل ضمن ما يسمى بوحدة الساحات، حين يحين
وقته، وقد لا يتأخر كثيراً، بالنظر إلى تنامي المقاومة الفلسطينية إجمالاً، من حيث
التنظيم والتسليح، ويشهد عليه ارتفاع مستوى الجاهزية العسكرية للفصائل لا سيما حماس
في قطاع غزة، معركة إثر أخرى.
"نهر بارد" جديد
أما المعركة الأخيرة، والتي تُعتبر الأخطر حتى الآن، من نواحٍ عدة، حتى تكاد تجرّ
إلى صراع بين المخيم ومحيطه كما حدث عام 2007 في مخيم نهر البارد شمال لبنان،
حين استولت مجموعة منشقة على حركة فتح – الانتفاضة تحمل اسم فتح الإسلام، على قواعد
عسكرية داخل المخيم، فأدّى ذلك لاحقاً إلى اندلاع صراع دموي مع الجيش اللبناني
انتهى بتدمير المخيم وتهجير سكانه. فما يحدث في عين الحلوة، لا ينحصر فقط في محاولة
حركة فتح حسم الصراع مع كل الجماعات الإسلامية (جند الشام والشباب المسلم؛ وهما
المتورطتان مباشرة في القتال. وعصبة الأنصار، والحركة الإسلامية المجاهدة؛ وهما
محايدتان) رداً على اغتيال قائد الأمن الوطني في عين الحلوة أبي أشرف محمد العرموشي
ومرافقيه الأربعة، بل يمتدّ لينال عمداً من مواقع الجيش اللبناني في محيط المخيم،
وربما تكون هذه محاولة لتوريطه في المعركة إلى جانب حركة فتح العاجزة عن إتمام
المهمة لوحدها، علماً أن السلطة الفلسطينية تسعى إلى ضبط السلاح داخل المخيمات،
وتعزيز القوات الفلسطينية المشتركة، ولا يتمّ ذلك من دون تصفية الجماعات المتطرفة
إسلامياً، بحسب التصنيفات السائدة محلياً.
ميزان القوى
قبل استخراج المعطيات عن ميزان القوى في المخيم، واستشراف إمكانية الحسم من عدمه،
لا بدّ من استذكار بعض الوقائع المفيدة:
أولاً، لم ينطلق القتال بسبب اغتيال قائد الأمن الوطني العميد العرموشي، بل كانت
الشرارة محاولة اغتيال أحد قادة جند الشام، محمود خليل الملقب بأبي قتادة، ثم اغتيل
العرموشي ومرافقوه حين كان يسعى للوساطة والتهدئة وتسليم القاتل وهو محسوب على حركة
فتح، إلى الأجهزة اللبنانية.
ومع سقوط العرموشي، تصاعد الموقف إلى درجة الدعوة صراحة إلى استئصال الإسلاميين في
عين الحلوة، وهو ما يؤدي إلى تكتل كل الجماعات الإسلامية صفاً واحداً ضد حركة فتح،
علماً أن جهات عدة في فتح وقفت على الحياد ولم تشارك في القتال، فزاد ضعف حركة فتح
في المخيم على الضعف المتطاول زمنياً للحركة الأم.
وبما أن كوادر فتح في المخيم وضعوا هدفاً غير ممكن تحقيقه بسهولة، فإنهم قد أسهموا
مباشرة في تلطيخ الحركة ومعها رموز السلطة الفلسطينية بالهزيمة العسكرية أمام
مجموعات فلسطينية محلية قد لا يعرف أسماءها كثير من اللبنانيين.
والحق أن الجماعات الإسلامية في عين الحلوة على تنوعها زاد نفوذها، ليس فقط لانشغال
حركة فتح بغنائم السلطة، وإهمال الشأن اليومي للاجئين البائسين، بل لأن السلطة
الفلسطينية متهمة بالتخاذل بل بالتعاون أمنياً مع الإسرائيليين. وهو ما يجعل
استئصال الإسلاميين حتى الأكثر تشدداً فيهم، مهمة صعبة للغاية، ولن تتحقق إلا بتدخل
من خارج المخيم، وعبر تدمير المخيم بكامله كما حدث لمخيمات أخرى في بيروت في القتال
بين حركة أمل والقوى الفلسطينية (1985-1988)، وفي نهر البارد عام 2007، بين حركة
فتح الإسلام والجيش اللبناني.
العجز عن حسم المعركة من جانب حركة فتح، يقابله عدم نية جند الشام أو الشباب المسلم
في حسم المعركة بمعنى إخراج حركة فتح من المخيم، وهو ما جعل المعركة هجومية من طرف
واحد تقريباً، ومدّ زمن القتال، ووسّع من حجم الأضرار المادية فضلاً عن القتلى من
الجانبين.
أما الخلاصة السياسية فلن تكون في مصلحة فتح التي تمثّل السلطة الفلسطينية، خصوصاً
وأن ممثليها في لبنان، قد فترت علاقاتهم مؤخراً مع الأجهزة اللبنانية، وساءت مع
لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، ومع وكالة الأونروا. وهذا يعني أن الخاسر الأكبر
هي السلطة الفلسطينية التي حاولت الإمساك بخيوط اللعبة في الضفة الغربية باعتقال
المقاومين للاحتلال، لا سيما في مخيم جنين، وتورطت أخيراً في محاولة الإمساك بأكبر
مخيمات لبنان، ضمن الاتجاه الأساسي، وهو حصر البندقية بيد الجهات الرسمية دون
سواها، أي وقف عمليات المقاومة من أي اتجاه، ومن أي نوع.