• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إقرار قانون الإصلاح القضائي في إسرائيل.. عواقب وتداعيات

بعد إقرار التعديلات يمكن للكنيست أن يبطل أي تشريع أو يقرّه بأغلبية بسيطة، وهو الأمر الذي أحدث شرخا عميقا في المجتمع الإسرائيلي، حيث قوبلت الإصلاحات القضائية باحتجاجات واسعة النطاق شملت جميع القطاعات بما فيها العسكرية والأمنية .. فإلى أين تقود تلك الاحتجاج


لا تزال الاحتجاجات الضخمة التي تهز إسرائيل بشأن الإصلاحات القضائية المقترحة من الحكومة الائتلافية، آخذةً في التصاعد، لا سيما بعد التصويت الذي جرى يوم الاثنين الماضي في الكنيست والذي يمثّل مرحلة أولى من إقرار حزمة الإصلاحات التي ستحد من سلطة المحكمة العليا في الكيان الصهيوني.

لقد شكّل التصويت الذي قاطعته المعارضة انتصارًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وشركائه من اليمين المتطرف والمتحفظين في الائتلاف الديني، كما شكّلَ أيضا هزيمة مريرة للمعارضة الإسرائيلية، وصدمة لغالبية الإسرائيليين الذين ـ وفقًا لمعظم استطلاعات الرأي ـ ضد هذه الإصلاحات.

 

الإصلاحات القضائية الأخيرة تسببت في توقيع العديد من جنود الاحتياط على عريضة تقول إنهم لن يخدم بالجيش في ظل حكومة تمضي قدمًا نحو إقرار هذه الإصلاحات، ولا شك أن هذا تطور خطير

طبيعة الإصلاحات القضائية

في كيانٍ لا يوجد فيه دستور رسمي ولا غرفة تشريعية عليا، قامت المحكمة العليا في إسرائيل منذ فترة طويلة بلعب دور المراقب لسلطة السلطة التشريعية، كانت هناك دعوات من حينٍ لآخر على مدار السنوات الماضية تطالب ببعض التحديث والتغييرات، لكن الأمر لم يتبلور بشكل واضح إلا بعد أقل من أسبوع من أداء ائتلاف نتنياهو الحاكم ـ وهو الائتلاف الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل ـ اليمين الدستورية، حيث أصرَّ نتنياهو على الدفع بتشريع ما أسماها بـ"الإصلاحات القضائية" والتي من شأنها أن تحد من سلطة القضاة، لكن النقاد يقولون إن نتنياهو وشركاءه مصممون على جعل المحكمة العليا تحت السيطرة المباشرة للسياسيين، فحتى اللحظة التي سبقت تصويت الكنيست الأخير كان للمحكمة العليا في إسرائيل سلطة إلغاء أي تشريع وإعادته مجددًا إلى المشرعين لمراجعته أو تعديله، لكن تصويت يوم الاثنين قد أفقد المحكمة العليا تلك السلطة، الآن يمكن للكنيست أن يبطل أي تشريع أو يقرّه ويوافق عليه بأغلبية بسيطة، أحد الجوانب الأكثر إثارة للجدل في الإصلاحات المقترحة هو وضع خطة لتغيير طريقة تعيين القضاة، ففي ظل النظام الحالي يتم تعيين القضاة من قبل لجنة مكونة من قضاة وسياسيين، لكن بعد الإصلاحات الجديدة فإن الحكومة ستمثّل الأغلبية في هذه اللجنة، مما يمنحها مزيدًا من السيطرة على من يتم تعيينه في هيئة المحكمة.

هناك تعديل آخر مثير للجدل يمنح الحكومة سلطة حل المحكمة العليا، وهذا من شأنه أن يسمح للحكومة بتعبئة المحكمة بشكل فعّال مع المعينين من قبلها، مما يقلل بشكل كبير من قدرتها على التحقق من سلطة الحكومة، يريد نتنياهو أن يمنح المشرعين المنتخبين مزيدًا من السلطة على المحاكم لا سيما في الوقت الذي يواجه فيه معارك قانونية مطولة، إذ يواجه تهمة الاحتيال وخيانة الأمانة وقبول رشاوي في ثلاث قضايا منفصلة، وبالرغم من أن الكثير من الإسرائيليين يخشون الانزلاق في هذا الاتجاه الذي قد يضرّ بديمقراطية إسرائيل، وذلك على اعتبار أن الهدف الحقيقي للحكومة الحالية من وراء هذه الإصلاحات هو التمسك بالسلطة، إلا أن الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو يخطط في وقت لاحق من هذا العام لتحقيق مزيد من التشريعات لتسييس تعيين القضاة، حتى تتمكن الحكومة من اختيار من يجلس على منصة القضاء، كما يسعى إلى الحد من تأثير المستشارين القانونيين في الحكومة جزئيًا من خلال جعلهم تحت المحاسبة أمام المسؤولين المنتخبين بدلًا من وزارة العدل، والتي تعدّ وزارة غير سياسية في الكيان الصهيوني.

تداعيات وتوابع

قوبلت الإصلاحات القضائية المقترحة من قبل حكومة نتنياهو منذ عدة أشهر باحتجاجات واسعة النطاق من الإسرائيليين عبر الطيف السياسي، يجادل النقاد بأن الإصلاحات ستقوض استقلال القضاء وتجعل من الصعب على المحكمة العليا حماية حقوق الإسرائيليين، كما يجادلون بأن الإصلاحات ستكون خطوة نحو الاستبداد، مما يمنح الحكومة الكثير من السلطة ويجعلها أقل مساءلةً، ويمكن تلخيص أبرز التداعيات التي ستحدثها هذه الإصلاحات في الآتي:

1ـ تقويض الديمقراطية

على مدى عقود، دأبت إسرائيل على وصف نفسها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لكن الإصلاحات القضائية الجديدة تشكّل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية الإسرائيلية، لأنه إذا تم تنفيذها فإنها ستمنح الحكومة الكثير من السلطة دون قدرٍ كافٍ من المساءلة، بالرغم من ذلك فإن نتنياهو قد وصف مشروع القانون الذي تم إقراره قبل أيام قليلة بأنه "خطوة ديمقراطية مطلوبة".

2ـ التأثير الاقتصادي

حتى من قبل إقرار الإصلاحات؛ تضرر الاقتصاد الإسرائيلي تحسبًا لمزيد من الاحتجاجات واحتمال انتشار عدم الاستقرار على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال في يوليو انخفض تمويل الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا الذي يعدّ مزدهرًا في إسرائيل بنسبة 70٪ تقريبًا في النصف الأول من عام 2023 وذلك منذ الإعلان عن مقترحات الإصلاحات القضائية لأول مرة، وبعد التصويت مباشرةً هبطت البورصة الإسرائيلية كما انخفضت قيمة الشيكل، كما أن التأثير الاقتصادي السلبي كان مرئيًا في العديد من القطاعات الأخرى.

زعزعة جيش الاحتلال

تعتمد إسرائيل كثيرًا على جيشها، الذي تصفه بأنه الأكثر تطورًا في المنطقة، ويُلاحظ أن جزءًا من القوة الكامنة لهذا الجيش هي في وجود الآلاف من جنود الاحتياط لديه، بَيْد أن الإصلاحات القضائية الأخيرة تسببت في توقيع العديد من جنود الاحتياط على عريضة تقول إنهم لن يخدم بالجيش في ظل حكومة تمضي قدمًا نحو إقرار هذه الإصلاحات، ولا شك أن هذا تطور خطير، خاصةً إذا استمر جنود الاحتياط في تهديدهم فمن الممكن أن نرى المزيد من الوحدات العسكرية تعلن عصيانها أيضا، وهو ما يقود إلى تفكك الجيش الإسرائيلي أو على الأقل انهيار الثقة بالقادة والمستوى السياسي الأعلى.

4ـ إضعاف سيادة القانون

المحكمة العليا هي أعلى محكمة في إسرائيل وهي مسؤولة عن دعم سيادة القانون، لكن إذا كانت الحكومة قادرة على تعبئة المحكمة بأشخاص معينين من قبلها، فستكون قادرة على السيطرة على المحكمة العليا، إلى جانب استخدام المحاكم لإسكات منتقديها وتعزيز مصالحها الخاصة، ستكون هذه ضربة خطيرة لسيادة القانون في الكيان الصهيوني، ناهيك عن تراجع الاستقلال القضائي.

5ـ تصاعد الفساد الحكومي

إذا لم تخضع الحكومة للمساءلة من قبل المحاكم، فمن المرجح أن يتورط أعضاؤها في الفساد بشكل كبير، وبلا شك فإن معظمهم مهيأ لذلك وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو الذي يواجه بالفعل الآن تهم فساد.

6ـ إضعاف مكانة إسرائيل الدولية

هناك نظرة غربية إلى النظام القضائي الإسرائيلي على أنه نموذج للدول الأخرى، لكن تدخل الحكومة في عمل القضاء قد يضر بسمعة إسرائيل ويجعل من الصعب عليها تأمين التعاون الدولي في هذا المجال، وقد أعربت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة الكونجرس الديمقراطيون مرارًا عن مخاوفهم بشأن خطة نتنياهو ودعوه إلى السعي إلى حل وسط.

7ـ تأثر فلسطيني الضفة المحتلة

خطة نتنياهو للإصلاح القضائي ستكون لها تداعياتها الكبيرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة أيضا، إذ كانت المحكمة الإسرائيلية العليا هي المؤسسة الوحيدة التي يمكن للفلسطينيين في الضفة الغربية الذهاب إليها للدفاع عن حقوقهم، ولا سيما فيما يتعلق بالنزاعات على الأراضي مع المستوطنين الإسرائيليين، لكنهم بعد اليوم سيفقدون هذا الحق.

 

يُذكر أنه عندما تم تقديم خطة الإصلاحات القضائية في البداية في يناير الماضي، حذرت رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية إستر حايوت من أن هذه التغييرات المقترحة "تهدف إلى سحق القضاء المستقل، وإذا تم تنفيذها فإنها ستوجه ضربة قاتلة لديمقراطية إسرائيل"

 أمام مفترق طرق

دافع نتنياهو عن الإصلاحات القضائية بحجة أنها ضرورية لتحسين كفاءة القضاء وجعله أكثر استجابة لاحتياجات الناس، ومع ذلك يجادل منتقدوه بأن الإصلاحات ليست أكثر من انتزاع للسلطة من قبل رئيس وزراء حالي يواجه عددًا من التحديات القانونية، قد يكون من السابق لأوانه الحديث عما هو قادم، خاصةً مع بدء موعد عطلة المشرعين في نهاية شهر يوليو، وتلميح نتنياهو في السابق إلى عدم وجود مساحة لأي نقاش حول التسوية مع خصومه السياسيين، لذا فإنه في هذا الانقسام الموجود في السياسة الإسرائيلية فإن الاحتجاجات العامة مرشحة للتزايد، في هذا الإطار حثَّ البيت الأبيض وحلفاء إسرائيل الكبار الآخرون، نتنياهو وحكومته، على تحقيق نوع من التسوية مع المعارضة من أجل تهدئة الشارع، خرج نتنياهو معلنًا أنه يريد إعطاء 4 أشهر لمزيد من المفاوضات حول الجوانب الأخرى للإصلاحات القضائية قبل إقرار المزيد منها، لكن زعيم المعارضة يائير لابيد ووزير الدفاع السابق بيني غانتس أوضحا بالفعل أنهما غير مهتمين بالتفاوض أو الجلوس مع نتنياهو، وهو ما يعني أن المدى القريب لن يحمل أي مفاوضات حقيقية وستتواصل التظاهرات.

تقف إسرائيل الآن عند مفترق طرق محفوف بالمخاطر، ومن الصعب أن نقول على وجه اليقين ما الذي سيحدث إذا استمرت احتجاجات الشوارع الإسرائيلية ضد الإصلاحات القضائية.

لا حلول في الأفق

بعد دقائق من تصويت الكنيست على مشروع قانون الإصلاح القضائي الأول، أعلن الهستدروت، النقابة العمالية الرئيسية في إسرائيل، عن بدء عملية الإضراب العام في إسرائيل والتي قد تستغرق بضعة أيام، كما أعلنت نقابة العاملين في المجال الطبي عن إضراب عام لمدة 24 ساعة في جميع المؤسسات الطبية بالمستشفيات في الأراضي المحتلة، فيما تقدمت منظمة غير حكومية مؤيدة للديمقراطية باستئناف أمام المحكمة العليا ضد القانون الجديد، ومن المتوقع أن يكون لتصويت الكنيست على التعديلات القضائية تأثير كبير على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل، ومن المرجح أن تستمر الاحتجاجات من الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية والنقابات المهنية والجمعيات المدنية حول هذا القانون في الأسابيع والأشهر المقبلة.

يُذكر أنه عندما تم تقديم خطة الإصلاحات القضائية في البداية في يناير الماضي، حذرت رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية إستر حايوت من أن هذه التغييرات المقترحة "تهدف إلى سحق القضاء المستقل، وإذا تم تنفيذها فإنها ستوجه ضربة قاتلة لديمقراطية إسرائيل"، وإبان التصويت في الكنيست؛ قاطعت المعارضة التصويت النهائي على مشروع القانون الأول، والذي تم تمريره في أكثر صوره تطرفًا، وانتقدت المعارضة الإصلاحات ووصفتها بأنها "انقلاب دستوري" وحذرت من أنها تهدد بتمزيق المجتمع الإسرائيلي، وفي ظل هذا الوضع فإن الاحتجاجات ستستمر في الزيادة من حيث الحجم والشدة، مما يؤدي إلى أزمة سياسية أكثر خطورة قد تقود في النهاية إلى انهيار حكومة نتنياهو، حيث سيكون من الصعب على الحكومة أن تحكم في بلد منقسم بشدة، لا سيما وأن حكومة نتنياهو تواجه بالفعل عددًا من التحديات الصعبة، وهنا رأي متفائل يقول إنه من الممكن أن تهدأ هذه الاحتجاجات في النهاية، حيث يفقد الجمهور الاهتمام بهذه القضية، لكن هذا الأمر يبدو هذا غير مرجح، لأن الاحتجاجات مستمرة منذ عدة أشهر وليس هناك ما يشير إلى انحسارها.

داخل حكومة نتنياهو، يضغط مناصرو إصلاح القضاء الآن للاستفادة من نجاحهم الأخير من أجل تنفيذ عناصر إضافية من أجندتهم دون تأخير، قد يتعارض إطارهم الزمني المتسارع بشكل مباشر مع الموقف المعلن من قِبَل نتنياهو، خاصةً وأنه قد أخبر الإسرائيليين ـ وإدارة بايدن أيضًا ـ أنه يعتزم إبطاء وتيرة تطبيق الإصلاحات والعمل على الوصول إلى دعم شعبي واسع للمراحل اللاحقة من خطته الإصلاحية، لكنه نتنياهو يصطدم الآن مع شهوات أعضاء ائتلافه الطامعين في مزيدٍ من المكاسب السريعة، سيتعيّن عليه أن يقرر ما إذا كان مستعدًا لفرض قيود على مطالبهم مع التكلفة المحتملة لفقدان رئاسته للوزراء، أو الانصياع لهم راضخًا دون صدام.

 

أعلى