• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل يشكل ترشح كمال أوغلو تهديدًا لحظوظ اردوغان الرئاسية؟

ومما يعزز كذلك من حظوظ المرشح كمال أوغلو معارضته الشديدة لسياسة أردوغان وتوجهات حزب العدالة والتنمية الحاكم التي تتقاطع مع القيم الدينية، بينما يعد هو من أكبر المدافعين عن القيم العلمانية لتركيا وإرث أتاتورك


سنوات ممتدة من العمل السياسي العام لم تسفر عن شيء كبير يحسب لهذا السياسي المخضرم، الذي تمكن على مستوى الممارسة الحزبية من الصعود سريعًا إلى رئاسة أقدم الأحزاب التركية، وباتت تراوده أحلام رئاسة البلد، والفوز في الانتخابات التي باتت على مرمى البصر.

 إنه كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، ومرشح المعارضة الرئيس في انتخابات العام 2023، ومنافس زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان.

البداية كانت في عام 1948م، حيث ولد كمال أوغلو في قرية باليجا التابعة لقضاء نظامية في ولاية تونجلي، حيث أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي، وتخرج من مدرسة إيلازيغ الثانوية التجارية، ثم التحق بمعهد أنقرة للعلوم الاقتصادية والتجارية.

وبعد هذه الرحلة العلمية، التي احتضنته فيها أسرته العلوية المذهب، بدأ حياته المهنية في وزارة المالية بعد أن اجتاز امتحان اخصائي الحسابات عام 1971م، وأكمل مسيرته المهنية كمدير عام للتأمينات الاجتماعية، وتقاعد منها عام 1999م بصورة طوعية.

وبعد هذه الفترة الخاملة من حياته العلمية والمهنية، بدأ النشاط يدب في أوصاله السياسية، حيث انضم عام 2002م إلى حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة العلماني الرئيس، الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط، والذي يعود تأسيسه إلى مصطفى كمال أتاتورك.

 خاض كمال أوغلو انتخابات البرلمان التركي في نوفمبر عام 2002، ودخل البرلمان كنائب عن إسطنبول، وكرر التجربة في أغسطس عام 2007، وحينها فاز أيضًا بعضوية البرلمان عن الدائرة الثانية في إسطنبول، وأصبح نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزبه.

لكن خيبة أمل كبيرة انتظرته حينما أقدم على مغامرة سياسية كبيرة، حينما ترشح لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى في الانتخابات المحلية التي أجريت في مارس عام 2009، حيث نال 37 بالمائة فقط من الأصوات، وخسر المنصب لصالح مرشح حزب العدالة والتنمية قادر توباش.

هذا الانتكاسة الانتخابية عوضها كمال أوغلو سريعًا بانتصار حزبي في العام 2010، حيث تهيئت له الظروف السياسية وترشح لرئاسة حزب الشعب الجمهوري، بعد استقالة سلفه دينيز بايكال، ولكي يصبح المرشح رسميًا، تتطلب اللوائح الداخلية للحزب دعم 20٪ من مندوبي المؤتمر، وتلقى ترشيح كمال أوغلو توقيعات من 1246 من أصل 1250 مندوبًا، وهو ما يمثل رقمًا قياسيًا جديدًا للحزب، وكما هو متوقع، تم انتخابه رئيسًا للحزب بأغلبية كاسحة.

وتولى من بعد ذلك منصب زعيم المعارضة في 22 مايو 2010 بحكم قيادته ثاني أكبر حزب سياسي في الجمعية الوطنية الكبرى، وكقائد للمعارضة الرئيسة، كانت استراتيجية كمال أوغلو تتمثل في بناء تحالفات كبيرة مع الأحزاب الأخرى، وهو ما بدا في مساره السياسي كاملاً.

وتوقع العديد من السياسيين أن يبث كمال أوغلو حياة جديدة في حزب الشعب الجمهوري بعد الهزائم الانتخابية المتتالية تحت قيادة بايكال، فكانت الانتخابات العامة الأولى له في عام 2011، وحصل حينها على 25.98% من الأصوات، وتمثل في البرلمان بـ 135 عضوًا.

وفي 2015، حصل الحزب على نسبة 24.95٪، وانتهى بـ 132 عضوًا منتخبًا في البرلمان، ويُعزى الانخفاض بنسبة 1.03٪ مقارنة بنتائج 2011 إلى تصويت ناخبي حزب الشعب الجمهوري تكتيكيًا لحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) لضمان تجاوزهم لعتبة الانتخابات البالغة 10٪.

وفي انتخابات 2018، أسس كمال أوغلو، كزعيم لحزب الشعب الجمهوري، وزعيم حزب إياي بارتي ميرال أكشنر "تحالف الأمة" كتحالف انتخابي ثم انضم اليهما حزب السعادة وحزب الديموقراطيين، ردًا على "تحالف الشعب" الذي ضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وحينها تم الإعلان رسمياً عن محرم إينجه كمرشح رئاسي لحزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، وجاء في المرتبة الثانية بنسبة 30.79بالمائة بعد الفائز رجب طيب أردوغان الذي حصد 52.38 بالمائة من الأصوات.

وفي عام 2019 ، واصل كمال أوغلو وميرال أكشنر تعاون حزبيهما في الانتخابات البلدية، واستولوا على رئاسة بلدية إسطنبول وأنقرة من حزب العدالة والتنمية بعد ربع قرن من سيطرة العدالة والتنمية.

وبذلك نصل إلى المحطة التي تبدو أنها الأخيرة من حياته السياسية في عام 2023، حيث أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية التركية التي ستجرى في 14 مايو، وهي معركته الأولى في السباق الرئاسي ضد الرئيس الحالي زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان الذي يحكم البلاد منذ عام 2002م.

كعادته في بناء التحالفات دخل زعيم الحزب الشعب الجمهوري في تحالف سداسي يضم كذلك حزب الديمقراطية والتقدم بقيادة علي باباجان، والحزب الديمقراطي بقيادة جولتكين أويسال، وحزب السعادة بقيادة تميل كارامولا أوغلو، وحزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو، وحزب الخير بقيادة ميرال أكشينير.

وحزب الخير هو ثاني أكبر حزب في التكتل المعارض، وكانت رئيسته، ميرال أكشينير، قد أعلنت، رفضها اختيار كمال أوغلو، كمرشح لانتخابات الرئاسة، واقترحت اختيار واحد من بين معارضين اثنين؛ هما منصور يافاش، عمدة العاصمة أنقرة، وعمدة مدينة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، وتمسكت بهذه الاختيار، لأنها تعتبرهما الأوفر حظا للفوز مقارنة بكمال أوغلو.

وبعد مفاوضات مارثونية، أُعلن عن كمال أوغلو كمرشح رئيسي للتحالف الذي يضم حزبين جديدين بقيادة رموز سابقة في حزب العدالة والتنمية وهما: أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق، وعلي باباجان الذي تولى حقائب الخارجية والاقتصاد في حكومات العدالة والتنمية، كما يضم أيضًا حزب الجيد المنشق عن حزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية، في مواجهة تحالف الشعب، الذي يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية، والذي أعلن أن مرشحه الموحد لخوض الانتخابات هو الرئيس رجب طيب أردوغان.

هذا الصدام المرتقب بين كمال أوغلو ورجب أردوغان، يجعل من انتخابات 2023 انتخابات استثنائية في تاريخ تركيا، لاعتبارات متعددة؛ في مقدمتها أنها الانتخابات الرئاسية التي تشهد تحالفًا واسعًا من المعارضة يضم بين جنباته بعض خبراء العدالة والتنمية السابقين والذي يفهمون جيدًا تكتيكات الحزب الانتخابية، وسيلقون بثقلهم كله لنجاح مرشحهم الرئاسي، الذي يعد رافعة سياسية لهم ولطموحاتهم المستقبلية.

والاعتبار الثاني، أن المشهد الانتخابي يأتي على خلفية أزمات اقتصادية خلفتها الانخفاضات المتوالية في الليرة التركية، وشدت من أزرها كارثة الزلزال الذي خلف آلاف القتلى والجرحى، والتي ألقيت فيها التبعة على حزب العدالة والتنمية الذي كان يدخل الانتخابات السابقة بنجاحات مشهودة على الصعيدين الاقتصادي والمجتمعي.

والاعتبار الثالث، أن هذه الانتخابات هي الأخيرة في العمر السياسي لزعيم العدالة والتنمية رجب أردوغان بعد عقدين أمضاهما في السلطة، لم يعرف فيهما مرارة الهزيمة، واستطاع أن يغير كثيرًا في ملامح المشهد السياسي التركي، ويخشى على إرثه ومكتسباته من الذوبان في طوفان المعارضة الطامحة بقوة للسلطة.  

ومن رحم هذه الاعتبارات كلها يأتي السؤال: ما حظوظ زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال أوغلو في إزاحة حزب العدالة والتنمية من منصة الرئاسة، وهو الذي لم يحقق اختراقات سياسية كبيرة في الساحة التركية، منذ أن عرفت خطواته طريق السياسية.

تشير بعض استطلاعات الراي إلى حظوظ نسبية لكمال أوغلو، فالاستطلاع الذي أجرته شركة أبحاث "أوراسيا" في 10 فبراير2023م، ذكر أنه لأول مرة انخفض معدل التصويت لحزب العدالة والتنمية إلى أقل من 30 بالمائة. وإضافة إلى ذلك- وفقاً للاستطلاع- فقد تقهقر الحزب الحاكم إلى موقع الحزب الثاني بعد حزب الشعب الجمهوري للمرة الأولى.

وإضافة إلى ذلك، فإن أول عقدين من حكم أردوغان اتسما بارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، لكن السنوات الماضية شهدت تراجعًا في الازدهار، ومرد ذلك سياسات الرئيس الداعية إلى تطبيق أسعار فائدة منخفضة أدت إلى ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له في 24 عامًا، ليصل إلى 85بالمئة العام 2022، كما انخفضت الليرة التركية إلى عُشر قيمتها مقابل الدولار خلال العقد الماضي، وهو ما يعني أن بعض الناخبين ربما يسعون إلى التصويت العقابي ضد اردوغان وهو ما يصب في مصلحة المرشح كمال أوغلو.

ومما يعزز كذلك من حظوظ المرشح كمال أوغلو معارضته الشديدة لسياسة أردوغان وتوجهات حزب العدالة والتنمية الحاكم التي تتقاطع مع القيم الدينية، بينما يعد هو من أكبر المدافعين عن القيم العلمانية لتركيا وإرث أتاتورك، ووسّع من جاذبية الحزب بهذا الاعتبار من خلال احتضان جماعات الأقليات وشكل تحالفات مع أحزاب يمينية، واعلان رغبته في وضع دستور جديد يعيد النظام البرلماني وينهي حقبة النظام الرئاسي، وهو توجه يلقى دعمًا كبيرًا من كافة أحزاب المعارضة.

ويضاف إلى ما سبق أيضًا، لعبه على وتر قومي بتصريحاته عن حتمية ترحيل اللاجئين السوريين من بلاده، لتخفيف الضغوط الاقتصادية على المواطنين الأتراك، ومعارضته التدخل التركي في الشؤون السورية، ورغبته في عودة العلاقات مع الحكومة السورية إذا وصل الى القصر الرئاسي.

لكن الأمور لا تبدو أنها تسير في هذا الاتجاه الذي يعزز من حظوظ المرشح كمال أوغلو، إذ أن الغرس الذي زرعه أردوغان وحزبه طيلة السنوات السابقة ليس هشًا إلى هذه الدرجة، وليس نبتًا تذروه الرياح الخفيفة.

 فللحزب قاعدة أيدلوجية داعمه له في كل الأحوال، بغض النظر عن الظرف الاقتصادي، وتبعات المشكلات الاجتماعية التي خلفها الزلزال، وهي قاعدة كانت رافعة قوية للحزب في كل الانتخابات السابقة التي غيرت تمامًا المشهد السياسي، وهي ذاتها التي وقفت صدًا منيعًا ضد الانقلاب الدموي في 15 يوليو من عام 2016.

أضف إلى ذلك أن أردوغان وحزبه، يدركان جيدًا حجم ونوعية المشكلات التي تؤثر في قاعدتهم الانتخابية، ويسعيان إلى ترميم الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية قبيل الانتخابات، وهو ما قد يعزز من فرصة أردوغان من الاستمرار في سدة الحكم.

فقد أعلن أردوغان عن مضاعفة الحد الأدنى للأجور ضمن حزمة من الإجراءات التي ستسمح أيضًا لأكثر من مليوني عامل بالتقاعد مبكرًا، وبالتوازي مع ذلك، تضاعف الحكومة جهودها لتحييد ملف اللاجئين السوريين من الدعاية الانتخابية من خلال إطلاق مشروع لتسريع العودة الطوعية، عبر بناء أكثر من 200 ألف وحدة سكنية في الشمال السوري وتقديم مزايا للسوريين العائدين إليها.

 كما طرح أردوغان إمكانية عقد قمة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهي خطوة أولى محتملة في المناقشات حول مستقبل اللاجئين، وحقق أردوغان خرقا ملفتًا، كذلك، في سياسته الخارجية مع نجاحه في تصفير الأزمات الخارجية مع مصر والسعودية والإمارات، فضلاً عما حققه من مكانة دولية لتركيا في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا واتفاقية تصدير الحبوب.

ومما يضعف كذلك من حظوظ كمال أوغلو ويصب في مصلحة أردوغان؛ الاضطرابات التي تصيب صفوف المعارضة وتطعن في تحالف الأمة المعارض واتفاقهم على مرشح واحد للمعارضة، حيث أعلن رئيس حزب الوطن المعارض، محرم إنجه، ترشحه للرئاسة، ورفض بصورة قاطعة مطالبته بالانسحاب، في خطوة وصفها مناصرو المعارضة بأنها طعنة في الظهر من رفيقهم السابق الذي انشق عن حزب الشعب الجمهوري، وأسس حزب المملكة عام 2021، وهو الأمر الذي من شأنه أن يشتت أصوات المعارضين.

وفي الأخير، فإنه يُنظر إلى زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال أوغلو، على أنه منافس من النوع "الضعيف"، حيث أخفق عدة مرات في تحقيق طفرة سياسية في الانتخابات الوطنية، ولا يملك روشتة سياسية خاصة، بل يلعب على عكس توجهات حزب العدالة والتنمية، في مواجهة خصم كاريزمي عنيد بحجم أروغان الذي يحاول أن يحافظ على تاريخه، ومستقبله، لكنه هو أيضًا ليس في مأمن من معارضة زادت من حجم تعاونها، وتسعى، وكأنها الفرصة أخيرة، لدفع مرشحها إلى قصر الرئاسة، في أجواء ورياح لا تبدو مواتية له ولحزبه.

 

 

أعلى