الحب في مفهومه البسيط هو تعلّق قلب طرف بطرف آخر. وهذا معنى يتمتع بقدر من الثبات ما لم يتحول إلى شعور آخر (بغض أو كراهية) بفعل مدخلات معينة مسؤولة عن هذا التحول. أما مظاهر التعبير عن هذه العلاقة التعلُّقية، فهي متطورة ومتغيرة وليست ثابتة
يلاحَظ بوضوح الاختفاء التدريجي للتعبير عن المحبة والود بين الأزواج بمرور الزمن،
فالمشاعر والأشعار التي كانت تزخر بها البدايات والأشهر الأولى من الزواج صارت تقل
حدّتها شيئًا فشيئًا مع مرور الأيام، وربما تضمحل أو تختفي كليًا، وهذا يسبب لدى
الكثير من المتزوجين -وخاصة لدى الزوجات- حالة من الارتباك، ويثير لديهن الشعور
بتقلص مساحات المحبة بينها وبين زوجها.
فهل هذا فعلاً مظهر من مظاهر موت الرومانسية بين الطرفين؟ وهل يمكننا الحكم على
الزواج في هذه المرحلة بأنه فشل أو في انتظار من يطلق عليه رصاصة الرحمة؟
التعبير عن الحب متطور وغير ثابت:
الحب في مفهومه البسيط هو تعلّق قلب طرف بطرف آخر. وهذا معنى يتمتع بقدر من الثبات
ما لم يتحول إلى شعور آخر (بغض أو كراهية) بفعل مدخلات معينة مسؤولة عن هذا التحول.
أما مظاهر التعبير عن هذه العلاقة التعلُّقية، فهي متطورة ومتغيرة وليست ثابتة،
تتطور بمرور الأيام وتغير الظروف، وتختلف طرق التعبير عنها باختلاف المواقف
والمراحل التي يمرّ بها الزوجان، والتزام البعض بصورة واحدة من صور التعبير عن الحب
(الصورة الشفوية) يعد قصورًا ونقصًا، لا مظهرًا من مظاهر الكمال كما يعتقد البعض.
|
الرومانسية،
شأنها شأن الكثير من المفاهيم، سقطت هي الأخرى في فخ التنميط الإعلامي
والدرامي الذي أنتجته المادية الغربية، الذي قصرها على صورة واحدة هي
الصورة الكلامية والزهور واللون الوردي |
في فترة البدايات ومراحل الأولى ينهمك الطرفان ويغرقان في الكلام المعسول، متجاهلين
-أو مجبرين بحكم الظروف والوضع القائم- على تجاهل وسائل التعبير الأخرى عن المحبة.
وهذا له إيجابيات من جانب، وله سلبيات أيضًا من جانب آخر.
فمن سلبياته أنه يرسم صورة ذهنية مشوشة عن الحب، باعتباره كلاما شاعريًا فقط لا
غير، وهذا يتجاهل المظاهر الأخرى التي ربما تكون أكبر وأعمق أثرًا بكثير وأعظم من
مجرد كلام.
كثير من المتزوجين -الزوجات بالذات- تتحجر تصوراتهن عند هذه النقطة، لأنهن يفتقدن
الأحاسيس التي كانت تسكنهن في هذه المراحل الأولى من الارتباط. أما الرجل في
المراحل التي بعد ذلك فيكون قد تخطى هذا المظهر أو لم يعد يعره اهتمامًا بسبب
طبيعته النفسية من جانب، وأيضًا بسبب التعود وضغط الحياة وصعوبة الظروف والانشغال
الـمُنسي من جانب آخر، إلا أن المرأة قد لا تتخطى ذلك، وتتشبث به أيما تشبث، مفترضة
أن هذا فقط هو الحب، وأن هذه فقط هي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المحبة والرومانسية
ولا وسيلة سواها، بل لا تكاد الزوجة تلاحظ أيًا من المظاهر والوسائل الأخرى مادامت
تفتقد لهذا المظهر. وهذا أحد مظاهر الخلل في تصور الحب وأشكاله وعلاماته.
الرومانسية الحالمة والوقوع في فخ التنميط الإعلامي:
الرومانسية، شأنها شأن الكثير من المفاهيم، سقطت هي الأخرى في فخ التنميط الإعلامي
والدرامي الذي أنتجته المادية الغربية، الذي قصرها على صورة واحدة هي الصورة
الكلامية والزهور واللون الوردي،
فالتركيز على هذا النمط كان مبالغًا فيه إلى حد كبير. فلم تزل الدراما تكرر صورة
البطل الساحر المتصف بصفات الكمال الرومانسي (الجمال الشكلي - الإسهاب الكلامي)،
على الرغم من أن الوسامة الشكلية مثلاً لم تكن -تاريخيًا- مطلبًا أساسيًا لدى
المرأة، بل كان النمط المسؤول هو السائد في تطلعات النساء، وهذا أوقع وأنسب للفطرة
الإنسانية لدى المرأة، لكن التنميط الإعلامي والمادي جعل هاتين الصفتين مطلبين
ووسيلتين من وسائل تفاخر المرأة بالفوز بزوج بهذه المواصفات.
|
من المهم من حين لآخر أن يراعي الرجل هذه الفطرة والجبلّة لدى زوجته ويروي
ظمأ هذا الاحتياج النفسي الطبيعي. والمرأة كذلك عليها -وهي مجموعة من
العواطف الحيّة- أن تقدم جانبًا مما لديها من عواطف |
لذا نلاحظ أن الفتيات البعيدات عن مشاهدة الدراما -العربية على وجه الخصوص- لسن
متأثرات بهذه العقدة التنميطية بالدرجة نفسها، بل ربما يكنَّ أسلم فطرةً من غيرهن
من المتابعات لها.
الصورة النمطية مطلوبة لكنها ليست كل شيء:
النفس البشرية مجبولة على الميل إلى من يمدحها ويبث لها عواطف المودة والمحبة، خاصة
المرأة التي اكتملت في حقها العاطفة حتى وصلت للذروة، بعكس الرجل، لذا كان
من المهم من حين لآخر أن يراعي الرجل هذه الفطرة والجبلّة لدى زوجته ويروي ظمأ هذا
الاحتياج النفسي الطبيعي. والمرأة كذلك عليها -وهي مجموعة من العواطف الحيّة- أن
تقدم جانبًا مما لديها من عواطف
لتحرك الصخرة المتيبسة في زوجها لتحصل على الإشباع عن طريق الإرسال من جانب
والاستقبال من جانب آخر. فالإرسال أيضًا أحد الوسائل المنسيَّة والمهمَلة.
إلا أنه في المقابل على الطرفين أن يدركا أن هذا ليس كل شيء في الحياة العاطفية،
فكثير من الأحداث الاعتيادية اليومية التي ألِفها الطرفان هي نوع عظيم من
الرومانسية، ومظهر من مظاهر التعبير عن الحب، لكن لأنها متكررة بصورة يومية، وبعيدة
عن التصور المثالي الذي يشغل الصورة الذهنية؛ قد لا يلاحظها أي منهما إلا حين
يفقدها، وكثير من المطلقين والمطلقات والأرامل والمغتربين عن زوجاتهم لسبب أو لآخر
تمكنوا من الوصول لهذه الحقيقة لكن بعد فوات أوان إدراكها.
الرعاية مظهر كبير من مظاهر الحب والرومانسية:
الشعور بالمسؤولية وتلمّس الاحتياجات المادية لدى الطرفين هو مظهر كبير من مظاهر
التعبير عن الحب، فهل يمكننا تلمس نوع من الحب أكبر من تفاني زوجة في منزلها
وتقديمها لأنواع الرعاية للزوج والأبناء والأسرة؟! هذه الريحانة التي تذبل بمرور
الوقت في سبيل إعداد المطعم والسكن الدافئ للعائلة!! فأي رومانسية أعظم من هذا!!
الطاعة وحسن التبعل ومراعاة الضغوط النفسية والمادية للزوج.. هل من تعبير عن الحب
أكبر من هذا؟! الموازنة بين عملها ووظيفتها -إن كانت عاملة- ومسؤولياتها المنزلية
بحب وتفانٍ.. هل من حبٍّ أعمق من هذا؟!
قيام الزوج على شؤون الأسرة، وانكبابه على العمل في الظروف الاقتصادية الحالية
الصعبة أو حتى غيرها من الظروف، وتوفير احتياجات أفراد الأسرة من مأكل ومشرب وملبس
وتعليم وغيرها من الاحتياجات.. التغاضي عن الحقوق طواعيةً وبطيب خاطر للطرف الآخر
أحياناً.. المشاركة الوجدانية حال الفرح والحزن.. أليست هذه رومانسية تضاهي
رومانسيات القصص والروايات الخيالية؟!
طبخة دافئة في ليلة باردة.. اجتماع الأسرة في نزهة لطيفة في صباح مشمس.. زرع قيمة
أو مبدأ في عقل طفل.. رتق جورب مثقوب.. المساعدة في إنهاء فروض المدارس اليومية..
كوب شاي ساخن لزوجة منهكة.. غزل قفازات صوفية للبرد.. تبادل الأدوار في حال التعب..
إبعاد ضوضاء الأطفال عن غرفة المتعَبين.. الانسحاب الهادئ من نقاش محتدم -غضِب فيه
أحد الطرفين- حرصًا على سلامة العلاقة.. شعور الامتنان المتبادل عن الإرهاق البدني
والنفسي من أحد الطرفين للآخر؛ كل هذا رومانسية واقعية تكافئ الرومانسيات الخيالية
التي خرّبت الواقع ونمّطت العلاقات وألزمتها وتيرة واحدة.
الوظائف اليومية التي يقوم بها كل طرف في الأسرة بطيب نفس ورغبة شخصية تجاه الطرف
الآخر هي نوع عظيم من أنواع الرومانسية المنسيّة التي جحدها الإنسان المعاصر،
وتغافل عنها الطرفان حتى فقدت قيمتها الحقيقية على حساب تطلعات شفوية ربما تكون
خاوية المعنى، رغم أن هذه الوظائف التي ينفر منها البعض هي الضمان الأكبر لاستمرار
أي علاقة زوجية سوية.